ليلة النصف من شعبان وكيف نعين الرسول على شهره شعبان! خُطبتا صلاة الجمعة في 13 حزيران 2014م

أُضيف بتاريخ الخميس, 11/06/2015 - 15:30
(فيديو + مُلَخّص عن خطبتيّ صلاة الجمعة في 13 حزيران 2014م)

  موضوع الخطبتين:
-- عن قوله تعالى في كتابه الكريم: وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ..
-- قد يعجب بعضنا حين يرى ما ذكرناه.. هذا في طاعة الله عز وجل يزداد فقراً وهذا في معصية الله وهو يزداد غِنى. وإنّ الله سبحانه وتعالى هو الذي وُصف بأنّه الحاكم العادل الذي لا يجور
-- الذي سمعنا به ممّا لم نكن نعهده في هذا الريف النقيّ والذي تفشّى من القِمار ومن الزنى..
-- كثيرون ممّن يُصرّون على فعل الزنى إنّما يدّعون أنّ رسول الله قد قاتل في غزواته وسبى وتزوّج ممّن سبى!!!! أفأنت عالمٌ بما تقول؟!..
-- شهر شعبان و ليلة النصف من شعبان والتي وقال أهل البيت : (إنّ الله عز وجل جعلها لنا بإزاء ما جعل ليلة القدر لنبيّنا).
-- من أراد أن يغفر الله عز وجل له في هذه الليلة فليتبرّأ من الشِرك. وما هو الشِرك الذي يجب أن يبرأ منه؟
-- كله ينبغي أن تُعين رسول الله على شهره وأنت تعلم أنه غنيٌّ عن المُعين وعن النصير وأنّ طاعته إنما هي طاعةٌ لله عز وجل. فكيف تُعين رسول الله في شهره؟


الخُطبة الأولى:

يقول الله تعالى في كتابه الكريم: وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ * مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ (ابراهيم 42\43)

يرى كثير منا ويعجب بأنّ من يُقيم على المعاصي وعلى الإسراف في الذنوب يرى له من الرزق الكثير ويرى له من العمر الكثير فيكون هذا سبباً عند بعضهم في سوء ظنه بالله عز وجل.. يرى فلانا يعمل المعصية ثم يرزقه الله وينظر في نفسه فيرى نفسه عاملاً بطاعة الله ما استطاع ثم هو بعد هذا قد قُتّر إليه في الرزق..

هذا الذي يجب أن ينظر إليه المرء وأن يتدبره تدبر الموقفن في قضاء الله عز وجل وأنه سبحانه وتعالى قد قسّم الأرزاق وجعل لكل نفسٍ رزقها وأنّ ذلك الذي تراه من معصية ومن أكلٍ للمال الحرام ومن استخدامه في هذه الدنيا في السيارات وفي القصور وفي النساء لا يكون سبباً في أن تُسيء الظن في الله عز وجل أو أن تظن أنه قد جار في حكمه أو أنه فضّل عليك فلاناً حين رزقه في الدنيا ما لم يرزقه وإن كان سبيله من الحرام.

هذا المال الذي يأتي من غير طريق الحلال والذي أشار الله عز وجل إليه في الآية التي ذكرناها وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عن كُل ظالم كيفما ظلم ومهما يكن ظلمه في مال أو في نفس أو في عرض أو في أهل أو في متاع أو في غير ذلك.. ليس الله عز وجل بغافل عن ذلك الظالم إنّما يؤخره ليوم..

قد يعجب بعضنا حين يرى ما ذكرناه.. هذا في طاعة الله عز وجل يزداد فقراً وهذا في معصية الله وهو يزداد غِنى. إنّ الله سبحانه وتعالى هو الذي وُصف بأنّه الحالكم العادل الذي لا يجور جعل لكل عضو من أعضاء الإنسان ديّة، وجعل له إذا قُتل خطأ ديّة وإذا قتل أيضاً متعمداً جعل له حكماً وسبب ذلك أن الله سبحانه وتعالى لا يظلم الناس شيئاً..

