ج8: الزواج المدني والزواج الديني!؟.. العرف والشرع!.. علّل منع الزّواج بين المختلفين في الدّين!؟.. علّل حضور رجل بزيّ ديني!؟.. هل الحلال والحرام هو ما يقبله النّاس ويحبّونه!؟..

أُضيف بتاريخ الثلاثاء, 09/06/2015 - 15:07

السائل: يعقوب في ١٦\٠١\٢٠١٥م

بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. - لو تكرمتم سؤال عن الزواج المدني في بلدان الاغتراب :زواج الشباب العلويين من اجنبيات بعقد مدني - واقعه ووضعه وحكمه.
اهو زواج باطل وبالتالي هو زنا ؟ مع العلم ان هذا الزواج المدني هو برضا الطرفين وبوجود اكثر من شاهدين وعلى ملاء من الناس وبمعرفة الجهات المدنية المختصة بمذهب الطرفين . اهو زنا ام زواج واقعي عادي ؟ ما حكمه وما وضعه ؟ وفي حال وجود ابناء من هذا الزواج ما واقعهم وما وضعهم ؟ اهم ابناء زنا ؟ وما واجب الاب تجاههم شرعيا" ودينيا" وانسانيا" ؟ وفي حال انفصال الزوجين ما هي واجبات الاب تجاه الابناء ؟ ايطالب بهم ؟ ام ينبذهم ؟ ام يسلمهم لدار رعاية الايتام؟ ام يأخذهم اذا استطاع الى بلده ومجتمعه لينشأوا فيه ؟ وهل سيكونون مرحب بهم في مجتمعاتنا ام سيكونون منبوذين ؟ ماذا يجب ان يفعل ؟ ان احبهم او كرههم. مع العلم ان اغلب المتزوجين في بلاد الاغتراب انما تزوجوا ليس حبا" بل استحصالا" على اقامة او جنسية في ذلك البلد الاجنبي . اختلفت الاراء لذلك اردنا الوقوف على راْيكم . نرجو الشرح المفصل ونحن لكم من الشاكرين

بَيَانُ الإِجَابَةِ عَنِ السُّؤَالِ

 

الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِيْنَ، وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى خَاتَمِ النَّبِيِّيْنَ وَآلِهِ وَأَصْحَابِهِ الطَّاهِرِيْن.

أَمَّا بَعْدُ: فَالسَّلامُ عَلَيْكُم وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُه.

إِنَّ تَفْصِيْلَ الجَوَابِ عَنْ هَذِهِ الأَسْئِلَةِ يُوجِبُ تَأْلِيْفَ كِتَابٍ مُسْتَقِلٍّ فِي بَيَانِهَا، وَهُوَ مُتَعَذِّرٌ هُنَا تَفْصِيْلُهُ مَشْرُوحًا عَلَى مَا أَرَادَ السَّائِلُ.

وَلِذَلِكَ أُوْجِزُ، فَأَقُولُ: الزَّوَاجُ وَاحِدٌ، سَوَاءٌ أَسُمِّيَ مَدَنِيًّا أَمْ دِيْنِيًّا، وَذَلِكَ لأَنَّهُ عَلَى مَا ذَكَرْتُ فِي الجَوَابِ الرَّابِعِ ، لا يُشْتَرَطُ فِي صِحَّتِهِ حُضُورُ رَجُلٍ بِزِيٍّ دِيْنِيٍّ، وَلا بِزِيٍّ مَدَنِيٍّ، فَهَذَا شَيءٌ تَعَارَفَ النَّاسُ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ أَمْرًا إِلَهِيًّا فِي الكُتُبِ المُنْزَلَةِ، وَلا فِي سُنَّةِ خَاتَمِ النَّبِيِّيْنَ .

وَيَجِبُ التَّنْبِيْهُ عَلَى أَنَّ وَصْفَ الزَّوَاجِ بِالبَاطِلِ، لا يُؤْخَذُ مِنْ رَأْيِي وَلا مِنْ رَأْي غَيْرِي، عَلَى أَنَّهُ أَمْرٌ إِلَهِيٌّ، لأَنَّهُ آرَاءٌ للبَشَرِ، لِكُلٍّ بِحَسَبِ مَا يَسْتَحْسِنُ وَمَا يَسْتَصْوِبُ. فَقَدْ تُعَدُّ بَعْضُ الأُمُورِ بَاطِلَةً عِنْدَ فِئَةٍ مِنَ النَّاسِ؛ لأَنَّهَا تُخَالِفُ أَعْرَافَهَا، مَع أَنَّهَا مِمَّا يَجُوزُ شَرْعًا، وَصَحِيْحَةً عِنْدَ فِئَةٍ أُخْرَى؛ لأَنَّهَا لا تُخَالِفُ أَعْرَافَهَا، مَع أَنَّهَا مِمَّا لا يَجُوزُ شَرْعًا.

