الجُمُعَة 27 آذار.

أُضيف بتاريخ الثلاثاء, 29/03/2016 - 07:06
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ
مُوْجَزُ خُطْبَتَي الجُمُعَة 27 \ آذار \ 2015.
الخُطْبَةُ الأُوْلَى: التّوبَةُ قَبْلَ المَوتِ، وَهَلْ يَصِحُّ فِيْنَا القَولُ: نَحْنُ لا نُرِيْدُ أَنْ نَمُوتَ حَتَّى نَتُوبَ، وَنَحْنُ لا نَتُوبُ حَتَّى نَمُوت، فَلِمَ هَذَا التَّأْجِيْلُ وَالإِرْجَاءُ وَفِي كُلِّ يَومٍ نَحْمِلُ هَمًّا جَدِيْدًا.
وَفِي الخُطْبَةِ الآخِرَة: النَّظَرُ فِي عَاقِبَةِ مَا نَفْعَلُ، فَمَا كَانَ فِيْهِ خَيْرٌ للنَّاسِ، حَافَظْنَا عَلَيْهِ، وَمَا كَانَ فِيْهِ شَرٌّ، تَرَكْنَاهُ، لِئَلاَّ نَكُونَ مِمَّنْ سَنَّ سُنَّةً سَيِّئَةٍ.

  الخُطْبَةُ الأُوْلَى:

  التوبةُ التي ذكرها اللهُ تعالى في كتابه الكريم، وأمَرَ بها عِبادَه، والحَضُّ على العَمَلِ قبلَ أن يأتِيَ اليَومُ الذي لا يكونُ فيه شيءٌ ينفَعُ الإنسان. اليوم الذي لا بيعَ فيه ولا خُلَّةَ ولا شَفاعَة، قبلَ أن يأتيَ اليوم الذي لا يجِدُ الإنسانُ نفعاً مِن ولدِهِ ولا مِن والِدِهِ ولا مِن أخيه، لا ينفَعُهُ في ذلك اليوم إلاّ ما قَدَّمَ مِن عَمَل، فإن كان سَعيُهُ صالحاً كانَ يومُهُ يوماً مُباركاً عليه، وإن كان سعيُهُ في غير ذلك كانَ يومُهُ يومَ نَدامَةٍ ويومَ حَسرَة.

  ما أَمَرَ اللهُ سبحانه وتعالى بهِ وما حَرَّضَ عليه قبلَ أن يأتِيَ ذلكَ اليوم هو الأمرُ الذي ما زالَ أكثرُنا يُرجِئهُ ويُؤَجِّلُه، في كُلِّ يومٍ يقول غداً أعمَلُ، وإذا جاء غدٌ قال: غداً أعمل!
فنحن على هذا وقد يُدرِكُ أحَدُنا المَوت قبلَ أن يعمَلَ شيئاً، فلقد سمعنا من كلام مولانا أمير المؤمنين عليّ بنِ أبي طالب عليه السلام (لا تكونَنَّ مِمَّن يرجو الآخِرَةَ بغَيرِ عَمَل، ويرجو التوبة بِطُولِ الأَمَل).

  الذي يُرجئُ الأمر ويُؤَجِّلُهُ والله عز وجلّ لا يُؤَخِّرُ نَفساً إذا جاءَ أَجَلُها، ينبغي له أن يَقِفَ عِندَ هذه الحال وأن ينظُرَ في أمرِ نفسِهِ، هَل يستطيعُ أن يُقَرِّبَ الوَقتَ الذي يُريد أو يستطيعُ أن يُؤَخِّرَ في أَجَلِهِ متى أراد.

  هل صارت الحال التي قال فيها أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام (نحنُ لا نريدُ أن نموتَ حتّى نتوب، ونحن لا نتوبُ حتّى نموت) يُريدُ كُلٌّ مِنَّا إن استطاع ويرغَبُ ويتمَنَّى أن يُؤَخِّرَ أَجَلَهُ ما استطاع مِن أجلِ أن يتوبَ مِمّا جَنَى وأن يستغفِرَ اللهَ مِمَّا أسلَف، وأن يرجِعَ عن أخطائِهِ وعن ذُنُوبِه، ولكنّهُ في كُلِّ يوم يقولُ غداً أعمَل، ومع كُلِّ يومِ يأتي يُذنِبُ ذنباً جديداً، ويُحدِثُ مَعصِيَةً جديدَة، وأقَلُّ تلك المَعاصي وأصغَرُها إن لم يُحدِث شيئاً أن يستخِفَّ بذنبِهِ الذي أسلَفَهُ أو أن يغتابَ فيها أحَداً، أو أن يُسيءَ فيها إلى جارِهِ، وإن كان بهذا إنّما يُسيءُ إلى نفسه، وأنَّ الذي يعمَلُ صالحاً إنّما يعمَلُ لنفسِهِ، وأنَّ الذي يُسيءُ إنّما يُسيءُ إلى نفسه.

