الجُمُعَة 10 تمّوز عن ليلة القدر

أُضيف بتاريخ الأثنين, 27/06/2016 - 18:54
 مُوْجَزُ خُطْبَتَي الجُمُعَة 10\ تموز \ 2015.
  1. الخُطْبَةُ الأُوْلَى: لَيْلَةُ القَدْرِ، تَعْظِيْمُهَا، وَأَعْمَالُهَا، وَالاخْتِلافُ فِي تَعْيِيْنِهَا.
     
  2. وَفِي الخُطْبَةِ الآخِرَة: يُمْكِنُ إِدْرَاكُ لَيْلَةِ القَدْرِ فِي كُلِّ يَومٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَان.

 

الخُطْبَةُ الأُوْلَى:

في هذا الشهر المُبارك ليلةٌ فَضَّلها اللهُ سُبحانه وتعالى، وجَعَلَ العَمَل فيها أَفضَلَ مِن غَيرِها، فكانَ قولُهُ تعالى في سورة القَدْر:

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ 1 وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ 2 لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ 3 تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ 4 سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ 5.
صدق الله العليّ العظيم

هذه الليلة التي جعلها الله سبحانه وتعالى خيرًا من ألف شهر، وجَعَلَ فيها واجبًا على مَن يُريدُ إحياءها، لكَيّ يشعُرَ بعَظَمَةِ هذا الشهر، وبعظَمَةِ هذه الليلة، الليلةُ التي أُنزِلَ فيها كِتابُ اللهِ ، ثمّ نزل بعد ذلك مُتَفَرِّقًا.

الليلةُ التي نزَلَ فيها القُرآنُ الكريم على قلبِ أمينِهِ ثمّ نَزَلَ بعدَ هذا في كُلِّ واقِعَةٍ وفي كُلِّ حادِث، ما يزيدُ على عشرينَ سَنَةً، لكنَّ نُزُولَهُ وتَقديرَهُ كان في هذا الشهر وفي هذه الليلة.

في هذه الليلة المُباركة التي يجب على المُسلم وعلى الصّائم أن يستحضِرَ فيها سَبَبَ تسمِيَتِها، وأن يعرِفَ ماذا يجِبُ عليه في مِثلِ هذه الليلة.

في كُلِّ يومٍ عَمَلٌ والطّاعَةُ واجِبّةٌ على المَرء، في جميعِ أيّامِ دهرِهِ، سَوَاءٌ أَكانَ في شهر رمضان أو كان في غيره، ولكن كما يَدَّخِرُ الإنسانُ من حياتِهِ أيّامًا، وكما يختار من حياتِهِ أيامًا، فكذلكَ انتُخِبَ مِن شُهُورِ السّنَةِ شهرُ رَمضان، واختار الله سبحانه وتعالى من ليالي هذا الشّهر الذي اختاره من شهور السنة وفضّلهُ عليها، اختار من لياليه ليلةً سمّاها ليلةَ القَدْر، وجَعَلَ ثوابَ العَمَلِ فيها مُضاعفًا، وجَعَلَ الصّلاةَ فيها بثوابٍ مُضاعَف.

ولقد اختلفت الروايات في تحديد هذه الليلة وتعيينها، وجاء في كثيرٍ من الأحاديث عن رسول الله  أنّه قال: (إلتمِسوها في العَشرِ الأواخِر).

وقال بما رُوِيَ عنه بلفظٍ آخَر: (إلتمِسوها في السّبعِ الأواخِر).

وجاء في الكثير من الروايات أنّها ليلةُ تِسعَ عَشرَةَ مِن شهرِ رمضان، وأنّها في روايةٍ أُخرى ليلةُ إحدى وعِشرين، وفي روايةٍ أُخرى ليلةُ ثلاثٍ وعِشرين، وفي غيرها أنّها ليلةُ أربعٍ وعِشرين حتّى وَصَلَ إلى أنّها ليلةُ سَبعٍ وعِشرين.

هذه الرِواياتُ التي جاءَت في تعيين ليلةِ القَدْر وفي تحديدها، وذَكَرَت علامَتَها، لا بُدَّ أنَّ اللهَ سُبحانه وتعالى جَعَلَ فيها حِكْمَةً تَخفَى على خَلْقِهِ.

ليلةُ القَدْرِ التي أَمَرَ اللهُ سُبحانه وتعالى بتفضيليها وتعظيمها، حينَ فضّلها وعظّمها في كِتابِهِ وقال أنّها خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْر جَعَلَ فيها مِن الواجِبَ أن يُكثِرَ الإنسانُ مِنَ الدُّعاء ومن التضرُّعِ ومِنَ الإبتهالِ ومِن قِراءَةِ القُرآن.

