ج12\2 : هل تُخرج من لم يكُن علويًا من الإيمان!؟ هل كلمة (علوي) تكفي للدلالة على موالاة النبي وآل بيته!؟... هل تحمل مفاتيح الجنة والنار!؟...

أُضيف بتاريخ الأحد, 16/08/2015 - 14:30

 

المُسْتَدْرَكُ عَلَى الجَوَابِ الثَّانِي عَشَر 
تَعْقِيْبٌ عَلَى تَعْلِيْقٍ

الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِيْنَ، وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى خَاتَمِ النَّبِيِّيْنَ وَآلِهِ وَأَصْحَابِهِ الطَّاهِرِيْن.

أَمَّا بَعْدُ: فَالسَّلامُ عَلَيْكُم وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُه.

أَتَانِي كِتَابٌ مِنْكَ يَنْـفُـثُ بِالسِّحْـرِ***وَلَكِنَّـهُ بِالعَتْـبِ مُنْتَـفِـخُ السَّحْـرِ
يَضُـمُّ عِتَابًا مِنْ عُبَابِـكَ ذَاخِــرًا***وَلا عَجَـبٌ إِذْ ذَاكَ مِنْ لُجَّةِ البَحْـرِ
فَأُشْعِرْتُ مِـنْ تَعْرِيْضِـهِ بِسِعَايَـةٍ***رَمَتْنِي بِهَا الأَعْدَاءُ مِنْ حَيْثُ لاأَدْري
فَإِنْ يَكُ حَقًّا فَاجْعَلِ العَفْـوَ كَيْدَهُـم***وَإِنْ يَكُ زُورًا فَاتَّـقِ اللهَ فِي أَمْـرِي 1


كُنْتُ قَدْ سُئِلْتُ: مَا حُكْمُ مَنْ لَمْ تَنْهَهُ صَلاتُهُ عَنِ الفَحْشَاءِ وَالمُنْكَرِ؟

فَأَجَبْتُ، فَخَطَّئَنِي أَخٌ كَرِيْمٌ، لَمْ يُصَرِّحْ بِاسْمِهِ، تَوَاضُعًا مِنْ نَفْسِهِ الكَرِيْمَةِ، وَأَدَبًا مِنْ أَخْلاقِهِ الشَّرِيْفَةِ، مُسْتَفْتِحًا كَلامَهُ بِوَصْفِ الفَقِيْرِ كَاتِبِ هَذِهِ المَقَالَةِ بِمَا يُشْعِرُ بِاحْتِرَامِهِ وَحُبِّهِ وَإِخْلاصِهِ، فَقَالَ: (( حَبِيْبنَا أَجْوِبَتُكَ خَطَأٌ 100%، يَعْنِي مِنَ البَدِيْهِيَّاتِ...))

وَمَا أَسْعَدَنِي بِهَذِهِ التَّخْطِئَةِ، وَمَا أَعْظَمَ سُرُورِي بِهَذَا الحُكْمِ الذّي لَمْ يُجَامِلْ بِهِ وَلَمْ يُدَاهِنْ وَلَمْ يُدَارِ، وَهَذِهِ صِفَةُ مَنْ يَرْجُو رِضَا الخَالِقِ، وَلا يَلْتَفِتُ إِلَى غَضَبِ المَخْلُوقِ.

وَمَا أَجَلَّ رَجُلاً هَذِهِ صِفَتُهُ، وَمَا أَنْبَلَ قَلْبًا هَذِهِ شِيْمَتُهُ، وَمَا أَبَرَّ نَاقِدًا هَذِهِ طَرِيْقَتُهُ، فَجَزَاهُ اللهُ عَنِّي خَيْرَ مَا جَازَى بِهِ أَولِيَاءَهُ الصَّالِحِيْنَ.

وَأَيْنَ لِي مِثْلُ هَذَا فِي زَمَنِ المُجَامَلَةِ وَالمُدَارَةِ، وَقَلَّمَا خُوطِبْتُ بِمِثْلِ هَذَا النَّقْدِ، وَقَلَّمَا كُلِّمْتُ بِمِثْلِ هَذَا التَّعْقِيْبِ.

نَقْدٌ ذَكَّرَنِي بِضَعْفِي وَجَهْلِي، وَصَوَّرَ لِي بَلادَتِي وَقِصَرَ بَاعِي، وَأَتْحَفَنِي بِكَلِمَةٍ لَطِيْفَةٍ فِي مَبْنَاهَا، وَنَافِعَةٍ فِي مَعْنَاهَا، فَللّهِ دَرُّكَ أَيُّهَا المُنْتَقِدُ الكَرِيْمُ وَللهِ أَنْتَ أَيُّهَا النَّاصِحُ المُحِبُّ.

سَيِّدِي الذّي لا أَعْرِفُهُ، وَأَخِي الذّي حَرَمَنِي بَرَكَةَ رُؤْيَتِهِ، وَصَدِيْقِي الذّي لَمْ يَرْضَ أَنْ يَرَى شَيئًا أُؤَاخَذُ بِهِ.

تَفَضَّلْتَ فَنَصَحْتَ، وَتَلَطَّفْتَ فَنَبَّهْتَ، فَأَكْرِمْنِي بِقِرَاءَةِ هَذَا التَّعْقِيْبِ كَمَا أَكْرَمْتَنِي بِقِرَاءَةِ إِجَابَتِي التّي لَمْ تَجِدْ فِيْهَا شَيئًا صَحِيْحًا.


نُبْذَةٌ مِنْ إِجَابَتِي

كَانَ مِنْ إِجَابَتِي، أَنَّنِي قُلْتُ: إِنَّ مِعْيَارَ الإِيْمَانُ هُوَ (( كَفُّ الأَذَى، فَمَنْ أَمِنَ النَّاسُ شَرَّهُ، فَهُو مُؤْمِنٌ، مُسْلِمًا كَانَ أَمْ غَيْرَ مُسْلِمٍ.))

وَمِنْهُ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُول الله : (( ألا أُنَبِّئكم لِمَ سُمِّي المُؤمِنُ مُؤمِنًا؟. لإِيْمَانِهِ النّاسَ عَلَى أَنْفُسِهم وَأَمْوَالِهِم.)) 2


رَأْيُ المُنْتَقِدِ النَّاصِحِ المُحِبِّ

كَتَبَ ـ أَدَامَ اللهُ فَضْلَهُ عَلَيْهِ ـ أَنَّ كَلامِي غَرِيْبٌ؛ لأَنَّ المُؤْمِنَ هُوَ عَلَى مَا جَاءَ فِي قَولِهِ تَعَالَى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ [ سورة الحجرات15]


بَيَانُ التَّعْقِيْبِ عَلَى هَذَا الرَّأْيِ

هَلْ تَرَى أَيُّهَا الأَخُ الكَرِيْمُ مَاذَكَرْنَاهُ يُنَاقِضُ هَذِهِ الآيَةَ ؟

ثُمَّ إِذَا جَعَلْتَ هَذِهِ الآيَةَ فِي تَعْرِيْفِ المُؤْمِنِ، فَهَلْ تَرَى هَذَا مُقَيِّدًا صِفَةَ الإِيْمَانِ بِمَنْ آمَنَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَلَمْ يَرْتَبْ وَجَاهَدَ بِمَالِهِ وَنَفْسِهِ فِي سَبِيْلِ اللهِ، مَع مَجِيءِ آيَاتٍ أُخَرَ، لَمْ يُذْكَرْ فِيْهَا مَا ذُكِرَ فِي هَذِهِ الآيَةِ.

