ج12\1 : حكم من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر.. تارك الصلاة.. معيار الإيمان.. معاملة غير المسلمين.. المخترعون والموهوبون.. الذي تعلمناه من شيوخنا في مذهبنا..

أُضيف بتاريخ الثلاثاء, 04/08/2015 - 14:03

السائل: قلمي فكري في 2\2\2015
أجريت حوارا مع احد الاصدقاء في الماضي القريب, كانت عقدة الكلام تدور حول ركن الصلاة في الإسلام, وحكم تاركها مع ما يستلزم ذلك من نقصة في دينه كونه هدم ركنًا من أركان الاسلام الحنيف وأنقص من شأنها , وتنكر لدورها في نهيها عن الفحشاء والمنكر..السؤال..
ما حكم من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر؟
ما حكم من نهى نفسه عن الفحشاء والمنكر ولم يتابع صلاته؟ او لم يصل البتة؟
هل معيار الإيمان وصلاح النفس يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالمثابرة على الصلاة وإتيانها في خمسها؟
وما هو مصير الناس الغير مسلمين؟ أيعقل أن نرمي بهم في النار جميعا لأنهم لم يسلموا؟
ماذا نفعل بالمخترعين؟ ماذا نفعل بعباقرة الغرب (الملحدين) الذين لولا عبقريتهم لَكُنّا نركب البغال ونرسل الفايسبوك عبر الحمام الزاجل؟ ألن ينالوا أجرهم عند ربهم؟
لماذا لماذا لماذا...؟
أسئلة تراودني وفتات أجوبة تعاودني


بَيَانُ الإِجَابَةِ عَنِ السُّؤَالِ

 

الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِيْنَ، وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى خَاتَمِ النَّبِيِّيْنَ وَآلِهِ وَأَصْحَابِهِ الطَّاهِرِيْن.

أَمَّا بَعْدُ: فَالسَّلامُ عَلَيْكُم وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُه.

الصَّلاةُ مِمَّا بُنِيَ عَلَيْهِ الإِسْلامُ؛ لِمَا فِيْهَا مِنْ تَوَاضُعٍ للهِ  وَخُضُوعٍ وَطَاعَةٍ، وَمِنْهُ مَا رُوِيَ عَنِ السَّيِّدَةِ الزّهْراء :

(( فَجَعَلَ اللهُ الإِيْمَانَ تَطْهِيْراً لَكُمْ مِنَ الشِّرْكِ ، وَالصَّلاةَ تَنْزِيْهاً لَكُمْ عَنِ الكبْرِ..)). 1

وَقَوْلُ الإِمَامِ الرّضَا :

(( إِنَّهَا إِقْرَارٌ بِالرّبوْبيةِ للهِ وَخَلْعُ الأَنْدَادِ، وَقِيَامٌ بَيْنَ يَدَي الجَبّارِ جَلَّ جلاله بِالذّلِّ وَالمَسْكَنَةِ، وَالخُضُوعِ وَالاِعْتِرَافِ...)) 2

وَفِي حُكْمِ مَنْ لَمْ تَنْهَهُ صَلاتُهُ عَنِ الفَحْشَاءِ وَالمُنْكَرِ، أَقْوَالٌ، أَقْرَبُهَا أَنْ يُقْبَلَ مِنْ صَلاتِهِ بِقَدْرِ مَا مَنَعَتْهُ.

وَمِنْهُ قَولُ الإِمَامِ الصَّادِقِ :

(( مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَعْلَمَ أَقُبِلَتْ صَلاتُهُ، أَمْ لَمْ تُقْبَلْ، فَلْيَنْظُرْ، هَلْ مَنَعَتْهُ صَلاتُهُ عَنِ الفَحْشَاءِ وَالمُنْكَرِ ؟
فَبِقَدْرِ مَا مَنَعَتْهُ قُبِلَتْ مِنْهُ
..)) 3

وَلَيْسَ فِي هَذَا نَفْيٌ لِثَوَابِ الصَّلاةِ مُطْلَقًا، وَإِنَّمَا تَنْبِيْهٌ عَلَى أَنَّ صِفَةَ الصَّلاةِ التّي أَرَادَهَا اللهُ  لِعَبْدِهِ أَنْ تَكُونَ نَاهِيَةً عَنِ المُنْكَرِ، فَإِذَا لَمْ تَكُنْ نَاهِيَةً كَانَتْ دُوْنَ تِلْكَ الصِّفَةِ، عَلَى مَا رُوِيَ عَنِ الأَئِمَّةِ. 4

