الإفلاس في نظر الدين، ومن هو المفلس!؟ خُطبة للشيخ عبد الكريم علي حسن الخطيب عفى الله عنه.

أُضيف بتاريخ الجمعة, 17/02/2012 - 02:27

خُطبة بعنوان (الإفلاس)، وقد أُلقيت من على منبر مسجد الإمام علي  في طرطوس في ستّينيّات القرن الماضي  وهي للمغفور له فضيلة الشيخ عبد الكريم علي حسن الخطيب .. وقد نقلناها من كتابه ""الكَلِمُ الطيّب" المطبوع سنة 1968م والذي يشتمل على خطب وبحوث إسلامية..

 

الحمد لله..................... وبعد

من الأخبار الواردة عن النبي  أنّه قال: أتدرون من المُفلِس؟
قالوا: المُفلس فينا من لا درهم له ولا متَاع.
فقال :

(إنّ المُفلس من أُمّتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وزكاة، ويأتي وقد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، فيُعطي هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيَت حسناته قبل أن يقضي ما عليه، أخذ من خطاياهم، فطُرحَت عليه، ثم طُرحَ في النار..)

إخواني:

يرى كثيرٌ من الناس، أنّ الإفلاس، إنّما هو فقد الأموال والمَتاع وفراغ اليد من طعام هذه الدنيا، فيحرصون عليها وعلى جمعها، ويفرحون بما يجتمع لديهم منها، غير أنّ الرسول  أوضح أنّ المُفلس ليس هو الذي حوى مالاً فأضاعه ولم يُرزق فيه النجاح، ولكنّ المُفلس هو الرجل الذي ارتكب كثيرًا من أفعال الشر إلى جانب كثير من أعمال الخير، كالصلاة وبِرّ الوالدين، وقول الحق، إلى غير ذلك من الأعمال الطيبة، ذلك لأنّ أعمال الخير تضيع وتفنى بفعل الشر وارتكاب المُحَرّمات، كالشتم، والقذف، والنهب، وإراقة الدماء، وغير ذلك، إذ كل جريرة أو سيئة من السيئات التي يرتكبها الإنسان مع إنسانٍ آخر، تأخذ حسنة من تلك الحسنات التي كان قد اكتسبها، وتضمّها إلى حسنات من كان قد أساء إليه، أو أذاه، فإذا نفدت حسنات المُسيء إلى الناس بالشتم وغيره، قبل أن يوفي الحقوق التي عليه، أخذ الله سبحانه من ذنوب أصحاب تلك الحقوق، بقدر ما بقي لهم عنده وطرحها عليه، ثم عاقبه بعد ذلك بالنار.

وعلى هذا فالإفلاس في نظر الدين، والذي يُخَوّف منه النبي  هو الإفلاس من الأعمال الحسنة، بسبب ارتكاب الأعمال السيئة من الناس، فلا يغتد بصلاته كثير الصلاة، لأنّ خطر الغرور بالطاعة يعدله خطر الغرور بالمعصية...

ومن وظائف الصلاة وتعريف آثارها، أنها تنهي عن الفحشاء والمُنكر، فكُلّ صلاة لا تنهي قائمها عن الفحشاء، فما له منها إلاّ التعب، قال : (رُبَّ قائمٍ ليس له من قيامه إلاّ السهر.).

وهكذا كُل أعمال الخير، إذا لم يُرافقها الورع الصادق، أي الإمتناع بالكُليّة عن فعل المُحرّمات الممنوعة فلا ينالُ فاعلها منها خيرًا، وإلى هذا أشار النبي  بقوله: (لم ينفعكم ذلك إلاّ بالورع الصادق..).

وممّا رُويَ بهذا المعنى عن الإمام الحُسين بن علي  أنّه لما قيل له أنّ فلانًا يغتابك: أرسلَ إليه طبقًا من الرطب، وقال له: (بلغني أنّك أهديت إليَّ أثمنَ ممّا أهديته إليك.).

وقيل له أيضًا أنّ فلانًا يقول: أنك تغتابه. فقال عليه السلام: (ما بلغَ من قُدرةٍ عندي أن أُحَكِّمَهُ في حسناتي.).

فيا أيّها الأخوة:

  • إنّ الفقر والإفلاس بالمعنى الصحيح، هو: إضاعة الأعمال الصالحة التي تُرضي الله، وذلك بتعريضها، وبمزجها بالفعل الخبيث.
  • وأنّ الغنى الحق هو: الغِنى بالطاعات، وبالأعمال الصالحة التي يمزجها صاحبها بالأفعال السيئة.
  • وإنّ كُلّ عملٍ سيءٍ أو حَسَنٍ يفعله الإنسان في هذه الدنيا يُجازى عليه في الآخرة.
  • فيجب على المؤمن أن يحفظ حسناته ولا يُضيّعها بالإساءة والإعتداء على الغير.

  جعلنا الله وإيّاكم ممّن سمع فوعى، وإلى الحق اهتدى، إنّه على كُلّ شيء قدير..