  لا يُريدُ أن يموتَ قبلَ أن يتوب ولكنّهُ لا يتوبُ حتى يموت، كُلَّ يومٍ يُرجِئُ إصلاحَ ما يجِبُ عليه إصلاحُهُ. فهل الحالُ على ما ذكرها أمير المؤمنين (نحنُ لا نريدُ أن نموتَ حتّى نتوب، ونحن لا نتوبُ حتّى نموت) لا نموتُ حتّى نعجَزَ عن فِعلِ شيء، وإذا كان الإنسانُ ساكِناً لا يستطيعُ أن يُحَرِّكَ مِن أعضائِهِ شيئاً، فماذا وبأيِّ شيءٍ تنفعُهُ التوبة، أبعدَ أن تذهَبَ قُدْرَتُهُ على العَمَل؟!
(ماذا تُؤَمِّلُ من حياتِكَ بعدُ والعَيشِ المَديد؟!) ماذا يُؤَمِّلُ الإنسان إذا كان في كُلِّ يوم يقول غداً أُصلِحُ نفسي، ويقول غداً أُصلِحُ عَمَلي، وإذا جاء غدٌ قال غداً أفعَل وغداً أفعَل، وهو على هذا حتى يَجيئَ اليومُ الذي ليس لهُ غَدٌ.
اليوم الذي لا يستفيقُ فيه، اليومُ الذي إذا أفاقَ فيه لا يكون كغيره من الأيام يستفيق فيه مِن فِراشِهِ ثم ينهضُ ليذهَبَ وليعمَلَ وليتكلَّمَ وليزور من يريد أن يزوره.
إنّهُ سيجيءُ اليوم الذي إذا استفاق فيه لم يستطِع أن ينهَضَ مِن مَكانِه.
سيجيءُ اليوم الذي يستفيقُ فيه والتُراب على وجهه والحِجارةُ مِن فوقِهِ تمنَعُهُ أن يتحرّكَ أو أن يُجيلَ طَرفَهُ في شيء، لا يستطيعُ بعد هذا أن يُحَرِّكَ جفنيه، فكيف عندئذٍ يطلُبُ التوبةَ أو كيف عندئذٍ يرجو أن يكون من التائبين؟!.

  ماذا تُؤَمِّلُ بعدُ مِن حياتِكَ والعَيْشِ المَديد يقول العلاّمة الشيخ سُليمان الأحمد رحمه الله :

ماذا تُؤَمِّلُ مِن حياتِكَ   بعدُ والعَيْشِ المَديد
ونوائِبُ الأَيامِ تَرْبو   ما علمتَ على العَديد
هل عِشتَ يوماً لَم تَبِت   مِنهُ على هَمٍّ جديد

  ماذا ترجو وبأيِّ شيءٍ ترغب وكيف يكون أمَلُكَ في أمرٍ تعلمُ وتدري وأنتَ على يقينٍ أنّكَ تجهَلُهُ وأنك لا تدري متى يكونُ اليوم الذي تُقبَضُ فيه النفس التي تُحَرِّك بدنك.

  مَن مِنَّا لا يكونُ له في كُلِّ يومٍ هَمٌّ جديد، ورَغبَةٌ جديدة، وأمَلٌ جديد، في كُلِّ يومٍ يستيقِظُ فيه، فكيف إذا جاء اليوم الذي لا ينهَضُ فيه، هَل نُرجِئُ هذه التوبة! ونُرجِئُ العَمَلَ بما يجبُ علينا مِن أجلِ أننا ننتظرُ غداً وأنّنا إذا جاء ذلك اليوم قُلنا ننتظرُ غداً ونحن على هذا حتى لا نَجِدَ شيئاً ينفعُنا.

