ما نُسِبَ إلى الشيرازي من كلام ابن عربي

أُضيف بتاريخ الجمعة, 22/08/2014 - 14:24

ما نُسِبَ إلى الشيرازي من كلام ابن عربي


فَقَدْ كَتَبَ المُؤَلِّفُ :

(( قال الشيرازي : (( اعلموا إخواني وفقكم الله أن المبايعين أربعة الرسل والأئمة والمشايخ والسلاطين، والمُبايَعُ في هؤلاء الأربعة على حقيقة واحد هو الله تعالى لقوله مخاطبا نبيه : إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ. [سورة الفتح 10]

فالرسل والأئمة لا يعصون الله ، ولا يأمرون بمعصية أصلا لأنهم معصومون منها ، ولا ينوون الشر، ولا يصدر عنهم إلا الخير. والمشايخ كذلك محفوظون عن عمل الشر وإن نووه فإن الله لا ييسر لهم فعله، وهم لا يأكلون من مال الحكام أو من كان في ماله شبهة حتى ولو كان من أولادهم. وأما السلاطين فمن لحق منهم بالمشايخ كان محفوظا وإلا كان مخذولا ومع هذا فلا يطاع أحدهم في معصية .

والبيعة لازمة حتى يلقوا الله تعالى، ومن نكث من هؤلاء الأتباع فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا [سورة النساء 93]. وأما حظه في الدنيا والبرزخ فالنسوخية والفسوخية والرسوخية حَتَّىٰ يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ [سورة الأعراف 40].

ومن سقط من عين الله رؤي بعد ذلك مع المخنثين وسرق وقطعت يده هذا لمن نكث (وفي هذا مذهب التناسخ واضحاً). ومن وفّى في بيعته وأخلص لشيخه فحظه مثل حظ أحمد بن أبي الحواري (ت 230هـ ـ 845م) قال له الشيخ ألق نفسك في التنور . فألقى بنفسه فعادت عليه النار بَرْدًا وَسَلَامًا [سورة الأنبياء69]. حصل له هذا بفضل شيخه الذي أطلعه على سر الذات المحمدية ))…)).
1


مَذْهَبُ الوَهْمِ

لَمْ يَكُنْ هَذَا الكَلامُ مِنْ دُرَرِ التّوْحِيْدِ العَلَوِيّ ، كَمَا تَوَهّمَ المُؤَلِّفُ ، وَلَيْسَ للشّيْرَازِيّ كَمَا زَعَمَ ، وَإِنّمَا مِنْ كَلام ابن عَرَبِيّ . 2 وَهَذِهِ صُوْرَتُهُ فِي كِتَاب التّجَلّيات الإِلَهِيّة :

  "المبايعون" اسم المفعول "ثلاثة: الرسل والشيوخ الورثة والسلاطين"
فالورثة هم الذين يرثون الرسل مقاماً وحالاً وعلماًوشهودياً. فمنهم من
يرث، في الاتباع المحمدي. آدم وإبراهيم وموسى وعيسى وغيرهم.
  "والمبايع على الحقيقة في هؤلاء الثلاثة، واحد: وهو الله -تعالى-
وهؤلاء الثلاثة، شهود الله على بيعة هؤلاء الأتباع. وعلى هؤلاء الثلاثة،
شروط يجمعها: القيام بأمر الله، وعلى الاتباع، الذين بايعوهم، شروط
يجمعها: المتابعة فيما أمروا به.
  فأما الرسل والشيوخ، فلا يأمرون بمعصية أصلاً، فإن الرسل
معصومون من هذا، والشيوخ محظوظون.
  وأما السلاطين، فمن لحق منهم بالشيوخ، كان محظوظا وإلا كان
مخذولاً، ومع هذا، فلا يطاع في معصية، والبيعة لازمة حتى يلقوا الله.
  "ومن نكث، من هؤلاء الأتباع، فحسبه جهنم خالداً فيها لا يكلمه الله
ولا ينظر غليه ولا يزكيه وله عذاب أليم، هذا حظه في الآخرة.
  وأما في الدنيا، فقد قال أبو يزيد البسطامي، في حق تلميذه لما
خالفه: دعوا من سقط من عين الله، فروي بعد ذلك على المخنثين، وسرق
وقطعت يده، هذا لما نكث، أين هو ممن وفى ببيعته؟ مثل تلميذ داوود
الطائي، الذي قال: ألق نفسك في التنور فألقى نفسه فيه، فعاد عليه برداً
وسلاماً، هذا نتيجة الوفاء".

وَلِذَا كَانَ ادِّعَاؤهُ : أَنَّ العَلَوِيّيْنَ يَقُوْلُوْنَ بِالتّنَاسُخِ ، فِي قَوْلِهِ : (( وفي هذا مذهب التناسخ واضحاً )). بِنَاءً عَلَى الكَلامِ الّذِي نَسَبَهُ إِلَى الشّيْرَازِيّ ، بَاطِلاً ، لأَنّهُ بُنِيَ عَلَى بَاطِلٍ، وَلا أَدْرِي مِنْ أَيْنَ أَضَافَ تِلْكَ الجُمَلَ الّتِي عَدَّهَا دَلِيْلاً عَلَى التّنَاسُخِ.