وَمِنْ ذَلِكَ قَولُهُ تَعَالَى:  إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ 2 الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ 3 أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ 4 [سورة  الأنفال]

وَهَلْ يَسْتَطِيْعُ أَحَدٌ أَنْ يَضْمَنَ أَنَّهُ لا يُوجَدُ رَجُلٌ فِي الأَرْضِ يَوجَلُ قَلْبُهُ إِذَا ذُكِرَ اللهُ  إِلاَّ إِذَا كَانَ عَلَوِيًّا ؟

هَلْ تَعْتَقِدُ هَذَا أَيُّهَا الأَخُ الكَرِيْمُ ؟

وَقَالَ تَعَالَى: وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آَوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ 74 [سورة  الأنفال]

فَفِي هَذِهِ الآيَةِ ذُكِرَ الذّين هَاجَرُوا، وَهَذَا مَا لَمْ يُذْكَرْ فِي الآيَةِ التّي جَعَلْتَهَا شَاهِدًا عَلَى تَخْطِئَتِي، فَأَيُّ الآيَتَيْنِ يُعَدُّ بَيَانًا لِصِفَةِ المُؤْمِنِيْنَ ؟

وَهَلْ نَأْخُذُ بِالآيَةِ التّي ذَكَرْتَ، وَنُهْمِلُ غَيْرَهَا مِنَ الآيَاتِ ؟

أَتَعُدُّ الذّينَ هَاجَرُوا مِنَ المُؤْمِنِيْنَ، أَمْ لا ؟

فَالذّيْنَ تُوجَلُ قُلُوبُهُم إِذَا ذُكِرَ اللهُ، وَتَزِيْدُهُم آيَاتُهُ إِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِم إِيْمَانًا وَيُقِيْمونَ الصَّلاةَ وَيُنْفِقُونَ مِمَّا رَزَقَهُم، هُمُ المُؤْمِنُونَ حَقًّا.

وَالذّيْنَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا وَآوَوا وَنَصَرُوا، هُمُ المُؤْمِنُونَ حَقًّا.

فَهَلْ يَجِبُ فِي رَأْيِكُم أَنْ يَكُونُوا عَلَوِيِّيْنَ حَتَّى يُعَدُّوا مُؤْمِنِيْنَ ؟

وَلَو قُدِّرَ لَكَ أَنْ رَأَيْتَ رَجُلاً مِنَ الذّيْنَ آوَوا وَنَصَرُوا، وَلَمْ يَكُنْ عَلَوِيًّا، فَهَلْ تُخْرِجُهُ مِنَ الإِيْمَانِ ؟

وَإِذَا كَانَ مَنْهَجُكَ الاحْتِجَاجَ بِآيَاتِ الكِتَابِ دُونَ الحَدِيْثِ النَّبَوِيِّ الذّي دَلَّ عَلَى أَنَّ المُؤْمِنَ مَنْ أَمِنَهُ النَّاسُ عَلَى أَنْفُسِهِم وَأَمْوَالِهِم، فَإِنَّ الآيَةَ التّي اسْتَشْهَدْتَ بِهَا لَمْ تُقَيِّدِ الإِيْمَانَ بِعَلَوِيٍّ وَلا بِغَيْرِهِ، فَكَيْفَ جَعَلْتَهَا وَفَّقَكَ اللهُ عَلَى الوَجْهِ الذّي ذَكَرْتَ، وَقَيَّدْتَ صِفَةَ المُؤْمِنِيْنَ بِمَا جَاءَ فِيْهَا، وَلَمْ تَذْكُرْ غَيْرَهَا مِنَ الآيَاتِ ؟

وَلَقَدْ نَزَلَتْ قَبْلَ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الأَسْمَاءُ وَالنِّسَبُ وَالمَذَاهِبُ.

ثُمَّ إِذَا كَانَتْ تِلْكَ الآيَةُ فِي رَأْيِكُم قَيَّدَتْ صِفَةَ المُؤْمِنِيْنَ بِمَنْ آمَنَ وَجَاهَدَ وَلَمْ يَرْتَبْ، فَهَلْ نُخْرِجُ مَنْ آوَى وَنَصَرَ وَهَاجَرَ مِنَ الإِيْمَانِ؛ لأَنَّهُم لَمْ يُذْكَرُوا فِي تِلْكَ الآيَةِ، وَقَدْ ذُكِرُوا فِي آيَاتٍ أُخَرَ أَنَّهُم هُمُ المُؤْمِنُونَ حَقًّا ؟

ثُمَّ إِنَّ مِنَ الآيَاتِ التّي وَصَفَتِ المُؤْمِنِيْنَ، آيَةٌ ذُكِرَ فِيْهَا أَنَّ المُؤْمِنِيْنَ هُمُ الذّيْنَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ، وَلَمْ تَذْكُرْ إِيْمَانَهُم بِالمَلائِكَةِ وَالنَّبِيِّيْنَ، أَفَيُكْتَفَى بِوَصْفِ المُؤْمِنِ أَنَّهُ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ، وَإِنِ لَمْ يُجَاهِدْ، وَإِنِ ارْتَابَ بَعْدَ ذَلِكَ؛ لأَنَّ الآيَةَ لَمْ تَذْكُرْ لَهُم وَصْفًا غَيْرَ هَذَا، وَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:                                                     

إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ 62 [ سورة النور] 

فَإِنْ قُلْتَ: إِنَّ الإِيْمَانَ بِاللهِ وَبِرَسُولِهِ يَقْتَضِي المُجَاهَدَةَ وَالإِيْوَاءَ وَالنُّصْرَةَ وَالهِجْرَةَ، وَإِنْ لَمْ تُذْكَرْ هَذِهِ الصِّفَاتُ فِي الآيَةِ.

قُلْنَا: لِمَ ذُكِرَتْ فِي آيَاتٍ أُخَرَ، بَعْدَ ذِكْرِ الإِيْمَانِ، وَلِمَ ذُكِرَ ذَلِكَ فِي الآيَةِ التّي اسْتَشْهَدْتَ بِهَا.

إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ [ سورة الحجرات15]                                                                      
لِمَ ذُكِرَ فِي هَذِهِ الآيَةِ الذّيْنَ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِم وَأَنْفُسِهِم، إِذَا كَانَ ذِكْرُ الإِيْمَانَ كَافِيًا ؟

وَإِذَا أَرَدْتَ مُرَاعَاةَ مَاجَاءَ فِي الآيَاتِ، فَقَدْ قَالَ تَعَالَى:

إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ 62  [ سورة البقرة]

فَفِي هَذِهِ الآيَةِ ذِكْرُ الإِيْمَانِ بِاللهِ وَاليَومِ الآخِرِ، وَذِكْرُ العَمَلِ الصَّالِحِ، فَهَلْ يَجِبُ فِي رَأْيِكَ أَنْ يَكُونَ هَؤلاءِ عَلَوِيِّيْنَ حَتَّى تَشْهَدَ لَهُم بِالإِيْمَانَ ؟

أَلا يَكْفِي إِيْمَانُهُم بِمَا ذُكِرَ فِي الآيَةِ، فِي رَأْيِكُم ؟

وَهَلْ تُوجِبُ عَلَيْهِم مَا لَمْ تُوجِبْهُ الآيَةُ مِنَ الإِيْمَانِ بِالنَّبِيِّ الذّي تُؤْمِنُ بِهِ؟


نُبْذَةٌ مِنْ إِجَابَتِي

وَكَانَ مِنْ إِجَابَتِي أَنَّنِي قُلْتُ:

(( الذّي تَعَلَّمْنَاهُ مِنْ شُيُوخِنَا فِي مَذْهَبِنَا، مَذْهَبِ المُسْلِمِيْنَ العَلَوِيِّيْنَ، أَنَّ قَدْرَ الإِنْسَانِ وَعَظَمَتَهُ بِمَا يَنْفَعُ الخَلْقَ، وَلَيْسَ بِمَذْهَبٍ وَلا بِمَدْرَسَةٍ. ))


رَأْيُ المُنْتَقِدِ النَّاصِحِ المُحِبِّ

(( هَذَا افْتِرَاءٌ عَلَى العَلَوِيِّيْنَ، إِنَّ عِنْدَنَا مَنْ لَمْ يُوَالِ عَلِيًّا، فَمَصِيْرُهُ جَهَنَّمُ.

مَنْ لَمْ يُوَالِ مِنَ البَرِيَّةِ حَيْدَرَه***سِيَّانِ عِنْدَ اللهِ صَلَّى أَمْ زَنَى

فَكَيْفَ تَقُولُ: إِنَّ عَظَمَةَ الإِنْسَانِ لا تَتَعَلَّقُ بِمَذْهَبٍ. ))


بَيَانُ التَّعْقِيْبِ عَلَى هَذَا الرَّأْيِ

تَجَاوَزَ الأَخُ المُنْتَقِدُ مَا ذَكَرْتُهُ مِنْ كَلامِ شُيُوخِنَا، كَمَا تَجَاوَزَ الحَدِيْثَ النَّبَوِيَّ الذّي وَصَفَ المُؤْمِنَ بِأَنَّهُ مَنْ كَانَ أَمِيْنًا، وَتَجَاوَزَ مَا ذَكَرْتُهُ مِنْ كَلامِ أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ عَلِيِّ بنِ أَبِي طَالِب .
وَقَدِ اسْتَشْهَدْتُ بِقَولِهِ فِي عَهْدِهِ لِمَالِك بنِ الحَارث الأشتر: 

(( وَأَشْعِرْ قَلْبَكَ الرَّحْمَةَ للرَّعِيَّةِ وَالمَحَبَّةَ لَهُم، وَاللُّطْفَ بِالإِحْسَانِ إِلَيْهِم، وَلا تَكُونَنَّ عَلَيْهِم سَبُعًا ضَارِيًا تَغْتَنِمُ أَكْلَهُم، فَإِنَّهُم صِنْفَانِ: إِمَّا أَخٌ لَكَ فِي الدِّيْنِ، وَإِمَّا نَظِيْرٌ لَكَ فِي الخَلْقِ.....)) 3

وَمَا رُوِيَ عَن رَسُول الله : (( خَيْرُ النّاس: مَنِ انْتَفع بِه النّاسُ.)) 4

وَبِهَذِهِ الأَبْيَاتِ للشَّيْخ عَبْد اللّطِيْف إِبْرَاهِيْم، رَحِمَهُ اللهُ: 

وَمَا قِيْمَةُ الإِنْسَانِ إِلاَّ بِمِقْدَارِ مَا***يُقَدِّمُهُ مِنْ صَالِحٍ للرَّعِيَّةِ
بِتَوْجِيْهِهَا نَحْو الفَضِيْلَةِ وَالعُلا***وَبَثِّ شُعَاعِ العِلْمِ وَالمَدَنِيَّةِ
وَإِسْدَاءِ مَعْرُوْفٍ وَإِسْعَافِ بَائِسٍ***وَتَخْفِيْفِ آلامٍ عَنِ البَشَرِيَّةِ
مَظَاهِرُ فَضْلِ اللهِ بَيْنَ عِبَادِهِ***عَلَى مُقْتَضَى أَلْطَافِهِ السَّرْمَدِيَّةِ 5

وَبِقَولِ الشَّيْخ يَعْقوب الحَسَن رَحِمَهُ اللهُ:

إِنَّ التَّعَصُّبَ فِي الأَدْيَانِ مُوْبِقَةٌ***أَلَيْسَ بِالحَقِّ لا نُكْرًا أَتَى مُوسَى
فَالدِّيْنُ للهِ وَالأَعْمَالُ تُثْبِتُهُ***وَالعَدْلُ يَشْمَُلُ مَسْعُودًا وَمَنْحُوسَا
وَمَنْ يَقُومُ بِمَا جَاءَتْ شَرِيْعَتُهُ***فَلا يَخَافُ غَدًا مِنْ رَبِّهِ بُوسَى
أَدِيْنُ للهِ بالدِّيْنِ الحَنِيْفِ وَقَدْ***آمَنْتُ حَقًّا بِمَا وَافَى بِهِ عِيْسَى
وَمَذْهَبِي الشَّرْعُ لا أَهْوَى القِيَاسَ بِهِ***مِنْ حَيْثُ لَمْ يَفْرِضِ اللهُ المَقَايِيْسَا 6

فَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَى قَولِ أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ : (( إِمَّا أَخٌ لَكَ فِي الدِّيْنِ، وَإِمَّا نَظِيْرٌ لَكَ فِي الخَلْقِ.....)) 

وَهُوَ الإِمَامُ الذّي نَسَبَ نَفْسَهُ إِلَيْهِ.

ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى بَيْتٍ لَمْ يَنْسُبْهُ إِلَى قَائِلٍ؛ لِتُعْرَفَ دَرَجَةُ الاحْتِجَاجِ بِهِ.

وَهُوَ مِمَّا اخْتُلِفَ فِي نِسْبَتِهِ، فَنَسَبَهُ بَعْضُهُم إِلَى الخَلِيْفَة النَّاصِر العَبّاسِي ( أَحْمد بن المُسْتَضِيء ) وَنَسَبَهُ بَعْضُهُم إِلَى الشَّيخ حَسن بن جَعفر الدوريستي، وَبَعْضُهُم إِلَى غَيْرِ هَذَيْنِ، وَلا مَحَلَّ هُنَا لِتَحْقِيْقِ نِسْبَتِهِ.