  أم ينتَظِرُ أحَدُنا حتى يعجَزَ وحتّى يبلُغَ مِنَ العُمُرِ مَبلَغاً لا يستطيعُ فيه أن يعملَ بما يجبُ عليه.
إذا كان -وهو سيُسألُ عن شبابِهِ-، لا يُصَلّي، أفينتظِرُ حتّى يَزيدَ على السّبعينَ أو على الثمانين ثم يأتي بعدَ هذا ليُصَلِّيَ وهو يَعْجَزُ عن الصلاة!؟ أم ينتظِرُ وهو في شبابه الذي سيُسألُ عنه فيقول: سوف أُرجِئُ هذا العَمَلَ إلى غدٍ، سأُرجِئُ هذا الصَّيام إلى عامٍ آخَر، وهو على هذا حتّى يُصبِحَ عُمُرُهُ في العُمُرِ الذي لا يستطيعُ معهُ أن يفعلَ شيئاً؟!. ماذا يقول وكيف تكون الحال حينئذٍ؟!

  يقول الشيخ سليمان الأحمد رحمه الله:

قد كان عصرُ شبابي الغَضُّ مُشتعِلاً   بليلِه لاقتباس العلم نِبراسي
فما تَنَبَّهتُ مِن نَومي بهِ كَسَلاً   حتّى تَبَلَّجَ شَعْرُ الشَّيْبِ في راسي

  وماذا سيستطيعُ في ذلك الوقت أن يفعل؟! هو يُسألُ عن شبابه الذي أرجَأ فيه العَمَل حتى إذا جاءهُ الزمنُ الذي صار عاجزاً فيه يُريدُ أن يعمَل، وإذا لم يرغب في ذلك الزمن الذي أصبح فيه عاجزاً عن العمل فهو يُرجئُ ويُؤَجِّلُ أيضاً حتّى يَصِحَّ فيه قولُ أمير المؤمنين (نحنُ لا نريدُ أن نموتَ حتّى نتوب، ونحن لا نتوبُ حتّى نموت) فمن تأمَّلَ حالهُ وَمن تبصَّرَ في أمور الدنيا وعَلِمَ أنَّ الموت لا بُدَّ قادِم وأنَّ القضاءَ لا بُدَّ قادم، وأنَّ القبرَ هو المنزلُ الأخير مهما بنى ومهما شَيَّدَ، وسَواءٌ حين يوضعُ في قبره أكانَ مِمَّن سَكَنَ القُصور أم كان مِمَّن نامَ في العَراء، سواءٌ حين يوضع في ذلك لأنَّ مصير الناس جميعاً إلى هذا.

  يقول الشيخ سليمان الأحمد رحمه الله:

أهلَ القُبورِ رويدَكُم إن   تُحْرَموا سُكْنَى القُصور
فَلَيُنْقَلَنَّ جميعُ مَن سَكَنَ   القُصُورَ إِلى القُبُور

  هذه هي الحالُ التي سوف نصيرُ إليها، فلنعمل من أجل أن نُحدِثَ شيئاً ننفعُ به أنفسنا، إنَّ أَحَدَنا ليَخافُ على ابنِهِ، ليخافُ أن يُصيبَهُ شيءٌ يَكرَهُه، ويخاف على أخيه ويخافُ على زوجه، فكيف لا يخشى على نفسِه، كيف لا يخافُ على نفسه.

  إنَّ أحَدَنا يمنعُ ابنَهُ وهُوَ صغيرٌ أن يقترب من النار من أجل ألاّ يُؤْذِيَ نفسَه، ومِن أجل ألاّ تقتُلَهُ تِلكَ النار، مَن مِنَّا لا يحتاطُ في أن يُغلِقَ الأبواب مِن أجلِ أن لا يعبَثَ ولَدُهُ بالنار، أو أن لا يقتربَ مِن سِكِّينٍ تُؤذيه، فلماذا لا نحتاطُ لأنفُسِنا، ولماذا لا نُغلِقُ ذلك الباب الذي نعلَمُ أنَّ النار مِن خلفِه وأنَّ الهَلاك مِن ورائه!.

  إنّه وإن كان باباً ضيّقاً فإنَّ النّجاةَ فيه مِمّا ضُمِنَ ولكنَّ الباب إذا كان واسِعاً كان الهَلاكُ فيه كثيرا.

  نسأل الله سبحانه وتعالى أن يرزُقنا وإيّاكُم درجة التائبين إليه، والرّاجعين إليه، والرّاغبين فيما لديه، والمُعرِضينَ عمّا أمَرَنا أن نُعرِضَ عنه، وأن لا يكونَ في أنفُسِنا مِنَ الإستكبار ومِنَ العُجْبِ شيء، أن ننظُرَ في آثار مَن سبقَ مِن شُيوخِنا ومِنَ الأولياء ومن العلماء ومن الصالحين الذين وصفوا أنفسهم، وهم يُريدون أن يُنبّهوا وأن يُعَنِّفوا وأن يدُلّوا وأن يُعَلِّمونا كيفَ نتواضَع.

