ج1: عن التوفيق بين عبادة الله (عزّ وجل) وبين أعمال الإنسان في دنياه.. عن المزاح والدّعابة والفكاهة.. عمّا جاء في النّهي عن المزاح.. عن الاقتداء بالإمام في زهده وتقشّفه...

أُضيف بتاريخ الجمعة, 02/01/2015 - 09:21

السائل : kikotsu light في 16\12\2014م

بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم
شيخي الكريم لدي سؤال قد يبدو غريباً لكنه في الواقع يشغلني كثيراً و هو أن الإنسان قد خلق لعبادة الله وحده لا شريك له و لكن في هذه الحياة الكثير مما يشغل الإنسان عن هذا الأمر لكن كما نعلم من المستحيل أن يبقَ الإنسان يتعبد ربه كل اليوم فلا بد له من ممارسات يومية خاصة كالطعام و الشراب و أيضاً لا بد من العمل و الإنسان بوصفه كائن حي و كائن اجتماعي يجب أن يحظَ بقليل من المرح و الترويح عن النفس و قد يلجأ إلى الهوايات مثلاً كالرسم على سبيل المثال فكيف يستطيع الإنسان التوفيق بين هذه الأمور فهو إن كان قد خلق لعبادة الله القدوس وحده فكيف يستطيع أن يجعل كل أعماله خالصة لوجه الله تعالى الكريم ؟ فأنا أثناء ممارستي لهواية ما أو نشاط ما تساورني الشكوك حول إن كان ما أفعله يلهيني عن ربي أم لا مع العلم أن الهوايات وسيلة للتعبيرة , فخلاصة سؤالي هو كيف يستطيع الإنسان أن يوافق بين عبادة الله و محبته و بين أعماله و نشاطاته و بالأخص هواياته و هل هناك من السيرة النبوية الشريفة و سيرة أهل البيت عليهم صلوات الله و سلامه و بركته شيء يخص هذا الأمر , كهواية كان يمارسها أحد الآئمة (ع) ؟

الإِجَابَةُ عَنِ السُّؤَالِ

 

التَّوْفِيْقُ بَيْنَ عِبَادَةِ اللهِ وَبَيْنَ أَعْمَالِ الإِنْسَانِ فِي دُنْيَاهُ، أَنْ يُؤَدِّيَ الإِنْسَانُ مَا فَرََضَ اللهُ عَلَيْهِ، فَإِذَا أَدَّى مَا عَلَيْهِ، فَلا بَأْسَ فِي أَنْ يَعْمَلَ لِدُنْيَاهُ، وَأَنْ يَتَلَذَّذَ بِمَا أَحَلَّهُ اللهُ لَهُ مِنْ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ.

وَمَنْ أَدَّى مَا عَلَيْهِ، فَلا يُعَدُّ تَلَذُّذُهُ لَهْوًا؛ لأَنَّ اللَّهْوَ الَّذِي نُهِيَ عَنْهُ، هُوَ مَا يَشْغَلُ عَنْ ذِكْرِ االلهِ ، وَكُلُّ شَيءٍ لا يَغْفَلُ فِيْهِ الإِنْسَانُ عَنْ ذِكْرِ اللهِ، فَلا بَأْسَ بِهِ وَلا إِثْمَ، إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى.

رُوِيَ عَنِ الإِمَامِ الكَاظِمِ :

(( اجْتَهِدُوا فِي أَنْ تَجْعَلُوا زَمَانَكُم أَرْبَعَ سَاعَاتٍ:

  1. سَاعَةً لِمُنَاجَاةِ اللهِ،
     
  2. وَسَاعَةً لأَمْرِ المَعَاشِ،
     
  3. وَسَاعَةً لِمُعَاشَرَةِ الإِخْوَانِ وَالثِّقَاتِ الَّذِيْنَ يُعَرِّفُونَكُم عُيُوبَكُم وَيُخْلِصُونَ لَكُم فِي البَاطِنِ،
     