فَكَيْفَ رَضِيَ، وَفَّقَهُ اللهُ، أَنْ يَسْتَشْهِدَ بِذَلِكَ البَيْتِ، لِيَسْتَدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ مَنْ لَمْ يُحِبَّ عَلِيًّا، فَصَلاتُهُ وَزِنَاهُ بِمَنْزِلَةٍ سَوَاء، مَع أَنَّ قَائِلَ هَذَا البَيْتِ لَمْ يُذْكَرْ فِي شُيُوخِنَا، إِلاَّ إِذَا كَانَ مِنْ شُيُوخِهِ، حَفِظَهُ اللهُ.

وَإِذَا كَانَ مِنْ شُيُوخِهِ، فَلِمَ سَلَبَنَا حَقَّنَا فِي التَّعْبِيْرِ، وَتَجَاوَزَ مَنْ ذَكَرْنَا، كَأَنَّ الشَّيخ عَبْد اللّطِيف إِبْرَاهِيْم، وَالشَّيخ يَعْقوب الحَسَن، لَيْسَا فِي رَأْيِهِ مِنْ شُيُوخِ العَلَوِيِّيْنَ.

وَمَا نُسِبَ إِلَى الإِمَامِ الصَّادِقِ مِنْ قَولٍ بَنَى عَلَيْهِ قَائِلُ هَذَا، فَلا أَرَى صِحَّتَهُ؛ لِمَا رُوِيَ مِنْ أَخْبَارٍ تُنَاقِضُهُ، وَلِمَا يَسْتَبْعِدُهُ العَقْلُ مِنَ المُسَاوَاةِ بَيْنَ الصَّلاةِ وَالفَاحِشَةِ، وَمَنْ ذَا الذّي تَقُولُ لَهُ شَيئًا مِنْ ذَلِكَ، ثُمَّ يُبَالِي بَعْدَهَا صَلَّى أَمْ لَمْ يُصَلِّ، وَكَيْفَ يَكُونُ هَذَا، وَاللهُ سُبْحَانَهُ لا يُضِيْعُ لِعَامِلٍ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ، أَفَتَكُونُ صَلاةُ رَجُلٍ كَزِنَاهُ، وَمَتَى تَسَاوَتِ الصَّلاةِ وَالزِّنَا ؟ وَمَتَى كَانَ الإِكْرَاهُ فِي الدِّيْنِ، مِنَ الدِّيْنِ ؟

وَكُلُّ مَا جَاءَ عَلَى هَذَا، فَلَسْتُ آخُذُ بِهِ؛ لأَنَّ العَقْلَ يُنْكِرُهُ، وَمِنْهُ قَولُ الشَّيْخ سُلَيْمَان البحرانِي:

خَلَعَ النّوَاصِبُ ربْقَة الإِيْمَانِ***فَصَلاتُهُم وَزِنَاهُمُ سِيَّانِ

ثُمَّ إِذَا كَانَ النَّاصِبُ فِي رَأْيِ المُنْتَقِدِ عَلَى هَذِهِ الحَالِ، فَأَيْنَ النَّاصِبُ فِي رَأْيِهِ اليَومَ، فَإِنْ كَانَ النَّاصِبُ مَنْ نَاصَبَ الأَئِمَّةَ، فَنَحْنُ اليَومَ فِي عَصْرِ الغَيْبَةِ، أَي: لا إِمَامَ وَلا نَاصِبَ، وَإِنْ كَانَ يُرِيْدُ بِالنَّاصِبِ مَنْ عَادَاهُ، فَلْيَضْمَنْ أَنَّهُ مِنْ شِيْعَةِ أَهْلِ البَيْتِ حَتَّى يَصِحَّ وَصْفُ مَنْ يُعَادِيْهِ بِالنَّاصِبِ، وَذَلِكَ لِمَا رُوِيَ عَنِ الإِمَامِ الصَّادِقِ :

(( لَيْسَ النَّاصِبُ مَنْ نَصَبَ لَنَا أَهْلَ البَيْتِ؛ لأَنَّكَ لا تَجِدُ رَجُلاً يَقُولُ: أَنَا أُبْغِضُ مُحَمَّدًا وَآلَ مُحَمَّدٍ، وَلَكِنِ النَّاصِبُ مَنْ نَصَبَ لَكُم وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّكُم تَتَوَلَّوْنَنَا وَأَنَّكُم مِنْ شِيْعَتِنَا.)) 7

أَفَيَجِدُ وَهُوَ يَسْتَشْهِدُ بِآيَاتِ القُرْآنِ، بَيَانًا لِمِثْقَالِ ذَرَّةِ خَيْرٍ، فِي قَولِهِ تَعَالَى: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ 7 وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ 8 [ سورة الزلزلة]

لَو سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ غَيْرِ عَرَبِيٍّ، وُلِدَ بَعْدَ وَفَاةِ أَمِيْرِ المُؤمِنِيْنَ بِأَلْفِ عَامٍ، فَلَمْ يَقْرَأْ تَارِيْخَ العَرَبِ، وَلَمْ يَسْمَعْ بِدِيْنٍ اسْمُهُ الإِسْلامِ، وَهُوَ يُؤْمِنُ بِإِلَهٍ، ثُمَّ مَاتَ وَلَمْ يَكُنْ فِي حَيَاتِهِ يُؤْذِي أَحَدًا، فَهَلْ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ فِي جَهَنَّم؛ لأَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ بِذَلِكَ ؟

أَيَذْهَبُ عَمَلُهُ بَاطِلاً، إِذَا آمَنَ بِاللهِ وَاليَومِ الآخِرِ ؟

وَهَلْ يُفَسِّرُ مُوَالاةَ عَلِيٍّ بِاسْتِعْمَالِ كَلِمَةٍ (( عَلَوِيٍّ )) وَكَأَنَّهَا تُغْنِيْهِ  إِذَا قَالَهَا، وَهَلْ يَعْتَقِدُ أَنَّ كُلَّ مَنْ صَلَّى سَيَدْخُلُ جَهَنَّمَ إِلاَّ إِذَا كَانَ عَلَى رَأْيِهِ، مَع أَنَّهُ لَمْ يُفَسِّرْ تِلْكَ المُوَالاةَ التّي مَنْ لَمْ يَأْتِهَا، أُدْخِلَ النَّارَ ؟

إِنَّ الدَّلِيْلَ عَلَى حُبِّ رَسُولِ اللهِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ هُوَ العَمَلُ الصَّالِحُ وَلَيْسَ كَلِمَةَ: أَنَا أُحِبُّ. 