وَالصَّلاةُ لِنَفْعِ الإِنْسَانِ لِمَا تُذَكِّرُهُ بِهِ، وَعَلامَةٌ مِنْ عَلامَاتِ طَاعَتِهِ، وَالغَايَةُ مِنْ فَرْضِهَا التَّذْكِيْرُ بِأَوَامِرِ اللهِ  وَنَوَاهِيْهِ، وَقَدْ وُصِفَتْ فِي كَثِيْرٍ مِنَ الرِّوَايَاتِ بِأَنَّهَا عَمُودُ الدِّيْنِ، وَأَنَّ تَرْكَهَا هُوَ الفَاصِلُ بَيْنَ الإِيْمَانِ وَالكُفْرِ، غَيْرَ أَنَّ تَسْمِيَةَ تَارِكِ الصَّلاةِ كَافِرًا، لَيْسَتْ عَلَى مَا يَظُنُّ مَنْ يَمِيْلُ إِلَى تَكْفِيْرِ مَنْ تَرَكَ الصَّلاةِ.

وَذَلِكَ لأَنَّ وَصْفَ تَارِكِ الصَّلاةِ بِالكَافِرِ لا يُطْلَقُ عَلَى كُلِّ مَنْ تَرَكَ الصَّلاةِ، وَإِنَّمَا عَلَى مَنِ اسْتَخَفَّ بِهَا أَوْ جَحَدَهَا أَو أَنْكَرَهَا، وَلا يَسْتَوِي فِي ذَلِكَ مَنْ تَرَكَ الصَّلاةَ وَهُوَ مُقِرٌّ بِوُجُوبِهَا، وَمَنْ تَرَكَهَا اسْتِخْفَافًا بِهَا.

فَالغَايَةُ مِنَ الصَّلاةِ ذِكْرُ اللهِ ، وَالذِّكْرُ لَيْسَ تَسْبِيْحًا فَقَط، وَإِنَّمَا ذِكْرُ اللهِ جَلّ جَلالُه عِنْدَ تَيَسُّرِ المَعْصِيَةِ، وَالامْتِنَاعُ عَنْهَا، فَمَنْ ذَكَرَ اللهَ  بِلِسَانِهِ وَلَمْ يَذْكُرْهُ بِالامْتِنَاعِ عَنِ المَعْصِيَةِ إِجْلالاً لَهُ ، فَكَأَنَّهُ لَمْ يُصَلِّ؛ لأَنَّهُ لَمْ يَنْتَهِ عَمَّا تُذَكِّرُهُ الصَّلاةُ بِالانْتِهَاءِ عَنْهُ.

يُؤَيِّدُهُ مِمَّا رُوِيَ عَنْ أَمِيْرِ المُؤمِنِيْنَ :

(( مَا ابْتُلِيَ  المُؤْمِنُ بِشَيءٍ هُوَ أَشَدُّ مِنْ ثَلاثِ خِصَالٍ يُحْرَمُهَا. قِيْلَ: وَمَا هُنَّ ؟
قَالَ: المُوَاسَاةُ فِي ذَاتِ يَدِهِ، وَالإِنْصَافُ مِنْ نَفْسِهِ، وَذِكْرُ اللهِ كَثِيْرًا.
أَمَا إِنِّي لا أَقُولُ لَكُم: سُبْحَانَ اللهِ، وَالحَمْدُ للهِ، وَلَكِنْ ذِكْرُ اللهِ عِنْدَمَا أَحَلَّ لَهُ، وَذِكْرُ اللهِ عِنْدَمَا حَرَّمَ عَلَيْهِ.
)) 5

وَلَيْسَ المِقْيَاسُ فِي هَذَا كَثْرَةُ الصَّلاةِ وَالصِّيَامِ، وَمِنْهُ مَا جَاءَ فِي وَصِيّةِ أَمِيْرِ المُؤمِنِيْنَ لِكُمَيْل بن زِيَاد:

