الإيمان

أُضيف بتاريخ الأربعاء, 03/11/2010 - 11:33

الإيمان هو الثقة، وإظهار الخضوع وقبول الشريعة، ثم استعمل في التصدبق، إما مجازاً لغوياً لاستلزامه ما هو معناه، فإنك إذا صدقت أحداً آمنته من التكذيب في ذلك التصديق، وأما حقيقة لغوية.

وهو عرفاً : الاعتقاد الزائد على العلم، كما في التقوى.

وفي الشرع: هو الاعتقاد في القلب والإقرار باللسان والعمل بالأركان، فالاعتقاد بالقلب أمرٌ باطنيٌ لا يدرك بالحواس الظاهرة وإنما يستدل عليه من خلال الإقرار باللسان، والعمل بالأركان ويحكم على صاحبه بمقتضاهما حكماً ظاهرياً وعلى الله ما بطن، أما الإقرار باللسان فيستدل عليه بمجرد سماعه، والعمل بالأركان يستدل عليه برؤيته.

والإيمان يُستعمل تارة إسماً للشريعة التي جاء بها محمد عليه الصلاة والسلام وعلى ذلك: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالصَّابِؤُونَ ﴾ المائدة/69 .
ويوصف به كل من دخل في شريعته مقراً لله وبنبوته قيل وعلى هذا قال تعالى: ﴿ وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ ﴾ يوسف/106 .
وتارة يستعمل على سبيل المدح ويراد به إذعان النفس للحق على سبيل التصديق وذلك باجتماع ثلاثة أشياء تحقيق القلب ، واقرار اللسان، وعمل بحسب ذلك بالجوارح وعلى هذا قوله : ﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ ﴾.
ويقال لكل واحد من الاعتقاد والقول الصدق والعمل الصالح إيمانٌ قال تعالى: ﴿ وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ ﴾ أي صلاتكم. [المفردات للاصفهاني]

فالإيمان الذي يوصف به من دخل في الشريعة هو إيمان عام، ويفيد معنى الإسلام، ولا يعتبر إيماناً تاماً إلا إذا اقترن مع التصديق في القلب والعمل بالاركان.

فالإيمان أخصُ من الإسلام، والإسلام أعم منه لقوله تعالى :
﴿ قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ ﴾ وذكر القلب في هذه الآية يؤكد ما جاء عن المعصـومين عليهم السلام من أن أهم شروط الإيمان الاعتقاد في القلب ولا يعرف إلا من خلال الإقرار والعمل لانهما صفتان ظاهرتان وعبادتان مشهودتان.
فلإسلام إظهار الخضوع والقبول بما أتى به الرسول(ص) وبذلك يحقن الدم فإذا كان مع ذلك الإظهار اعتقادٌ وتصديقٌ بالقلب فذلك الإيمان وصاحبه المؤمن المسلم حقاً.

  • فأما من أظهر قبول الشريعة واستسلم لدفع المكروه فهو في الظاهر مسلم وباطنه غير مصدق ، فالمؤمن ُ مبطنٌ مع التصديق مثل ما يظهر، والمسلم التام الإسلام مظهر للطاعة وهو مع ذلك مؤمنٌ بها، والذي أظهر الإسلام تعوذاً من القتل غير مؤمن في الحقيقة، إلا أنّ حكمه في الظاهر حكم المسلمين.
  • فمن اعتقد بيقين، وشهد بصدق، وعمل بإخلاص فهو مؤمن ٌ صادقٌ في إيمانه ومسلم مخلص في تسليمه.
  • ومن شهد بلسانه، ولم يعتقد بقلبه، وعمل طاعة فهو مسلم مُسْتَضعف يُرجى له الإرتقاء في حال ترسخ الاعتقادُ في قلبه.
  • ومن شهد بلسانه،واعتقد بقلبه ، ولم يعمل فهو فاسقٌ ، لأن الفسوق هو خروج عن الطاعة التي لا تترجم إلا بالعمل الخالص.
  • ومن أخل بالشهادة فهو كافرٌ ، لأنها علامةُ الإسلام ومدخل إلى الإيمان.