  4. وَسَاعَةً تَخْلُونَ فِيْهَا لِلَذَّاتِكُم فِي غَيْرِ مُحَرَّمٍ، وَبِهَذِهِ السَّاعَةِ تَقْدِرُونَ عَلَى الثَّلاثِ سَاعَاتٍ.)) 1


وَالمُرَادُ أَنْ يُحَاوِلَ الإِنْسَانُ تَقْسِيْمِ وَقْتِهِ عَلَى الفَرَائِضِ وَعَلَى العَمَلِ وَعَلَى الاسْتِنْصَاحِ وَالاسْتِشْارَةِ وَعَلَى التَّلَذُّذِ بِمَا يَرْغَبُ فِيْهِ مِمَّا لا يُضِرُّ بِبَدَنِهِ أَوْ يُفْسِدُ فِي جَسَدِهِ.

وَالمِزَاحُ وَالدُّعَابَةُ وَالفُكَاهَةُ مِنَ المُبَاحِ الَّذِي لا حَرَجَ فِيْهِ، إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى، وَمِمَّا يُسْتَدَلُّ بِهِ قَولُ رَسُولِ اللهِ : (( إِنِّي لأَمْزَحُ، وَلا أَقُولُ إِلاَّ حَقًّا )) 2

وَفِي الكَافِي للكُلَيْنِيّ:

(( ... عَنْ يُوْنُسَ الشّيبانِيّ، قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ (عليه السلام): كَيْفَ مُدَاعَبَةُ بَعْضِكُم بَعْضًا ؟ قُلْتُ: قَلِيْلٌ.
قَالَ: فَلا تَفْعَلُوا3 ، فَإِنَّ المُدَاعَبَةَ مِنْ حُسْنِ الخُلُقِ، وَإِنَّكَ لَتُدْخِلُ بِهَا السُّرُوْرَ عَلَى أَخِيْكَ، وَلَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللهِ يُدَاعِبُ الرَّجُلَ، يُرِيْدُ أَنْ يَسُرَّهُ ))
4

وَمَا جَاءَ فِي النَّهْيِ عَنِ المِزَاحِ، فَهُوَ نَهْيٌ عَنِ الإِفْرَاطِ، وَعَنِ اسْتِعْمَالِ الأَلْفَاظِ الَّتِي تُؤْذِي؛ لِئَلاَّ تَكُونَ سَبَبًا للخُصُومَةِ وَالمُنَازَعَةِ.

فَإِذَا لَمْ يَتَعَدَّ المُمَازِجُ حُدُودَ الأَدَبِ، وَلَمْ يَتَّخِذِ الدِّيْنَ لَعِبًا، فَلا حَرَجَ إِنْ شَاءَ اللهُ فِي مِزَاحِهِ وَدُعَابَتِهِ.

وَمَا نُسَمِّيْهِ اليَومَ ( هِوَايَةً ) بِحَسَبِ مَا أَقَرَّهُ مَجْمَعُ اللُّغَةِ العَرَبِيَّةِ بِمِصْرَ مَعْنَاهُ: (( اللَّعِبُ أَوِ العَمَلُ المَحْبُوبُ يُشْغَفُ بِهِ المَرْءُ وَيَقْضِي أَوْقَاتَ فَرَاغِهِ فِي مُزَاوَلَتِهِ بِدُونِ أَنْ يَحْتَرِفَهُ )) 5

كَانَ يُعَبَّرُ عَنْهُ عِنْدَ الأَقْدَمِيْنَ بِأَلْفَاظٍ، مِنْهَا: فُلانٌ مُوْلَعٌ بِكَذَا.

جَاءَ فِي كِتَابِ البَيْزَرَة:

(( كَانَ إِسْمَاعِيْلُ مُوْلَعًا بِالقَنْصِ، مُحِبًّا لَهُ، مُتْعِبًا نَفْسَهُ فِيْهِ، مُبَاشِرًا لِعَمَلِ آلاتِ الرَّمْيِ...