(( يَا كُمَيْلُ: لَيْسَ الشَّأْنُ أَنْ تُصَلِّيَ وَتَصُومَ وَتَتَصَدَّقَ، الشَّأْنُ أَنْ تَكُونَ الصَّلاةُ بِقَلْبٍ نَقِيٍّ وَعَمَلٍ عِنْدَ اللهِ مَرْضِيٍّ وَخُشُوعٍ سَوِيٍّ، وَانْظُرْ فِيْمَا تُصَلِّي وَعَلَى مَا تُصَلِّي. إِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ وَجْهِهِ وَحِلِّهِ فَلا قَبُولَ.
يَا كُمَيْلُ: اللِّسَانُ يَنْزَحُ القَلْبَ، وَالقَلْبُ يَقُومُ بِالغِذَاءِ، فَانْظُرْ فِيْمَا تُغَذِّي قَلْبَكَ وَجِسْمَكَ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ حَلالاً لَمْ يَقْبَلِ اللهُ تَسْبِيْحَكَ وَلا شُكْرَكَ.))
 6

وَعَلَى هَذَا فَإِنَّ مَنِ انْتَهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالمُنْكَرِ، وَلَمْ يُصَلِّ، خَيْرٌ مِمَّنْ حَافَظَ عَلَى الصَّلَوَاتِ وَلَمْ يَنْتَهِ عَنِ المُنْكَرِ.

وَخَيْرٌ مِنْ هَذَيْنِ مَنْ سَلِمَ النَّاسُ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ، سَوَاءٌ أَأَسْلَمَ أَمْ لَمْ يُسْلِمْ.

وَأَمَّا مِعْيَارُ الإِيْمَانِ، فَهُوَ كَفُّ الأَذَى، فَمَنْ أَمِنَ النَّاسُ شَرَّهُ، فَهُو مُؤْمِنٌ مُسْلِمًا كَانَ أَمْ غَيْرَ مُسْلِمٍ.

وَمِنْهُ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُول الله :

(( ألا أُنَبِّئكم لِمَ سُمِّي المُؤمِنُ مُؤمِنًا؟.
لإِيْمَانِهِ النّاسَ عَلَى أَنْفُسِهم وَأَمْوَالِهِم.
)) 7

وَمَنْ آذَى النَّاسَ، فَلا خَيْرَ فِي صَلاتِهِ، وَلَو صَلَّى أَلْفَ رَكْعَةٍ كُلَّ يَومٍ.

وَأَمَّا غَيْرُ المُسْلِمِيْنَ، فَهُم إِخْوَانُنَا فِي الإِنْسَانِيَّةِ، مَنْ أَقَرَّ مِنْهُم بِإِلَهٍ، وَمَنْ لَمْ يُقِرَّ؛ لأَنَّ الكُفْرَ وَالإِيْمَانَ لَيْسَ مَوكُولاً إِلَى أَحَدٍ مِنَ البَشَرِ، وَإِنَّمَا للهِ وَحْدَهُ.

قَالَ أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ عَلِيُّ بنُ أَبِي طَالِب فِي عَهْدِهِ لِمَالِك بنِ الحَارث الأشتر:

(( وَأَشْعِرْ قَلْبَكَ الرَّحْمَةَ للرَّعِيَّةِ وَالمَحَبَّةَ لَهُم، وَاللُّطْفَ بِالإِحْسَانِ إِلَيْهِم، وَلا تَكُونَنَّ عَلَيْهِم سَبُعًا ضَارِيًا تَغْتَنِمُ أَكْلَهُم، فَإِنَّهُم صِنْفَانِ: إِمَّا أَخٌ لَكَ فِي الدِّيْنِ، وَإِمَّا نَظِيْرٌ لَكَ فِي الخَلْقِ.....)) 8

وَأَمَّا المُخْتَرِعُونَ وَالمَوهُوبُونَ الذّيْنَ نَفَعَ اللهُ  البَشَرَ بِمَا صَنَعُوهُ، فَهُم خَيْرُ النَّاسِ، فِيْمَا رُوِيَ عَن رَسُول الله :

(( خَيْرُ النّاس: مَنِ انْتَفع بِه النّاسُ.)) 9

وَالاسْتِخْفَافُ بِهِم، طَعْنٌ عَلَى حِكْمَةِ اللهِ  الذّي وَهَبَ لَهُم مَا لَمْ يَهَبْ لِغَيْرِهِم.

وَالذّي تَعَلَّمْنَاهُ مِنْ شُيُوخِنَا فِي مَذْهَبِنَا، مَذْهَبِ المُسْلِمِيْنَ العَلَوِيِّيْنَ، أَنَّ قَدْرَ الإِنْسَانِ وَعَظَمَتَهُ بِمَا يَنْفَعُ الخَلْقَ، وَلَيْسَ بِمَذْهَبٍ وَلا بِمَدْرَسَةٍ.