والإيمان على أقسام :

  • إيمان معصوم : وهو إيمان الأنبياء، وهو التام المنتهي تمامه، وهو الإيمان المحض.
  • وإيمان مطبوع : وهو إيمان الملائكة المخلوقين للطاعة والعبادة، وهذا الإيمان كاملٌ بالله وقد خصهم به حكمةٌ من لدنهِ.
  • وإيمان مقبول : وهو إيمان المؤمنين المتقين، فإيمانهم صادقٌ في القلب يُظهره اللسان ، ويترجمه العمل بالأركان قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ﴾ المائدة/27.
  • وإيمان موقوف : وهو إيمان المبتدعين فهو موقوف لعدم إكمالهم شروط الإيمان ولعدم دخوله في قلوبهم.
  • وإيمان مردود : وهو إيمان المنافقين لقوله تعالى: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ ﴾ البقرة/8/.

فهذه هي أقسام الإيمان ينطبق كل قسم على أهـله بمقتضى الحال فالمعصوم والمطبوع والمقبول إيمانٌ صحيحٌ جامعٌ للشروط، والموقـوف هو إسلام ولا يطلق عليه اسم الإيمان، والمردود هو نفاقٌ بعيدٌ عن الإيمان والإسلام.

والإيمان في كتاب الله على أربعة أوجه :

  • فمنه إقرار باللسان.
  • ومنه تصديق بالقلب.
  • ومنه الأداء.
  • ومنه التأييد.

♦ فالإقرار باللسان كما في قوله تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ خُذُواْ حِذْرَكُمْ فَانفِرُواْ ثُبَاتٍ أَوِ انفِرُواْ جَمِيعاً . وَإِنَّ مِنكُمْ لَمَن لَّيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَالَ قَدْ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُن مَّعَهُمْ شَهِيداً . وَلَئِنْ أَصَابَكُمْ فَضْلٌ مِّنَ الله لَيَقُولَنَّ كَأَن لَّمْ تَكُن بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يَا لَيتَنِي كُنتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً ﴾ النساء/71 ،72،73 .
وفي معنى هذه الآية يقول الإمام الصادق عليه السلام :
﴿ لو أن هذه الكلمة قالها أهل المشرق وأهل المغرب لكانوا بها خارجين من الإيمان ولكن قد سماهم الله مؤمنين بإقرارهم ﴾.

♦ والتصديق بالقلب كقوله تعالى: ﴿ الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ . لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ ﴾. يونس/63،64 . فهــؤلاء هم الذين أقروا وصدقوا فالإيمان الخفي هو التصديق.

والأداء كقوله تعالى: ﴿ وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ ﴾ البقرة/143، فسمى الصلاة إيماناً ، وهذه الآية نزلت حينما حول الله قبلة رسوله إلى الكعبة فقال له أصحابه :يا رسول الله . فصلاتنا إلى بيت المقدس بطلت فنزلت هذه الآية بعدم بطلانها.

والتأييد: فهو الذي جعله الله في قلوب المؤمنين من روح الإيمان لقوله تعالى: ﴿ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ ﴾ المجادلة/22.

فلو لم يتفاوت الإيمان لكان أبسط الناس من الأمة بل المنهمك في الفسق مساوياً تصديق الأنبياء ويقينهم ، وهذا أمرٌ مردودٌ عقلاً ونقلاً

وعلى هذا الأساس الواضح فالإيمان يقبل الزيادة والنقصان ودليل ذلك قوله تعالى:
﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ﴾ الأنفال/22 .
وقوله تعالى : ﴿ هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَاناً مَّعَ إِيمَانِهِمْ ﴾ الفتح/4.
فالإيمان هو رسوخ الاعتقاد في القلب ، وهذا الرسوخ يكون تدريجياً وعلى مراحل ، ويأتي بعده اليقين ، وهو الاعتقــاد الجازم المطابق للواقع الثابت غير ممكن الزوال ، وهو في الحقيقة مؤلف من العلم بالمعلوم ، والعلم بأن خلافه محالٌ، وهو مأخوذ من قولهم يقن الماء في الحوض أي استقر.

