الترجمة والسيرة للشيخ علي كتّوب (طيّب الله ثراه)

أُضيف بتاريخ الخميس, 24/06/2021 - 04:15

التَّرْجَمَةُ وَالسِّيرَةُ

إِلَى البَيْضَاءِ وَالوَادِي مَآبِي *** لِكَتُّوبٍ لِصَافِيتا انْتِسَابِي

وِلادَتُهُ، وَبَلَدُهُ، وَتَنَقُّلُهُ، وَأَحْوَالُهُ، بِقَلَمِهِ، رَحِمَهُ  اللهُ.

وِلادَتُهُ فِي أَوَّلِ يَومٍ مِنْ أَيَّامِ شَهْرِ رَمَضَانَ المُبَارَك سَنَة 1323 مِنَ الهِجْرَةِ المُوَافِق 29\ تشرين الأوّل\1905م، فِي قَريَة بويضة الزمّام، فِي مَدِينة الدريكيش، عَلَى مَا نَعْرِفُهُ اليَومَ مِنَ التّقْسِيمِ الإِدْارِي للمَنَاطِقِ. 1

وَكَانَ يَصِفُهَا بِالبَيضَاءِ فِي شِعْرِهِ، مِنْ ذَلِكَ قَولُهُ: 

إِلَى البَيْضَاءِ مَا زَالَ انْتِسَابِي *** وَقَبْلاً كَانَ طَابَ بِهَا مُقَامِي

أَرَّخَ وِلادَتَهُ نَثْرًا:

(( الفَقِيْرُ للهِ عَلِيّ أحمد  محمّد كتوب مِنْ مَوالِيد 1323هـ أَوّل رَمَضَان المُبارك صَبَاحًا بِخَطِّ سَيِّدي الوَالِد..))

وَأَرَّخَهَا شِعْرًا فِي إِحْدَى قَصَائِدِ الابْتِهَالِ فِي طَلَبِ الذُّرِّيَّةِ بَعْدَمَا تُوُفِّي أَحَدُ أَولادِهِ صَغِيرًا، وَأَقَامَ بَعْدَهُ نَحْو ثَلاثِينَ سَنَةً لَمْ يُرْزَقْ غُلامًا.

وَمِنْهَا قَولُهُ:

مَضَى خَمْسُونَ مَع خَمْسٍ تَلِيْهَا *** وَنِصْفُ الشَّهْرِ مِنْ  عُمْرِي تَلاهَا
تَمَامًا لازِيَادَةَ جَاءَ فِيْهَا *** لِمِيْلادِي وَلا نَقْصَ اعْتَرَاهَا
فَمَنَّ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ لُطْفًا *** عَلَيَّ بِنِعْمَةٍ مِنْهُ حَبَاهَا
حَبَانِي مِنْهُ مَا أَرْجُو وَنَفْسِي *** خِلالَ العَامِ نَالَتْ مُشْتَهَاهَا
أَتَى الأَحَدُ ابْنِيَ الغَالِي حُسَيْنٌ *** كَمَاءِ المُزْنِ للعَطْشَى رَوَاهَا
وَفِي آذَارَ ثَالِثَ عَشْرَ مِنْهُ *** بِتَارِيْخِ الفَضِيْلَةِ شَبَّ شَاهَا 

كَانَ عُمُرُهُ سَنَةَ نَظْمِ هَذِهِ الأَبيَاتِ خَمْسًا وَخَمْسِينَ سَنَةً، وَالتَّارِيخُ الذّي جَعَلَهُ فِي عَجُزِ البَيتِ: بِتَارِيْخِ الفَضِيْلَةِ شَبَّ شَاهَا.
يَجْمَعُ عَلَى حِسَابِ الجُمَّلِ  الكَبِير 1960.

وَاسْتَنْسَبَ فِي أَبيَاتٍ، مِنْهَا:

عَلِيٌّ يَنْتَمِي أَصْلاً وَفَرْعًا *** لأَحْمَدَ وَالمُحَمَّدِ بِاتِّسَامِ

وَمِنْهَا: 

غَذَتْنِي طِفْلاً مُنْذُ سَبْعِيْنَ حِجَّةً *** وَنَيْفًا حَنَانَ الأُمِّ أُمِّيَ فِي المَهْدِ
حَبَاهَا أَبُوهَا أَسْعَدٌ وَهْيَ فِضَّةٌ *** حِلَى أُمِّهَا سُعْدَى مِنَ الذَّهَبِ النَّقْدِ