قَالَ أُسْتَاذُنَا الشَّيْخُ عَبْد اللّطِيْف إِبْرَاهِيْم، رَحِمَهُ اللهُ: 

وَمَا قِيْمَةُ الإِنْسَانِ إِلاَّ بِمِقْدَارِ مَا***يُقَدِّمُهُ مِنْ صَالِحٍ للرَّعِيَّةِ
بِتَوْجِيْهِهَا نَحْو الفَضِيْلَةِ وَالعُلا***وَبَثِّ شُعَاعِ العِلْمِ وَالمَدَنِيَّةِ
وَإِسْدَاءِ مَعْرُوْفٍ وَإِسْعَافِ بَائِسٍ***وَتَخْفِيْفِ آلامٍ عَنِ البَشَرِيَّةِ
مَظَاهِرُ فَضْلِ اللهِ بَيْنَ عِبَادِهِ***عَلَى مُقْتَضَى أَلْطَافِهِ السَّرْمَدِيَّةِ 10
 

وَبِمَا يَعْمَلُ الإِنْسَانُ مِنْ خَيْرٍ يُثْبِتُ إِنْسَانِيَّتَهُ، وَكُلُّ مَدْرَسَةٍ تَسْتَحِبُّ الشَّرَّ عَلَى الخَيْرِ، وَتَمِيْلُ إِلَى الإِكْرَاهِ، وَتَقْسِيْمِ النَّاسِ عَلَى مُؤْمِنٍ وَكَافِرٍ، فَلَسْتُ آخُذُ مِنْهَا وَلا عَنْهَا.

قَالَ أُسْتَاذُنَا الشَّيْخ يَعْقوب الحَسَن رَحِمَهُ اللهُ:

إِنَّ التَّعَصُّبَ فِي الأَدْيَانِ مُوْبِقَةٌ***أَلَيْسَ بِالحَقِّ لا نُكْرًا أَتَى مُوسَى
فَالدِّيْنُ للهِ وَالأَعْمَالُ تُثْبِتُهُ***وَالعَدْلُ يَشْمَُلُ مَسْعُودًا وَمَنْحُوسَا
وَمَنْ يَقُومُ بِمَا جَاءَتْ شَرِيْعَتُهُ***فَلا يَخَافُ غَدًا مِنْ رَبِّهِ بُوسَى
أَدِيْنُ للهِ بالدِّيْنِ الحَنِيْفِ وَقَدْ***آمَنْتُ حَقًّا بِمَا وَافَى بِهِ عِيْسَى
وَمَذْهَبِي الشَّرْعُ لا أَهْوَى القِيَاسَ بِهِ***مِنْ حَيْثُ لَمْ يَفْرِضِ اللهُ المَقَايِيْسَا 11


وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ [ سورة يوسف 76 ]

ثُمَّ الحَمْدُ للهِ وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ وَآلِهِ وَأَصْحَابِهِ. 

كَاتِبُهُ 
تَمَّام أَحْمَد
30\5\2015

هذا الجواب يليه (( مُستدركٌ هامٌّ جِدًّا )) وهو تعقيبٌ على تعليق.
نرجو قراءته.. شُكرًا لاهتمامكم وأهلًا وسهلًا بكم..
(إدارة موقع المكتبة الإسلامية العلوية)
 

 

  • 1الاحتجاج 1\128، وفي أعيان الشِّيعة 1\461، وفي بحار الأنوار مج2\527، وفي مج12\391.
  • 2من لا يحضره الفقيه 1\208، وفي علل الشّرائع 2\11، وفي وسائل الشيعة 4\9، وفي بحار الأنوار مج33\50، وفي عيون أخبار الرضا 2\110.
  • 3بحار الأنوار مج33\11.
  • 4بحار الأنوار مج33\11.
  • 5تحف العقول 146 ـ 147.
  • 6تحف العقول 122.
  • 7بحار الأنوار مج29\398.
  • 8تحف العقول.
  • 9بحار الأنوار مج29\314.
  • 10التُّرَاثُ الأَدَبِيُّ للعَلاَّمَةِ الشَّيْخ عَبْد اللَّطِيْف إِبْرَاهِيْم 1\92.
  • 11مجلة النهضة العدد التاسع . آب 1938. ص 418 ـ 419.