وإنّ الإيمان القلبي أكمل من الإيمان العقلي وأتم منه لان الإيمان العقلي قابل للزوال ومعرض لأعاصير الشكوك فهو غير مستقر في القلب .

أما الإيمان القلبي فهو ثابتٌ غير مسترجع وصاحبه مأمون من الشك والتردد.

وللإيمان مراتبٌ أقلها الإيمان باللسان ،ثم الإيمان بالتقليد وهو التصديق الجازم المستلزم للعمل الصالح، ثم الإيمان بالغيب ، ثم الإيمان الكامل المتصل بالإيمان اليقيني.

وحقيقة الإيمان الرضا بقضاء الله، والتفويض إلى الله، والتسليم لأمر الله

وأما علامة الإيمان فهو كما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أما علامة الإيمان فأربعة:

  • الإقرار بتوحيد الله.
  • والإيمان به.
  • والإيمان بكتبه.
  • والإيمان برسله.

فهذه العلامات الأربع تجمع أصول المعارف والعبادات والمعاملات فلإسلام مدخل إلى الإيمان ، والإيمان متممٌ له ، وهو مدخل إلى اليقين واليقين متمم له وهو مدخل إلى الجنة والجنة فيها ما لا عينٌ رأت ولا أذنٌ سمعت ولا يخطر على قلب بشر.

وقد قسم مولانا أمير المؤمنين عليه السلام الإيمان إلى قسمين فقال:
( فمن الإيمان ما يكون مستقراً في القلوب ، ومنه ما يكون عواري بين القلوب والصدور إلى أجل معلوم ).

فالإيمان بذاته واحدٌ ولكن الناس فيه على أقسام، فمنهم مستقرٌ ومنهم مستودعٌ فالذين إيمانهم ثابتٌ ومستقرٌ فإيمانهم حقيقيٌ وسلوكهم مستقيمٌ ،والذين إيمانهم مسترجعٌ ومستودعٌ فإيمانهم مجازيٌ وسلوكهم معوجٌ ،وقد قال الرسول صلى الله عليه وآله: ( الإيمان نصفان: نصف صبر، ونصف شك ).

ومن المعلوم عند أهل العلوم بأن الله ذكر الصبر ومدح أهله في كتابه في نيف وسبعين موضع، وقدم الصبر على الصلاة في مواضع عدة لقوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾ البقرة/153. ولم يقل مع المصلين وهذا دليل سنيٌ على ارتفاع درجة الصابرين.

أما الشكر فهو سبب لدوام النعم وزيادتها قال تعالى: ﴿ ولئن شكرتم لأزيدنكم ﴾ البقرة/153.
فهاتان الصفتان المكرمتان تجمعان الإيمان وتحملان معانيه ومن تخلق بهما فهو مؤمنٌ حقاً ومن أهل اليقين.

وقال صلى الله عليه وآله: ( لا يكمل الإيمان إلا بالكف عن محارم الله ).
لأن الإيمان يستوجب الطاعة ، والطاعة تقتضي الالتزام بأوامر الله والانتهاء عن محارمه.

وقال أمير المؤمنين عليه السلام:
( إن من حقيقة الإيمان أن تؤثر الحق وإن ضرك على الباطل وإن نفعك ).
وهذه درجة الموقنين الذين لا يخشون في الله لومة لائم، ولله در القائل :

أصدع بـــالحق لا أبــــــالي   إن لامني لائــم أو لحــــاني

وبهذا المعنى يقول الرسول ص : ( إن من اليقين أن لا ترضي أحداً بسخط الله ).