قَالَ أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ : (( مَنْ أَحَبَّنَا فَلْيَعْمَلْ بِعَمَلِنَا، وَيَسْتَعِنْ بِالوَرَع)) 8  

وَإِذَا لَمْ يَكُنِ العَمَلُ دَلِيْلاً عَلَى الحُبِّ، فَكَيْفَ يَكُونُ حُبُّ أَهْلِ البَيْتِ ، وَكَيْفَ يُحِبُّ المُنْتَقِدُ أَهْلَ البَيْتِ فِي زَمَانِنَا هَذَا ؟

ثُمَّ إِنَّ حُبَّ أَهْلِ البَيْتِ لا يَنْفَعُ بِغَيْرِ عَمَلٍ، عَلَى مَا جَاءَ عَنْهُم، وَمِنْهُ عَنِ الإِمَامِ البَاقِرِ :

(( مَنْ أَطَاعَ اللهَ وَأَحَبَّنَا فَهُوَ وَلِيُّنَا، وَمَنْ عَصَى اللهَ لَمْ يَنْفَعْهُ حُبُّنَا. )) 9

وَعَنِ الإِمَامِ البَاقِرِ :

(( يَا جَابِرُ. أَيَكْتَفِي مَنْ يَنْتَحِلُ التَّشَيُّعَ أَنْ يَقُولَ بِحُبِّنَا أَهْلَ البَيْتِ، فَوَ اللهِ مَا شِيْعَتُنَا إِلاَّ مَنِ اتَّقَى اللهَ وَأَطَاعَهُ، وَمَا كَانُوا يُعْرَفُونَ يَا جَابِرُ إِلاَّ بِالتّوَاضُعِ وَالتّخَشُّعِ وَالأَمَانَةِ، وَكَثْرَةِ ذِكْرِ اللهِ، وَالصَّومِ وَالصَّلاةِ وَالبِرِّ بِالوَالِدَيْنِ، وَالتَّعَاهُدِ للجِيْرَانِ مِنَ الفُقَرَاءِ وَأَهْلِ المَسْكَنَةِ وَالغَارِمِيْنَ وَالأَيْتَامِ، وَصِدْقِ الحَدِيْثِ، وَتِلاوَةِ القُرْآنِ، وَكَفِّ الأَلْسُنِ عَنِ النَّاسِ إِلاَّ مِنْ خَيْرٍ، وَكَانُوَا أُمَنَاءَ عَشَائِرِهِم فِي الأَشْيَاءِ.

قَالَ جَابِرُ: فَقُلْتُ: يَا بنَ رَسُولِ اللهِ مَا نَعْرِفُ اليَومَ أَحَدًا بِهَذِهِ الصِّفَةِ.

فَقَالَ: يَاجَابِرُ، لا تَذْهَبَنَّ بِكَ المَذَاهِبُ، حَسْبُ الرَّجُلِ أَنْ يَقُولَ: أُحِبُّ عَلِيًّا وَأَتَوَلاَّهُ، ثُمَّ لا يَكُونُ مَع ذَلِكَ فَعَّالاً ؟

فَلَو قَالَ: إِنِّي أُحِبُّ رَسُولَ اللهِ، فَرَسُولُ اللهِ خَيْرٌ مِنْ عَلِيٍّ ثُمَّ لا يَتَّبِعُ سِيْرَتَهُ، وَلا يَعْمَلُ بِسُنَّتِهِ، مَا نَفَعَهُ حُبُّهُ إِيَّاهُ شَيئًا، فَاتَّقُوا اللهَ وَاعْمَلُوا لِمَا عِنْدَ اللهِ، لَيْسَ بَيْنَ اللهِ وَبَيْنَ أَحَدٍ قَرَابَةٌ، أَحَبُّ العِبَادِ إِلَى اللهِ  وَأَكْرَمُهُم عَلَيْهِ: أَتْقَاهُم وَأَعْمَلُهُم بِطَاعَتِِهِ.

يَا جَابِرُ: وَاللهِ مَا يُتَقَرَّبُ إِلَى اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِلاَّ بِالطَّاعَةِ، وَمَا مَعَنَا بَرَاءَةٌ مِنَ النَّارِ، وَلا عَلَى اللهِ لأَحَدٍ مِنْ حُجَّةٍ، مَنْ كَانَ للهِ مُطِيْعًا فَهُوَ لَنَا وَلِيٌّ، وَمَنْ كَانَ للهِ عَاصِيًا فَهُوَ لَنَا عَدُوٌّ، وَمَا تُنَالُ وَلايَتُنَا إِلاَّ بِالعَمَلِ وَالوَرَعِ ))  10

فَتَأَمَّلْ هَذَا.

إِذَا كَانَ الإِمَامُ البَاقِرُ يَقُولُ: ((مَا مَعَنَا بَرَاءَةٌ مِنَ النَّارِ))، فَكَيْفَ نُجِيْزُ لأَنْفُسِنَا أَنْ نَقُولَ: إِنَّ مَعَنَا بَرَاءةً مِنَ النَّارِ ؟

وَمَا أَدْرَاكَ أَيُّهَا المُنْتَقِدُ أَنَّكَ مِنْ أَوْلِيَاءِ أَهْلِ البَيْتِ حَتَّى تُدْخِلَ نَفْسَكَ فِي عِدَادِ أَولِيَائِهِم، وَتُخْرِجَ غَيْرَكَ لِتَقُولَ: إِنَّ مَصِيْرَهُ إِلَى جَهَنَّم ؟

وَهَلْ ظَهَرَتْ عَلَيْكَ هَذِهِ الصِّفَاتُ التّي ذَكَرَهَا الإِمَامُ، حَتَّى تَضْمَنَ الجَنَّةَ لِنَفْسِكَ، وَجَهَنَّمَ لِغَيْرِكَ ؟

أَلَيْسَ التَّوَاضُعُ مِمَّا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى حُبِّ النَّبِيِّ وَأَهْلِ بَيْتِهِ ؟

ثُمَّ إِنَّ فِي قَولِ الإِمَامِ البَاقِرِ : (( لا تَذْهَبْ بِكُمُ المَذَاهِبُ، فَوَاللهَ مَا شِيْعَتُنَا إِلاَّ مَنِ اتَّقَى اللهَ وَأَطَاعَهُ )) 11

نَهْيًا عَنْ مِثْلِ هَذِهِ الظُّنُونِ، فَإِنَّ حُبَّ أَهْلِ البَيْتِ لَيْسَ كَلِمَةً تُقَالُ، بَلْ عَمَلٌ يُرَى.

فَهَلْ تَأَمَّلْتَ، وَفَّقَكَ اللهُ، كَيْفَ تَكُونُ طَاعَتُهُم ؟

إِنَّهُ إِذَا كَانَ كَفُّ الأَلْسُنِ عَنِ النَّاسِ إِلاَّ مِنْ خَيْرٍ، طَاعَةً لَهُم، فَأَظُنُّ أَنَّنِي كَفَفْتُ لِسَانِي عَنِ النَّاسِ، وَمَا أَدْرِي أَتَرَى شِعْرَ النَّاصِرِ العَبَّاسِيِّ طَاعَةً للأَئِمَّةِ، وَقَدْ أَمَرُوا بِكَفِّ الأَلْسُنِ عَنِ النَّاسِ إِلاَّ مِنْ خَيْرٍ.