وَكُلُّ فِئَةٍ تَعْمَلُ بِمَا تَعُدُّهُ صَحِيْحًا؛ لِرِضَاهَا؛ أَو لاتِّفَاقِ أَكْثَرِهَا عَلَى صِحَّتِهِ، وَلِذَلِكَ فَمِنَ الخَيْرِ اسْتِعْمَالُ كَلِمَةِ ( صَحِيْحٌ عُرْفًا ) مَكَانَ ( صَحِيْحٌ شَرْعًا ) أَو ( صَحِيْحٌ عَلَى رَأْي فُلانٍ ) أَو ( فِي مَذْهَبِ فُلانٍ ) وَكَذَلِكَ كَلِمَةُ ( بَاطِلٌ شَرْعًا )؛ لأَنَّ الحُكْمَ بِبُطْلانِ شَيءٍ أَو صِحَّتِهِ هُوَ رَأْيٌ لِبَشَرٍ يُخْطِئُ وَيُصِيْبُ. وَأَسْلَمُ السُّبُلِ أَنْ يُبَيِّنَ كُلٌّ رَأْيَهُ بِحَسَبِ مَا عَلِمَ، وَأَنْ يَجْتَنِبَ ادِّعَاءَ النِّيَابَةِ عَنِ اللهِ  وَعَنْ أَنْبِيَائِهِ، فَنَحْنُ أَيُّهَا الأَخُ الكَرِيْمُ لَيْسَ لَنَا مِنْ ذَلِكَ شَيءٌ، وَإِنِّي لأَعْجَزُ وَأَصْغَرُ مِنْ أَنْ أُحَلِّلَ أَو أُحَرِّمَ.

وَيَجِبُ عَلَى مَا عَلِمْتُ أَنْ نُفَرِّقَ بَيْنَ مَا يُعَدُّ بَاطِلاً فِي مَذْهَبٍ مَا، وَبَيْنَ مَا يُعَدُّ بَاطِلاً فِي قَانُونٍ مَا، وَلِذَلِكَ أَعْرِضُ عَلَى مَنْ يَقْرَأُ شَيئًا مِنْ هَذَا.

فِي مُبَاشَرَةِ العَقْدِ، أُمُورٌ مِنْهَا:

يُعَدُّ النِّكَاحُ بَاطِلاً إِذَا زَوَّجَتِ المَرْأَةُ نَفْسَهَا؛ لأَنَّ الوِلايَةَ عَلَيْهَا شَرْطٌ فِي صِحَّتِهِ، سَوَاءٌ أَكَانَتْ بِكْرًا أَمْ ثَيِّبًا، وَذَلِكَ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالمَالِكِيَّة وَالحَنَابِلَة.

وَفِي المَذْهَبِ الحَنَفِيِّ ثَلاثَةُ آرَاءٍ: رَأْيٌ يَعُدُّ الزَّوَاجَ صَحِيْحًا، سَوَاءٌ أَكَانَ الزَّوْجُ كُفْئًا أَمْ لَمْ يَكُنْ، وَرَأْيٌ يَعُدُّهُ بَاطِلاً إِذَا لَمْ يَكُنِ الزَّوْجُ كُفْئًا، وَرَأْيٌ يَعُدُّهُ صَحِيْحًا وَلَكِنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى إِذْنِ الوَلِيِّ.