وقد ذكر مولانا أمير المؤمنين عليه السلام حقيقة الإيمان واصطفاءه واستخلاصه واشتقاقه ومحاسنه الخمس وثلاثين ودعائمه الأربع، وشعبها الست عشر فجمع بذلك مكارم الأخلاق الإنسانية ، والصفات الإيمانية التي ترقي بصاحبها المتخلق بها والملتزم بأحكامها إلى أوج الكمالات وأكرم النهايات فقال:

إن الله ابتدأ الأمور فأصطفى لنفسه منها ما شاء، واستخلص منها ما أحب ، فكان مما أحب أنه أرتضى الإيمان فاشتقه من اسمه، فنحله من أحب من خلقه، ثم بينه فسهل شرائعه لمن ورده، وأعز أركانه على من جانبه، وجعله عزاً لمن والاه، وأمناً لمن دخله، وهدى لمن أئتم به، وزينة لمن تحلى به، وديناً لمن انتحله، وعصمةً لمن اعتصم به، وحبلاً لمن استمسك به، وبرهاناً لمن تكلم به، وشرفاً لمن عرفه، وحكمة لمن نطق به، ونوراً لمن استضاء به، وحجةً لمن خاصم به، وفلجاً لمن حاج به، وعلماً لمن وعى، وحديثاً لمن روى، وحكماً لمن قضى، وحلماً لمن حدث، ولباً لمن تدبر، وفهماً لمن تفكر، ويقيناً لمن عقل، وبصيرة لمن عزم، وآية لمن توسم، وعبرة لمن اتعظ، ونجاة لمن آمن به، ومودة من الله لمن صلح، وزُلفى لمن ارتقب، وثقةً لمن توكل، وراحة لمن فوض، وصبغة لمن أحسن، وخيراً لمن سارع، وجُنة لمن صبر، ولباساً لمن اتقى، وتطهيراً لمن رشد، وأمنة لمن أسلم، وروحاً للصادقين، فالإيمان أصل الحق، وأصل الحق سبيله الهدى، وصفته الحسنى، ومأثرته المجد، فهـو أبلج المنهـاج، مشرق المنار، مضيء المصابيح، رفيع الغاية، يسير المضمار، جامع الحلبة، متنافس السبقة، قديم العدة، كريم الفرسان، الصالحات مناره، والعفة مصابيحه، والموت غايته، والدنيا مضماره، والقيامة حلبته، والجنة سبقته، والنار نقمته، والتقوى عدته، والمحسنون فرسانه، فبالإيمان يستدل على الصالحات، وبالصالحات يعمر الفقه، وبالفقه يُرهب الموت، وبالموت تختم الدنيا ، وبالدنيا تحذو الآخرة، وبالقيامة تزلف الجنة، والجنة حسرة أهل النار، والنار موعظة التقوى، والتقوى سنخ الإحسان، والتقوى غايةٌ لا يهلك من تبعها، ولا يندم من يعمل بها، لان بالتقوى فاز الفائزون، وبالمعصية خسر الخاسرون، فليزدجر أولو النهى، وليتذكر أهل التقوى.

فالإيمان على أربع دعائم: على الصبر واليقين والعدل والجهاد.

فالصبر على أربع شعب: على الشوق والشفق والزهد والترقب فمن اشتاق إلى الجنة سلا عن الشهوات، ومن أشفق من النار رجع عن لحرمات، ومن زهد في الدنيا هانت عليه المصيبات، ومن ارتقب الموت سارع إلى الخيرات.

واليقين على أربع شعب: على تبصرة الفطنة، وتأول الحكمة، وموعظة العبرة، وسُنة الأولين . فمن تبصر في الفطنة تأول الحكمة، ومن تأول الحكمة عرف العبرة، ومن عرف العبرة عرف السنة ومن عرف السنة فكأنما عاش في الأولين.

والعدل على أربع شعب: على غائص الفهم، وغمرة العلم، وزهرة الحكم، وروضة الحلم. فمن فهم فسر جميع العلم، ومن عرف الحكم لم يضل، ومن حلم لم يفرط في أمره وعاش به في الناس حميداً.

