أبناء الدنيا هم أبناء غفلة وغرور وجهالة، وأبناء الآخرة هم العاملون الزاهدون... فإلى أيهما تُنسب؟ الجمعة في 29 تمّوز 2022م

أُضيف بتاريخ الجمعة, 01/09/2023 - 10:11


 

أبناء الدنيا هم أبناء غفلة وغرور وجهالة، وأبناء الآخرة هم العاملون الزاهدون...
فإلى أيهما أنت تُنسب؟


هذه الخطبة الأولى من صلاة الجمعة في 29 تمّوز 2022م
لفضيلة الشيخ تمّام أحمد حفظه الله
مسجد الإمام جعفر الصادق  \ قرية عين حفاض \ صافيتا

يُنسبُ الإنسان إلى أهلهِ وإلى مكان إقامتهِ، وإلى صَنعَتِهِ. الإنسانُ عمومًا بين نِسبَةٍ من هذه النِّسَب، أن يُنسب إلى أهله أو إلى المكان الذي وُلد فيه أو أن يُنسب إلى الصَّنعَةِ التي يُمارسها.

وإذا قلّبتَ النّظَرَ في أحوال هذه النِّسبَة، وجَدتَ أفضَلَها وأجَلَّها، النِّسبَةَ الباقية.

أعظمُ النِّسَب هي النِّسبَةُ الباقية التي لا تتبدّل ولا تتغيّر، كُلُّ مَن في هذه الدنيا منسوبٌ إليها.

قال مولانا أمير المؤمنين عليُّ بن أبي طالب : "النَّاسُ أَبْنَاءُ الدُّنْيَا، وَلَا يُلَامُ الرَّجُلُ عَلَى حُبِّ أُمِّهِ".

كما يتعلّق الطفل بأُمّه كذلك يتعلّق الإنسان بدُنياه، إذا أقحَطَت دُنياه أقحَطَ، وإذا أيسَرَت أَيْسَرَ، ولكنّ العاقل من بحث عن نِسبَةٍ تكون أثبتَ وأمتنَ وأقوى وأبلغَ، وأطوَلَ في بقائها، هي النِّسبَةُ إلى الشيء الذي لا يَفنى، تلك هي النسبة إلى الدار الآخرة، إذ مولانا أمير المؤمنين عليُّ بن أبي طالب :

"أَلَا وَلإِنَّ الدُّنْيَا قَدْ وَلَّتْ، وَأَدْبَرَتْ جَزَّاءَ (أي مقطوعةً) وَإِنَّ الاخِرَةَ قَدْ أَقْبَلَتْ، فَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الآخِرَةِ وَلَا تَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الدُّنْيَا، فَإنَّ كُلَّ وَلَدٍ سَيُلْحَقُ بِأُمِّهِ يَوْمَ الْقِيَامَة، الْيَوْمَ عَمَلٌ وَلَا حِسَابَ، وَغَدًا حِسَابٌ وَلَا عَمَل".

وجاء في حديث الإمام الصادق وقد قال لجابر الجُعفِيّ رضي الله عنه: "واللهِ أَصْبَحْتُ يَا جَابِرَ مَشْغُولَ الْقَلْبِ حَزِينًا"! 

فقال له جابر الجُعْفِيُّ عليه السلام: جُعِلْتُ فِدَاكَ، مَا الَّذِي حَزَنَكَ وشَغَلَ قَلْبَكَ، أكُلُّ هَذَا عَلَى الدُّنْيَا! 

فقال الإمام الصادق :

"لا يَا جَابِر لَكِنَّهُ هَمُّ حُزْنِ الآخِرَة، إِنَّهُ مَنْ دَخَلَ قَلْبُهُ خَالِصُ حَقِيقَةِ الْإِيمَان شُغِلَ عَمَّا فِي الدُّنْيَا مِنْ زَهْرَتِهَا، إِنَّ زَهْرَةَ الدُّنْيَا إِنَّمَا هِيَ لَعِبٌ وَلَهْوٌ، وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ -الْحَيَاةُ- الْبَاقِيَة، لَوْ كَانُوا يَعْلَمُون، اِعْلَم أَنَّ أَبْنَاءَ الدُّنْيَا هُمْ أَبْنَاءُ غَفْلَةٍ وَغُرُورٍ وَجَهَالَةٍ، وَأَنَّ أَبْنَاءَ الْآخِرَةِ هُمُ الْمُؤْمِنُون الْعَامِلُون الزَّاهِدُون، أَهْلُ الْعِلْمِ وَالْفِقْه، أَهْلُ فِكْرَةٍ وَاعْتِبَارٍ لَا يَمَلُّونَ مِنْ ذِكْرِ الله. وَاعْلَمْ أَنَّ أَهْلَ التَّقْوَى هُمُ الْأَغْنِيَاء".

التقيُّ هو الغنيّ لأنّ غِناهُ ثابتٌ لا يتبدّل، ولا ينقطع ولا يزول ولا يَبلى ولا يَفنى، أمَّا الغِنى في هذه الدنيا فهو زائلٌ بزوال مالِكِه، ولا يبقى إلا الشيء الذي خُلق ليبقى وليَدوم.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا وإياكم مِمَّن أغناهم الله بطاعتِهِ عن طاعةِ غيره، وممّن أعزّهم من مكانةِ الطاعة والقُرب إليه.

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِ مُحَمَّدٍ صلاةً تقبل بها صلاتنا، وتُجيب بها دُعاءنا وتغفر بها ذَنبنا، وتمحو بها سيّئاتنا، وتُغني بها فقرنا، وتجبُر بها كسْرنا، إنّك على كُلّ شيء قدير.

عباد الله، إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴿النحل 90﴾ 

اللهم اجعلنا ممّن ذكّرته فتذكّر، وزجرته فانزجر، وأسمعته فسمع وبصّرته فأبصر.

أقول قوليَ هذا وأستغفر الله لي ولكم.