ج5: ما مذهب ابن عربي !؟.. هل اعتقاده صحيح أم فاسد!؟.. هل هو من علماء العلويين!؟ ما القول عند شيوخ العلويين في كلّ من رضي له قولا أو رجع إليه في حكم!؟..

أُضيف بتاريخ الأثنين, 16/03/2015 - 07:49

السائل: AbouMoosa في ٠٢\٠١\٢٠١٥م

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
فضيلة الشيخ تمام أحمد
سيدي الكريم أريد أن أسأل سيادتكم عن الشيخ محي الدين ابن عربي.
هل هو من أتباع آل البيت عليهم السلام؟
هل هو من علماء الطائفة العلوية الكريمة؟
ماهي مكانته ومنزلته لدى أبناء هذه الطائفة العلوية؟
وهل كان اعتقاده صحيحاً أم فاسداً ؟؟
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.

بَيَانُ الإِجَابَةِ عَنِ السُّؤَالِ

 

الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِيْنَ، وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى خَاتَمِ النَّبِيِّيْنَ وَآلِهِ وَأَصْحَابِهِ الطَّاهِرِيْن.

أَمَّا بَعْدُ: فَالسَّلامُ عَلَيْكُم وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ.

لَمْ يَذْكُرِ ابنُ عَرَبِي فِي عِدَادِ عُلَمَاءِ العَلَوِيِّيْنَ، وَلَمْ يُعْرَفْ لَهُ مَذْهَبٌ مِنَ المَذَاهِبِ المَعْرُوفَةِ فِي الإِسْلامِ.

وَفِي دِيْوَانِهِ نَفْيُ مَا نُسِبَ إِلَيْهِ مِنْ تَقْلِيْدِ المَذْهَبِ الظَّاهِرِيّ الَّذِي كَانَ مِنْ أَعْلامِهِ ابنُ حَزْم ( عَلِيُّ بنُ أَحْمَد 383 ـ 456 هـ )، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ:

نَسَبُـونِـي إِلَى ابنِ حَـــزْمٍ وَإِنِّــي      لَسْتُ مِمَّنْ يَقُولُ: قَالَ ابنُ حَــزْمِ
لا وَلا غَيْــرُهُ فَـــإِنَّ مَـقَــالِــي      قَالَ نَصُّ الكِتَـابِ، ذَلِكَ عِلْمِـي
أَو يَقُولُ الرَّسُـولُ أَوْ أَجْمَعَ الخَلْـ      ـقُ عَلَى مَـا أَقُـولُ ذَلِكَ حُكْمِـي
1


وَفِي أَلْفَاظِ البَيْتِ الثَّالِثِ اخْتِلافٌ، فَهُوَ فِي كِتَابِ شَمْسِ المغرب :2
أَوْ أَجْمَعَ الخَلْقُ. وَفِي الدِّيْوَان: لو أَجْمَع الخَلْقُ.

وَعَلَى هَذَا يَكُونُ آخِذًا بِالقُرْآنِ، وَقَولِ الرَّسُولِ ، وَالإِجْمَاعِ، بِلا تَقَيُّدٍ فِي مَذْهَبٍ، فَلا يَصِحُّ عَدُّهُ فِي عُلَمَاءِ العَلَوِيِّيْنَ وَلا تَصِحُّ نِسْبَتُهُ إِلَى اتِّبَاعِ أَهْلِ البَيْتِ ، بَعْدَ تَحْدِيْدِهِ مَقَالَهُ بِالكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالإِجْمَاعِ، دُوْنَ العِتْرَةِ الطَّاهِرَةِ.

هَذَا مَع قَطْعِ النَّظَرِ عَنِ الاخْتِلافِ فِيْمَا يُعَدُّ إِجْمَاعًا، وَعَمَّا وَرَدَ فِي بَعْضِ كُتُبِهِ مِنِ اسْتِشْهَادٍ بِكَلامِ الأَئِمَّةِ أَهْلِ البَيْتِ؛ لأَنَّهُ لا يُحَدِّدُ مَذْهَبًا وَلا يُبَيِّنُ مَنْهَجًا.

فَكُلُّ المُسْلِمِيْنَ يَقُولُونَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ، وَفَعَلَ، وَقَرَّرَ، وَكُلٌّ يَأْخُذُ مِمَّنْ يُقَلِّدُ، وَيُوَجِّهُ الكَلامَ إِلَى مَا يَعُدُّهُ صَوَابًا.

وَلِذَلِكَ لا يُسْتَفَادُ مِنْ قَول ابنِ عَرَبِي:

مَا الدِّيْنُ إِلاَّ مَا قَـالَ رَبِّي   أَوْ قَـالَـهُ السَّيِّـدُ الإِمَامُ
رَسُولُهُ المُصْطَفَـى المُرَجَّـى   عَلَيْـهِ مِنْ رَبِّــهِ السَّـلامُ
3

دَلِيْلٌ عَلَى مَذْهَبٍ بِعَيْنِهِ.