وَالإِشْهَادُ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الزَّوَاجِ فِي المَذْهَبِ الحَنَفِيِّ وَالشَّافِعِيِّ وَالمَشْهُورِ مِنَ الحَنْبَلِيِّ، وَلَيْسَ شَرْطًا فِي المَذْهَبِ المَالِكِيِّ لِصِحَّةِ العَقْدِ، وَلَكِنَّهُ شَرْطٌ لِتَكُونَ المُبَاشَرَةُ حَلالاً. 1

وَلَيْسَ الإِشْهَادُ شَرْطًا فِي مَذْهَبِ أَهْلِ البَيْتِ، وَيُسْتَدَلُّ بِمَا كَتَبَهُ الإِمَامُ الكَاظِمُ إِلَى أَبِي يُوسُفَ القَاضِي:

(( إِنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَمَرَ فِي كِتَابِهِ بِالطَّلاقِ، وَأَكَّدَ فِيْهِ بِشَاهِدَيْنِ، وَلَمْ يَرْضَ بِهِمَا إِلاَّ عَدْلَيْنِ، وَأَمَرَ فِي كِتَابِهِ بِالتَّزْوِيْجِ، فَأَهْمَلَهُ بِلا شُهُودٍ، فَأَثْبَتُّمْ شَاهِدَيْنِ فِيْمَا أَهْمَلَ، وَأَبْطَلْتُمُ الشَّاهِدَيْنِ فِيْمَا أَكَّدَ. )) 2

وَمِنَ التَّقْسِيْمِ وَالتَّصْنِيْفِ، تَقْسِيْمُ الزَّوَاجِ عَلَى قِسْمَيْنِ:
  1. زَوَاجٍ صَحِيْحٍ: وَهُوَ مَا تَمَّتْ فِيْهِ أَرْكَانُ العَقْدِ وَشُرُوطُهُ.
     
  2. وَزَوَاجٍ فَاسِدٍ: وَهُوَ مَا لَمْ تَتِمَّ فِيْهِ أَرْكَانُ العَقْدِ وَشُرُوطُهُ، أَو إِحْدَاهُمَا. 3
وَتُقْسَمُ الشُّرُوطُ عَلَى ثَلاثَةٍ:

شُرُوطِ صِحَّةٍ، وَشُرُوطِ لُزُومٍ، وَشُرُوطِ نَفَاذٍ.

  1. وَشَرْطُ الصِّحَّةِ: الإِشْهَادُ، وَعَدَمُ الإِشْهَادِ يَجْعَلُ العَقْدَ بَاطِلاً،
  2. وَشُرُوطُ اللُّزُوم: الكَفَاءةُ، وَمَهْرُ المِثْلِ،
  3. وَشُرُوطُ النّفَاذِ أَنْ يَكُونُ الزَّوْجُ أَهْلاً للعَقْدِ وَالحَلِّ. 4

وَالعَقْدُ الّذِي فُقِدَ فِيْهِ أَحَدُ شُرُوطِ انْعِقَادِهِ، يُعَدُّ بَاطِلاً. 5

وَالإِكْرَاهُ عِنْدَ جُمْهُورِ الفُقَهَاءِ خِلافًا للأَحْنَافِ يَجْعَلُ العَقْدَ بَاطِلاً. 6

وَفِي مُصْطَلَحَاتِ الشَّرِيْعَةِ وَالقَانُون:
  1. الزَّوَاجُ البَاطِلُ: زَوَاجٌ يَفْتَقِدُ شَرْطًا أَو أَكْثَرَ مِنْ شُرُوطِ صِحَّتِهِ.
     
  2. وَالزَّوَاجُ الفَاسِدُ: زَوَاجٌ تَمَّتْ أَرْكَانُهُ بِشَرَائِطِهَا وَتَخَلَّفَ فِيْهِ شَرْطٌ أَوْ أَكْثَرُ مِنْ شُرُوطِ الصِّحَّةِ ( كَالزَّوَاجِ بِلا شُهُودٍ عِنْدَ مَنْ يَشْتَرِطُ الشَّهَادَةَ ) 7


وَإِذَا تَبَيَّنَ فِيْمَا رُوِيَ عَنِ أَهْلِ البَيْتِ جَوَازُ الزَّوَاجِ بِغَيْرِ المُسْلِمَةِ، وَعَدَمُ اشْتِرَاطِ الشَّاهِدَيْنِ، وَأَنَّ المَهْرَ مَا تَرَاضَيَا عَلَيْهِ، بَقِيَ النَّظَرُ فِيْمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى الزَّوَاجِ مِنْ حُقُوقٍ، بِحَسَبِ قَوَانِيْنِ كُلِّ بَلَدٍ.