  يقول في مثل هذه الحال الشيخ سُليمان أحمد رحمه الله:

ما رأيتُ امْرَأً وإن شَهِدَ النّاس   بعِلمي أَقَلَّ مِنِّ غَبَاوَة
مُستَهامٌ بحُبِّ دُنيا غلوبٍ   لم تُقابِل مُحِبَّها بحَفاوَة
وَيْحَ قَلبي حَلَت له وهُوَ يَدري   أيُّ سُمٍّ تَضُمُّ تِلكَ الحَلاوَة
لم تُؤَثِّر به قوارِعُ وَعْظٍ   فهُوَ كالصَّخر أو أَشَدُّ قَساوَة

  اللهم صلّ على مُحمد وآل محمد....

  الخُطْبَةِ الآخِرَة:

  يجبُ أن ننظُرَ أيُّها الأُخوة في كُلِّ أمرٍ نعمَلُهُ إذا رَضيناه وإذا لم نكُن مِمَّن يرضاه، أن ننظُرَ في ذلك الأمر، أنحنُ مِمَّن أرضى اللهَ عز وجل بفعل هذا!، أنحنُ مِمَّن أرضاه بترك هذا!، سواءٌ أفعلنا شيئاً ما أم تركناه.
كيف يجب أن ننظُرَ في ذلك العمل لنعلَم إن كان مِمَّن نستطيعُ أن نصِلَ به إلى عَفوِ الله وهُوَ في طاعة الله عز وجل أم أنّهُ في معصيته.

  إذا عَمِلنا هل كان عمَلُنا هذا في طاعة الله، فعلينا أن نُحافظ عليه. أمّ أنّهُ في مَعصِيَةِ الله وعلينا أن نجتنبهُ وأن نرجعَ عنه وأن نتوب منه.
كيف نستطيعُ معرفةَ ذلك الأمر؟!

  إنَّ كثيراً مِنَ الأمور التي يتعلّمُها الإنسان، فقد يتعلّمُ في صِغَرِهِ شيئاً لا يستطيعُ أن يُفارِقَهُ وإن بَلَغَ مَبلغاً مِن العُمُر، فرُبَّما تعلّم بعد ذلكَ أشياءَ لم يتعلّمها وهو صغير، لكن كيف له أن يعرِفَ الفَرقَ بين الأمرين!؟ وكيف له أن يتبيَّنَ أهذا في طاعةِ الله أم في معصيتِهِ؟!

  كُلُّ الأنبياء كانوا يُنبّهون أقوامهم على أشياءَ كانت خَطَأَ، وإن كانت قد اعتادَ الناس فِعلَها، وبعضُهُم كان يُجادِلُ النبيَّ في زمنه حتى يُوهِمَ النّاس أنّهُ جاءَ ليُفسِدَ عليكُم ما أنتُم عليه، ليُفسِدَ دينَكُم أو ليُفسِدَ بِلادَكُم عليكُم.

  قال بعضُ الكَتَبَةِ وكما جاء وصفُهُم في الإنجيل، الكَتَبَةُ والفَرِّيسِيُّون الذين وصفهم السيّد المسيح عليه السلام بالرّياءِ في مَواضِعَ شَتَّى من الذي قال فيه:
(الويلُ لكُم أيُّها الكَتَبَةُ والفَرِّيسِيُّون تُغلِقون مَلَكوتَ الله في وجهِ الدّاخلين، فلا أنتُم تدخُلون ولا تتركون غيركُم يدخُلُ إليها. لا تدخلون وتمنعون الداخلين.
الويلُ لكُم أيُّها الكَتَبَةُ وأيّها الفَرِّيسِيُّون المُراؤون إنّكُم كالقبور المَطليّةِ بالكِلس، ظاهِرُها جميلٌ وأنيق ولكن في جَوْفِها عِظامُ المَوتى، وكذلكَ أنتُم في ظاهِرِكُم أبرار ولكن في نفوسكم وفي بواطِنِكُم الرِّياءُ الذي تُخالِفون فيه ما تكونون عليه مِن ظاهِرِ الأمرِ بينَ النّاس.)