والجهاد على أربع شعب: على الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والصدق عند المواطن، وشنآن الفاسقين. فمن أمر بالمعروف شد ظهر المؤمن، ومن نهى عن المنكر أرغم أنف الكافر، ومن صدق في المواطن قضى ما عليه، ومن شنأ الفاسقين غضب لله ومن غضب لله غضب الله له. فذلك الإيمان ودعائمه وشعبه. (تحف العقول)

فهذا باختصار جامع تعريف الإيمان عن إمام الهدى ومعدن التقى والذي يعد حبه إيمان وبغضه نفاق لقول رسول الله (ص) : ( يا علي لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا كافر )، وهذا ثابت من طريق الفريقين.

ومن الثابت أيضاً بأن الإيمان كمال الإسلام وغايته، وكذلك فإن الرسالة الإسلامية لم تكمل إلا بتبليغ ولاية أمير المؤمنين لقول الله تعالى : ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً ﴾ المائدة/3.
وقد أجمع المفسرون على نزول هذه الآية عقب تبليغ الرسول بما أنزل إليه من ربه في علي الذي وصفه الرسول نفســه بالإيمان وذلك يوم الخندق حينما برز لقتال عمر بن ود العامري فقال صلى الله عليه وآله وسلم: برز الإيمان كله إلى الكفر كله.

وأختم هذا الفصل

بما ورد عن مولانا أمير المؤمنين في فرائض الإيمان قال :

فالإيمان بالله تعالى هو أعلى الإيمان درجة، وأشرفها منزلة، وأسناها حظاً.
فقيل له: الإيمان قول وعمل أم قول بلا عمل؟
فقال عليه السلام: الإيمان تصديق بالجنان ، وإقرار باللسان ، وعمل بالأركان ، وهو عمل كله، ومنه التام الكامل تمامه، والناقص البين نقصانه، ومنه الزائد البين زيادته، إن الله تعالى ما فرض من الإيمان على جارحة واحدة ، وما من جارحة من جوارح الإنسان إلا وقد وكلت بغير ما وكلت به الأخرى ، فمنها قلبه الذي يعقل به ويفقه ويفهم ويحل ويعقد ويريد، وهو أمير البدن وإمام الجسد الذي لا ترد الجوارح ولا تصدر إلا عن أمره ورأيه ونهيه.

ومنها اللسان الذي ينطق به، ومنها أذناه اللتان يسمع بهما ومنها عيناه اللتان يبصر بهما ، ومنها يداه اللتان يبطش بهما ومنها رجلاه اللتان يسعى بهما ، ومنها فرجه الذي الباه من قِبلِه ، ومنها رأسه الذي فيه وجهه، وليس جارحة من جوارحه إلا وهي مخصوصة بفريضة .

ففرض على القلب غير ما فرض على اللسان ، وفرض على اللسان غير ما فرض على السمع ، وفرض على السمع غير ما فرض على البصر، وفرض على البصر غير ما فرض على اليدين، وفرض على اليدين غير ما فرض على الرجلين، وفرض على الرجلين غير ما فرض على الفرج، وفرض على الفرج غير ما فرض على الوجه، وفرض على الوجه غير ما فرض على اللسان.

  فأما ما فرضه على القلب من الإيمان :
الإقرار والمعرفة والعقد عليه، والرضا بما فرض عليه والتسليم لأمره، والذكر، والتفكر، والانقياد إلى كل ما جاء عن الله عز وجل في كتابه، مع حصول المعجز فيجب عليه اعتقاده ، وان يظهر مثل ما أبطن إلا للضرورة ،كقوله تعالى: ﴿ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ ﴾
وقوله تعالى: ﴿ لاَّ يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِيَ أَيْمَانِكُمْ وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ ﴾
وقوله سبحانه: ﴿ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً ﴾
وقوله تعالى: ﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ﴾
وقال عز وجل: ﴿ فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ ﴾
ومثل هذا كثير في كتاب الله وهو رأس الإيمان.