كما أنّهُ يستقبلُ شهر رمضان بقراءةِ القُرآن، لأنّه الشهرُ الذي نَزَلَ فيه القُرآن وهُوَ (غُرَّةُ الدَّهر) على ما جاءَ في كثيرٍ من الأحاديث، وَ(قلبُ شهر رمضان ليلةُ القَدر) وفيها نَزَلَ القُرآن، فاستقبل الشهر بالقُرآن، اجعل استقبالك لهذا الشهر الذي نَزَلَ فيه القُرآن في قِراءةِ القُرآن تعظيمًا لهُ وإجلالاً له، فكذلك في هذه الليلةِ التي نزل فيها يجبُ ويُستَحَبُّ أن يُكثِرَ الإنسانُ الدعاء، وأن يقومَ ما استطاعَ مِنَ الليل.

في ما عُيِّنَ من أعمال هذه الليلة والتي وِسَّعَ اللهُ سبحانه وتعالى فيها على خَلقِهِ إن كان أحدُهُم عاجزًا أو كان مريضًا أو كان غيرَ قادِرٍ على الصلاة، على ما جاءَ في حديثِ أبي بَصير وقد سألَ الإمامَ الصّادِقَ أن يُعَيِّنَ لهُ ليلةَ القَدْر، وجاء في كثيرٍ من الأحاديث (التَمِسْها في ليلِةِ إحدى وعِشرين أو ليلةِ ثلاثٍ وعِشرين) ولَمّا أرادَ تحديدها وتعيينها، قال الإمامُ : (وَمَا عليكَ أن تفعَلَ خيراً في ليلتين). أو في لفظٍ آخَر: (وما أيسَرَ ما تطلُبُ في ليلتين)، ولَمَّا قيلَ له: أَفْرِد لي إِحداهُما، قال: (ما أَهْوَنَ ما تَطلُب في ليلتين) أو (ما عليكَ أن تَعمَلَ خَيراً في ليلتَيْن هيَ إحداهُما).

عليكَ أن تَعمَل في ليلتين هي إحداهُما! تكون ليلةُ القَدْر إحدى هاتين الليلتين، أيصعُبُ عليكَ العَمَلُ في ليلتين!؟

أوجَبَ اللهُ سبحانه وتعالى على لِسان نبيّه أن يكون الإنسان طاهرًا ما استطاع، ونظيفًا ما استطاع، لذلك كَثُرَ الكلامُ على استِحبابِ الغَسل في شهر رمضان وفي غيره، ولكن في الليالي التي تُرجَى فيها ليلةُ القَدر، كما ذكرنا، وجاء عن أمير المؤمنين عليّ بنِ أبي طالب (اغتَسِل إن استطَعتَ ليلَةَ سَبعَ عَشرَةَ). على ما رواهُ صاحب كتاب دعائم الإسلام، وأيَّدَهُ المَجْلِسِيُّ في بِحار الأنوار: (اغتَسِل إن استطَعتَ ليلَةَ سَبعَ عَشرَةَ، وليلةَ تِسعَ عَشرَةَ، وليلةَ إحدى وعِشرين، وليلةَ ثلاثٍ وعِشرين).

هذه الليالي التي يُرجى فيها فضلُ ليلةِ القَدْر، لعلّكَ تكونُ ممّن يُدرِكُ هذه الليلة التي شرّفها اللهُ سبحانه وتعالى بأن أنزل فيها القُرآن وجعل لها مِن كِتابِهُ سورةً سُمِّيَت سورةَ القَدْر.

بالصّيام، وفي ليلِهِ بالإجتهاد في العِبادة، وفي شهر رمضان، نوافِلُ تُصَلَّى في الليل هي عِندَ غَيرِنا من المذاهِبِ تُسَمَّى صلاةَ التّراويح لأنَّ المُصَلّي يستريحُ فيها، وهيَ في مَذهَبِ أهلِ البيت نوافِلُ تُصَلّى فُرادى، من الليلةِ الأولى في شهر رمضان إلى العِشرينَ مِنه، عُشرونَ رَكعَةً تكونُ نافِلَةً زيادَةً على الصلوات المُخَصّصة والمُقَرَّرَة.

ومن العشرينَ إلى الثلاثينَ مِنَ الشّهر، تكونُ ثلاثينَ رَكعَةً بينَ صلاةِ المَغرِبِ وبينَ صلاةِ العِشاء.

