حقيقة العلويين في معرفة: الفرقة الناجية ومن هي؟

أُضيف بتاريخ الخميس, 24/02/2011 - 15:15

الفرقة الناجية ومن هي؟

 

قوله تعالى:  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءكُم مِّنَ الْحَقِّ  صدق الله العظيم.

وفي هذه الآية نهى الله سبحانه أهل الإيمان عن موالاة أعدائه وأعدائهم معًا وعن إلقاء المودة إليهم، وهو نَهيٌ واضحٌ في ترك موالاة أعداء الله، ولكن الأمر المُبهَم والذي يحتاج إلى بحث وتوضيح هو أولاً تحديد نوعية هذا العدو والتأكّد من هويته.

فإن قيل لنا كما يعتقده البعض، أنّ كلّ امرء غير مسلم هو عدو لله وللمسلمين بدليل قوله تعالى:  وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ .

يُعتَرَض عليه بقوله تعالى:  وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ .

فإذا كان إيمان المؤمن لا يتم إلا بتصديقه لجميع الأنبياء والرسل كعيسى وموسى وإبراهيم وغيرهم وبتقديسه لجميع الكتب السماوية كالتوراة والإنجيل والقرآن إيمانًا صادقًا من غير تفريق بين رسول ورسول ولا بين كتاب وكتاب.

فكيف يصح الإعتقاد بأنّ من اتبع أولئك الرسل أو عمل بمُحكم رسالاتهم وكتبهم أنه عدو لله وللمؤمنين؟!

أو أنه في الآخرة من الخاسرين؟!

أو أنّ مصيره في الآخرة إلى النار؟!

قال سبحانه:  مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ .

ويقول سبحانه:  لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللّهِ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيرًا .

وليت الأمر يقفُ مع أمثال هؤلاء عند هذا الحد من الحُكم على الغير في مصيرهم بالآخرة فيقولون هؤلاء للجنة أو للنار ولا يدرون أنّ الحُكمَ على الله جل وعلا فيما يُعامل به مخلوقاته يوم الحساب باطل.

وواضحٌ أيها القارئ المنصف أنّ الله سبحانه يقول في كتابه الكريم:  إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ .

فمن ذا الذي يملك على الله فِعلهُ وإرادته إذا عذّب أو غفر؟!

وصدق رسول الله أن الله يملكُ من الناس ولا يملكون منه ويقضي عليهم ولا يقضون.

بل ليت الأمر يقف عند هذا الحد من الحكم القاسي على الآخرين في مصيرهم بالآخرة لكان الأمر على قسوته وجرأته على الله سهل ولكن ويا للأسف تجاوز هذا الحكم حتى شمل أكثر المسلمين وضمّهم في مصيرهم إلى غيرهم من بقية الناس.

وورد عن النبي ص وآله أنه قال:

(انقسم بنو اسرائيل إحدى وسبعين فرقة وستنقسم أمتي إلى اثنتين وسبعين كلهم في النار إلا واحدة.
قيل ومن هي يا رسول الله؟
قال ص وآله: من مات على ما أنا وأصحابي عليه
).

الله أكبر ما أضيق هذا الطريق بل ما أخطر هذا القول، كل العالم غير المسلم حتى وتسع وتسعين بالمئة من المسلمين ومن أمة محمد بالذات في النار وواحد فقط من كل بني آدم ومن أمة محمد ص وآله وحدهم في الجنة.

قال الشيخ محمد عبده:

ما زال علماء المسلمين يُكفّر بعضهم بعضاً حتى لم يبق في الجنة مكان لمسلم إذا صدق هؤلاء العلماء (أ هـ).

ما أقل عدد أهل الجنة وما أكثر عدد أهل النار!

والغريب أنّ الحديث الشريف يقول: (يدُ الله مع الجماعة).

وأمير المؤمنين يقول في كتابه للأشتر : (وإنما عمادُ الدين وجَماعُ المسلمين والعِدّة للأعداء العامة من الأمة فليكن صفوك إليهم وميلك معهم والله سبحانه يقول:  فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ 7 وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ 8  ) من غير تعيين ولا تخصيص لدين أو ملّة أو مذهب.