وَقَدْ أَشَارَ إِلَى هَذَا مَنْ أَلَّفَ فِي سِيْرَتِهِ، وَمِنْهُ وَصْفُ حَالِهِ فِي كِتَاب شَمس المغرب:

(( لَمْ يَكُنْ يُفَضِّلُ أَيَّ مَذْهَبٍ فِقْهِيٍّ مُحَدَّدٍ، وَذَلِكَ لأَنَّهُ عَلَى الحَقِيْقَةِ يَقُولُ بِأَنَّ بَابَ الاجْتِهَادِ مَفْتُوحٌ، وَأَنَّهُ يَجُوزُ الأَخْذُ مِنْ جَمِيْعِ المَذَاهِبِ الَّتِي قَالَ بِهَا العُلَمَاءُ، وَلَيْسَ بِالضَّرُورَةِ اتِّبَاعُ مَذْهَبٍ مُعَيَّنٍ..)) 4

وَفِي مُقَدِّمَةِ الفُتُوحَاتِ المَكّيَّةِ:

(( لا يَعْرِفُ أَكْثَرُ أَهْلِ العِلْمِ أَنَّ الشَّيْخَ (رضي الله عنه) إِمَامٌ، صَاحِبُ مَذْهَبٍ فِقْهِيٍّ مُسْتَقِلٍّ مِنْ مَذَاهِبِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالجَمَاعَةِ...)) 5

وَفِي تَصْدِيْر كِتَاب فُصُوص الحِكَم، مَذْهَبُ ابنِ عَرَبِي: (( مَذْهَبٌ فَلْسَفِيٌّ صُوفِيٌّ مَعًا..)) 6

وَهُوَ يَصِفُ عِلْمَهُ بِالإِمْلاءِ مِنْ رَسُولِ اللهِ ، فَكُتُبُهُ مِنْ طَرِيْقِ الكَشْفِ وَالإِلْهَامِ، فَكَانَ كِتَابُهُ ( فُصُوص الحكم ) مِنْ إِمْلاء رَسُولِ اللهِ عَلَيْهِ فِي رُؤْيَا رَآهَا سَنَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَسِتِّمِئَةٍ مِنَ الهِجْرَةِ. 7

وَمِنْ كَلامِهِ فِي كِتَابِ الفُتُوحَاتِ المَكّيَّةِ:

(( مَا كَتَبْتُ مِنْه ُحَرْفًا إِلاَّ عَنْ إِمْلاءٍ إِلَهِيٍّ وَإِلْقَاءٍ رَبَّانِيٍّ... مَع كَونِنَا لَسْنَا بِرُسُلٍ مُشَرِّعِيْنَ وَلا أَنْبِيَاءَ.... وَإِنَّمَا هُوَ عِلْمٌ وَحِكْمَةٌ وَفَهْمٌ عَنِ اللهِ فِيْمَا شَرَعَهُ عَلَى أَلْسِنَةِ رُسُلِهِ وَأَنْبِيَائِهِ....)) 8

وَلِذَلِكَ لا نَسْتَطِيْعُ تَحْدِيْدَ مَذْهَبِهِ؛ لأَنَّهُ بِهَذَا يَتَجَاوَزُ كُلَّ المَذَاهِبِ الفِقْهِيَّةِ.


وَأَمَّا السُّؤَالُ: هَلْ هُوَ مِنْ عُلَمَاءِ الطَّائِفَةِ العَلَوِيّةِ ؟

فَقَدْ بَيَّنَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ عَدَمِ تَحْدِيْدِ مَذْهَبِهِ، وَقَدْ أَلَّفَ فِي نَفْي تَشَيُّعِهِ السَّيِّدُ جَعفر مرتضى العاملي كِتَابًا سَمَّاه ( ابن عَرَبِي لَيْس بِشِيْعِيٍّ ).

وَمِنْ شُيُوخِنَا مَنْ نَفَى التَّشَيُّعَ وَالوَلايَةَ عَنْ كُلِّ مَنْ رَضِيَ لَهُ قَوْلاً أَوْ رَجَعَ إِلَيْهِ فِي حُكْمٍ، وَمِنْ ذَلِكَ قَولُ الأُسْتَاذ الشَّيْخ مُحَمّد حَسَن شَعبَان:

يُحَــاوِلُ بَعْضُهُـم إِقْنَـاعَ بَعْـضٍ             وَلَـمْ يَـكُ فِي وَلايَتِـهِ قَنُوعَــا
أَرَى الإِلْحَـــادَ فِـيْـمَـا يَـدَّعِـيْـهِ             أَشَـدَّ هَـوىً وَأَكْثَرَهُ شُيُوعَـا
وَلَيْسَ بِشِيْعَــةٍ مَنْ رَاحَ يَرْضَـى               لِمُحْـي الدِّيْـنِ قَوْلاً أَوْ رُجُـوعَا
9


وَهَذَا مِنْ جِهَةِ أُصُولِ المَذْهَبِ الَّتِي لَمْ يُصَرِّحْ بِهَا، أَمَّا مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ، فَلَهُ كَلامٌ جَيِّدٌ يُوَافِقُ كَلامَ أَهْلِ البَيْتِ، عَلَيْهِم السَّلامُ، فِي بَعْضِ المَوَاضِعِ، وَفِي كَلامِهِ عَلَى مَا أَشَرْتُ شَوَاهِدُ مِنْهُم، وَلا يَجُوزُ أَنْ نَبْخَسَهُ حَقَّهُ فِيْمَا كَانَ مُصِيْبًا فِيْهِ.