  وجادلهُ من هؤلاء لمّا بيّنَ له أنَّ النجاسةَ ليسَت فقط فيما يأكُلُ الإنسان، ولكن قد تكونُ النَّجاسةُ في الكلمة، كما أنّهُ ليس بما يأكُلُ الإنسان من الطّعامِ تكونُ حياتُهُ دون غيرِهِ مِنَ الأشياء.
قالوا له: (لماذا يُخالِفُ تلاميذَ تقاليدَ الشيوخ ولا يغسِلون أيديَهُم قبلَ الطَّعام؟
فقال المسيحُ عليه السلام: ولماذا أنتُم تُخالفون وَصِيَّةَ الله مِن أجل المحافظةِ على تقاليدِكُم؟!
لمّا قيلَ له: لماذا قالفتَ التقاليد؟ قال: ولماذا أنتُم خالفتُم وَصِيَّة الله مِن أجل المُحافظَةِ على التقاليد، وهل كان كُلُّ ما فيها حَسَناً حتّى يُحافَظَ عليه)
.

  بعضُ الأمورِ التي نعلمُ أنَّها مِنَ الحَسَنِ الذي يجبُ اتّباعَها، مِن الجيّد الذي يجبُ اتّباعُهُ ومِنَ الحَسَن الذي يَليقُ بِنا أن نَتَّبِعَهُ لما فيه مِنَ التعاضُدِ ومن التعاون صارَ مُهمَلاً، صارَ مَنسِياً!
  والذي نعلَمُ أنَّهُ لا خَيرَ فيه، هو الذي صارَ مُقَدَّماً في زمانِنا وهو الذي صارَ يُقبَلُ عليه، وصارَت الرَّغبَةُ فيه.
لينظُر كُلٌّ مِنَّا في عامِهِ هذا وفي الأعوام التي سبقَت وليسأل إن لم يكُن رأى مَن هُوَ أكبَرُ منه، ألَم تكُن لنا بعضُ العادات التي فيها خيرٌ للناس جميعاً؟! ألم يكُن هُناك مِنَ التقاليد ما لا يُخالِفُ سُنَّةً وإنَّما هُوَ مِنَ الأعرافِ التي ذُكِرَت في كِتاب الله عز وجل من أنَّ كُلَّ أمرٍ تكونُ عاقِبَتُهُ الخير فهو مِنَ الخير ومِنَ الخير فِعلُه، وكُلُّ أمرٍ لا تكون عاقِبَتُهُ إلى خير فليس مِنَ الخير ومِنَ الخير إهمالُه وتَركُه. فهل نَظَرنا فيما فارقنا مِن عادات وفيما أحيينا من تقاليدَ لا نَفْعَ فيها؟!

  هَل نحنُ مِمَّن ينظُرُ في كُلِّ أمرٍ يُحدِثُهُ إن كان هذا الأمر سيُصبِحُ سُنَّةً مِن بَعدِهِ، أفيهِ نفعٌ للناس! أفيه التعاضُدُ وفيه التعاون على البِرِّ والتقوى!؟ أفيه الخير؟! أم أنَّهُ ينظُرُ فيه إن كانت فيه المصلحةُ لنفسه؟!
هذا ما ينبغي لنا أن ننظُرَ فيه، وأن نُقبِلَ على ما أمَتنا مِن عاداتٍ جيّدَة، لأنَّ تلك العادات الجيّدة تتّصِلُ بالبيانِ الإلهيِّ، وتتّصِلُ بسُنَّةِ النبيّ، وتتصّلُ بحديثِ الأئِمَّة، وأن نجتَنِبَ وأن نُميتَ ما أحييناه مِن أشياء لا خيرَ فيها، أن نُحيِيَ ما أمتنا مِنَ الخير وأن نُميتَ ما أحيينا مِنَ الشرّ، وأوّلُهُ أن نجتهد في أن نجتنبَ ما لا يجوز أن يُسَمّى مُداراةً أو مُجاملَةً لأنَّهُ قد تعَدَّى تِلكَ الحُدُود حتّى صارَ نِفاقاً! تَعَدَّى حُدُودَ المُجاملة حتى صارَ نِفَاقاً.

  وهَل يكونُ لنا مِن ذلك الأمر ما نرجو من الخير ثم إذا استطعنا أن نوهِمَ فُلانا بصِدقِ ما نقول، أفنستطيعُ أن نُخفِيَ عن الله عز وجل شيئاً.
هذا الذي ينبغي أن ننظُرَ فيه.
هذا الذي ينبغي أن نعمل من أجله فإنََّ الحال على ما هيَ عليه ليست بالحال التي يستطيعُ أحدٌ أن يبنِيَ عليها لينتقِلَ منها إلى ما هُوَ خيرٌ مِنها، وإنّما سترُدُّهُ إلى حالٍ ستكون أشَدَّ مِنَ الحال التي هُوَ فيها..

  نسألُ الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا ممّن يُؤثِرُ الصِدقَ على الكذِبِ وإن كان فيه ضَرَرُه......