فكيف نرى هؤلاء يسرقون ويظلمون ولا يُعجّل الله لهم تعالى القضاء. لماذا؟ لأن لكل عضو من أعضاء جسدك ثمناً.

لذلك جاء عن أهل البيت  (لا يزال العبد يسرق حتى إذا استوفى ثمن يده أظهر الله عليه) حين يستوفي ثمن يده أو ثمن رجله أو ثمن عينه ممّا سرق ومّما نهب وممّا خالف به وجمعه من المال الحرام حينئذ سوف يُظهر الله عليه.

كم من هالكٍ كان قد جمع المال ثم ابتُليَ بداء أنفق فيه ماله جميعاً ولم ينل شفاء ممّا أصابه، وكم من هالك جمع من المال وعدّده ثم ذهب ماله في شيء لا تتصوّروا أن يذهب المال بمثله،كم من جامع للمال أذهب ماله في المقامرة وفي المُراهنة؟ كم من جامع للمال أنفقه في معصية الله عز وجل فكان عليه وزر جمعه ووزر ما فعل به. كم من هالكٍ بما جمع وكم من بخيلٍ بما اتخذ من المال تكون حاله كما وصف أمير المؤمنين علي بن أبي طالب  (يعيش في الدنيا عيش الفقراء ويُحاسب في الآخرة حساب الأغنياء)

الذي سمعنا به ممّا لم نكن نعهده في هذا الريف النقيّ والذي تفشّى من القِمار ومن الزنى كُلكّم أو بعضكم قد سمع به.. هذا الريف النقي البسيط الجميل الذي كان إلى وقتٍ قريب خالياً من زيف الضمائر وخالياً من المداهنة ومن الرياء ومن الكذب ومن الفساد صار اليوم مرتعاً للفاسقين وللفاسدين وصار اليوم منزلاً ومأوى يرجع إليه من أراد أن يُفسد دنياه وأن يُفسد دنيا غيره..

الذي تفشّى من القمار ومن الزنى متأوّلاً صاحبه ما شاء أن يتأوّل من أنّ هذه حلال له وهذا لا يُحاسب عليه وهذا لا يُؤاخذه الله به..

الذي قال له أو أوهمه أو زيّن له أن يأتي هذه الأفعال إنما عليه وِزره ووزر ذلك الذي عمل بما أفتى له من تحليل الحرام.. هذا الذي جمع المال من فضل الله عز وجل وإن كان تاجراً كيفما كان ثرياً أو غنياً لا يستطيع أن يكتسب شيئاً إن لم يوفقه إليه خالقه ولا يستطيع أن يجمع شيئاً إلا ما أكرمه به الله عز وجل..

ذلك الذي يقول إذا سألته وحق عليّ وحق الحسين وحق الصاق ويحلف كاذباً أنه ما فعل ولا أتى ولا قامر ولا راهن. لو أنّه نظر في حاله عند الأئمة عليهم السلام لوجد من أقوالهم أنّ الله عز وجل نهى عن جميع القمار وأمر العباد بالإجتناب منه ووصفه بأنه رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه.. فإنّ اتخاذ هذه الأشياء كفرٌ بالله العظيم وتِقلابها اللعب بها وتقليبها وتِقلابها كبيرة موبقة والسلام على اللاهي بها كفر.. لكن قال ما هو أشد من هذا.. الذي يستعمل هذه الأشياء والذي يلعب بها مقامراً إنّه (كالناظر إلى فَرج أمّه) فهل وجدتم أشنع وأفظع من هذا التصوير .. رحم الله الذي قال:

لكل نقيصة في الشر عار***وشر معايب المرء القمار
تُشاد له المنازل الشاهقاتِ***وفي تشييد ساحاتها الدمار
نصيب النازلين بها سُهادٌ***فإفلاسٌ فيأسٌ فانتحار