وَحَمْزَةُ بنُ عَبْدِ المُطَّلِبِ، رِضْوانُ اللهِ عَلَيْهِ، وَكَانَ مِنَ النَّجْدَةِ عَلَى مَا خَصَّهُ اللهُ بِهِ، حَتَّى قِيْلَ لَهُ: أَسَدُ اللهِ، وَكَانَ إِسْلامُهُ عِنْدَ مُنْصَرَفِهِ مِنْ صَيْدٍ، وَعَلَى يَدِهِ صَقْرٌ..)) 6

فَإِذَا فَعَلَهُ الإِنْسَانُ وَلَمْ يُهْمِلْ فَرِيْضَةً وَلَمْ يَرْكَبْ حَرَامًا، فَهُوَ مُبَاحٌ إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى.

وَأَمَّا السُّؤَالُ: هَلْ رُوِيَ عَنْ أَهْلِ البَيْتِ عليهم السلام فِعْلُ شَيءٍ مِنْ هَذَا ؟

فَالجَوَابُ: مِثْلُ هَذِهِ الأُمُورِ لا يَقْتَضِي ذِكْرُهَا تَحْرِيْمًا وَلا تَحْلِيْلاً؛ لأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ أُصُولِ الدِّيْنِ وَلا مِنْ فُرُوعِهِ.

وَذَلِكَ لأَنَّ النَّبِيَّ يَشْغَلُهُ تَبْلِيْغُ الرِّسَالَةِ وَرِعَايَةُ أَحْوَالِ النَّاسِ عَنْ مِثْلِ هَذَا، وَكَذَلِكَ الإِمَامُ، وَالاقْتِدَاءُ بِالإِمَامِ فِي زُهْدِهِ وَتَقَشُّفِهِ مُسْتَحْسَنٌ مُسْتَحَبٌّ وَلَكِنَّهُ لَيْسَ فَرْضًا يُعَاقَبُ مَنْ تَرَكَهُ.

وَمِنَ الشَّوَاهِدِ عَلَيْهِ مِنْ كَلامِ أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ عَلِيِّ بنِ أَبِي طَالِب :

(( أَلا وَإِنْ لِكُلِّ مَأْمُومٍ إِمَامًا يَقْتَدِي بِهِ، وَيَسْتَضِيءُ بِنُورِ عِلْمِهِ.

أَلا وَإِنَّ إِمَامَكُم قَدِ اكْتَفَى مِنْ دُنْيَاهُ بِطِمْرَيهِ، وَمِنْ طُعْمِهِ بِقُرْصَيْهِ.

أَلا وَإِنَّكُم لا تَقْدِرُونَ عَلَى ذَلِكَ، وَلَكِنْ أَعِيْنُونِي بِوَرَعٍ وَاجْتِهَادٍ وَعِفَّةٍ وَسَدَادٍ..))

وَالحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِيْنَ وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ الطَّيِّبِيْنَ الطَّاهِرِيْنَ. 

كَاتِبُهُ 
تَمَّام أَحْمَد
31\12\2014

 

  • 1تحف العقول. ماروي عن الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام) من الحكم والمواعظ.
  • 2كشف الخفاء ومزيل الإلباس عمّا اشتهر من الأحاديث على ألسنة النّاس. حديث ( 715 ). وفي كتاب الشفا بتعريف حقوق المصطفى. أخباره الدنيوية. الفصل الرابع من القسم الثالث.
  • 3سألنا -نحن إدارة الموقع- فضيلة الشيخ تمّام أحمد عن قول الرسول :(فَلا تَفْعَلُوا) في هذا الشاهد فأجاب: ((وأما السؤال عن الشاهد فالمراد به: فلا تفعلوا ، أي : لا تكن دعابتكم قليلة، لما سأله : كيف مداعبة بعضكم بعضا ؟ فقال: قليل، فقال الإمام: لا تفعلوا، أي: لاتتركوا المداعبة. ونستطيع شرحها بالقول: ألا تفعلوا، بحذف الأف من باب الحض والترغيب، كأن تقول ألا تفعل من باب الاستفهام المستنكر المتضمن الترغيب بالأمر وذلك بدليل بقية الشاهد.))
  • 4الكافي ج2\630. أصول الكافي. ( 306) باب الدعابة والضحك. الحديث الثالث.
  • 5المعجم الوسيط.
  • 6البيزرة ص 40.