خُطبتا صلاة الجُمُعة في 2 أيّار 2014م

أُضيف بتاريخ الجمعة, 03/04/2015 - 07:30
(فيديو + مُلَخّص عن خطبتيّ صلاة الجمعة في 2 أيّار 2014م)

  موضوع الخطبتين:
- عن التقوى وكيف أنّها لا تصحّ إلاّ بحفظ اللسان وترك الغِيبة و النميمة..
- وعن من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو فليصمت لأنه سيُحاسب على الكلام الذي يتكلم به..
- وعن قول العلّامة في هذا الإضطراب وهذه الفوضى.
- وعن التهمة بـ (التشيّع) التي يُلقيها البعض على من يريد أن ينتقم منه، والرد على مُطلقيها.
 

 


  قوله تعالى: ﴿ الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ ۚفَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَىٰ وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ ﴾ [البقرة\197]
  التقوى التي أمر الله سبحانه وتعالى بها.. علقت هذه الكلمة على ألسنتنا وظنّ بعضهم أنّ هذه الكلمة تُغنيه إذا قال (أنا ممّن يتّقي) أنّها تتركه بما هو عليه حتّى أنّه يكتفي بها ولا يحتاج معها إلى عمل!
التقوى التي أمر الله عز وجل بها ينبغي أن تكون أيها الإخوة مُتصلة بحفظ اللسان، فلا تصحّ التقوى ونحن نستعمل الغِيبة و النميمة..
هذه التقوى إذا قال أحدهم أنّ الله عز وجل يقول: (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَىٰ) وأنا من هنا أريد أن أتقي الله فليذكر أنّ تقواه لا تنفعه إذا لم يكن قد حَفِظ لسانه..
يقول أمير المؤمنين عليٌّ ع : (والله لا أرى عبداً يتّقي تقوىً تنفعه حتى يخزُنَ لسانه).
إذا لم يحفظ لسانه من الغِيبة والنميمة ومن تعقّب عثرات الناس وأخطائهم فلن ينفعه شيء ممّا يعمل سواء أكان ممّن يقوم الليل أو سواء أكان ممّن يصوم الدهر أو سواء أكان ممّن لا ينفكّ عن العبادة فإنّ حِفظ اللسان متصل بالتقوى اتصالاً وثيقاً ومن لن ينتفع من عبادته بشيء.
وكفى قول الإمام الذي أسلفناه ..
................
  الكلام الذي نستخف به ونستهين به من كلمة نتجرّأ بها على فلان من الناس أو كلمة نتعقّب بها عثرات الناس، لا يظننّ أحدٌ أنّ هذه الكلمة أنّما هي شيءٌ يُستخف به لأنه ليس بذي أثرٍ فإنّ مما روي عن رسول الله ص وآله وسلم حين قال له رجل: أوصني، فقال له عليه الصلاة والسلام: احفظ لسانك. ثم قال له يا رسول الله أوصني، فقال له عليه الصلاة والسلام: احفظ لسانك. ثم عاد إليه وقال له يا رسول الله أوصني، فقال ص وآله وسلم: وهل يكبّ الناس على مناخرهم في النار إلاّ حصائد ألسنتهم..
أوصاه أن يحفظ لسانه فظن أنّ ذلك الأمر هيّن.... فتصوّروا أنّ رجلاً يملك الأداة التي تُدخله إلى الجنة والتي تُدخله إلى النار، أفلا يكون الأَوْلى أن يستخدمها في الذي يوصله إلى عفو الله عز وجل في جنته فكان استخدامها فيما يورده النار..

 

 

  هذا أيها الإخوة الذي نستخف به ولا نلتفت إليه إنّه لعظيم عند الله عز وجل فإنّه سبحانه وتعالى يقول (مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) .
يجب أن نعلم أن كلامنا من عملنا ومن علم أنّ كلامه من عمله قلّ كلامه إلاّ فيما يعنيه، يجب أن نعلم أننا محاسبون على كل كلمة نقولها فلنجتهد في أن يكون كلامنا في طاعة الله عز وجل ولنعلم أنّ الذي نملأ به أوقاتنا من الكلام على فلان أو على فلان إنّما هو معصية لله عز وجل، كلامٌ غير نافع في الدينا ولا في الآخرة وأننا سنُحاسب على ما نقول وسنحاسب على ما نستعمل فيه ألسنتنا.