  وأما ما فرضه على اللسان :
فقوله عز وجل في معنى التفسير لما عقد به القلب، قولــه تعالى: ﴿ قُولُواْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ ﴾
وقوله سبحانه: ﴿ وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ ﴾
وقوله سبحانه: ﴿ وَلاَ تَقُولُواْ ثَلاَثَةٌ انتَهُواْ خَيْراً لَّكُمْ إِنَّمَا اللّهُ إِلَـهٌ وَاحِدٌ ﴾
فأمر سبحانه وتعالى بالحق ونهى عن قول الباطل.

  وأما ما فرضه على الأذنين :
فالاستماع إلى ذكر الله ، والإنصات لما يتلى من كتابه، وترك الإصغاء لما يُسخطه، فقال سبحانه: ﴿ وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾
وقال تعالى: ﴿ وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللّهِ يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ ﴾
ثم استثنى برحمته موضع النسيان فقال: ﴿ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴾
وقال عز وجل: ﴿ فَبَشِّرْ عِبَادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ ﴾
وقال تعالى: ﴿ وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ ﴾
وفي كتاب الله ما معنى ما فرضه الله على السمع وهو من الإيمان.

  وأما ما فرضه على العينين :
فهو النظر إلى آيات الله، وغض النظر عما حرم عز وجل، قال الله تعالى: ﴿ أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ . وَإِلَى السَّمَاء كَيْفَ رُفِعَتْ . وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ . وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ ﴾
وقال الله تعالى: ﴿ أَوَلَمْ يَنظُرُواْ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللّهُ مِن شَيْءٍ ﴾
وقال سبحانه: ﴿ انظُرُواْ إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ ﴾
وقال: ﴿ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا ﴾ وهذه الآية جامعة لأبصار العيون وأبصار الظنون.
قال الله تعالى: ﴿ فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ ﴾
ومنه قوله تعالى: ﴿ قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ ﴾ أي ممن يلحقهن النظر كما جاء في حفظ الفروج. فالنظر سببُ إيقاع الفعل من الزنا وغيره.

  ثم نظم تعالى ما فرض على السمع والبصر والفرج في آية واحدة، فقال: ﴿ وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِن ظَنَنتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيراً مِّمَّا تَعْمَلُونَ ﴾ - يعني بالجلود هنا الفروج ـ
وقال تعالى: ﴿ وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً ﴾
هذا ما فرض الله تعالى على العينين من تأمل الآيات والغض عن تأمل المنكرات وهو من الإيمان.

  وأما ما فرضه الله سبحانه على اليدين :
فالطهور ، وهو قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ ﴾
وفرض على اليدين الإنفاق في سبيل الله تعالى فقال: ﴿ أَنفِقُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الأَرْضِ ﴾
وفرض الله تعـالى على اليدين الجهاد لأنه من عملهما وعلاجهما ، فقال: ﴿ فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ ﴾ وذلك كله من الإيمان

  وأما ما فرضه على الرجلين :
فالسعي بهما فيما يرضيه واجتناب السعي فيما يسخطه ، وذلك قوله سبحانه: ﴿ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ﴾
وقوله سبحانه: ﴿ وَلاَ تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحاً ﴾

وقوله: ﴿ وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ ﴾
وفرض عليهما القيام في الصلاة فقال: ﴿ وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ ﴾
ثم أخبر إن الرجلين من الجوارح التي تشهد يوم القيامة حين تستنطق بقوله سبحانه: ﴿ الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾
وهذا مما فرضه الله تعالى على الرجلين ، وهو من الإيمان .