وَفِي تَعْيِينِ المَوضِعِ الذّي نَشَأَ فِيهِ، وَقَطَعَ فِيهِ مُدَّةً مِنْ شَبَابِهِ، وَأَفْنَى فِيهِ فُتُوَّتَهُ، حَتَّى تَقَضَّى عُمُرُهُ فِي التَّعَلُّمِ وَالتَّعْلِيمِ وَزِيَارَةِ أَهْلِ الفَضْلِ مِنَ العُلَمَاءِ وَالأُدَبَاءِ فِي أَمَاكِنَ شَتَّى مِنْ سُورِيَةَ وَمِنْ غَيرِهَا، أَقِفُ عِنْدَ قَولِهِ:

أَمْسَيْتُ عَنْ وَطَنِي بَعِيْدًا نَازِحًا *** أَهْفُو فَوَاشَوقَاهُ للأَوْطَانِ
تَذْكَارُ صَافِِيْتَا وَذِكْرَى أُخْتِهَا *** أَنَّى أَقَمْتُ بِخَاطِرِي وَجَنَانِي
بَلَدٌ نَشَأْتُ بِهِ فَطَابَ لِيَ الهَوَى *** بِشُيُوخِهِ وَالشِّيْبِ وَالشُّبَّانِ
لَهَفِي عَلَى مَا مَرَّ بِي فَشَجَانِي *** بَيْنَ الجِبَالِ الشُّمِّ وَالوُدْيَانِ
أَيَّامَ أَتَّخِذُ الشَّبِيْبَةَ وَالشَّبَا *** بَ مَطِيَّةً لِزِيَارَةِ الإِخْوَانِ
أَغْدُو بِقَلْبٍ بِالصَّبَابَةِ عَانِي *** وَأَرُوحُ فِيْهِ وَالوَفَا يَغْشَانِي
أَمْشِي الهُوَيْنَى وَالوَلاءُ يَسُوقُنِي *** وَيَقُودُنِي طَوعًا بِغَيْرِ عِنَانِ

وَقَدْ ذَكَرَ صَافيتا فِي هَذِهِ الأَبيَاتِ؛ لأَنَّهَا كَانَت حِينئذٍ قَضَاءً بِحَسْبِ التّقْسِيم الإِدارِي أَيَّامَ الاحْتِلالِ العُثْمَانِيّ، وَكَانَت الدّريكيش قَصبةً تَتْبَعُ لَهَا. 2

كَانَ الشَّيخُ كَثِيرَ الأَسْفَارِ فِي سَبِيلِ العِلْمِ وَلِقَاءِ أَهْلِهِ، يَحْدُوهُ وَلاءُ خَاتَمِ النَّبِيّينَ وَأَهْلِ بَيتِهِ  حَتَّى إِنَّهُ مَثَّلَ حَالَهُ فِي ارْتِحَالِهِ مِنْ بَلَدٍ إِلَى بَلَدٍ بِالمُسْتَسْلِمِ المُنْقَادِ، إِذَا أَبْطَأَ فِي مَشْيِهِ حَثَّهُ الوَلاءُ مِنْ خَلْفِهِ وَمِنْ أَمَامِهِ.

كَانَ الشَّيخ حُسَين حرفوش، طَيَّبَ اللهُ ثَرَاهُ، قَدْ أَنْشَأَ مَدْرَسَةً فِي قَريَة برمانة المشايخ نَحْو سَنَة 1917م، ثُمَّ فِي قَرْيتَه المقرمدة نَحْو سَنَة 1919م، وَفِي مَدْرسة المقرمدة دَرس الشّيخ عليّ أَحمد كتوّب.

وَفِي وَصْفِ دِرَاسَتِهِ قَولُهُ: 

بِلادِيَ صَافِيْتَا وَلِلأَوْسِ أَنْتَمِي *** لأَجْدَادِيَ الأَنْصَارِ فِي السِّلْمِ وَالحَرْبِ
وَغَذَّتْنِيَ الأُمُّ المُقرمدةُ الجَنَى *** بِكَفِّ حُسَيْنٍ سَيِّدِي يَانِعَ الرُّطْبِ
أَيَادِي ابنِ مَيْهُوبٍ حُسَيْنٍ كَثِيْرَةٌ *** عَلَى شَعْبِهِ بِالفَضْلِ  تَنْهَلُّ بِالسَّكْبِ
تَعَهَّدَهُ فِي قَولِهِ وَفِعَالِهِ *** وَأَخْرَجَهُ مِنْ ضِيْقِ مَا كَانَ للرَّحْبِ
عَفَا اللهُ عَنْهُ للنُّفُوسِ مُرَبِّيًا *** وَبَوَّأَهُ طُوبَى مَع الأَهْلِ وَالصَّحْبِ

وَمِمَّا أَثْنَى بِهِ عَلَى أُسْتَاذِهِ قَولُهُ: 