وَأَمَّا السُّؤَالُ عَنِ اعْتِقَادِهِ، أَكَانَ صَحِيْحًا أَمْ فَاسِدًا ؟

فَاللهُ أَعْلَمُ بِهِ، وَلَسْنَا نَقُولُ فِيْهِ غَيْرَ مَا قَالَهُ، فَقَدْ ذَكَرَ فِي الفُتُوحَاتِ المَكَّيَّةِ عَقِيْدَةَ أَهْلِ الإِسْلامِ، وَشَهِدَ بِمَا يَشْهَدُ بِهِ كُلُّ مُسْلِمٍ، وَسَمَّاهَا عَقِيْدَةَ العَوَامِ مِنْ أَهْلِ الإِسْلامِ، ثُمَّ ذَكَرَ عَقِيْدَةً سَمَّاهَا عَقِيْدَةَ النَّاشِيَةِ الشَّادِيَةِ وَصَاغَهَا بِأُسْلُوبِ المُحَاوَرَةِ بَيْنَ أَرْبَعَةِ نَفَرٍ مِنَ العُلَمَاءِ، أَوَّلُهُم مَغْرِبِيٌّ وَالثَّانِي مَشْرِقِيٌّ، وَالثَّالِثُ شَامِيٌّ، وَالرَّابِعُ يَمَنِيٌّ، ثُمَّ ذَكَرَ شَيئًا مِنْ عَقِيْدَةٍ سَمَّاهَا عَقِيْدَةَ أَهْلِ الاخْتِصَاصِ مِنْ أَهْلِ اللهِ. 10

وَقَالَ: إِنَّهُ لَمْ يُصَرِّحْ بِعَقِيْدَةِ الخُلاصَةِ، وَإِنَّمَا بَثَّهَا فِي أَبْوَابِ كِتَابِهِ، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ:

(( وَأَمَّا التَّصْرِيْحُ بِعَقِيْدَةِ الخُلاصَةِ، فَمَا أَفْرَدْتُهَا عَلَى التَّعْيِيْنِ؛ لِمَا فِيْهَا مِنَ الغُمُوضِ، لَكِنْ جِئْتُ بِهَا مُبَدَّدَةً فِي أَبْوَابِ هَذَا الكِتَابِ مُسْتَوفَاةً مُبَيَّنَةً...)) 11

وَذَلِكَ لإِنْكَارِ بَعْضِهِم مَا نُسِبَ إِلَيْهِ مِمَّا يُوهِمُ الحُلُولَ.

وَقَدْ أُفْرِدُ لَهُ بَحْثًا مُسْتَقِلاًّ أُوَازِنُ فِيْهِ بَيْنَ كَلامِهِ وَكَلامِ الأَئِمَّةِ أَهْلِ البَيْتِ لِيَتَبَيَّنَ مَكَانُهُ مِنْهُم، إِنْ شَاءَ اللهُ.

هَذَا مَا تَيَسَّرَ بَيَانُهُ فِي الإِجَابَةِ عَنْ سُؤَالِكَ أَيُّهَا الأَخُ الكَرِيْمُ،وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ [ سورة يوسف 76 ]

ثُمَّ الحَمْدُ للهِ وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ وَآلِهِ وَأَصْحَابِهِ. 

كَاتِبُهُ 
تَمَّام أَحْمَد
23\2\2015

 

  • 1ديوان ابن عربي، دار صادر 681. ص 433. وكانت ولادته سنة 560 هـ في مرسية في الأندلس، ووفاته سنة 638هـ في دمشق.
  • 2شمس المغرب ص 45.
  • 3ديوان ابن عربي، دار صادر 654. ص 418.
  • 4شمس المغرب ص 68.
  • 5الفتوحات المكية، دار صادر، ط 1 \2004م.
  • 6فصوص الحكم ص11 . بقلم أبو العلا عفيفي. دار الكتاب العربي 2002م.
  • 7مقدمة فصوص الحكم ص47 . دار الكتاب العربي 2002م.
  • 8الفتوحات المكيّة مج 6\ 179.
  • 9نفحات العرفان ص 70. دار كيوان \دمشق ط1 \2005م.
  • 10الفتوحات المكيّة مج 1\ مقدمة المؤلف. ص 55 ـ 60.
  • 11الفتوحات المكيّة مج 1\ مقدمة المؤلف. ص 57.