في هذه الليلة، يُستَحَبُّ للمرء أن يُصَلِّيَ مئةَ رَكْعَة، يكونُ قَد صَلّى ثلاثينَ بحَسَبِ ما جاءَ مِنَ النَوافِل، ويكونُ يزيدُ عليها بعد ذلك سبعينَ ركعَةً ليُصيبَ تَّمامَ العَدَدِ الذي يُستَحَبُّ أن يُحيِيَ فيهِ ليلةَ القَدْر.

يُصَلّي وإذا نظرَ أحَدُنا في هذا قد يستثقِلُه أو قد يَشُقُّ عليه أو قد يستصعِبُهُ أن يُصَلِّيَ مِئَةَ رَكعَةٍ: يقرأُ في كُلِّ ركعةٍ الفاتِحَة مَرَّةً، ويَقرَأُ سورة الإخلاص عَشْرَ مَرَّات.

أن تقرأ (الحمد لله رب العالمين...) مرّةَ وأن تقرأ (قُل هو الله أحد...) عشرَ مَرَّات. قَد يَشُقُّ عليك، أو تستصعِبُهُ! ولكن ما وَسَّعَ الله سبحانه وتعالى به هذا القِيام، على ما جاء من سؤال أبي بصيرٍ للإمام الصادِقِ حينَ ذَكَرَ له ما يُستَحَبُّ أن يقوم به في إحياءِ ليلَةِ القَدْر.

فقال له: فإن لَم أقوَ وأنا قائِم، فقال الإمام الصادق : فجالسًا.

إن لم تستطع أن تُصَلِّيَ ما ذَكَرتُ لكَ وأنتَ قائِم فصَلِّ وأنتَ جالِس.

فقالَ: فإن لم أقوَ وأنا جالِس؟! إن لم أستطِع أن أُصَلِّيَ مئةَ ركعةٍ وأنا جالس فماذا أفعل؟! فقال: فعلى فِراشِك.

قال الإمام الصادِقُ : (فصَلِّ وأنتَ مُستَلقٍ في فِراشِك). (فما عليك أن تكتحِلَ في أوّل الليل بشيءٍ من النّوم، فصَلِّ وأنتَ مُستَلقٍ في فِراشِك).

إن كان يشُقُّ عليك وأن تُصَلّيَ وأنتَ قائم، ثمَّ يشُقُّ عليكَ أن تُصَلِّيَ وأنتَ جالس فصَلِّ وأنتَ مُستَلقٍ في فِراشِك.

الغايةُ من هذا أن لا يكون هُناكَ عُذرٌ لمُعتّذِر، إن قال: لا أستطيعُ أن أُصَلِّيَ مِئةَ ركعةٍ في ليلةٍ واحِدةٍ مِن قِيام. فقد جعل الله سبحانه وتعالى لك أن تُصلّيَ من جُلوس بل وأن تُصَلِّيَ وأنتَ لو كُنتَ مُستلقيًا على فِراشِك لجازَ لك أن تُصَلِّيَ في هذه الليلة وأن تُحيَيَها.

الروايات في فضل ليلةِ القدر وفيما يجب فيها كثيرةٌ أقلُّ ما يُهدى به في هذا المقام أن يُبَيَّنَ للمُسلم ما يجب عليه لإحياءِ هذه الليلة.

نسأل الله سبحانه وتعالى وإياكُم مِمَّن وُفِّقَ لإحياء ليالي القَدر، ومِمَّن قَدَّمَ طاعةَ الله سبحانه وتعالى على هواهُ وعلى رَغْبَتِه. اللهم صلّ على محمّد وآل محمد...


الخُطْبَةِ الآخِرَة:

اليوم الذي تكون فيه للإنسان رَغْبَةٌ أو يكونُ يوماً مُعَظَّمًا أو مُفضّلاً أو مُكَرّمًا عليه، يجتهِدُ في أن يُحسِنَ تكريمَ ذلك اليوم، لأنّهُ بهذا يُكَرِّمُ الحَدَثَ الذي وَقَعَ فيه. ويُريدُ أن يسترجِعَهُ وأن يستحضِرَهُ وأن يتصَوَّرَ منه ما يستطيع، لو يستطيعُ أن يُعيدَ يومَ وُقوعِهِ لفَعَلَ، من أجلَ هذا يجتهِدُ في تمييز يومٍ من يوم لِما يكونُ له من الفَضل.