وَأُسْتَاذِي الكَرِيْم ولا أُغَالِي *** بِإِعْجَابِي بِهِ فَالدُّرُّ غَالِي
حُسَيْنٌ نَجْلُ مَيْهُوبٍ مُرَبِّي *** لَنَا وَلِغَيْرِنَا يَجْزِيْهِ رَبِّي
حُسَيْنٌ فَاضِلٌ شَيْخٌ طَهُورُ *** إِمَامٌ مَاجِدٌ حَبْرٌ وَقُورُ
خِتَامُ رِسَالَتِي مِِسْكٌ وَطِيْبُ *** يَطِيْبُ بِذِكْرِ أُسْتَاذِي يَطِيْبُ

وَمِمَّا وَصَفَ بِهِ عَطَاءَ الشَّيخ حُسين حَرفوش، طَيَّبَ اللهُ ثَرَاهُ، تَبَرُّعًا لِوَجْهِ اللهِ   وَمَنْ عَاوَنَهُ عَلَى إِنْشَاءِ المَدْرَسَةِ، وَمَا كَانَ لَهَا مِنْ فَضْلٍ عَلَى الشَّعْبِ حِينَئذٍ، مِن قَصِيدَةٍ كَتَبَهَا إِلَى الشَّيخ عبد الحَميد عَمّار، فِي أَبيَاتِهَا إِشَارَةٌ إِلَى حَالِهِ وَحَالِ رِفَاقِهِ فِي الدِّرَاسَةِ عَلَى يَدِ الشَّيخِ حُسين حرفوش، وَمِنْ ذَلِكَ قَولُهُ:

أَخِي فِي اللهِ لا أَنْسَاهُ عِشْنَا *** مَعًا حِيْنًا كَدُرٍّ فِي عُقُودِ
يُؤَلِّفُ بَيْنَنَا قُرْبٌ  وَقُرْبَى *** وَحُبٌّ جَدَّ مِنْ عَهْدِ الجُدُودِ
وَتَجْمَعُنَا الدِّرَاسَةُ تَحْتَ ظِلِّ الـ *** ـمَعَارِفِ كُلَّ يَومٍ بِالوَصِيْدِ
وَمَدْرَسَةُ الحُسَيْنِ الشَّعْبُ فِيْهَا *** نَمَا وَاُشْتُقَّ مِنْ بَعْدِ الجُمُودِ
بَنَاهَا المُؤْمِنُونَ وَشَيَّدُوهَا *** فَيَا للهِ مِنْ عَمَلٍ مُفِيْدِ
أَقَامُوهَا عَلَى الحُسْنَى مِثَالاً *** وَرَمْزًا للفَضِيْلَةِ وَالجُهُودِ
أُوْلَئِكَ مُحسنٌ حَسَنٌ حُسَيْنٌ *** خَلِيْلٌ صَالِحٌ حَسَن العُهُودِ
شُيُوخٌ سَادَةٌ جَمَعُوا جَمِيْعًا *** مِنَ التَّقْوَى مَعًا أَسْمَى رَصِيْدِ
وَصَالِحُ عَنْ أَبِيْهِ حَازَ مَجْدًا *** وَقَلْبًا قُدَّ مِنْ زُبُرِ الحَدِيدِ
وَلَكِنْ فَاتَهُم سَبْقًا حُسَيْنٌ *** فَتَى العَلْيَاءِ طَلاّعُ النُجُودِ
لِمَيْهُوبٍ لِحَرْفُوشٍ لأَهْلِ الـ *** ـوَلايَةِ وَالمُوَفِّي بِالعُقُودِ
بِإِعْطَاءِ الدُّرُوسِ بِغَيْرِ أَجْرٍ *** وَلا مَنٍّ وَفِي هَشْمِ الثَّرِيْدِ

اسْتَفَدْتُ مِنْ دِيوانِهِ تَارِيخَ وِلادَتِهِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ شِعْرِهِ، وَتَارِيخَ انْتِقَالِهِ إِلَى قَريَة المَسْعوديّة الشّرقِيّة فِي ريف حِمص نَحْو سَنَة 1936م ، وَكَانَ قَدْ ذَكَرَ التّارِيخ فِي مُقَدِّمَة أَبيَاتٍ كَتَبَهَا إِلَى الشَّيخ مُحَمّد درويش آل عيسى خَتَمَهَا بِقَولِهِ: (( قَبلَ أَنْ أَذْهَب إِلَى المَسْعُوديّة الشّرقِيّة سَنَة 1355هـ ))

وَاسْتَفَدْتُ مِنْ أولادِهِ أَنَّ انْتِقَالَهُ إِلَى رِيف حِمصَ مُعَلِّمًا كَانَ بَعْدَ أَنْ طَلَبَ مِنْهُ الشَّيخ عَلِي حسن ضحيّة  السَّفَرَ إِلَى تِلْك المَنْطِقَةِ.