وَمَنْ ذَا الذّي يَرْضَى أَنْ تَقُولَ لَهُ: سِيَّانِ صَلَّيْتَ أَمْ زَنَيْتَ، وَكَأَنَّ المَرْجِعَ إِلَيْكَ وَالحِسَابَ عَلَيْكَ ؟

وَهَلْ أَحْصَيْتَ أَيُّهَا الأَخُ الكَرِيْمُ أَوْلِيَاءَ اللهِ فِي الأَرْضِ، حَتَّى تَجْعَلَ مَصِيْرَ فِئَةٍ إِلَى جَهَنَّمَ، وَأُخْرَى إِلَى الجَنَّةِ ؟

إِذَا كَانَتْ كَلِمَةُ (( عَلَوِيٍّ )) تَقْتَضِي طَاعَةَ عَلِيٍّ فَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ:

(( إِنَّ اللهَ أَخْفَى أَرْبَعَةً فِي أَرْبَعَةٍ :

  1.  أَخْفَى رِضَاهُ فِي طَاعَتِهِ ، فَلا تَسْتَصْغِرنَّ شَيْئاً مِنْ طَاعَتِهِ، فَرُبّمَا وَافَقَ رِضَاهُ ، وَأَنْتَ لا تَعْلَمُ.
     
  2. وَأَخْفَى سَخَطَهُ فِي مَعْصِيَتِهِ فَلا تَسْتَصْغِرَنَّ شَيْئاً مِنْ مَعْصِيَتِهِ، فَرُبّمَا وَافَقَ سَخَطَهُ وَأَنْتَ لا تَعْلَمُ.
     
  3.  وَأَخْفَى إِجَابَتَهُ فِي دَعْوَتِهِ فَلا تَسْتَصْغِرَنَّ شَيْئاً مِنْ دُعَائِهِ، فَرُبّمَا وَافَقَ إِجَابَتَهُ وَأَنْتَ لا تَعْلَمُ.
     
  4.  وَأَخْفَى وَلِيّهُ فِي عِبَادِهِ فَلا تَسْتَصْغِرَنَّ عَبْداً مِنْ عَبِيْدِ اللهِ، فَرُبّما يَكُونُ وَلِيّهُ وَأَنْتَ لا تَعْلَمُ. )) 12

فَهَلْ يُجِيْزُ لَكَ الإِمَامُ أَنْ تَسْتَصْغِرَ عَبْدًا مِنْ عَبِيْدِ اللهِ ؟

إِنَّهُ إِذَا نَهَى عَنِ الاسْتِصْغَارِ، كَانَ النَّهْيُ عَنْ تَكْفِيْرِ النَّاسِ أَشَدَّ وَأَعْظَمَ، فَرِفْقًا بِنَفْسِكَ، رِفْقًا.

وَفِيْمَا رَوَاهُ الإِمَام الكَاظِم عَنِ الصَّادِق :

(( لَيْسَ مِنْ شِيْعَتِنَا مَنْ لا تَتَحَدَّثُ المُخَدَّرَاتُ بِوَرَعِهِ فِي خُدُوْرِهِنَّ.

وَلَيْسَ مِنْ أَوْلِيَائِنَا مَنْ هُوَ فِي قَرْيَةٍ فِيْهَا عَشَرَةُ آلافِ رَجُلٍ فِيْهِم مَنْ خَلْقِ اللهِ أَوْرَعُ مِنْهُ..)) 13

كِفَايَةٌ لِمَنْ تَأَمَّل.

وَكَيْفَ أُجِيْزُ لِنَفْسِي أَنْ أَعْتَقِدَ بِشِعْرِ النَّاصِرِ العَبَّاسِيِّ، وَقَدْ سُئِلَ الإِمَامُ الصَّادِقُ :

(( كَيْفَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَصْنَعَ فِيْمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ خُلَطَائِنَا مِنَ النَّاسِ مِمَّنْ لَيْسُوا عَلَى أَمْرِنَا ؟

قَالَ: تَنْظُرُوْنَ إِلَى أَئِمَّتِكُم الذِّيْنَ تَقْتَدُوْنَ بِهِم، فَتَصْنَعُوْنَ مَا يَصْنَعُوْنَ فَوَ اللهِ إِنَّهُم لَيَعُوْدُوْنَ مَرْضَاهُم، وَيَشْهَدُوْنَ جَنَائِزَهُم، وَيُقِيْمُوْنَ الشَّهَادَةَ لَهُم وَعَلَيْهِم، وَيُؤَدُّوْنَ الأَمَانَةَ إِلَيْهِم..)) 14

وَأَوْصَى :

(( خَالِقُوا النَّاسَ بِأَخْلاقِهِم، صَلُّوا فِي مَسَاجِدِهِم، وَعُوْدُوْا مَرْضَاهُم، وَاشْهَدُوا جَنَائِزَهُم، وَإِنِ اسْتَطَعْتُم أَنْ تَكُونُوا الأَئِمَّةَ وَالمُؤَذِّنِيْنَ فَافْعَلُوا. فَإِنَّكُم إِذَا فَعَلْتُم ذَلِكَ قَالُوا: هَؤلاءِ الجَعْفَرِيَّةُ، رَحِمَ اللهُ جَعْفَرًا، مَا كَانَ أَحْسَنَ مَا يُؤَدِّبُ أََصْحَابَهُ، وَإِذَا تَرَكْتُم ذَلِكَ قَالُوا: هَؤلاءِ الجَعْفَرِيَّةُ، فَعَلَ اللهُ بِجَعْفَرٍ، مَا كَانَ أَسْوَأَ مَا يُؤَدِّبُ أَصْحَابَهُ.)) 15

فَمِنْ أَيِّ فِئَةٍ تُحِبُّ أَنْ تَكُونَ ؟

  • أَمِمَّنْ يُقَالُ فِيْهَا: رَحِمَ اللهُ جَعْفَرًا، مَا كَانَ أَحْسَنَ مَا يُؤَدِّبُ أََصْحَابَهُ.
     
  • أَمْ مِمَّنْ يُقَالُ فِيْهَا: فَعَلَ اللهُ بِجَعْفَرٍ، مَا كَانَ أَسْوَأَ مَا يُؤَدِّبُ أَصْحَابَهُ.

إِذَا كُنْتَ مِمَّنْ يَأْخُذُ عَنِ النَّاصِرِ العَبَّاسِيِّ، فَخُذْ، وَقُلْ، فَأَنْتَ وَمَاتَخْتَارُ، وَأَنَا وَمَا أَخْتَارُ.


بَقِيَّةِ كَلامِ المُنْتَقِدِ

قَالَ:

(( رُبَّمَا تُرِيْدُنَا أَنْ نَظْهَرَ بِغَيْرِ الوَجْهِ المُتَعَصِّبِ وَالطَّائِفِيِّ، وَأَنَا مَعَكَ يَحِقُّ لَكَ، وَلَكِنَّ أَجْوِبَتَكَ جَاءَت بِشَكْلِ إِفْتَاءٍ، وَعَلَى أَنَّ أَجْوِبَتَكَ هِيَ اعْتِقَادُ العَلَوِيِّيْنَ، وَهَذَا الشَّيءُ غَيْرُ مَسْمُوحٍ لَكَ فِيْهِ، إِلاَّ إِنْ قُلْتَ: هَذَا رَأْيُكَ فَقَط ))


بَيَانُ التَّعْقِيْبِ عَلَى هَذَا 

كَيْفَ تََعْتَرِفُ بِأَنَّكَ مَعَي، وَأَنَّهُ يَحِقُّ لِي أَنْ أُظْهِرَ وَجْهًا غَيْرَ طَائِفِيٍّ، ثُمَّ تَقُولُ لِي: أَجْوِبَتُكَ خَطَأٌ لا صَوَابَ فِيْهَا مُطْلَقًا عَلَى لَهْجَتِكَ الحِسَابِيَّةِ.

