الصيام حَدٌّ من حدود الله، فكيف نحتفظ بقِيَمِ الصيام وبقِيَم شهر رمضان!؟

أُضيف بتاريخ الجمعة, 29/09/2023 - 13:18


الصيام حَدٌّ من حدود الله، فكيف نحتفظ بقِيَمِ الصيام وبقِيَم شهر رمضان!؟

هذه الخطبة الأولى من صلاة الجُمُعة في 07 أيّار 2021م
لفضيلة الشيخ تمّام أحمد حفظه الله
مسجد الإمام جعفر الصادق  \ قرية عين حفاض \ صافيتا

في كُلّ حَدٍّ من حدود الله عز وجل حِكمة، ولكلّ فرضٍ فرضه الله سبحانه وتعالى عِلّةٌ، وفي كُل عمل يعملُهُ الإنسان يخرُجُ منه بفائدةٍ تنقله من طورٍ إلى طورٍ ومن حالٍ إلى حال تزيد معارفه وتُقَوّي شكيمته وتزيد من عزمه ومن قُدرته على إعادة الأعمال التي يقوم بها لا سيما إذا عَرَفَ عِلَلَها، وعلِمَ مواردها ومصادرها.

وهذه الحدود التي جعلها الله سبحانه وتعالى للإنسان في تسميتها حدودًا دلالة على أنّها فواصل بين الأشياء يحفظ الإنسان بها لكل شيء حدّه، كما أنه يحفظ في حدود الأرض، لِكُلٍّ حقّه، كذلك يحفظ لحدود جاره، لِكُلٍّ حقّه.

هذه الحدود تُفرّق بين حق الله سبحانه وتعالى وبين حق المخلوق، ولذلك جعل الله سبحانه وتعالى لكُلّ شيء حَدًّا، وجعل لمن تَعَدَّى الحَدَّ حَدًّا.

ومن هذه الحدود كان الصيام، كانت عبادة هذا الشهر الكريم التي ميّزت هذا الشهر من غيره، في كل شهر من الأشهر تُستحبّ الطاعة، لكنّ لهذا الشهر مزايا على غيره فٌضّل بها على غيره ومُيّز بها من غيره، أنّه شهرٌ أُكْرِمَ بنزول القرآن الكريم، وأنّه شهرٌ أُكرم بحمل النفس على الطاعة، وبِزَجرها عن كثيرٍ من المعاصي وبتعويدها الصبر والحِلم.

شهرٌ فُرض فيه على كُل جارحةٍ من جوارح الإنسان صيامٌ، الصيام مسنونٌ ومُستحبٌّ في جميع الشّهور، يستطيع أن يصوم صيامًا متقطّعًا في غير شهر رمضان، لكن الحد الذي ميّز هذا الشهر هو أنّه كان تِباعًا في شهرٍ ثلاثين يومًا.

حَدٌّ من حدود الله سبحانه وتعالى يجب أن يتميّز به الصائم في منظره وفي خطابه وفي سلوكه، كما يتميّز هذا الشهر من غيره، (ولا تجعل يوم صِيامِكَ كيوم إفطارك) ليَكُن عليك وقار الصائم خشوع الصائم.

هذه الصفات التي يجب أن يكون الصائم فيها، هي صفات يجب أن تلازمه إن استطاع أن يحتفظ بها بعد خروجه من هذا الشهر، لعله بهذا يكون قد خرج بالفائدة التي كان يُستحب له أن يخرج منها من هذا الشهر وهي بماذا ذَكَّرَهُ الصيام.

كما أنّ الصلاة حَدٌّ من حدود الله يُذَكِّر اللهُ سبحانه وتعالى به عباده بالوقوف بين يديه، يُذكرهم بأنّ لهم ميقاتًا، حين جُعلت الصلاة على أوقات فإنّ التزام الإنسان بكُل وقتٍ من أوقات الصلاة يُنبّهه على أنّ له ميقاتًا لا بُدَّ أن ينهَضَ إليه، ولا بُدّ أن يُبعث إليه وأن يقف به بين يدَي حاكمٍ عادل.

كذلك الصيام يُذكره كيف يقف بين يدَي ربّه في جوعه وعطشه، يُعلّمه كيف يصبر، يعلمّه كيف يكُفُّ لسانه عن الغيبة وعن النميمة وعن الأذى، إنّما جُعل الصيام صيام بطنٍ وصيام قلبٍ وصيام لسان.

فلنجتهد ونحن قد أزِفَ هذا الشهر أن يُغادر وأوشك أن يُخرجنا الله سبحانه وتعالى منه إلى شهرٍ غيره، فلنجتهد في أن نحتفظ بقِيَمِ هذا الشهر الكريم، بقِيَمِ الصيام التي أرادنا الله سبحانه وتعالى أن يُذكِّرنا بها، أن يُذكّرنا بالصمت، بالصبر، بكفِّ اللسان، بكفِّ اليد عن الأذى، أن يكون صيامًا تامًّا، لا يُفسده شيء، ولا يقطعُهُ شيء.

فلنجتهد أن يكون صيامنا في غير هذا الشهر الكريم صيامًا تامًا لا ننظر به إلى ما ليس لنا بحق، ولا نسمع ما ليس لنا بحق، ولا نمُدُّ أيدِيَنا إلى ما ليس لنا بحق، ولا نسعى إلى ما ليس لنا بحق.

ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا ممّن يطلبون الحلال، وممّن لا يمُدّون أيديهم إلى ما حُرِّمَ عليهم، لعلّنا بهذا نكون قد خرجنا من هذا الشهر سالمين، ودخلنا في غيره سالمين، بفائدة التذكير التي أرادها الله عز وجل من شهر الصيام.

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يتقبّل منّا ومنكم هذا الصيام، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يرزُقنا بركة هذه الأيام.

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِ مُحَمَّدٍ صلاةً تقبل بها صلاتنا، وتُجيب بها دُعاءنا، وتغفر بها ذَنبنا، وتمحو بها سيّئاتنا، وتُغني بها فقرنا، وتجبُر بها كسْرنا، إنّك على كُلّ شيء قدير.

عباد الله، إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴿النحل 90﴾ 

اللهم اجعلنا ممّن ذكّرته فتذكّر، وزجرته فانزجر، وأسمعته فسمع وبصّرته فأبصر.

أقول قوليَ هذا وأستغفر الله لي ولكم.