وَبَقِيَتِ المُدَّةُ مِنْ سَنَة 1905 إِلَى سَنَة 1936م، لَمْ أَهْتَدِ إِلَى مَعْرِفَةِ أَحْوَالِهِ فِيهَا، فَلَمْ أَسْتَطِعْ تَحْدِيدَ مُدَّةِ دِرَاسَتِهِ فِي المقرمدة.

وَاسْتَفَدْتُ مِنْ أَوْلادِهِ أَسْمَاءَ ثَلاثِ أَمْكِنَةٍ، عَلَّمَ فِي كُلٍّ مِنْهَا مُدَّةً فكَانتْ التّوَاريخُ بِحَسْب تَرْتِيبِهَا:

  1. قرية مشرفة الشيخ عبّاس سلمان\حماه\ 1921 ـ 1925م
  2. قَرية عين بستان\الدريكيش\ 1925 ـ 1932م
  3. قَرية بمنّة\الدريكيش\1932 ـ 1936م

وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّهُ بَدَأَ التّعْلِيم نَحْو سَنَةِ 1921م، وَأَنَّهُ أَقَامَ فِي المَسعوديّة مِنْ سنة 1936 إِلَى سَنَة 1960م.

وَكَانَ اسْتِقْرَارُهُ فِي الدريكيش فِي شَهْر أيلول سَنَة 1960م.

كَانَ الشّيخُ مُولَعًا بِفَنِّ التّأْرِيخ فِي الشِّعْرِ، فَأَرَّخَ كَثِيرًا مِنَ الوَقَائِعِ العَامَّةِ، وَمِنْ زِيَارَاتِهِ وَرِحْلاتِهِ، وَمِمَّا أَرَّخَهُ فِي دِيوانِهِ زِيَارَتُهُ العَتَبَاتِ المُقَدّسَةَ فِي النّجف وَكربلاء وَسُرَّمَرَّى سَنَة 1970م.

بُشْرَايَ زُرْتُ أَبَا الحُسَيْنِ إِمَامِي *** مَولايَ حَامِي حَوزَةِ الإِسْلامِ
المُرْتَضَى المَولَى أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْـ *** ـنَ وَلِيَّنَا الهَادِي أَبَا الأَعْلامِ
بِرَبِيْعَ أَوَّلَهُ لِعَاشِرِهِ بِجُمْـ *** ـعَتِهِ مَسَاءً فُزتُ بِالإِنْعَامِ
مِنْ هِجْرَةِ الهَادِي حَكَى تَارِيْخُهُ *** أَهْلاً دَخَلْتُ مَقَامَهُ بِسَلامِ
1390هـ
وَأَتَى لِمِيْلادِ المَسِيْحِ مُوَافِقًا *** تَارِيْخَ مَاشٍ للزِّيَارَةِ ظَامِي
1970م

تُوُفِّيَ الشَّيخ عَلِيّ كتّوب، رَحِمَهُ اللهُ، يَومَ الخَمِيسِ فِي العِشْرِينَ مِنْ شَهْر تمّوز سَنَةَ 1978م، للنِّصْفِ مِنْ شَهْرِ شَعْبَانِ سَنَةَ 1398هـ.

 

  • 1بويضة الزمام: خَيطُ الحَرِيرُ، تَحْتَمِلُ أَنْ تَكُون تَصْغِير ( بيضة) أَو مِنَ السّريَانِيّة: الحَرِير وَالكَتَّان، وَالزّمام: الخَيطُ. معجم معاني أسماء المدن والقرى في محافظة طرطوس، محمّد جميل الحطّاب.
  • 2 ( بعد إصلاحات عام 1856م، صارت قصبة ( دره كيش ) أو ( برمانه ) العاصمة الرسمية لقضاء صافيتا، واستمرت حتّى خروج العثمانيّين سنة 1918م .
    القصبة: تَجَمّع سُكّانِي مُحَاط بِالأَسوار... وَكَانَ عَدَدُ سُكّان القَصبة يترَدّد بَينَ أَلْفَين وَسِتّة آلافِ نَسَمَةٍ.)  مقاطعة صافيتا، بسام عيسى القحط.

    وَفِي كِتَابِ تَارِيخ صَافِيتا: أَنَّ إِسمَاعيل خير بك، هُو مَن جَعل الدريكيش مقرّ الحكم، يَوم عُيِّن مَدِير قَضَاء صَافيتا سَنَة 1854م. تاريخ صافيتا، منير صقر.