حديث "من أُعطِيَ أربعًا لم يُحرَم أربعًا..." وكيف لا حُجّة لمُحتج على الله، وإنَّ لِأَنْفُسِكُمْ أَثْمَانًا، فلا تَبِيعُوهَا إلّا بِالجَنَّة... الجمعة في 1 تمّوز 2022م

أُضيف بتاريخ الجمعة, 04/08/2023 - 07:13


حديث "من أُعطِيَ أربعًا لم يُحرَم أربعًا..."
وكيف لا حُجّة لمُحتج على الله، وإنَّ لِأَنْفُسِكُمْ أَثْمَانًا، فلا تَبِيعُوهَا إلّا بِالجَنَّة...


هذه الخطبة الأولى من صلاة الجمعة في 01 تمّوز 2022م
لفضيلة الشيخ تمّام أحمد حفظه الله
مسجد الإمام جعفر الصادق (ع) \ قرية عين حفاض \ صافيتا

لكل شيء في هذه الدنيا سبب وعِلَّةٌ، ولكل شيءٍ حَدٌّ وغايةٌ، وكُلُّ شيءٍ له مَبدأٌ فله نهايةٌ.

ولذلك قُرِنَتِ الأسبابُ بالنتائج، وقُرِنَتِ بالمُسَبَّبات، وقُرِنَتِ كُلُّ حادثةٍ بعِلَّةٍ وكُلُّ حُكمٍ بسبب.

جاء في حديث رسول الله  :

من أُعطِيَ أربعًا لم يُحرَم أربعًا،

  1. من أُعطِيَ الاستغفار لم يُحرم المغفرة،
  2. ومن أُعطِيَ الشُّكر لم يُحرم الزيادةَ،
  3. ومن أُعطِيَ الدعاء لم يُحرمِ الإجابةَ،
  4. ومَن أُعطِيَ التوبةَ لم يُحرمِ القُبول.

كُل هذه المُعطيات من نِعَمِ اللهِ عزّ وجَلّ إنّما هي أبوابٌ شَرَعَها الله عزّ وجَلّ لخَلقِهِ، إنّما هي أبوابٌ فُتِحَت لتصل بالإنسان إلى طاعةِ ربّه، ولِتُخْرِجَهُ من الضيق الذي يكون فيه.

من أعطى الإنسان شيئًا من القدرة أو الطاقة على فِعلِ شيء، فهو قد مَكَّنَهُ منه، فما بقي إلا على ذلك الذي أُعطِيَ الشيءَ والقُدرةَ عليه أن يسعى إليه.

إذا كلّفتَ أحدًا أن يأتيكَ بشيءٍ من السوق، فأعطيته مالًا فأنتَ بذلك مكّنته من القُدرة على شراء ذلك الشيء.

إذا كلّفتَ أحدًا أن يحمِلَ إليك خُبزًا، لم تُعطِهِ ثَمَنَه، لم يستطِع أن يُحضره إليك.

فلكل شيءٍ ثمنٌ في هذه الدنيا، ولنفس الإنسان ثمنٌ هو أغلى الأثمان لأن هذه النّفسَ هي أغلى الأنفس، "إنَّ لِأَنْفُسِكُمْ أَثْمَانًا، فلا تَبِيعُوهَا إلّا بِالجَنَّة".

ولذلك لم يترُكِ الله عزّ وجَلَّ حُجَّةً لِمُحتَج، أن يقول أحدٌ إِنِّي كَثُرَت ذُنُوبي، فلا يغفر الله عز وجل لي، إنما أعطاك الله عز وجل المغفرة ليغفر لك. إنه ما أمركم بالاستغفار إلا وهو يريد أن يغفر لكم، "فمن أُعطِيَ الاستغفار لم يُحرم المغفرة".

لو أنَّ عبدًا مُنِعَ من الاستغفار لكانت له حُجَّةٌ على خالقه أنه لا يستطيع أن يَرْجِعَ عن ذَنْبِهِ، ولا أن يتوبَ من خطيئتِهِ، ولذلك منحه الله عز وجل الاستغفار، وأمره به، وكلّفهُ أن يتوب إليه، من أجل أن يرفعَ قَدْرَهُ ومَكانَتَه، وأن يُطَهِّرَهُ مِنَ الذُّنوبِ التي ارتكبها، ومنَ المعاصي التي أسلفها، فجعل في يد الإنسان الإمكانية والطاقةَ والقُدرةَ على تناوُلِ الأشياء وبُلُوغِها.