بقيَ علينا بعد هذا إن صحّ الحديث المتقدّم أن نتأكد من هوية الفِرقة الناجية من أمّة محمد نفسها بعد عدم الحصول على طعن في الحديث أو بعد أن كثُرَ الإدعاء من كل فرقة من الفرق التي انقسمت إليها أمّة محمد بأنها هي الفرقة الناجية وحدها وهذه بعض الأقوال...

  • تقول الفرقة الشيعية الأثنعشرية

وأنا واحد منهم دينًا ومذهبًا ومُعتقدًا أنها الفرقة الناجية وكل من خالف رأيها حتى من فرق الشيعة نفسها (في النار) ويدعمون قولهم هذا بقول النبي لعلي : (يا علي ما أحبّك إلا مؤمن). وقوله : (حُب علي حسنة لا تضر معها سيئة) وإلى هذا أشار بعضهم بقوله:

كل من والى علي المرتضى   ليس يخشى من عظيمِ السيئات

حُبّـه الإكسيـرُ لو صُـبّ على   سيئـاتِ الخلقِ صـارت حسنـاتِ

هذا مع العلم أنهم يؤمنون بقوله تعالى:  فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ ...  .

  • وتقول الفرقة السنيّة

أنها الفرقة الناجية وحدها حتى من فرق السنة المتعددة ويستندون في قولهم هذا على جواب النبي في آخر الحديث الشريف المذكور وهو : (ألا من مات على ما أنا وأصحابي عليه).

وواضحٌ أنّ النبي لم يُبَيّن لنا مَن هم أصحابه الذين ماتوا على ما مات هو عليه ويُلفت النظر أنّ البيعة أعطيت للخليفة الثالث بتعهده بأن يسير على سيرة صاحبيه فقط، وعلاوة على هذا فهم يؤمنون بقوله تعالى:  إِنَّهُ مَن يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيى  دون أن يُشار في هذه الآية إلى اتّباع دين أو ملة أو مذهب.


وهكذا فكل فرقة دعواها وادعاؤها ونظرتها وحكمها على الآخرين من كل الفرق الإسلامية لا بل من كل الناس.

وإذا عُدنا إلى الآية التي أوردناها في بداية هذا البحث والتي تنص على الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله دون تفريق نجد أنّ هذه الأقوال بالرغم مما يوافقها من التأويل والتمحّل لا تتفق مع مضمون هذه الآية الكريمة مُطلقًا، هذا وكتاب الله لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، والنبي ص وآله لا ينطقُ عن الهَوى.

ومن ها هنا يجوز لنا أن نقول أنّ لقوله تعالى: وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ. شرحٌ ومعنىً غير الشروح والمعاني التي أوردها وحرّرها كثيرٌ من دعاة التفرقة وبَذر بذورها هُواة العداوة والشقاق والتجافي بين الناس، شرحٌ يوضحُ معنى هذه الآية ويُثبتُ أن الإدّعاء بالهداية الخاصة ليس من شأن الإسلام ولا من رأي المسلمين.. وإنّما هو من معتقدات الأمة اليهودية، تلك الأمّة التي تحتكر الله باختصاصه إياها دون سواها مع الإدّعاء العريض 1 بأنها وحدها المُهتدية وأنّ الله لا يرضى إلا عنها وأنّ جميع الأديان باطلة وجميع الأمم ضالة عداها..

ومعلومٌ أنّ القرآن الكريم أنزلت فيه آيات كثيرة بالرد على هذه الأقوال ودحض هذه المزاعم والمعتقدات وأنّه يقرّر أنّ كل من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحًا من جميع الملل فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون...

وهذا ما تشير إليه الآية الكريمة: وَأَوْفُواْ بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ.

وقوله: فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُون.

  • فأيّ عهدٍ هذا العهد الذي أشار إليه في هذا المقام؟
  • أهو العهد الأول عهد الله لآدم،
  • أم هو العهد الكوني السابق على عهد الله مع آدم،
  • أم العهد المعقود بين فطرة الإنسان وبارئه أن يعرفه ويعبده وحده لا شريك له،
  • أم هو العهد الخاص الذي قطعه الله لإبراهيم بقوله: وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ.
  • هذه العهود جميعاً إن هي إلا عهدٌ واحدٌ في صميمها.