هَذَا، وَلَوِ انْصَرَفَ إِلَى قِرَاءةِ مُؤَلّفَاتِ ابنِ عَرَبِيّ ، لَكَانَ خَيْراً لَهُ .


وَمِنْ أَوْهَامِهِ ، قَوْلُهُ :

(( ولكي أبين أن الشيرازي قد اعتمد على كتاب الغزالي قواعد العقائد كمصدر هام لكتابه سأورد براهين الغزالي على أن العالم حادث ...)). 3

وَبَعْدَ إِيْرَادِهِ بَرَاهِيْن الغَزَالِيّ ، نَسَبَ إِلَى العَلَوِيّيْنَ كَلامًا لَمْ يُحَقِّقْهُ، وَظَنَّ أَنّهُ قَرَأَ رَدّاً للشّيْرَازِيّ ، فَكَتَبَ :

(( رد الشيرازي بقوله : ((لا يلزم من هذا إثبات العدد على وجه ما فثم ما هو أشد علينا من العدد وهو أن تكون الذات كاملة بغيرها، وكل كامل بغيره ناقص بذاته . ومن نفى أعيان الصفات فرَّ من الكثرة والنقص ، لكن تلقاه أمر آخر وهو أن الحكم لا يقدر من جهة العقل أزلا وهو محال ، وإثباته لنفسه قادرا محال. فالأولى لأصحاب العقول الإقرار بالموجود وأحكام الصفات . ولا سبيل لمعترض لنفيها ولا لإثباتها ، فإن العقل أعجز من أن يقف على مثل هذا . فما ذلك إلا حيرة فلو كان الهو ظاهراً لما أصبح هذا الخلاف ، ولو كان ،الهو ، غير ظاهر لما كان الهو ، وماكان إلا ، أنا ، ولا بد من الهو ، ولا بد من الأنا، ولا بد من الخلاف ، والله أعلم".)).4


مَذْهَبُ الوَهْمِ

لَقَدْ وَهِمَ المُؤَلّفُ فِي هَذَا ، لأَنّهُ مِنْ كَلامِ ابنِ عَرَبِيّ وَلَيْسَ مِنْ كَلام الشّيرازي، وَهَذِه صُورَتُهُ فِي رَسَائل ابنِ عَرَبِيّ : 5

بالذات) فكيف يكون هذا وإن قلنا لا يلزم مثلاً من هذا إثبات العدد على وجه ما فثم ما هو
علينا أشد من العدد وهو أن تكون الذات كاملة بغيرها وكل كامل بغيره ناقص بذاته ومن نفى
أعيانها وفر من مثل هذين المقامين أما الكثرة وأما النقص تلقاه أمر آخر وهو أن الحكم لا
يقدر من جهة الدليل الذي قد نصبتموه على معرفة الله إن ثبتت هذه الأحكام للذات مجردة
فإنه إذا أثبتت كونه قادراً لنفسه وقع الفعل أزلاً وهذا محال فإثباته قادراً لنفسه محال.
  فالأولى بأصحاب العقول الوقوف والإقرار بالوجود وأحكام الصفات ولا سبيل للتعرض
لا لنفيها ولا لإثباتها فإن العقل أعجز من أن يقف على مثل هذا بل على أقل شيء فانظر
حار أهل المشاهدة هنا فما ثم إلا حيرة في حيرة فلو كان الهو ظاهراً لما صح هذا الخلاف
ولو كان الهو ظاهراً ما كان الهو ولكان الأنا ولا بد من الخلاف ولنا فيه من

وَلَيْسَ ابنُ عَرَبِيّ مِنْ مَشَايِخ المَذْهَبِ العَلَوِيِّ ، وَلَمْ يَأْخُذِ العَلَوِيُّوْنَ عَنْهُ مَذْهَباً، فَأَيُّ رَدٍّ للشّيْرازي، وَأَيّ كِتَابٍ هَذا .

أَكُلَّمَا وَجَدَ رَجُلٌ وَرَقَةً فِيْهَا شَيءٌ مِنِ اصْطِلاحِ الصّوفِيّةِ، نَسَبَهَا إِلَى العَلَوِيِّيْنَ ، ثُمَّ أَلَّفَ عَلَى نِسْبَتِهَا إِلَيْهِم كِتَاباً فِي تَوْحِيْدِهِم .

لَقَدْ وَهَِمَ المُؤَلِّفُ فِي تَقْدِيْرِهِ ، فَنَسَبَ مُؤَلّفَات ابنِ عَرَبِيّ للعَلَوِيِّيْنَ ، فَقَارَنَ ابنُ عَرَبِيّ إِخْوَان الصّفَا ، وَاقْتَرَنَ بِالغَزَالِيّ ، وَخَرَجَ المُؤَلِّفُ مَقْرُوْناً وَهْمُهُ بِتَكَهُّنِهِ .