  يُروى عن الإمام الرضى عليه السلام أنه قال: كان رجلٌ من بني إسرائيل إذا أراد أن يطلب العلم صمت قبل ذلك عشر سنين.
إذا أراد أن يتعلم تعلّم الصمت قبل أن يتعلّم الكلام لأنّ في الصمت فائدةٌ عظيمة هو العمل الذي هو ثقيلٌ في الميزان وخفيفٌ على البدن.
كما رويَ عن رسول الله ص وآله وسلم: الصمت عملٌ ثقيلٌ في ميزان الحسنات عند الله وهو خفيفٌ على بدنك لا يُكلفك شيئاً إلاّ أن تحرك لسانك بالخير ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو فليصمت لأنه سيُحاسب على الكلام الذي يتكلم به وحينئذٍ لن ينفعه أن يستشفع بأحد لأن الله عز وجل كان قد نبّهه وكان قد بيّن له.
ومولانا أمير المؤمنين عليه السلام يقول: (القِصاص هناك شديد ليس هو جَرحا بالمُدى -أي ليس هو جرحا بالسكاكين- ولا ضرباً بالسياط ولكن ما يُستصغر ذلك معاً فإياكم والتلوّنَ في دين الله) أن نُظهر شيئاً ثم نُخفي شيئاً أن نُظهر لأحدٍ المحبة والولاء ثم نحن من الذين نُخفي له البغضاء والحسد.
  هذا أيها الإخوة ما ينبغي أن نجتهد من أجل أن نسأل الله عز وجل أن نبلغ هذه الحال، أن لا نستعمل ألسنتنا إلا في طاعة الله وإلاّ فيما ينفعنا وأن نعلم أننا مُكلفون أن نعمل ولا يظننّ أحد أن الله عز وجل قد أغناه قال له أنت لستَ مُكلّفاً أن تعمل إنّما عليك أن تجلس وسيأتيك رزقك! والرزق في كل شيء ليس فقط في طلب العلم ولا في طلب الدنيا، كُلّ شيءٍ وَجَبَ على الإنسان أن يسعى إليه وكُلّ شيء ينفعُ الإنسان يقوم به بدنه أو ينفعه في آخرته فهو من الرزق الذي أمره الله عز وجل أن يسعى إليه ..

  ولقد عانى كثيرٌ من العلماء من هذه الحال التي أشرنا إليها، من هذا الإضطراب ومن هذه الفوضى، كان من ذلك قول العلّامةِ الجليل الشيخ سليمان الأحمد رحمة الله تعالى عليه:

ورُبَّ آسٍ كِـلامَ القـوم ملحمـةً   يذُرُّ قومي عليه المِلحَ لو جُـرحَ
وناصِـحٍ أشبعوه من مَلامَتهـم   وذَنْبُـهُ عند قومي أنَّـهُ نَصَـحَ
الجانحين إلى الأوهـام مِن سَفَهٍ   يا سوءَة المرء للأوهام قد جَنَحَ
والنائمين وما في الحَيِّ ذو سِنَةٍ   كأنّما عِبءَ النعالي عنهُمُ طُرِحَ

  فلنجتهد أيها الإخوة لأن نكون ممّن تنبّه لِما فُرضَ عليه لا أن نكون ممّن قَعَدَ مع الغافلين وليس بمغفولٍ عنه.
نسأل الله لنا ولكم حُسن العاقبة.....