إذا أَشْكَلَ على مَن قرأَ أو على مَن سَمِع، فهوَ يُريدُ أن يُحيِيَ ليلَةَ القَدْر، أنّهُ لا يستطيعُ معرفةَ الليلةِ التي أَمَرَ اللهُ سُبحانه وتعالى بإحيائها. لا يستطيعُ أن يُحَدِّدَ الليلةَ التي قالَ فيها إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ. لا يستطيعُ أن يَقِفَ على تعيينٍ أو تحديدٍ قَيَّدَ هذه الليلة ليعرِفَ كيفَ يُعَظِّمُها وكيف يكونُ إحياؤها.

في كثيرٍ من الأحاديث ما يدُلُّ على كيفيّة إحياء هذه الليلة، وعلى كيفيّة إدراكِها، إن كان أشكَلَ على قارِئٍ أنّها في كثيرٍ مِنَ الكُتُب جاءِت أنّها في كُلِّ رَمَضان، وفي أحاديثَ أُخرى أنّها في العَشرِ الأواخِر أو في السبّع الأواخِر، وفي الوِتْرِ من الليلةِ السابعَةَ عَشرَةَ حتى تصِلَ إلى آخِرِ شَهْرِ رَمَضان، فكيفَ إذا يُحييها الرّاغِبُ في إحياء ليلةِ القَدر. كيفَ يُحييها إذا هو لم يستطِع تعيينها أو تحديدها بليلة.

ولماذا أخفى الله سبحانه وتعالى تعيينَ وتحديدَ ليلةِ القَدْر، فمن الناس من يُحيي ليلة القَدرِ على ما ذَكَرنا في السابعَ عَشَرَ من شهر رمضان ومنهم من يُحييها في الليلة التاسعة عَشرَةَ ومنهم من يُحييها في الليلة الثالثةِ والعِشرين وفي الليلة التاسِعَةِ والعِشرين، وفي الليلة السابِعَةِ والعِشرين. كُلُّ هذا رَغبَةً في الثّواب الذي يكون لمن أحيا ليلةَ القَدر، ولكن تلكَ الليلةُ لم تُحَدَّدُ ولم تُعَيَّنُ في الحديث النبويّ ليَعرِفَ الصّائمُ أيَّ ليلةٍ.

لماذا أُخفِيَ تعيينُ ليلةِ القَدْر؟

سُئلَ أميرُ المؤمنين عليُّ بنِ أبي طالب عن تعيينها وتحديدها، فقال :

(ما أخلو أن أكونَ أعلَمُها، فأذكُرَ عِلْمَها ولستُ أشُكُّ أنَّ اللهَ  يستُرُها عنكم نَظَرًا لكم –رحمةً بكم- لأنّهُ لو أعْلَمَكُمُوها، لعَمِلتُم فيها وتَرَكتُم غَيرَها).

لذلك لَم تُعَيَّن ليلةُ القَدْر بليلةٍ مُحَدَّدَةٍ لئلا يشغَلَ الصّائِمُ نفسه بالإجتهادِ بالعبادة في هذه الليلة ثمّ يُهمِلَ غيرها من ليالي شهرِ رمضان، ولذلك كان وَجهُ خَفَاءِ هذه الليلة أنّها في كُلِّ رمضان، في جميع ليالي شهر رمضان.

إذا كان الشهر الذي هو أفضلُ الشهور فُضّلت لياليهِ وفُضّلت أيّامُه ثمّ فُضِّلَت بعد هذا ليلةٌ من لياليه، فما أعظَمَ هذه الليلةَ التي تُفَضَّلُ من المُفَضَّل، وتُنتَخَبُ من المُنتَخَبِ ومِنَ المُختار.

إذا كان يُريدُ أحدٌ تعيينها من أجل أن يعمَلَ فيها ليترُكَ العمل في غيرها، لذلك لم تُحَدَّد، ولم تُعَيَّن. ولمّا سُئِلَ كثيرٌ من الأئمّة أن يُفرِدوا أو يُحَدِّدوا لم يخرجوا عن تفصيلها بليلتين: ليلةِ الإحدى وعِشرين أو ليلة ثلاثٍ وعِشرين، وما عليك أن تفعَل خيرًا.

أن يُريدُ الرّجل أن يُدرك ليلةَ القَدْر ليكون له من الثواب ومن شرف إدراك هذه الليلة لكنّه يستكثِرُ ويستصعِبُ أن يعمَل في ليلتين أو في ثلاثِ ليالٍ من شهر رمضان، ويريدُ أن تُفرَدَ له هذه الليلة وأن تُعَيَّن وأن تُحَدَّد من أجل أن يعمَلَ فيها دونَ غيرها!. ولو حُدِّدَت لعَمِلَ الناس فيه وتركوا العمل في غيرها ولذلك كان حديثُ رسول الله وقد سُئِلَ عن تعيين ليلةِ القَدر وعن تحديدها فقال

(أيُّها النّاس، مَن وَرَدَ عليه شهرُ رمضَان وهوَ صحيحٌ سَويّ، فصامَ نهارهُ، وقامَ وِرْدًا من ليلِهِ، وواظَبَ على صَلاتِهِ، وهَجَرَ إلى جُمُعَتِهِ، وغَدا إلى عيده، فقد أدرَكَ ليلةَ القَدْر، وفازَ بجائزَةِ الرَّبِّ عزّ وجَل).