أَلِظَنِّكَ أَنَّنِي أَدَّعِي النِّيَابَةَ عَنْكَ، أَمْ لأَنَّكَ تَمْلِكَ أَنْ تَسْمَحَ وَأَنْ تَمْنَعْ ؟

وَإِنْ كَانَ الأَمْرُ عَلَى مَا ظَنَنْتَ، وَلَيْسَ عَلَى مَا ظَنَنْتَ، فَكَيْفَ نَهَيْتَنِي عَنْ شَيءٍ لَمْ تَنْتَهِ عَنْهُ ؟

وَإِذَا كُنْتَ تَمْلِكُ وَجْهَيْنِ، وَجْهًا طَائِفِيًّا، وَوَجْهًا غَيْرَطَائِفِيٍّ، فَمَا كُلُّ النَّاسِ بِوَجْهَيْنِ ؟

وَإِذَا كُنْتَ تُرِيْدُ أَنْ أَقُولَ: هَذَا رَأْيِي، فَلِمَ لَمْ تَقُلْ أَنْتَ مَا تَسْتَحِبُّ أَنْ يَقُولَهُ غَيْرُكَ ؟

وَكَيْفَ رَأْيَتَ أَجْوِبَتِي إِفْتَاءً، أَو عَلَى صُورَةِ إِفْتَاءٍ، مَع أَنَّ الأَمْرَ كَانَ سُؤَالاً، وَلَيْسَ اسْتِفْتَاءً، وَاسْمُهُ الجَوَابُ الثَّانِي عَشَر، وَلَيْسَ: الفَتْوى، وَلا الإِفْتَاءَ، وَلَمْ يَرِدْ فِيْهِ لَفْظٌ يَدُلُّ عَلَى شَيءٍ مِنْ ذَلِكَ.

وَلَقَدْ قُلْتُ فِي إِجَابَتِي:

(( كُلُّ مَدْرَسَةٍ تَسْتَحِبُّ الشَّرَّ عَلَى الخَيْرِ، وَتَمِيْلُ إِلَى الإِكْرَاهِ، وَتَقْسِيْمِ النَّاسِ عَلَى مُؤْمِنٍ وَكَافِرٍ، فَلَسْتُ آخُذُ مِنْهَا وَلا عَنْهَا.))

وَهَذَا يَعْنِي أَنَّنِي كَتَبْتُ مَا أَرَى، وَلَمْ أَدَّعِ النِّيَابَةَ عَنْ أَحَدٍ .

ثُمَّ إِذَا كَانَ رَأْيُكَ مَا ذَكَرْتَ، فَلِمَ لَمْ تَنْسُبْهُ لِنَفْسِكَ ؟

أَتُخَطِّئُ غَيْرَكَ بِمَا لا تَجْتَنِبُ ؟

وَمَا ذَكَرْتُهُ فِي إِجَابَتِي مِمَّا أَعُدُّهُ شَاهِدًا لِتَقْوِيَةِ رَأْيِي، كَانَ وَاضِحًا، وَمِنْهُ قَولُ الشَّيخ عَبْد اللّطِيف إِبْرَاهِيم، رَحِمَهُ اللهُ:

وَمَا قِيْمَةُ الإِنْسَانِ إِلاَّ بِمِقْدَارِ مَا***يُقَدِّمُهُ مِنْ صَالِحٍ للرَّعِيَّةِ

فَقُلْتُ: عَظَمَةُ الإِنْسَانُ لا تَتَعَلَّقُ بِمَذْهَبٍ وَلا بِمَدْرَسَةٍ.

فَكَيْفَ جَعَلْتَ هَذَا رَأْيِي وَحْدِي، وَتَجَاهَلْتَ أَنَّهُ رَأْيُ ذَلِكَ الشَّيْخِ.

وَاسْتَشْهَدْتُ بِأَبْيَاتٍ للشّيخ يَعْقوب الحسن، نُشِرَتْ فِي مَجَلَّةِ النَّهْضَةِ سَنَة 1938م، وَمِنْهَا: 

إِنَّ التَّعَصُّبَ فِي الأَدْيَانِ مُوْبِقَةٌ***أَلَيْسَ بِالحَقِّ لا نُكْرًا أَتَى مُوسَى
فَالدِّيْنُ للهِ وَالأَعْمَالُ تُثْبِتُهُ***وَالعَدْلُ يَشْمَُلُ مَسْعُودًا وَمَنْحُوسَا

فَلِمَ تَجَاهَلْتَ مَا يَقُولُهُ ذَلِكَ الشَّيْخُ.

إِذَا كَانَ لَكَ رَأْيٌ تَرَى فِيْهِ مَصِيْرَ مَنْ تَرَى فِي جَهَنَّمَ، فَلَسْتُ أُجَادِلُكَ؛ لأَنَّ التَّبِعَةَ عَلَيْكَ، وَلَيْسَتْ عَلَيَّ، وَلَكِنْ لا تَجَعْلَهُ عَامًّا، فَإِنَّ كَثِيْرًا مِنَ النَّاسِ لا يَرَونَ مَا تَرَى، وَلا يَمِيْلُونَ إِلَى مَا تَمِيْلُ.

وَلَو لَمْ يَكُنْ فِي العَلَوِيِّيْنَ غَيْرُ رَجُلٍ وَاحِدٍ لا يُوَافِقُكَ عَلَى مَا تَقُولُ، لَكَانَ ذَلِكَ كَافِيًا فِي تَقْيِيْدِ هَذَا الرّأْيِ بِكَ وَبِمَنْ يَرْضَاكَ نَائِبًا عَنْهُ.

الأَفْضَلُ أَيُّهَا الأَخُ الكَرِيْمُ، قَبْلَ أَنْ تَحْمِلَ مَفَاتِيْحِ الجَنَّةِ وَمَفَاتِيْحَ النَّارِ، أَنْ تَضْمَنَ لِنَفْسِكَ الجَنَّةَ قَبْلَ المَوتِ، وَمَنْ يَضْمَنُ لِنَفْسِهِ حَتَّى يَضْمَنَ لِغَيْرِهِ.

فَإِنَّ الخَصْلَةَ العَاشِرَةَ مِنْ خِصَالِ العَاقِلِ، فِي حَدِيْثِ رَسُولِ اللهِ أَنَّهُ:

(( لا يَرَى أَحَدًا إِلاَّ قَالَ: هُوَ خَيْرٌ مِنِّي وَأَتْقَى.

إِنَّمَا النَّاسُ رَجُلانِ، فَرَجُلٌ هٌوَ خَيْرٌ مِنْهُ وَأَتْقَى، وَرَجُلٌ هُوَ شَرٌّ مِنْهُ وَأَدْنَى.

