القراءة وفائدتها.. أدعوكم إلى كلمة (اقْرَأْ) كبيرًا وصغيرًا.. أثر كلمة (اقْرَأْ) على النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسَلّم.. خُطبة للشيخ عبد الكريم علي حسن الخطيب عفى الله عنه

أُضيف بتاريخ الجمعة, 09/03/2012 - 02:34

خُطبة بعنوان (القراءة وفائدتها)، وقد أُلقيت من على منبر مسجد الإمام علي  في طرطوس في ستّينيّات القرن الماضي  وهي للمغفور له فضيلة الشيخ عبد الكريم علي حسن الخطيب .. وقد نقلناها من كتابه ""الكَلِمُ الطيّب" المطبوع سنة 1968م والذي يشتمل على خطب وبحوث إسلامية..

 

الحمد لله..................... وبعد

قال تعالى: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ..

  أيّها الأخوة:

خيرُ كلمةٍ وُجِّهَتْ إلى الإنسان، بعد أن أوجَدَ الله الإنسانَ هي كلمة اقْرَأْ.

  • فبالقراءة تفتّحت الأذهان، وانفتحت أبواب العلوم.
  • وبالقراءة سلك الإنسان الطريق إلى المعارف، وبها سَهَّلَ الله للإنسان الإطلاع على خفايا الأسرار، قال تعالى: وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَـٰؤُلَاءِ..
  • فالقراءة هي النافذة الكُبرى التي أطَلَّ منها الإنسان على ما في الحياة، وهي بداية العلم، والوعاء الذي تُحفظ به الرسالات..

فقد ورد في أوّل آية نزلت على سيد المرسلين صلوات الله عليه وآله هي قوله تعالى: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ... ولمّا بَلغَ من الوحي إلى قوله تعالى: عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ، تفتّحت له أبواب العلوم، وانكشفت له أسرار الكون، وتبيّنت له أحداث التاريخ، وإذا بالرجل الأُميّ، الذي كان منذ بضع دقائق لا يقرأ ولا يكتب، وإذا به قارئٌ عالمٌ فيلسوفٌ، وإذا به أعظم من القارئ، وأرفع من العالم، وأعلى من الفيلسوف، وإذا به نبيّ ورسول، أرسله الله سبحانه رحمةً للعالمين، وهكذا تعلّم محمد  بكلمة اقْرَأْ كُلّ شيء، وأصبحت كُلّ كلمةٍ منه دستورًا يتمشّى عليه المُسلمون إلى آخر عمر الدنيا.

هكذا قال : أيّها الناس: قولوا (لا إله إلا الله). فحطّم بكلمة (لا إله إلا الله) سُلطان الأصنام، وأزال دولة الشرك، ومَحاها من أرض الجزيرة العربية، وبنى أركان التوحيد، وأسّس دولة الإسلام بقوله تعالى: إِنَّ هَـٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ.

 وأزال جميع الفوارق الطبقية والتمييز العُنصري بكلمة قالها  وهي: (لا فضل لعربي على أعجمي إلاّ بالتقوى).

وحقق العدالة الإنسانية لكل إنسان، وبشّر بالسلام العالمي في الدنيا بثلاث كلمات، بشّر بهنّ، وأنذر بهنّ، بقوله : (ثلاثٌ من جَمَعَهُنّ فقد جَمَعَ الإيمان: الإنصاف من نفسك، وبذل السلام للعالم، والجود عند الإقتدار).

وعَلَّمَ الحُكّام صيغة الحُكم بين المُتخاصمين بكلمة قالها لأحد أصحابه، كلمة حقٍ في وجه أميرٍ جائر، وهي: (كنتَ أولى أن تأمُرني بالوفاء، وكان أولى أن تأمُرَهُ بالصبر).

وعلّم الناس الصبر على الشدائد، والإتكال على الله في الملمّات بكلمة قالها لأحد أصحابه: (لا تحزن، ما ظنّك بإثنين الله ثالثهما).

ووضع قانونًا عامًا وتشريعًا أبديًا يقضي بالمكافأة لكل من آزر في أمرٍ من الأمور، وناصر في قضيّةٍ من القضايا، بكلمة قالها لابن عمّه عليّ  يوم الغدير:

(من كُنتُ مولاه، فهذا عليّ مولاه، اللهم والٍ من والاه، وانصر من نصره..)

وهكذا..

ما من كلمة قالها هذا النبي  -بعد سماع كلمة اقْرَأْ- إلاّ كانت مثلاً أعلى في الناس، حتى الإشتراكية الهادفة لخّصها بثلاث كلمات عندما قال : (الناس شركاء في ثلاث: الماء والهواء والكلاء...)

فإلى كلمة اقْرَأْ أدعوكم أيّها الأخوان، إلى العمل بكلمة اقْرَأْ أدعوكم وذلك بمتابعة البحث والدرس والتحصيل، وفي هذا تكونون كل يوم في زيادة، ومعلوم أنّه: من لم يكن كُل يومٍ في زيادة فهو في نقصان.

أدعوكم إلى كلمة اقْرَأْ كبيرًا وصغيرًا، فليس كِبَرُ السِنّ، ولا الصِغر عُذرٌ لأيّ إنسان!.

لقد قرأ النبي  بعد الأربعين من العمر، وأسّس مدرسة علّم فيها الناس أصول وفروع العلم، وانتسب إلى هذه المدرسة علي بن أبي طالب وهو دون التاسعة -كما يُقال- وانتسبت إليه خديجة وهي فوق الأربعين، وانتسب إليه الخليفة الأوّل وهو فوف السبعة والأربعين..

وهكذا دخل في تلك المدرسة الأطفال والنساء والكهول، وتخرّج من هذه المدرسة التي بُنِيَت من كلمة اقْرَأْ وشُيّدَت بشعار (لا إله إلا الله)عُلماء وفُقهاء، وأبطال وقادة سادوا العالم، وفتحوا كنوز العلم، وكانوا رُسل حضارة ومَدَنيّة في الشرق والغرب.

هذه هي المدرسة التي بناها محمد ، وجعل شعارها: (اطلبوا العلم من المهد إلى اللحد) و (واطلبوا العلم لأنفسكم ولأبنائكم وإخوانكم ولكل من تعوّلون)..

فإلى سرّ الكلمة، والبحث عن الكلمة، أدعوكم.

وقديماً قيل: في البدء كان الكلمة.

وقال سبحانه وتعالى: وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ.

إنّ أحسن الحديث: ذِكرُ الله، وأبلغُ موعظة المُتّقين: كتابُ الله...