  وأما ما افترضه الله سبحانه على الرأس :
فهو أن يمسح من مقدمه بالماء في وقت الطهور للصلاة بقوله: ﴿ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ ﴾ وهو من الإيمان
  وفرض على الوجه :
الغسل بالماء عند الطهور ،وقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ ﴾
وفرض عليه السجود وعلى اليدين والركبتين والرجلين الركوع وهو من الإيمان. وقال فيما فرض على هذه الجوارح من الطهور والصلاة، وسماه في كتابه إيماناً حين فرض عليه استقبال القبلة في الصلاة وسماه إيماناً حين تحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة فقال المسلمون : يا رسول الله ذهبت صلاتنا إلى بيت المقدس وطهورنا ضياعاً، فأنزل الله سبحانه: ﴿ وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللّهُ وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ ﴾ فسمى الصلاة والطهور إيماناً.
وقال رسول الله ص:من لقي الله كامل الإيمان كان من أهل الجنة، ومن كان مضيعاً لشيء مما افترضه الله تعالى على هذه الجوارح ، وتعدى ما أمر الله به وارتكب ما نهى عنه لقي الله تعالى ناقص الإيمان، وقال الله عز وجل: ﴿ وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُم مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَـذِهِ إِيمَاناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ ﴾
وقال تعالى: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ﴾
وقال سبحانه: ﴿ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى ﴾
وقال: ﴿ وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ ﴾
وقال: ﴿ هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَاناً مَّعَ إِيمَانِهِمْ ﴾
ولو كان الإيمان كله واحداً لا زيادة فيه ولا نقصان لم يكن لأحدٍ فضلٌ على أحدٍ، ولتساوى الناس في تمام الإيمان ، وبكماله دخل المؤمنون الجنة، ونالوا الدرجات فيها ، وبذهابه ونقصانه دخل آخرون النار.

وكذلك السبق إلى الإيمان ، قال الله تعالى: ﴿ وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ . أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ ﴾
وقال سبحانه: ﴿ وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ ﴾
وثلث بالتابعين وقال عز وجل: ﴿ تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ ﴾
وقال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُوراً ﴾
وقال تعالى: ﴿ انظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً ﴾
وقال تعالى: ﴿ دَرَجَاتٌ عِندَ اللّهِ واللّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ ﴾
وقال سبحانه: ﴿ وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ ﴾
وقال تعالى: ﴿ لَا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلّاً وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى ﴾
وقال تعالى:﴿ وَفَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً . دَرَجَاتٍ مِّنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً ﴾
وقال تعالى: ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لاَ يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلاَ نَصَبٌ وَلاَ مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَطَؤُونَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلاَ يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلاً إِلاَّ كُتِبَ لَهُم بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ ﴾

فهذه درجات الإيمان ومنازلها عند الله سبحانه، ولن يؤمن بالله إلا من آمن برسوله وحججه في أرضه، قال الله تعالى: ﴿ مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ ﴾
وما كان الله عز وجل ليجعل لجوارح الإنسان إماماً في جسده ينفي عنها الشكوك ويثبت لها اليقين ويهمل ذلك في الحجج وهو قوله: ﴿ فَلِلّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاء لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ ﴾
وقال تعالى: ﴿ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ ﴾
وقال تعالى: ﴿ أَن تَقُولُواْ مَا جَاءنَا مِن بَشِيرٍ وَلاَ نَذِيرٍ ﴾
وقال سبحانه: ﴿ وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا ﴾

  ثم فرض على الأمة طاعة ولاة أمره القوامون بدينه ، كما فرض عليهم طاعة رسوله ص فقال: ﴿ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ ﴾
ثم بين محل ولاة أمره من أهل العلم بتأويل كتابه فقال عز وجل: ﴿ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ ﴾
وعجز كلُ أحد من الناس عن معرفة تأويل كتابه غيرهم، لأنهم الراسخون في العلم المأمونون على تأويل التنزيل، قال الله تعالى: ﴿ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ﴾إلى آخر الآية.
وقال سبحانه: ﴿ بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ﴾.

وطلب العلم أفضل من العبادة قال الله تعالى: ﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء ﴾
وبالعلم استحقوا عند الله اسم الصدق وسماهم به صادقين . وفرض طاعتهم على جميع العباد بقوله: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾ فجعلهم أولياءه ، وجعل ولايتهم ولايته وحزبهم حزبه، فقال: ﴿ وَمَن يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ ﴾
وقال: ﴿ إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ﴾