أمّا الأمر الآخر الذي قد شاع وتأوّله بعضهم ما شاء له شيطانه أن يتأوّل أنّه لا يُحاسبه الله عز وجل إذا وجد للزنى تفسيراً آخر فهو اليوم يستعمل هذه الأمور مُدّعياً أنّ الله أحلَّ له! ألم يسمع قول رسول الله ص وآله الذي يدّعي تقليده وهنا نذكر هذا القول لأن كثيراً ممّن يُصرّ على هذه الأفعال إنّما يدّعي أنّ رسول الله قد قاتل في غزواته وسبى وتزوّج ممّن سبى أفأنت عالمٌ بما تقول؟!..

هل سمعت أو قرأت أو وجدت أن رسول الله ص وآله أو إماماً من الأئمّة كان قد أخذ ممّن سبى إلاّ بعد أن خيّر ثم تزوّج كما أمر الله عز وجل.

اليوم الذي يتأوّل هذه الأحاديث ويقول لا بأس إن كانت تلك المرأة التي نأتي معها هذه الأفعال من غير المسلمات.. يقول رسول الله  :

ألا ومن زنى بامرأةٍ مسلمةٍ أو يهودية أو نصرانية أو مجوسية حُرّة أو أمَة ثم لم يتب منه ومات مُصرّاً عليه فتح الله في قبره ثلاثمئة بابٍ من النار تخرج منها حياة وعقارب وثعبان النار فهو ما زال يحترق إلى يوم القيامة فإذا بُعث من قبره تأذى الناس من نتن ريحه فيُعرف بذلك بما كان يفعله في دار الدنيا.

من يجد في نفسه أنّه قد وقف على الحلال من هذا الأمر فلينظر فيه وليتدبره، لا يقولنّ أحدٌ هذه امرأةٌ ليست من المُسلمات فإنّ لي أن أفعل بها ما أريد فاعل هذا بامرأة مسلمة أو يهودية أو نصرانية من دينه من غير دينه مصيره كالذي ذكر رسول الله ص وآله إلاّ أن يتوب مما جنى ..

فلا يستعجلنّ أحدٌ قضاء الله عز وجل، إذا رأينا من سرق ومن جمع ومن ادّخر ومن اشترى بما سرقه من البيوت والقصور فلينظر من رآه وليسمع ماذا قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام لشُريحة القاضي يوم اشترى داراً بثمانين دينار.. يصف له لو أنّه جاءه لكتب له النسخة التي يشتري بها.. نحن إذا اشترينا داراً نقول يحدّها من الشمال كذا ومن الشرق كذا....

لو كان جاءه قال له أمير المؤمنين :

لكتبت لك هذه النسخة لو أنك رأيتها لما اشتريت هذه الدار بدرهم.. هذا ما اشترى عبدٍ ذليل من عبدٍ قد أُزعج للرحيل اشترى منه داراً من دار الغرور من جانب الفانين وخِطّة الهالكين، وتجمع هذه الدار حدود أربعة: الحدّ الأوّل ينتهي إلى دواعي الآفات، والحد الثاني ينتهي إلى دواعي المُصيبات، والحد الثالث ينتهي إلى الهوى المُردي، والحد الرابع ينتهي إلى الشيطان المُغوي، وفيه يُشرع باب هذه الدار.

نسأل الله عز وجل أن يجعلنا ممّن يُحسن الظن بقضائه وألاّ نكون ممّن يُسيء الظن بأمره وبحُكمِه، اللهم صل على محمد وآل محمد.....


الخُطبة الثانية:

شهر رسول الله ص وآله وسلم فيه من الفضل ما فيه وكنا قد ذكرناه في الخطبة التي مضت.. هذا الشهر الذي فيه ليلة النصف من شعبان، هذه الليلة التي كرّمها الله عز وجل وقال أهل البيت  (إنّ الله عز وجل جعلها لنا بإزاء ما جعل ليلة القدر لنبيّنا).

