الناس رجلان: عالم، وجاهل. (لو أهمل العقلاء المرشدون والعلماء العاملون النُصح والتعليم والإرشاد، لتمادى الجُهّال المُفسدون في غيّهم...) للشيخ عبد الكريم علي حسن الخطيب عفى الله عنه.

أُضيف بتاريخ السبت, 25/02/2012 - 15:28

خُطبة بعنوان (الناس رجلان: عالم وجاهل)، وقد أُلقيت من على منبر مسجد الإمام علي  في طرطوس في ستّينيّات القرن الماضي  وهي للمغفور له فضيلة الشيخ عبد الكريم علي حسن الخطيب .. وقد نقلناها من كتابه ""الكَلِمُ الطيّب" المطبوع سنة 1968م والذي يشتمل على خطب وبحوث إسلامية..

 

الحمد لله..................... وبعد

أيّها الأخوة:

قال النبي صلى الله عليه وآله: العلماء ورثة الأنبياء.
هذا حديث شريف، وكلمة مقولة تتناقلها الألسن، ومعنى هذه الكلمة والذي يتبادر إلى الذهن من هذا الحديث الشريف، أنّ الأنبياء هم السفراء والواسطة الأولى بين الله عز وجلّ وبين العالم جميعاً، فالأنبياء هم المسؤولون عند الله عن تبليغ الرسالة، وعن تأدية الأمانة، قال تعالى وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ.

والأمم هم المسؤولون عن تصديق هؤلاء الرسل، قال تعالى أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَـٰذَا قَالُوا بَلَىٰ وَلَـٰكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ.

وأمّا بعد غياب الأنبياء صلى الله عليهم وسلم، ولحوقهم بالرفيق الأعلى، تُنقل هذه المُهمّة الكُبرى، ويُلقى هذا الواجب المُقدّس، واجب الإنذار والتبليغ، على عاتق العلماء، فالعلماء ورثة الأنبياء بتبليغ أوامر الله، وبالإنذار عن عواقب ارتكاب المعاصي التي نهى الله سبحانه عن ارتكابها، قال تعالى هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ.

وقال رسول الله : فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم.

وقال الإمام عليّ : قوام الدنيا بأربع، بعالم لا يبخل بعلمه، وبجاهل لا يستنكف أن يتعلّم، وبغني جوّاد بماله، وبفقير لا يبيع آخرته بدنياه.

وقال الإمام الصادق : ما أخذ الله عهداً على الجُهّال أن يتعلموا، إلاّ وأخذ على العلماء سبعين عهداً أن يُعَلّموا.

أيها الأخوة:

الناس على اختلاف ألوانهم، وعلى تباعد بلدانهم، وعلى تباين أنسابهم وأشكالهم، وإن كثروا أو قلّوا، أو قربوا أو بعدوا، فهم إثنان لا ثالث لهما: عالمٌ وجاهل، وعاملٌ ومُقصّر.

الناس كل الناس رجلان: رجلٌ تصدر أعماله عن علمٍ وتجربةٍ وإخلاصٍ ودينٍ، ورجلٌ آخر مُقصّر مُستهتر يقع في الرزيلة جهلاً بنتائجها، أو غفلة، أو سهوًا.

فإذا وُجِدَ العالم الناصح الأمين، فعَلّمَ الجاهلَ ونبّهَ الغافلَ، وزجرَ المُستهتر، وأرشد الضالّ، كان من وراء ذلك سلامة الأمّة جميعاً، وإذا تُرِكَ المُقَصّرُ بغير نُصحٍ، والجاهل بغير علمٍ، لأساءا إلى نفسيهما وإلى المُجتمع البشري كُلّه أيما إساءة، هذا لأنّ كُلّ فرد من أبناء الأمّة عضو عاملٌ فيها له أثره الفعّال من خير أو شر، فلو أهمل العقلاء المرشدون والعلماء العاملون النُصحَ والتعليمَ والإرشاد، لتمادى الجُهّال المُفسدون في غيّهم، وكثُرَ الفساد وعمّت الشرور، وأُهملَت الفضائل، وانتشر الظلم، واستبدّ الطُغاة، واستيقظت الفتن، وفسدت العباد وخربت البلاد، ذلك لأنّ العلماء المُرشدون والهُداة المُصلحون، كالأطباء، يُعلّمون الناس الوقاية من الأمراض ويُرشدونهم إلى تجنّب أسبابها، ويُعالجونهم إذا أُصيبوا فيها، ومتى قَصَّرَ الأطباء عن واجبهم تتعرّض الصحّة العامة لخطر الأمراض والأوبئة، ومن أجل هذا كان من أجَلّ تعاليم الدين: الأمر بالمعروف والنهي عن المُنكر. قال تعالى: وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ.

وقال : من رأى منكم مُنكراً فليدفعه بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وهذا أضعف الإيمان.

وقال : لتأمُرْنَ بالمعرون وتنهونَ عن المُنكر، أو ليوشكَنّ الله أن يُرسل عليكم عذاباً، ثم تدعونه فلا يُستجاب لكم...

وأولى الناس بالدعوة إلى الخير، علماء الدين لأنهم هم المقصودون بهذا الحديث الشريف (العلماء ورثة الأنبياء) وأحوج أبناء الأمّة العربية والإسلامية معًا إلى التوجيه والعناية والتشجيع، نحن سُكان الريف العربي السوري، ذلك لأنّ العصور المُظلمة التي مَرّت بنا والأيام الحالكة التي خيّمت علينا، والتحكّم الظالم، والنظرة البغيضة التي عاملنا بها الآمر والسلطان في تلك الأيام، هي التي جعلتنا مع الفئة المُتخلفة من أبناء هذا الوطن..

لقد لاذ أبناء هذا الريف بالعزلة تواريًا عن أنظار الظالمين، وهجروا الجوامع حتى لا تكون مكانًا لمباغتتهم والتنكيل بهم، وهذا كان سببًا لإهمال الجوامع في هذا الريف، وفقدان الخُطباء والمُدرّسين، أمّا الوُعّاظ فكانوا قلّة من الشيوخ المتجوّلين..

وجاء هذا العصر الأخير وتنبّه لهذا الأمر عددٌ من المخلصين لأمّتهم ولدينهم، فنشطت فكرة بناء الجوامع في المُدن والقُرى وآزرها المسلمون بكل طوائفهم، والشعب بكل فئاته..

والله نسأل أن يُلهمنا جميعاً حُبّ الخير وأن يهدينا إلى سَواء السبيل إنّ أحسن الحديث ذكر الله، وأبلغ موعظة المتقين كتابُ الله. 1