وَالذّي أَعْرِفُهُ أَنَّ الزَّوَاجَ فِي مَذْهَبِ أَهْلِ البَيْتِ لا يُبْطِلُهُ شَيءٍ إِذَا سَلِمَ مِنَ المُحَرَّمَ عَلَى مَا جَاءَ فِي القُرْآنِ الكَرِيْمِ، وَأَنَّ مَنْ تَزَوَّجَ مُسْلِمَةً أَو يَهُودِيَّةً بِعَقْدٍ مَدَنِيٍّ أَو دِيْنِيٍّ، أَو بِعَقْدٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ زَوْجِهِ لا شَاهِدَ عَلَيْهِ إِلاَّ اللهُ، فَزَوَاجُهُ صَحِيْحٌ، إِنْ شَاءَ اللهُ.

وَذَلِكَ لأَنَّ الزَّوَاجَ مِنَ الفُرُوعِ الّتِي كَانَتْ سَهْلَةً يَسِيْرَةً، لا حَاجَةَ لِمَنْ أَرَادَهُ فِي شَيءٍ مِمَّا تَرَاهُ الآن؛ إِلاَّ أَنَّ النَّاسَ جَعَلُوهُ عَلَى مَا تَرَى.

وَالزَّوَاجُ الّذِي يُوْصَفُ بِأَنَّهُ مَدَنِيٌّ، كَانَ لإِلْغَاءِ عَادَةٍ اعْتَادَهَا النَّاسُ اتِّبَاعًا لأَوَامِرِ القَائِمِيْنَ عَلَى المَعَابِدِ، فَإِذَا حَضَرَ مَنْ يَلْبَسُ زِيًّا دِيْنِيًّا، سُمِّيَ الزَّوَاجُ دِيْنِيًّا، وَإِذَا لَمْ يَحْضُرْ سُمِّيَ زَوَاجًا مَدَنِيًّا، وَالزَّوَاجُ لا صِلَةَ لَهُ مِنْ جِهَةِ الصِّحَةِ وَالبُطْلانِ فِي الدِّيْنِ، بِحُضُورِ شَيْخٍ وَلا بِحُضُورِ قَاضٍ، فَهُوَ زَوَاجٌ سَوَاءٌ أَكَانَ فِي المَسْجِدِ أَمْ لَمْ يَكُنْ، وَسَوَاءٌ أَحَضَرَ عَاقِدٌ دِيْنِيٌّ أَمْ حَضَرَ عَاقِدٌ مَدَنِيٌّ.

وَبِهَذَا عُلِّلَ إِحْدَاثُ الزَّوَاجِ الذّي سُمِّيَ زَوَاجًا مَدَنِيًّا، عَلَى مَا جَاءَ فِي بَعْضِ الكُتُبِ المُؤَلَّفَةِ فِيْهِ.

وَمِنْهَا: (( مَدَنِيّة الزّوَاج هِيَ ثَمَرَةٌ مِنْ ثِمَارِ المُعَارَضَةِ للنّظْرَةِ الكَنَسِيّة مِنَ الزّواج..)) 8

وَمِنْهَا: (( القَانون الفَرَنسي المَدَنِيّ هُوَ أَوَّلُ قَانُون أَبْعَدَ الزَّوَاجَ عَنِ التَّعَلُّقِ بِالكَنِيْسَةِ فِي وَقْت كَانَتْ مَرَاسِمُ الزَّوَاجِ وَشَكْلُهُ تَتْبَعُ القَانُونَ الكَنَسِيّ..)) 9

  • وَعُلِّلَ مَنْعُ الزَّوَاجِ بَيْنَ المُخْتَلِفَيْنِ فِي الدِّيْنِ، لِئَلاَّ يُؤَثِّرَ أَحَدُهُمَا فِي الآخَرِ فَيُبْدِلَ مَذْهَبَهُ، أَي: لِئَلاَّ يَصِيْرَ المُسْلِمُ إِلَى دِيْنٍ آخَر، أَو يَصِيْرَ مُتَّبِعُ إِمَامٍ مَا إِلَى إِمَامِ مَذْهَبٍ آخَرَ،
     
  • وَعُلِّلَ جَوَازُ زَوَاجِ المُسْلِمِ بِامْرَأَةٍ غَيْرِ مُسْلِمَةٍ أَنَّهُ لا يُؤْذِيهَا، وَلا يَمَسّ شُعُورَهَا الدِّيْنِيَّ،
     