  الخُطبة الثانية:
... في هذه الأيام أيها الإخوة كلمةٌ نسمعها في الكثير من المحافل، شاعت على الألسنِ وفي الآذان، كلمةٌ لا ندري ما الذي أن يُقال فيها أو كيف ينبغي أن نُنبّه عليها.
هي متصلة بأمر الذي ذكرناه في كثرة الكلام في غير بيّنة ولا دليل.
هي وجهٌ من وجوه الإفراط في الكلام.
ووجه من وجوه مخالفة حديث رسول الله ص وآله وسلم (احفظ لسانك) للرجل الذي أوصاه.
وهي وجهٌ من وجوه إهمال قول أمير المؤمنين ع (أنّ من علم أن كلامه من عمله قلّ كلامه إلاّ فيما يعنيه).
ومخالفة أمره تعالى الذي أوجب التبيّن: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ)
الأمر الذي نسمعه كثيراً أيها الإخوة وهذا من التُّهَمِ المُعَدّة عند فئةٍ من الناس. الآن إذا أردتُ أن أثأر من رجل وأبحث له عن تُهمةٍ أُلقيها عليه سواءٌ إذا خالفي في الرأي أو خالفتهُ في أمرٍ ما، فهذه الفئة أيها الإخوة لم تُصِب من العِلمِ شيئاً، ولم تُصِب من كتاب الله شيئاً يُعتَدُّ به، ولا من سُنّةِ نبيّهِ شيئاً يُعتمدُ عليه وإنّما توهّمت أشياء لا توجدُ إلاّ في أذهانها.
  اليوم أيها الإخوة من التُهم المُسهّلة التي لا ينجو منها إلاّ الموتى وربما لحقت بالموتى! الآن إذا أزعجني فلان فإنّ التُهمة التي أُعِجّها له أنّه (مُتَشَيّع) التُهمة المُعَدّة الجاهزة لكُل رجلٍ أُريد أن أنتقم منه فأقولَ له (أنت مُتَشَيّع) وهذه التُهمةُ كافيةٌ في أن يقع عليه من الشتائم ما لا يعلمه إلاّ الله.
إذا لم أكن أرغبُ في الدخول إلى المسجد وأريد أن أبحث عن طريقةٍ أضعّف فيها حال الوافدين إلى المساجد فما من حيلةٍ إلاّ أن أقول للناس (إنّ الذي يدخل إلى المسجد إنما هو مُتشيّع فاجتنبوه)
وإذا رأيتُ من يُصلّي أو يصوم
أو من ينوي الحجّ إلى بيت الله فلا سبيل لكي أتّهمه إلاّ أن أقول (هذا متشيّع) وهذه التُهمة كما تعلمون أشدُّ وأصعبُ من أن تقول له إنّه يتعامل مع اليهود، هذه التهمة أشدّ عليك من أن تكون منتسباً إلى الموساد أو أن تكون منتسباً إلى تنظيم القاعدة أو أينما شئت.
هذه التهمة بعيدةُ الأثر.
  السبب؟
نريد أن نتكلم هنا على أمور.
ما هو الأمر الذي دفع هذه الفئة من الناس إلى أن تستعمل هذه الكلمة و أنا على يقينٍ أنّ كثيراً منهم لا يعرفون معناها إنّما هي أشبه بالشبح الذي نخوّف به الناس، بماذا أمرك الله عز وجلّ أيها القائل هذا: ألستَ مأموراً بشيء؟ هل خلقك الله عز وجل فكلّف العباد جميعا ثم قال لك أنت غنيٌّ عن التكليف؟!
ثمّ على أيّ مذهبٍ أنت؟ إذا كنتَ على مذهبِ آل البيت فإنّ هذه الكلمة ليس فيها شيءٌ من القدح أو الذمّ، وإن لم تكن على مذهب آل البيت فما لك تتكلّم على من اتّبع هذا المذهب؟! إذا كنت على مذهب آل البيت ثم جاءك رجل يحمل هذا العلم فهل يضرّكَ هذا؟! وإذا لم تكن على هذا المذهب
فما الذي يُزعجك من أمره؟!

  ثم من نظر في آثار علمائنا، من نظر في مراسلات علمائنا مع علماء الشيعة، من نظر في مراسلات الشيخ سُليمان الأحمد مع كثيرٍ منهم مع الشيخ محمد رضا الشبيبي مع السيد عبد الحسين شرف الدين الموسوي مع غيرهم مع غيرهم كيف خاطبهم وكيف خاطبوه.
  من نظر في مراسلات الشيخ عبد اللطيف ابراهيم رحمة الله تعالى عليه مع كثيرٍ من هؤلاء كيف خاطبهم وكيف خاطبوه، من ذلك الذي كان من مراسلةٍ بينه وبين السيد عبد الحسين شرف الدين وهو أحد أعلام الشيعة في زمنه أن مدحه شيخنا الشيخ عبد اللطيف ابراهيم رحمه الله مديحاً عالياً ومنه قوله له:

لا الشمس محتاجةٌ مدحاً ولا القمر   كِلاهُما باهرُ الأوصـاف مُشتهـرُ
في كُـلّ ذرّةِ نـورٍ من أشعّتهـا   مـدحٌ تردّده الآفـاق مُنتشــرُ
كـالموسويّ له من فضله مِدَحٌ   غرّاء يطرب بها السمعُ والبصرُ
عبد الحُسين منار السالكين إذا   جُنّ الظلام وغاب الأنجُمُ الزُهُرُ
مَحَجَّةٌ للهُدى والرُّشدِ واضحةٌ   وحُجّـة الله يجنوهـا فتزدهر
ونعمةٌ من بقايـا أنعُـمٍ سَلَفَت   جاءت بتعظيمها الآيات والسُوَرُ