وقال الإمام الصادق بعد هذا:

(فاز واللهِ بجوائزَ ليست من جوائزِ العِباد).

فإدراكُ ليلةِ القَدْر لمن أرادَ أن يُدرِكَها، إذا (وَرَدَ عليه شهرُ رمضَان وهوَ صحيحٌ سَويّ)، أن يصوم نهاره، أن يقومَ جُزءًا من ليله، لو كان في النافلة التي يُستَحَبُّ له أن يُصَلِّيَها، وواظَبَ على الصلاة التي أمر الله سبحانه وتعالى بها، (وهَجَرَ إلى جُمُعَتِهِ)، جاءَ إلى جُمُعِ شهر رمضان، وهي أيضًا مُفضّلَةٌ على غيرها من الجُمَع، لأنّها في الشّهر المُفَضَّلِ على غيره من الشّهور، (وغَدا إلى عيده، فقد أدرَكَ ليلةَ القَدْر) قد أصاب الليلةَ التي يبحثُ عنها، ويجتهِدُ في العِبادةِ.

أيُّ ليلةٍ تكونُ ليلةَ القَدْر، أهِيَ الليلةُ السابعةَ عشرة أم هي ليلةُ تِسعَ عَشرَةَ، أم هي ليلةُ إحدى وعِشرين... هذا الحديث يدُلُّ على أنَّ ليلةَ القَدر يُمكِنُ إدراكُها في أيّ يومٍ من أيّام شهر رمضان.

من صام نهاره، من قام وِردًا من ليله، من واظَبَ على صَلاتِهِ، مَن هَجَرَ إلى جُمُعَتِهِ، مَن غدا إلى عيده، فقد أدرَكَ ليلةَ القَدْر، وفازَ بالجائزَةِ التي ليست كجوائزِ العِباد.

نسألُ اللهَ سُبحانه وتعالى أن يجعلنا وإيّاكُم ممّن سَلِمَ صَومُهُ في نَهَارِهِ، وممّن قوّاهُ الله حتى استطاعَ أن يقومَ وِردًا من ليله، ومِمَّن هَجَرَ إلى جُمَعِ شهر رمضان، مُصَلِّيًا مُبتهِلاً، مُتَضَرِّعًا هاجرًا السيّئات، وممّن وفّقَهُ الله سُبحانه وتعالى إلى أن يُصَلِّيَ في عيد الفِطر، في عيد هذا الشهر المُبارك الذي جعله الله سُبحانه وتعالى خير الشّهور..

اللهم صلّ على مُحمّد وآله، وأحسن لنا يا رب العالمين صُحبَةَ هذا الشهر، وتَسَلَّمهُ مِنَّا في يُسرٍ منك وعافيةٍ وعَفوٍ ومغفِرَةٍ ورِضا.

اللهم اجعل خروجنا من هذا الشهر وقد خرجنا من ذُنوبِنا، واجعل انصرافنا من هذا الشهر وقد انصرفنا عن الذُنوب والمَعاصي، وقد قُبِلَت توبَتُنا، وقد قُبِلَت صَلاتُنا، ووقَد قُبِلَ رُكُوعُنا، وقد قُبِلَ سُجُودُنا، في لياليهِ وفي أيّامه.

اللهم ارزُقنا سلامَةَ الصِّيام وارزُقنا صِحّةَ القِيام، وصَلّ على محمد وآله أفضل ما صلّيتَ على أنبيائك، وأفضَلَ ما صَلَّيْتَ على رُسُلِك، وأفضَلَ ما صَلَّيْتَ على ملائِكَتِك.

  • وبصلاتِكَ على محمدٍ وآل محمد أن ترحَمَنا.
  • وبصلاتِكَ على محمدٍ وآل محمد أن تتقبّلَ أعمالنا.
  • وبصلاتِكَ على محمدٍ وآل محمد أن تتقبّل صِيامنا.
  • وبصلاتِكَ على محمدٍ وآل محمد أن تجعَلَنا في هذا الشهر سالمين....