 أعطاه الاستغفار ليستغفر فيَغفِرَ اللهُ عز وجل له، وأعطاه الشكر، نِعمَةَ الحَمْد، أن يَحْمَدَ الله عز وجَلَّ على نِعَمِه، فإذا حَمِدَ اللهَ على نِعِمِهِ استوجب بذلك الزيادة، لإن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ، "من أُعطِيَ الشُّكر لم يُحرم الزيادةَ".

هذه السبيل إلى زيادة نِعَمِ الله، هذه السبيل إلى الاستزادة من فضل الله، أن تستزيد من فضل الله عز وجل فإنَّما ذلك يكون بالشكر.

من أراد الاستزادة من ذلك الفَضل فليُكثِر من الشكر.

وكذلك من أرادَ أن يصل إلى القَبول، فليَتُب إلى الله عز وجَل، ومن أرادَ أن يُجابَ فليَدعو، إنّما أَذِنَ اللهُ عزّ وجَلّ لعباده بالدعاء، وسمّاهُ عبادةً، وسمّى الذين يستكبرون عنه ممّن أُخرجوا من طاعةِ الله عز وجَل، الذين يمتنعون عن الدعاء سمّاهُم مُستكبرين، فمن أرادَ أن يُجابَ فليَدعو، ومن أرادَ أن يُقبَل فليَتُب، ومن أرادَ أن يُزادَ من نِعَمِ الله فليشكُرِ الله عز وجل، ومن أراد أن يغفر الله سبحانه وتعالى له فليستغفر ربّه.

إنّما تكون الاستزادة من النعم بكثرة الشكر، كما يفعل أحدنا في دنياه إذا أراد أن يستزيد من شيء فإنّه يبحث عن سُبُلَ زيادته وتحصيله. الرجل الذي يزرع في أرضه شجرةً لا يزرعها من أجل أن تأكل منها الطير إنّما يزرعها ليأكُلَ منها ولِيَنتفِعَ بثمرها وبحطبها.

وكذلك إذا أراد أن يستزيد منها اهتمّ بها وأشرف عليها أن روّاها بالماء، وداواها ممّا يُلِمُّ بها، وقَلَّمَها وهَذَّبها لينتفع بها، كذلك تكون نِعَمُ الله عز وجل، إذا أردت الزيادة منها فعليك بالشكر.

كما تهتم وتحتفظ بأثاثك في هذه الدنيا لتزداد منه، الذي يَتَّجِرُ يطمع في زيادة ماله، والذي يدّخرُ شيئًا من الطعام يطمع في إطالة عُمُرِهِ لئلا يموت من الجوع، كذلك فلينظر كيف يزيد نِعَمَ اللهِ عز وجل عليه، إنّما يزيدُها بشُكر الله.

إذا أراد أن تزيد عنده النعم فليشكر الله عز وجل على ما أنعم عليه، فإنَّ حَمْدَ الله عز وجل نِعمةٌ تستحق الشكر.

يقول الإمام السجّاد :

والحمد لله الذي لو حَبَسَ عن عِباده مَعرفةَ نِعمةِ حمده على ما أبلاهم من مِنَنِهِ المُتتابِعَة، وأسبَغَ عليهم من نِعَمِهِ المتظاهرة، لتصرّفوا في مِنَنِهِ فلم يَحْمَدوه، ولتوسّعوا في رزقه فلم يشكروه، ولو كانوا كذلك لخرجوا من حدود الإنسانية إلى حَدِّ البَهِيمِيَّة، وكانوا كما وَصَفَ تعالى في كتابه الكريم إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلا.

إنّ الذي يُمَيِّزُ الإنسان من غيره هو ما أتاه الله من العقل. إنّما الإنسان لسانٌ ناطقٌ بعقلٍ مُتفكِّرٍ وبقلبٍ رحيم، فإذا عَرَفَ موضِعَ نِعَمِ الله عز وجل عليه كان إنسانًا استطاع أن يستزيد من نِعَمِ الله، وأن يحفَظَ فضْلَ الله عز وجل عليه.

نسأله تعالى أن يجعلنا وإياكم مِمَّن يعرفون نِعمةَ الله عليهم، وممّن أنزلهم منزلةَ الشاكرين، ورفعهم إلى درجة الحامدين.

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِ مُحَمَّدٍ صلاةً تقبل بها صلاتنا، وتُجيب بها دُعاءنا وتغفر بها ذَنبنا، وتمحو بها سيّئاتنا، وتُغني بها فقرنا، وتجبُر بها كسْرنا، إنّك على كُلّ شيء قدير.

عباد الله، إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴿النحل 90﴾ 

اللهم اجعلنا ممّن ذكّرته فتذكّر، وزجرته فانزجر، وأسمعته فسمع وبصّرته فأبصر.

أقول قوليَ هذا وأستغفر الله لي ولكم.