هذا الشهر وهذه الليلة التي يطّلع الله عز وجل فيها على خلقه فيغفر لخلقه جميعاً إلا لمشرك أو مُشاحن، الليلة التي وُلد فيها الإمام المَهديّ ع، من أراد أن يغفر الله عز وجل له في هذه الليلة فليتبرّأ من الشِرك.

وما هو الشِرك الذي يجب أن يبرأ منه؟ الشِرك إذا أردت أن تُعرّفه هو كُل عمل تريد به غير وجه الله.

كُل عملٍ نعمله نبتغي أو نريد أو نتمنى أن ينظر إلينا فلان أو فلان ليمدحنا أو يُثني علينا فنحن فيه مشركون بالله عز وجل.

ليس الشرك أن تقف ثم تعبد حجراً أو شجرةً.. وجه من وجوه الشرك كل عمل أردت به غير وجه الله عز وجل فأنت مُشركٌ فيه.

ومن منّا لم يسمع قول أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب : (اتّقوا الرياء فإنّه الشِركُ الأصغر) الرياء هو الشرك الأصغر بالله عز وجل، كُل عملٍ نتمنى وننتظر أو نعمله لأجل أن يُثنى علينا بين الناس فإنّما هو ممّا ذكره الله عز وجل في الشِرك.

وأمّا المُشاحن فهو الذي يحمل في صدره حِقداً أو بغضاء. الذي يحمل في صدره حقداً فلن يجد في هذه الليلة الشريفة المباركة عفواً من الله عز وجل ولا مغفرةً لذنوبه، الذي يحمل ويريد محمدة الناس أو يحمل في قلبه ضغينةً أو حقداً فلا ينتظرنّ أن يكون له من عفو الله عز وجل ما يُرحم به.

في هذه الليلة المُباركة ولها من الفضل ما لها، فيها وفي الشهر كله ينبغي أن تُعين رسول الله على شهره وأنت تعلم أنه غنيٌّ عن المُعين وعن النصير وأنّ طاعته إنما هي طاعةٌ لله عز وجل. فكيف تُعين رسول الله في شهره؟

تعينه أن تجتنب المناهي التي كان قد نهاك عنها، أن تعمل بما أُمرت به، أن تُكثر الصلاة على محمد وآل محمد كلما ذكرته أو كلما سمعت من يذكره، أن ترجع إلى أدب رسول الله  فتجعل من شهره هذا شهر صلاحٍ وشهر خوفٍ وشهر وجلٍ وشهر صيامٍ ما استطعت من أيامه وشهر قراءة لكتاب الله عز وجل وشهر نظرٍ في الآيات التي ذكر فيها الثواب، أن تسأل الله عز وجل أن يكون لك نصيب ممّا ذكره وفي الآيات التي ذكر فيها النار والعقاب أن تستجير بالله وأن تستعين بالله من أن يُصيبك شيءٌ منها.

أن تُعين رسول الله   هو أن تُحسن الجِوار لمن جاورت.

أن تُعينه   هو أن تُكرم أهلك.

أن تُعينه هو أن تَبَرَّ أولادك وأن تَبَرَّ أهلك.

أن تُعينه أن لا تكون سبباً في القول إنّ فلاناً من المسلمين يأتي من القبائح ويفعل من المعاصي ما يفعل.

إذا أردت أن تكون ممّن أعان رسول الله وممّن أعان آل بيته الطاهرين عليهم السلام اجتهد في أن تكون مُطيعاً، اجتهد في أن تكون ممّن يُثنى عليه إذا ذُكِر.

خيرُ الفعال فعال الخير والرَّشَدِ***فجِدَّ في أعمال الطاعات واجتهدِ
قد يوزن المرء بالأعمال صالحةً***لا بالتكاثر في مالٍ ولا ولد

  اللهم صلّ على محمد وآل محمد......