إنّه العهد بين الباري وعباده أن يُصَفّوا قلوبهم إليه وأن يُسلّموا أنفسهم كلها له، وهذا هو الدين الواحد الذي لا يقبل الله دينا غيره وهذا هو الإسلام الذي جاء به الرسل جميعًا وإليه الإشارة بقوله تعالى: وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ.

فما الإسلام الذي جاء به محمد إلا الدين الواحد الخالد، جاء في صورته الآخرة وهو امتداد لرسالة الله ولعهد الله منذ البشرية الأولى يضم جناحيه على ما مضى ويأخذ بيد البشرية فيما سيأتي، ويوحّد بين العهد القديم والعهد الجديد وهذا ما تنص عليه الآية الكريمة:

إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ.

فالذين آمنوا يعني بهم المسلمين، والذين هادوا اليهود والنصارى أتباع عيسى والصابئون الذين تعبّدوا على الحنيفية الأولى ملة ابراهيم، فالآية تقرر على ما يبدو أنّ من آمن بالله واليوم الآخر من هؤلاء جميعًا وعمل صالحا فإنّ َ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ، فالعبرة إذن بحقيقة العقيدة لا بعصبية أو جنس أو قوم... الخ.

أما الحديث السابق الذكر فلا يخلو من غرابة وغموض يجب البحث عنه والتأمل فيه من أهل البصيرة النافذة والعقول السليمة لا من أهل التعصب والهوى ودعاة التجزئة والإنقسام وإلا فما هي الحجة التي نواجه بها من ينسبنا إلى التعصب في هذه الأقوال ويرمينا بالأنانية والإحتكار في هذا المعتقد الذي يظهر منه أننا لا نسمح لأحد من سائر خلق الله بدخول جنة الله إلا إذا كان من رأينا وعلى طريقتنا ولا يخفى على ذي بصيرة أنّ النبي عرّف المسلم بقوله (المسلم من سلم الناس من يده وعينه ولسانه).
وقال (أحسِن إلى جارك تكن مسلمًا، وارض للناس ما ترضاه لنفسك تكن مؤمنًا).

والإمام علي عرّف الإسلام بقوله: (الإسلام إعتقادٌ في القلب، وإقرارٌ باللسان، وعملٌ بالجوارح).

ونسب الإسلام نسبة لم يُسبق إليها فقال :

(الإسلام هو التسليم، والتسليم هو اليقين، واليقين هو التصديق، والتصديق هو الإقرار، والإقرار هو الأداء، والأداء هو العمل الصالح).

ومن هذا نستنتج أنّ كل إنسان وافق قلبه لسانه ولسانه عمل جوارحه في تعاليم الله وسيرة أنبيائه أجل فهو من أهل الدين المقبول عند الله.

وكل من رضيَ لغيره ما يرضاه لنفسه من الخير وأمِنَ الناس من أذاه فهو من الفِرقة الناجية وبهذا نتمكن من مواجهة من يتنكّر لقوله تعالى: وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ ...

وهكذا نستطيع أن نحدّد الفِرقة الناجية وحدها بدون تعصّب ولا أنانية، وأن نعرف الصديق الحق باتباعه للحق والعمل به فنواليه على الحق وعلى العمل به، ثم نعرف العدو باتّباعه الباطل وميله إلى أهله والعمل به فنعاديه إن لم نستطع ردّه عن الباطل عملاً بقول الرسول : (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق).

ومن ها هنا يصحّ الحكم على الناس بالإيمان أو الكفر لا من ملة واحدة ولا من دين واحد ولا على مذهب معيّن إلا مذهب الحق والإيمان والإنصاف.

وأسأل الله سبحانه أن يجعلنا في ديننا من المسلمين وفي إسلامنا من المؤمنين وفي إيماننا من الفرقة الناجية إنّه على كل شيءٍ قدير.

  • 1 راجع "في ظلال القرآن" للسيد قطب. الجزء الأول صفحة 79 و 82 .