خطبة علويّة بمناسبة المولد النبوي الشريف: كيف تأسس المولد النبوي وماذا يُراد منه؟. للشيخ عبد الكريم علي حسن الخطيب عفى الله عنه.

أُضيف بتاريخ الثلاثاء, 15/02/2011 - 15:44

خطبة بمناسبة مولد خاتم الأنبياء سيدنا محمد ، بعنوان (كيف تأسس المولد النبوي وماذا يُراد منه)، وقد أُلقيت من على منبر مسجد الإمام علي  في طرطوس في ستّينيّات القرن الماضي في 5\9\1960م وهي للمغفور له فضيلة الشيخ عبد الكريم علي حسن الخطيب .. وقد نقلناها من كتابه ""الكَلِمُ الطيّب" المطبوع سنة 1968م والذي يشتمل على خطب وبحوث إسلامية..

 

الحمد لله............................ وبعد

أيّها الأخوة المؤمنون:

نحتفل في هذا اليوم بمناسبة ذكرى مولد النبي الكريم محمد بن عبد الله عليه وآله الصلاة والسلام نبيّ الهُدى والرحمة: 
وإذا كنا نحتفل به اليوم، كذلك تحتفل كل أمّة من أمم التاريخ بأعياد عظمائها.
لأنّ الأعياد لا تتوقف على أمّة من الناس، ولا تختص بشعب، ولا تقتصر على دين..
فالأعياد قديمة متفق عليها في تاريخ الأمم، وفي كل الأديان فلكل أمّة أعيادها، ولكل دين عوائده وطقوسه وتقاليده: ولا سيما الأعياد التي لها أثرها الطيب الخالد في حياة الشعوب، وتاريخ أبطالها ومُخلصيها ومنقذيها.

ومما تجدر الإشارة إليه: أنّ هذا العيد، لم يكن معروفًا في عهد الرسول  ولا أمر به، ولا في عهد الخلفاء الراشدين ولم يحتفلوا به، ولم يُعرف عند المسلمين ولا عند العرب حتى القرن الثامن الهجري..

وبعد هذا العيد بزمن بعيد تقرّر الإحتفال بعيد الهجرة المباركة، هذا لأنّ أمثال هذه الأعياد لم تكن معروفة عند العرب، وكان الإحتفال إلى زمن قريب بهذا العيد عيد المولد.

هكذا يجتمع المسلمون بالجامع، ويقرأ عليهم شيخ الجامع، قصّة المولد النبوي الشريف، وهي قصّة ألّفت خصيصًا لهذه الغاية، تحتوي على ذكر كيفيّة ولادة الرسول ، وذكر الخوارق والمعجزات التي حدثت يوم ولادته ، كذكر:

  • معجزة ظهور نور من مكة أضاءت له مخادع دمشق،
  • ومعجزة سقوط التاج عن رأس كِسرى، وانشقاق أبوابه، وسقوط عدد من شرفاته،
  • وإخماد النار في فارس بعد أن مرّ عليها ثلاثمائة عام، لم يُخمد ولم تنطفئ،
  • وإدرار اللبن على ثدي مُرضعته حليمة،
  • وذكر تربيته العربية بين أبناء البادية إلى غير ذلك من الخوارق.

أما في هذه الأيام فنحن لا نحتفل بهذا اليوم لأنّ التاج سقط عن رأس كسرى، ولا لأنّ اللبن درّ على ضرع مرضعته، ولا لنحتفظ بتاريخ ولادته الطاهرة، ولكنما نحتفل بهذا اليوم لغرض هو في مفهومنا أجدر، وفي نظر العالم أجدى.
نحتفل بهذا العيد لنلفت نظر العالم إلى تلك المبادئ المُطهّرة، التي جاء بها هذا العبقري الفرد، هذا المُصلح الأكبر والمُعَلم الأول، محمد بن عبد الله صلوات الله عليه، إسمعوا إليه القول لمّا دخل مكّة منتصراً، وانتفعوا بقوله:

(أيها الناس، إنّ الله تعالى قد أذهب عنكم نخوة الجاهلية وتفاخرها بالآباء: كلكم لآدم، وآدم من تراب، لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى).