وَمِنْهُ تَعْرِفُ أَنَّ مَا ظَنّهُ المُؤَلّفُ بَحْثاً فِي التّوْحِيْدِ العَلَوِيّ ، أَوْهَامٌ لا يُلْتَفَتُ إِلَيْهَا ، وَكَانَ الأَوْلَى أَنْ يُسَمّيَ كِتَابَهُ : إِخْوَان الصّفَا وَالتّوْحِيْد عِنْد ابنِ عَرَبِيّ ، بَدَلاً مِنْ : إِخْوَان الصّفَا وَالتّوْحِيْد العَلَوِيّ .

وَبِذَا يَتَّضِحُ لَكَ أَنَّ أَكْثَرَ الكُتُبِ الّتِي تُنْسَبُ إِلَى العَلَوِيِّيْنَ ، ظُنُوْنٌ وَأَوْهَامٌ ، نَشَأَتْ مِنْ قِلّةِ التَّثَبُّتِ كَمَا نَشَأَتْ مَزَاعِمُ هَذَا المُؤَلِّفِ .

وَلَمَّا كَانَتِ الحَالُ عَلَى مَا تَرَى مِنَ القُصُوْرِ فِي التَّأْلِيْفِ وَالاِضْطِرَابِ فِي القَوْلِ ، فَقَدْ نَبَّهْنَا عَلَى هَذِهِ الفَوْضَى ، لِتَعْرِفَ أَنَّ كُلَّ كِتَابٍ يُنْسَبُ إِلَى العَلَوِيِّيْنَ وَفِي مَضْمُوْنِهِ مَا يُخَالِفُ كِتَابَ اللهِ ، وَسُنَّةَ رَسُوْلِ اللهِ ، تَخَرُّصٌ وَاخْتِلاقٌ ، وَافْتِعَالٌ وَافْتِرَاء .

وَمِنْ مِثْلِ هَذَا المُؤَلِّفِ الّذِي لَمْ يَتَثَبَّتْ فِي قَوْلِهِ ، وَلَمْ يَتَبَيَّنْ مَعَ قَوْلِ اللهِ تَعَالَى : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ .[سُورة الحجرات 6].

وَقَعَ الاِخْتِلاطُ وَالاِلْتِبَاسُ . فَنُسِبَ إِلَيْنَا الغُلُوُّ وَعِبَادَةُ غَيْرِ اللهِ، وَبِمِثْلِ هَذِهِ الكُتُبِ الّتِي لا يُعْرَفُ لَهَا وَجْهٌ ، نُسِبَتْ إِلَيْنَا مُؤَلّفَاتٌ جَمَّةٌ ، أَلَمْ تَرَ إِلَى خَلْطِ هَذَا المُؤَلِّفِ الشِّيْرَازِيّ بِالغَزَالِيّ وَالغَزَالِيّ بِابنِ عَرَبِيّ ، وَالتّوْحِيْدَ العَلَوِيَّ بِإِخْوَانِ الصّفَا وَزَعْمَهُ أَنَّ هَذَا مِنْ مَخْطُوْطَةٍ ، وَذَلِكَ مِنْ كِتَابٍ ، وَهَذَانِ مِنْ مَذْهَبٍ .

قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ .[سورة يونس 59].

وَهْمٌ عَلَى وَهْمٍ ، وَفَوْضَى عَلَى فَوْضَى ، وَخَلْطٌ عَلَى خَلْطٍ ، فَلْيَتَحَرَّ المُؤَلّفُوْنَ الصّدْقَ ، وَلْيَتَوَخّوا الصّوَابَ ، فَقَدْ سَئِمْنَا مِنْ تَعَسُّفِ أَشْبَاهِ المُؤَلِّفِيْنَ .

أَكُلَّمَا جَاءَ مُؤَلِّفٌ مُتَغَافِلاً ، صَارَ مَرْجِعاً ، وَكُلّمَا أَتَى كَاتِبٌ بِوَهْمٍ، صَارَ اسْتِنْبَاطاً حَسَناً ، وَكُلّمَا تَهَيَّأَ لِرَجُلٍ قَلَمٌ وَصَحِيْفَةٌ ، صَارَ كَاتِباً . إِنّهَا لَثَقَافَةٌ يَتَنَزَّهُ الجَاهِلُ عَنْهَا ، فَكَيْفَ تَكُونُ مَعَ هَذِهِ الفَوْضَى كُتُباً يُعْتَمَدُ عَلَيْهَا ؟.

وَمِنْ أَوْهَامِهِ الّتِي مَنَعَتْهُ أَنْ يُصِيْبَ الصَّوَابَ ، قَوْلُهُ :


 


  • 1إخوان الصفا والتوحيد العلوي 175ـ 176.
  • 2التجليات الإلهية ، لابن عربي ص 377 ـ 378 . وانظر رسائل ابن عربي ص 356.
  • 3إخوان الصفا والتوحيد العلوي 178.
  • 4 إخوان الصفا والتوحيد العلوي 178.
  • 5رسائل ابن عربي 62ـ 63.