  حتى يقول له:

 

مولاي خُذ بيـدي في مَنهـجٍ   سلكت على محجّته آباؤك الغُرَرُ
فقد تبـاينت الآراء واختلفـت   بها المذاهـب والآراء والفِكَـرُ

 

 

وممّا مدح به المرجع الشيعيّ في زمنه يوم جاء إلى مدينة بعلبك هو السيد أبو الحسن الأصفهاني بقصيدة طويلة وأرسل إليه معها بعض المسائل الشرعية، قال الشيخ عبد اللطيف رحمه الله:

مدينة الشمس، هذه الشمس طالعةٌ   تُشِعُّ من أُفقِهِ الأعلى على المُـدُنِ


  حتى يقول:

 

مـولاي أسئلـةٌ مرّت بخاطرتـي   كالبرق تخطرُ في سِرّي وفي عَلَني
مـاذا تقـول إذا لم تـروِ ظمـأً   وقد شكوت الصدى للعارضِ الهتنِ
حُــبٌّ لآل رسـول الله قرّبنـي   إليـك وهو حـريٌّ أن يُقرّبـنـي

 

 

  إلى غير ذلك ممّا كان من مراسلات ومن مدائح نريد أن نوقف القوم عندها فنسألهم: ماذا تقولون في هؤلاء، في العلّامة الذي راسل هؤلاء وفي الشيخ عبد اللطيف ابراهيم رحمه الله والشيخ محمود سليمان وغيرهم وغرهم من الذين راسلوا هؤلاء ومدحوهم وكان بينهم من المخاطبات والثناء والمودة ما كان..
  هل كان هؤلاء عندكم من المتشيّعين، وتعرفون ما معنى كلمة مولاي وما فيها من الإجلال والتعظيم والتكريم والتفخيم يقولها الشيخ عبد اللطيف ابراهيم للسيّد عبد الحُسين (مولاي خُذ بيدي في منهجٍ سلكت) أليس الأولى كنّا أن نتّهمه بالتشيّع!؟
  ماذا نقول في هذه الحال للذين يستعملون هذه الكلمة ولا يعرفون معناها؟! ما قولكم في هؤلاء أليسوا على مذهب آل البيت!؟ هل كان هؤلاء الشيوخ الذين ذكرناهم من المتشيّعين عندكم؟! إذا كانوا عندكم من المتشيّعين فما نرجو بعد ذلك إنهم لنا كما تعلمون قُدْوَة ونحن نقتدي بهم، فإذا كانوا على هذه الحال فلا عَجَبَ إذا كُنا مثلهم، وإن لم يكونوا على مثل هذه الحال فبيّنوا لنا أو دلّونا على الطريق الذي نعلّل به هذه المراسلات وهذا التعظيم وهذا التكريم.
هذه التُهَم التي نستعملها وأكثرنا كما ذكرت لا يعلم معناها عليه أن ينظر في تُراث من سبق وأن يستخرج لنا شيئاً نُعلّل به ما قالوه وما كتبوه.
  فلو افترضنا أنّ أحدهم جاءك بهذه القصائد وهذه المراسلات وقال لك هذه من آثار شيوخكم وعُلمائكم فماذا أنت قائلٌ بها؟ كُنّا بين أمرين إمّا أن تُنكرها فتخرُجَ من ادّعائك الإقتداء بهؤلاء وإمّا أن تُثبتها فتكونَ ممّن يحتج بها على نفسك ولا تجد بعد هذا مخرجاً تخرج فيه من زعمك أنّ هذه الأمور إنما هي تُهَمٌ يقرُبُ منها المرء إلى الكُفُر أكثر ممّا يقرُبُ إلى الإيمان .
نحن نطلب من كُل من يسمع هذه الكلمة أن يحمِلَ إلى قائلها هذه المُراسلات وأن يُجادلهم بها لننظر بعد هذا على أيّ طريق نكون وعلى أيّ دربٍ نسير . ماذا نقول في هؤلاء وهل هم قُدوة لنا لنقتدي بهم أم لا وبعد ذلك نتبيّن حال القائل ونعرف مراده...
عباد الله إنّ الله يأمر بالعدل والإحسان.....