واسمعوا إليه يقول لأولئك الأسياد الذين كانوا لا يسمحون للعبد أن يجلس مع سيّده على طعام ولا أن يلبس من نوع ثيابه، وعلاوة على هذا وذاك فقد كانوا يُثقلون ظهره بالأحمال:
(إخوانكم خدمكم جعلهم الله تحت أيديكم فمن كان أخوه تحت يده فليُطعمه مما يأكل، وليُلبسه مما يلبس، ولا تكلفوهم ما يغلبهم وإن كلّفتموهم فأعينوهم).
ثم يقول : (الإنسان أخو الإنسان أحب أم كره).
قال هذا في مجتمع يغلب في عوائده التعدّي والتكبّر والضرر.

ومن جملة هذه التعاليم الحض على الحب. انظروا كيف اشترط على صحّة الإيمان، وعلى دخول الجنّة بالحب، قال :

(لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تتحابّوا).

وانظروا كيف نهى عن البغضاء والقطيعة أشدّ النهي، لأنهما يُسببان تمزيق الصفوف، وانشغال الناس عن التفكير بالعمل النافع المُثمر إلى التفكير بالأذى والشرور، قال :

(لا تباغضوا، ولا تحاسدوا، ولا تدابروا، ولا تقاطعوا، وكونوا عباد الله إخوانًا).

هذه هي بعض المبادئ والتعاليم التي نحتفل الآن بذكرى مولد صاحبها، أجل نحتفل بها لأنّها علمتنا أنّ الفضل والتفاضل بين الناس بالتقوى، وأنّ الإنسان أخو الإنسان مهما تباعدت الديار، واختلفت الألوان، وأنّ دخول الجنة لا يكون إلا بالحب، وأنّ الله يٌحبّ أكثر الناس نفعاً للناس، ولأنها تنهي عن البغضاء وتحذر من القطيعة لما فيها من الضرر والفساد...

ومن حقنا أن نحتفل بهذه التعاليم وبصاحب هذه التعاليم لأنها تفوق تعاليم عظماء العالم..

والحكمة في إحياء هذا الإحتفال للأمة العربية جمعاء وللمجتمع الإسلامي خاصة، النظر إلى الماضي ليكون عبرة للحاضر والمستقبل لعلّهم يتخذون منها نبراسًا يعملون بهديه يدًا واحدةً وصفًّا واحدًا لأنفسهم، ويُناضلون بقوة الإيمان والعقيدة في سبيل مبادئهم القويمة، ويُحرروا عقولهم وأفكارهم وآراءهم ونفوسهم من العصبيات البغيضة التي تُعيق تقدّمهم ونهضتهم..

أيّها الأخوة المؤمنون:

  • قد آن للأمّة العربية أن تتحرّر من القيود التي كانت تفرّق صفوفها.
  • وقد آن للأمة الإسلامية أن تتخلص من الرواسب التاريخية الخطرة.
  • وآن لنا جميعًا أن نتجاوز تلك الضلالات التي لفقها تجار السياسة والإنتهازيون، تلك الضلالات التي عشنا في غياهبها زمنا طويلاً.
  • نعم، آن لنا أن نعود إلى تعاليم نبيّنا، وأن نرجع إلى مبادئ ديننا مجتمعين على عقيدة واحدة هي الإيمان بالله، والوطن.

وها نحن نُصرّح أنّ المؤمن الصادق الإيمان، الخالص المعتقد من يعمل لخدمة أمته وبلاده، ولصيانة الحدود، وحفظ الثورة من الإستغلال، وحسبنا في ذلك قول النبي العظيم الذي نحتفل بذكرى مولده اليوم: (حُبّ الوطن من الإيمان).
وبقوله : (المُسلم من سلمَ الناس من يده ولسانه).

حقق الله فينا جميعًا هذه التعاليم، ووفقنا للعمل بهذه المبادئ وللإحتفال بها وبمولد صاحبها في كل عام.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.