2- في تعريف الفلسفة

أُضيف بتاريخ السبت, 08/10/2011 - 16:04

  إعلم أنّ الفسفة حسب رأي الأقدمين هي درس الحكمة وتعليمها، ويَنسبون إليها جميع ما يُمكن معرفته إما بواسطة الحواس الخارجية، وإما بالارشادات العقلية من كل مايتعلق بالله وبالأرواح وبالعالم ذي الهيولي.
وقال شيشرون الفيلسوف الروماني بأنها: هي علم كل ما يتعلق بالأشياء الإلهية، وتنسب إليها الأشياء الإنسانية والعلل التي تحتوي عليها 1 .

  واختلف الفلاسفة في تعريفها اختلافاً واسعاً شائعاً، منه:

  • ليس كل إدراك حق وخير يكون موضوع الفلسفة، لأنّ: ما يلاحظ الخير والشرائع المتعلق بها نجاح الجمهور والأفراد وتهذيب العادات يُسمى (علم الحق) الطبيعي العام والخاص، أو (فلسفة ادبية).
  • وما يلاحظ الحق يمكن أن يُسمى (فلسفة نظرية) لأنه وكما كان له اسماً عاماً، يُسمى بأسماء مختلفة كاختلاف موضوعه.
  • فالعلم الذي يوضح قوانين الاستدلال المستقيم ويكشف عن ينابيع الحق 2 يسمى (منطقاً).
  • والعلم الذي يبحث فيه بالعموم عن خواص الموجودات الأكثر عموماً أو بالخصوص عن الله تعالى والانسان والعالم يسمى يسمى (علم ماوراء الطبيعة أو علماً إلهياً).
  • والعلم الذي يبحث فيه بنوع خاص عن طبيعة الأجساد وقواها وشرائعها وسائر غرائبها يسمى (علماً طبيعياً) ومنهم من يضيف إلى هذا القسم (علم الفلك والهندسة) المركبة بالخصوص ويُسمّيه (فلسفة طبيعية).

  وتُطلق الفلسفة في عرف المتأخرين على بيان أسباب الأشياء المادية وغير المادية، وذكر الأشياء مع أسبابها، وقد يُراد بها التأنق في المسائل العلمية والتفنن فيها، وعلى كلٍ فإن سائر أقسام الفلسفة تشملها الفلسفة العقلية.

  ولو أخذنا بالتفصيل عن بدء الفلسفة ونجاحها، وفرق الفلاسفة وتقلبها، وما زيد على أقسامها عند الكلدانيين والمصريين والفرس واليونان حتى تفرّقت بين كثير من فرق الفلاسفة، لوجدنا أنها سبّبت بذلك للجنس البشري ضرراً عظيماً، وذلك لا بذاتها بل بما أولده فيها فلاسفة كثيرون من الاختراعات الفاسدة، التي بلبلوا فيها إرشاد العقل المُستقيم، بتغيير قوانينها الإلهية وتحريف موضوعاتها القديمة، التي جاء بها الحكماء الإلهيون مثل: سقراط وأفلاطون وأرسطوطاليس، حتى أصبح من المُقرّر عدم جزم معرفة حقيقتها الذاتية الكافلة لتهذيب عالم البشر وهديهم إلى إدراك السعادة الحقيقية. بدليل أنّ كثيراً من الحقائق الضرورية لتثقيف الحياة الناطقة قد يتلبك العقل بطريق الفلسفة عن إدراكها، إذ ترى كثيراً من كبار الفلاسفة قد وَهِمُوا أوهاماً كبيرة ولم يستطيعوا أن يُبيّنوا للبشر مجموع الشرائع الأدبية بكمالها.

  فإذاً بالنظر لاتساع الفلسفة وقصر حياة الانسان وضعف العقل البشري، يجب الإعتراف بأنّ نفس الموصوفين بسِعَةِ المعارف من أعاظم الفلاسفة المنسوبين لعالم البشر، فضلاً عن من هم دونهم: لم يعرفوا إلا القليل، بل إنّ ماعرفوه بالنسبة لما لم يعرفوه بعد: ليس بشيء إلا بقدر الطاقة البشرية.

  والفلسفة باصطلاح الصوفيين: 3 التشبه بالإله حسب الطاقة البشرية لتحصل السعادة الأبدية، وقد يُراد بها سوء العقيدة عند قوم، وهي بهذا الاعتبار ضد التصوف، إذ أنّ التصوف طريقة مغزاها: صفاء الباطن مع الحق والخلق وقمع الطبع باتباع الشرع.
وقيل التصوف مذهب كله جد فلا يخلطونه بشيء من الهزل.
وقيل هو ترك الاختيار.
وقيل بذل الموجود.

  وخلاصة القول في تعريف الفلسفة: هي كلمة يونانية، يُراد بها: درس الحكمة أو المعرفة المُوَحّدة كل التوحيد، مقرّها العقل وموضوعاتها ثلاثة: (الله) و (الانسان) و (الطبيعة).
فالعلم الذي يُرشد الانسان إلى إدراك الحق والخير يُسمى (فلسفة)، والمُعتنون بتحصيله يُسَمَّون (مُحبّي الحكمة).

  • 1قد كان الذين يجتهدون في درس هذه الأشياء والتأمل فيها والبحث عنها يُسَمّون وقتئذ: الحكماء، إلى أن ظهر فيثاغورث الفيلسوف اليوناني المشهور سنة 564 قبل الميلاد وحضر إلى مدينة (إيلادة)وتذاكر مع (لاون الملك) بأبحاث دقيقة وشرحها له بكل دقة وتوضيح، فسأله حينئذ الملك المذكور :أية صناعة أتقنت من الصناعات؟
    فأجابه قائلاً: لم أعرف شيئاً على الاطلاق (سوى أني احب الحكمة).
    ومن ثم أطلق عليه وعلى الحكماء من بعده لقب (فيلسوف)، وهو لفظ يوناني معناه (مُحِب الحكمة).
  • 2ينابيع الحق عند الفلاسفة هي قواعد جزئية يؤخذ منها سبيل لأحكام مختلفة كاختلاف الاشياء وتوكيدها فهو واحد كنطقنا وهذه أربعة (الحس الباطن) و (العقل) و (الحواس الظاهرة) و (الشهادة).
  • 3الصوفية أو الصوفيون: فرقة من الاسلام، طرقهم في النظر ليست طرقاً نظرية، أعني مُرَكّبة من مُقدّمات وأقيسَة، وإنما يزعمون أن المعرفة بالله وبغيره من الموجودات شيء يُلقى في النفس عند تجردها من العوارض الشهوانية وإقبالها بالفكرة على المطلوب.
    ويحتجون لتصحيح هذا بظواهر من الشرع كقوله تعالى (واتقوا الله ويعلمكم الله) (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا) (ولئن تتقوا الله يجعل لكم فرقاناً)، غير أن أصحاب النظر فهم يقولون أن هذه الطريقة وإن سلّمنا يوجودها فإنها: ليست عامة للناس بما هم ناس، ولو كانت هذه الطريقة هي المقصودة للناس لبطلت طريقة النظر، ولكان وجودها بالناس عبثاً، والقرآن كله إنما دعا إلى النظر والاعتبار وتنبيه على طريق النظر.
    نعم لسنا ننكر أن تكون إماتة الشهوات شرطاً في صحة النظر مثل ما تكون الصحة شرطاً في ذلك.