كنتم خير أمّة أُخرجت للناس. العلويون يحاربون فكرة الإنقسام والتعصب واستغلال الطائفية والمذهبية ويريدون مجتمعًا يسوده الأمن والمحبة والإتفاق... للشيخ عبد الكريم علي حسن الخطيب عفى الله عنه.

أُضيف بتاريخ الأحد, 27/03/2011 - 14:08

خُطبة بعنوان كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ، وقد أُلقيت من على منبر مسجد الإمام علي  في طرطوس في ستّينيّات القرن الماضي بتاريخ 27\02\1964م،  وهي للمغفور له فضيلة الشيخ عبد الكريم علي حسن الخطيب .. وقد نقلناها من كتابه ""الكَلِمُ الطيّب" المطبوع سنة 1968م والذي يشتمل على خطب وبحوث إسلامية..

 

الحمد لله............................ وبعد

قال تعالى: كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ1 .

أيّها الأخوة:

كانت الأمّة العربية في أيّامها الأولى بعد الفتح الإسلامي، بل كان المجتمع الإسلامي في أيّام الفتح، أيّام التقدّم والرخاء، يعيش بمبادئ وعقائد يستمدّها من نبيّه الكريم، محمد  ويتلقّنها من تعاليم دينه القويم، وقرآنه الكريم.

الدين الإسلامي الذي دعا إلى توحيد الله ومعرفته. قال تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ.

وطريقه يؤدّي إلى الهداية والسعادة. قال تعالى: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ.

في تلك الأيّام التي كان فيها منهاج التربية والتعليم، وكان الأساتذة والمُعلّمون يُوجّهون الناس نحو القِيَم الروحيّة، من الأدب والدين والفضيلة، وذلك بالحب والتعاون والإحترام. قال : (المُسلم أخو المُسلم، لا يخذلُهُ، ولا يُحَقّرهُ، ولا يظلمهُ).
وقال : (مَثل المؤمنين في كوادرهم وتلاحمهم وتآخيهم كمَثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحُمّى).

في تلك الأيام التي كان الفقه الإسلامي مصدر التشريع، به تُحَلُّ الخصومات بين المُتخاصمين، ويُسَوّى النزاع. وبموجبه يُفصل في جميع المشاكل، وهو القضاء العدل بين الناس. قال تعالى: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ.

  • وكان الجامع في تلك الأيّام هو المكان الذي يتشكّل به مجلس القضاء وندوة الشورى وهو الجامعة والمدرسة، ومكان البيعة، وفيه يُعلن الخليفة أوّل خطبة له بعد المبايعة على الشعب.
  • وفي الجامع كان الناس يجلسون حلقات حلقات، هذه للعبادة وتلك للبحث والدرس، وأولئك للمناظرة والنقاش، فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ2 ، وكان منهم من يحفظ القرآن وتفسيره، وقواعد اللغة العربية.
  • وكان الفقيه من يحفظ الحديث الشريف وأسناده ويعرف أغراضه ومراميه.
  • والقاضي المُشرّع مَن أتقن عرض الحديث على القرآن الكريم واستخلص منهما حكمًا يحلّ على ضوئه مشاكل المجتمع، قال : (ما َرَدَ إليكم عنّي أعرضوه على القرآن، فإن وافق، فخذوا به، وإن خالف فاضربوا به عرض الحائط).
  • والرجل الصالح من كان سلوكه وأخلاقه ممتدّان من هُدى الإسلام وتعاليمه، قال تعالى: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَىٰ أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ ...
  • وكان المنافق المارق: من زاغ عن منهاج الدين، واستخفّ بأحكام القرآن، قال تعالى: وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ * فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا * وَيَصْلَىٰ سَعِيرًا ..

هكذا كان المجتمع الإسلامي، وهكذا كانت الأمّة التي قال الله فيها: كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ، وهكذا كانت النتيجة الطيبة من مبادئ الإسلام وعقائده، عندما كانت هذه المبادئ والعقائد راسخة في أذهان مُعتنقيها، مُتغلّبة على شهوائهم ونزواتهم، فكانوا يأتمرون بما أمر الله ورسوله، وينتهون عمّا نهى الله ورسوله، ويخضعون للأمر والنهي اقتناعًا فعليًا، لا خوفًا ولا تقليدًا، وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا.