  • وَعُلِّلَ مَنْعُ زَوَاجِ المُسْلِمَةِ بِرَجُلٍ غَيْرِ مُسْلِمٍ، أَنَّهُ يُؤذِيْهَا وَيَمَسّ شُعُورَهَا الدِّيْنِيّ. 10

وَفِيْهِ اخْتِلافٌ بَيْنَ أَتْبَاعِ المَذَاهِبِ، وَبَيْنَ أَتْبَاعِ المَذْهَبِ الوَاحِدِ، وَلِذَلِكَ فَلا عَجَبَ أَنْ يَكُونَ مُخْتَلَفًا فِي جَوَازِهِ بَيْنَ المُسْلِمِ وَغَيْرِهِ.

وَعُلِّلَ حُضُورُ رَجُلٍ بِزِيٍّ دِيْنِيٍّ؛ للتَّحَقُّقِ مِنْ صِحَّةِ الزَّوَاجِ، إِنْ كَانَ يَمْنَعُ مِنْهُ مَانِعٌ، وَلِتَذْكِيْرِ الزَّوْجَيْنِ بِمَا لَهُمَا وَبِمَا عَلَيْهِمَا. 11

كُلُّ هَذِهِ التَّسْمِيَاتِ نَشَأَتْ مِنِ اخْتِلافِ النَّاسِ فِي صِحَّةِ بَعْضِ العَادَاتِ، وَلَمْ تَنْشَأْ مِنْ كِتَابِ اللهِ وَلا مِنْ أَنْبِيَائِهِ إِلاَّ أَنَّ كَثِيْرًا مِنْهَا نُسِبَ إِلَى القُرْآنِ وَإِلَى الأَنْبِيَاءِ بِحَسَبِ مَا فَهِمَهُ كُلٌّ مِنْهُمَا.

وَدَلِيْلُكَ عَلَى هَذَا، الاخْتِلافُ فِي تَعْرِيْفِ عَقْدِ الزَّوَاجِ، وَالاخْتِلافُ فِي أَمْرِ الخِطْبَةِ، وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى العُدُولِ عَنْهَا، أَهُوَ ضَرَرٌ مَالِيٌّ، أَمْ ضَرَرٌ أَدَبِيٌّ، وَتَقْسِيْمُ الأَولادِ عَلَى الشَّرْعِيِّيْنَ وَالطَّبِيْعِيِّيْنَ، مِمَّا لَوْ أَرَدْتَ اسْتِقْصَاءَهُ لأَرْهَقَكَ لِمَا فِيْهِ مِنْ كَثْرَةِ الاخْتِلافِ، بَيْنَ مَنْ يَعُدُّ الزَّوَاجَ عَقْدًا مَدَنِيًّا بَحْتًا، وَمَنْ يَعُدُّهُ عَقْدًا دِيْنِيًّا، وَمَنْ يَشْتَرِطُ صِحَّةَ العَقْدِ المَدَنِيِّ بِعَقْدٍ دِيْنِيٍّ.

وَالرَّأْيُ فِي مِثْلِ هَذَا، لا يَنْفَعُ؛ لأَنَّ المَقْبُولَ عِنْدَ النَّاسِ، هُوَ مَا يُحِبُّونَ، وَالمُنْكَرَ عِنْدَهُم هُوَ مَا لا يُحِبُّونَ، وَذَلِكَ مَع قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ تَحْلِيْلِهِ وَتَحْرِيْمِهِ، فَإِنَّ كَثِيْرًا مِنَ الحَلالِ، مَتْرُوكٌ؛ لأَنَّ فِئَةً مِنَ النَّاسِ تَكْرَهُهُ، وَسَبَبُ كُرْهِهَا أَنَّهُ شَيءٌ تَنْفِرُ مِنْهُ النُّفُوسُ، وَسَبَبُ النُّفُورِ أَنَّهُ غَيْرُ مَأْلُوفٍ، فَمَنْ فَعَلَهُ فَقَدْ خَالَفَ المَأْلُوفَ، وَمَنْ خَالَفَ المَأْلُوفَ، كَانَ فِعْلُهُ بَاطِلاً لِمُخَالَفَتِهِ المَأْلُوفَ مِنَ العَادَاتِ، بِحَسَبِ المُتَّبَعِ فِي كُلِّ مَجْتَمَعٍ، بِنَاءً عَلَى مَا يَعُدُّهُ النَّاسُ حَقًّا أَو بَاطِلاً، وَلِكُلٍّ رَأْيٌ فِي المَقْبُولِ وَالمُنْكَرِ بِحَسَبِ مَا تَقْبَلُهُ نَفْسُهُ وَمَا لا تَقْبَلُهُ. وَعَلَى هَذَا تُقَاسُ الأُمُورُ عِنْدَ أَكْثَرِ النَّاسِ.