فَإِذَا رَأَى مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ وَأَتْقَى تَوَاضَعَ لَهُ لِيَلْحَقَ بِهِ، و َإِذَا لَقِيَ الّذِي هُوَ شَرٌّ مِنْهُ وَأَدْنَى، قَالَ: عَسَى خَيْرُ هَذَا بَاطِنٌ، وَشَرُّهُ ظَاهِرٌ، وَعَسَى أَنْ يُخْتَمَ لَهُ بِخَيْرٍ، فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ عَلا مَجْدُهُ وَسَادَ أَهْلَ زَمَانِهِ.)) 16

فَأَيْنَ أَنْتَ عَنْ هَذَا ؟

وَعَنْ تَذَكُّرِ قَولِ أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ :

(( لا تُؤْيِسْ مُذْنِبًا، فَكَمْ مِنْ عَاكِفٍ عَلَى ذَنْبِهِ، خُتِمَ لَهُ بِخَيْرٍ، وَكَمْ مِنْ مُقْبِلٍ عَلَى عَمَلِهِ، مُفْسِدٍ فِي آخِرِ عُمُرِهِ، صَائِرٍ إِلَى النَّارِ.

بِئْسُ الزَّادُ إِلَى المَعَادِ: العُدْوَانُ عَلَى العِبَادِ..)) 17

وَلَقَدْ كَفَانَا اللهُ، هَمَّ البَحْثِ عَمَّنْ يَدْخُلُ الجَنَّةِ، فَقَالَ تَعَالَى: وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ 111 بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ 112 [ سورة البقرة]


الغَرَضُ مِنْ هَذَا التَّعْقِيْبِ، أَنْ أُبَيِّنَ أَنَّ لَكَ رَأْيًا لا أَرَاهُ، وَلا أَتَّبِعُكَ عَلَيْهِ، وَأَنَّ لِي رَأْيًا لا تَرَاهُ، فَاتْرُكِ الأَمْرَ لِكُلٍّ أَنْ يَخْتَارَ مَا يُحِبُّ.

فَأَنَا لا أَنُوبُ عَنِ طَائِفَةٍ، وَلا أَنْتَ، فَمَنْ وَافَقَنِي شَكَرْتُهُ، وَمَنْ لَمْ يُوَافِقْ، عَذَرْتُهُ.

الذّي أَعْتَقِدُهُ أَنَّ الإِيْمَانَ أَنْ تَعْمَلَ عَمَلاً صَالِحًا يَنْفَعُ النَّاسَ؛ لأَنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِّي وَعَنْكَ، وَلَنْ تَزِيْدَ طَاعَتِي فِي مُلْكِهِ، وَلَنْ تُنْقِصَ مَعْصِيْتَي مِنْ مُلْكِهِ. وَأَنَّ المُؤْمِنَ مَنْ أَمِنَ النَّاسُ شَرَّهُ وَأَذَاهُ، وَالمُسْلِمَ مَنْ سَلِمَ النَّاسُ مِنْهُ، سَوَاءٌ آمَنَ بِاللهِ، أَمْ لَمْ يُؤْمِنْ، فَلَيْسَ عَلَيَّ حِسَابُهُ وَلَيْسَ إِلَيَّ مَآبُهُ، فَإِذَا شَقَّ عَلَيْكَ ذَلِكَ، فَاضْرِبْ بِهِ عُرْضَ الحَائِطِ، وَلا تَلْتَفِتْ إِلَيْهِ، فَلَسْتَ مَلُومًا.

أَنَا لا أَدَّعِي النِّيَابَةَ عَنْكَ، إِذَا كُنْتَ عَلَوِيًّا، وَلا عَنْ غَيْرِكَ، مَنْ أَحَبَّ فَلْيَأْخُذْ، وَمَنْ كَرِهَ، فَلْيَدَعْ، فَلَنْ تُعَذَّبَ بِمَا أَقُولُ، وَلَنْ تُكْرَمَ بِمَا أَقُولُ، لِي عَمَلِي، وَلَكَ عَمَلُكَ، وَاللهُ أَحْكَمُ الحَاكِمِيْنَ. 

قَدْ سُئِلْتُ، فَأَجَبْتُ بِمَا فَهِمْتُ، وَانْتَقَدْتَ بِمَا فَهِمْتَ، وَلَقَدْ سَرَّنِي ذَلِكَ أَضْعَافَ مَا سَرَّنِي المَدْحُ، فَاكْتُبْ كُلَّمَا بَدَا لَكَ، وَقُلْ مَا بَدَا لَكَ، فَإِنَّ لَكَ أَنْ تَقُولَ، وَلَنَا أَنْ نَقُولَ، وَللقُرَّاءِ أَنْ يَقُولُوا.

خُلِقْتَ مِنَ التُّرَابِ فَلا تُنَغِّصْ***فُؤَادَكَ قَبْلَ عَودِكَ للتُّرَابِ
جُنُونٌ مِنْكَ هَمُّكَ فِي حَيَاةٍ***مُعَجَّلَةٍ تَصِيْرُ إِلَى يَبَابِ
فَعِشْهَا مُسْتَرِيْحَ القَلْبِ وَاسْبِقْ***مِنَ الدُّنْيَا وَشِيْكَ الإِنْقِلابِ
وَذَلِكَ مَا أَرَى فَاخْتَرْ سَبِيْلاً***تَسِيْرُ عَلَيْهِ مُرْتَاحَ الرِّكَابِ 18


وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ [ سورة يوسف 76 ]

ثُمَّ الحَمْدُ للهِ وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ وَآلِهِ وَأَصْحَابِهِ. 

كَاتِبُهُ 
تَمَّام أَحْمَد
5\8\2015
 

  • 1ديوان صفي الدين الحلي، ص326، دار صادر\بيروت\ط1990م.
  • 2بحار الأنوار مج29\398.
  • 3تحف العقول.
  • 4بحار الأنوار مج29\314.
  • 5التُّرَاثُ الأَدَبِيُّ للعَلاَّمَةِ الشَّيْخ عَبْد اللَّطِيْف إِبْرَاهِيْم 1\92.
  • 6مجلة النهضة العدد التاسع . آب 1938. ص 418 ـ 419.
  • 7علل الشرائع 2\327.
  • 8تحف العقول. آدابه لأصحابه.
  • 9بحار الأنوار مج31\237.
  • 10أصول الكافي 2\79ـ 80. كتاب الإيمان والكفر. (36) باب الطاعة والتقوى. حديث (3).
  • 11أصول الكافي2\79. كتاب الإيمان والكفر. (36) باب الطاعة والتقوى. حديث (1).
  • 12بحار الأنوار مج 37\ 494.
  • 13الكافي 2\84.
  • 14الكافي 2\600. وسائل الشيعة 12\6.
  • 15من لا يحضره الفقيه 1\313.
  • 16بحار الأنوار مج1\95.
  • 17تحف العقول. خطبته المعروفة بالوسيلة.
  • 18ديوان الشاعر الشيخ محمد حمدان الخير 1\133.