فقد كان المؤمن يمتنع عن قتل النفس، وعن السرقة، والزنى، وشرب الخمر، لأنّ هذه أمور حرّمها الله ورسوله، ويُقيم الصلاة، ويُؤتي الزكاة، والصيام وغيره من الفرائض لأنّها فرائضٌ أمر الله بها، ويتطوّع لأعمال الخير، والبِرّ، كالصدقات والمساعدات، لأنها أمور ندب إليها الشرع الشريف، قال : (مَن فرّج عن مؤمن كربة فرّج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة).

وهكذا كان المجتمع العربي الإسلامي، يواجه الحياة بمبادئ وعقائد، تهديه وتُسدّد خُطاه، فالفرد من المسلمين يشعر بالخوف من الله، وهو في أحسن حالات الأمن والعافية، قال الإمام علي : (ليس السقيم المُبتلى بأحوَجَ إلى الدعاء من الصحيح المُعافى).

فالغنيّ كان يتساءل بينه وبين نفسه: ما هي عاقبة هذه الخيرات والنِعَم؟! التي ساقها الله إليَّ، هل أُثابُ عليها؟ أم أُعاقَب؟ ثم ماذا يكون جوابي بين يديّ الله يوم الموقف العظيم؟ يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ.

وكان الشعور والإحساس بالمراقبة الدينية يُلازم الفرد في جميع أحواله، حتى عند فعل المعصية، فسُرعان ما يندم المؤمن إذا اقترف ذنبًا، أو ارتكب خطيئةً، فيتوب ويستغفر، قال تعالى: وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَىٰ مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ.

أمّا

  1. بعد أن وقعت الأمّة العربية بصورة عامّة والمجتمع الإسلامي بشكل خاص، فريسة الإحتلال الأجنبي.
  2. وبعد أن وُجدت عهود الظلم والإقطاع.
  3. وبعد أن امتدّت إلى تلك المبادئ المقدّسة، والعقائد المُطهّرة، أيدي أثيمة من غير العرب، ممّن لم يتذوّقوا طعم الإسلام، ولم تُشرق على قلوبهم، ولا في أذهانهم أنوار القرآن الكريم. 

أصبحنا ننجرّ وراء التفرقة والعصبيّة والعداوات، ولكن الله سبحانه يأبى أن يدوم انتصار الباطل على الحق، فقيّض لهذه الأمّة رجالاً مخلصين قضوا على الإستعمار والمستعمرين، وعلى العملاء النفعيين، فبنوا المدارس والمستشفيات، وأوجدوا المشاريع العمرانية، وشجّعوا على بناء المساجد في كل بلد أو قرية، وذلك بإعطاء الحريّة للجميع دون تمييز أو تفريق..

أيّها الأخوة:

  • الأنظمة الحديثة على اختلاف أنواعها لم تُنتج نظامًا أفضل من النظام الذي أوجده الإسلام في تعاليمه،
  • فعلينا أن نضرب المثل الأعلى في أفعالنا، لا في أقوالنا باتباع هذه التعاليم.
  • علينا أن نحارب فكرة الإنقسام والتعصّب، فكرة استغلال الطائفية والمذهبية.
  • علينا أن نكوّن من مجتمعنا مجتمعًا يسوده الأمن والمحبة والإتفاق، لأنّ هذا يُساعد على طاعة الله وعبادته، ويُبعد عن محارمه ومعاصيه.
  • وهكذا إذا فعلنا نعود إلى سيرتنا الأولى،3  ونُحقق الآية الكريمة: كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ.
  • 1آل عمران\110.
  • 2سورة النور/36-37.
  • 3 أكثر من خمسة وخمسين سنة مضت على هذا الخطاب وعلى هذه الدعوات وهي ليست الأولى ولن تكون الأخيرة. فهذه حقيقة العلويين وخالص معتقدهم وهو ما يؤمنون به قولاً ويمارسونه فعلاً وهم يحترمون ويتعايشون مع الجميع بكل محبة وإخاء ولن يُفلح من يسعى للفتنة ويلعب على أوتار الطائفية والمذهبية لأنّ الشعب في سورية خاصّة هو شعب واعي وعروبي ووطني وقد أثبت أنه لا يؤمن بالتعصب ويمقت الطائفية وقد شاهدنا العلماء وسمعناهم وسمعنا المثقفين وسمعنا عامة الشعب وكانوا كلهم وسورية كلها دولة وشعبًا عصيّة على التقسيم وعلى فتن المستعمرين والمعتدين والله يحميها.. (إدارة موقع المكتبة الإسلامية العلوية)