فَمَا سَأَلْتَنِي عَنْهُ مِنْ قَبُولِ النَّاسِ وَرَفْضِهِم، شَيءٌ لا أَسْتَطِيْعُ أَنْ أُجِيْبَ عَنْهُ، غَيْرَ أَنَّنِي أَقُولُ رَأْيِي فِيْمَا سَأَلْتَ:

الزَّوَاجُ حَيْثُ أَنْتَ بِامْرَأَةٍ أَجْنَبِيَّةٍ بِعَقْدٍ مَدَنِيٍّ، زَوَاجٌ صَحِيْحٌ، إِنْ شَاءَ اللهُ، وَالأَوْلادُ مِنْ حَلالٍ، إِنْ شَاءَ اللهُ.

وَأَمَّا حُقُوقُهُم، فَفِي رِسَالَةِ الحُقُوقِ للإِمَامِ عَلِيِّ بنِ الحُسَيْنِ :

(( وَحَقُّ وَلَدِكَ أَنْ تَعْلَمَ أَنَّهُ مِنْكَ وَمُضَافٌ إِلَيْكَ فِي عَاجِلِ الدُّنْيَا بِخَيْرِهِ وَشَرِّهِ، وَأَنَّكَ مَسْؤولٌ عَمَّا وَلِيْتَهُ مِنْ حُسْنِ الأَدَبِ وَالدَّلالَةِ عَلَى رَبِّهِ عز وجل، وَالمَعُونَةُ لَهُ عَلَى طَاعَتِهِ، فَاعْمَلْ فِي أَمْرِهِ، عَمَلَ مَنْ يَعْلَمُ أَنَّهُ مُثَابٌ عَلَى الإِحْسَانِ إِلَيْهِ، مُعَاقَبٌ عَلَى الإِسَاءَةِ إِلَيْهِ.)) 12

عَلَى أَنَّهُ إِذَا كَانَ الزَّوَاجُ بِنِيَّةِ الاسْتِفَادَةِ مِنْهُ فِي إِقَامَةٍ، مَع إِيْهَامِ المَرْأَةِ بِالحُبِّ، فَإِنِّي أَرَى فِيْهِ ظُلْمًا للمَرْأَةِ، وَلاسِيّمَا مَنْ تَقْبَلُ الزَّوَاجَ بِنِيَّةٍ سَلِيْمَةٍ وَرَغْبَةٍ فِي الإِنْجَابِ، وَهُوَ وَضْعٌ للزَّوَاجِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ.


وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ [ سورة يوسف 76 ]

ثُمَّ الحَمْدُ للهِ وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ وَآلِهِ وَأَصْحَابِهِ. 

كَاتِبُهُ 
تَمَّام أَحْمَد
21\5\2015

 

  • 1الزواج المدني دراسة مقارنة. د عبد الفتاح كبارة. دار الندوة الجديدة\لبنان\ بتصرف.
  • 2الكافي 5\ 245. باب التزويج بغير بينة. 392.
  • 3الزواج العرفي في ميزان الإسلام. جمال بن محمود، دار الكتب العلمية. ص 46 ـ 47.
  • 4أحكام الأحوال الشخصية للمسلمين في الغرب. د سالم الرافعي، دار ابن حزم، بيروت، بتصرف.
  • 5الزواج العرفي. المشكلة والحل. عبد رب النبي. دار الروضة \القاهرة. بتصرف.
  • 6الزواج المدني دراسة مقارنة. د عبد الفتاح كبارة. 289.
  • 7معجم مصطلحات الشريعة والقانون. د عبد الواحد كرم. ص 216 ـ 217.
  • 8الزواج المدني دراسة مقارنة. ص80.
  • 9أهل الكتاب عقيدة وزواجا. الشيخ رضا المقدسي. ص 321.
  • 10أهل الكتاب عقيدة وزواجا. ص 282.
  • 11الزواج المدني دراسة مقارنة. ص41.
  • 12رسالة الحقوق.