ج24: عن العجلة وعن القول (من طلب الشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه).

أُضيف بتاريخ الأربعاء, 30/08/2023 - 10:22

 

الإِخْوَةُ القَائِمُونَ عَلَى المَكْتَبَةِ الإِسْلامِيَّةِ العَلَوِيَّةِ، جَزَاكُمُ اللهُ الخَيرَ وَالحُسْنَى؛ وَصَلَ إِلَيَّ كِتَابُكُم المُتَضَمِّنُ سُؤَالاً عَنْ مَصْدَرِ القَولِ الّذِي اسْتَشْهَدْتُ بِهِ فِي إِحْدَى خُطَبِ الجُمَعِ: (( مَنْ طَلَبَ الشَّيءَ قَبْلَ أَوَانِهِ؛ عُوقِبَ بِحِرْمَانِهِ )). وَعَنْ كَيفِيَّةِ التَّوفِيقِ بَينَهُ وَبَينَ قَولِهِ تَعَالَى ـ حِكَايَة قَولِ نَبِيِّهِ مُوسَى  قَالَ هُم أُولاءِ عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيكَ رَبِّي لِتَرْضَى [ سورة طه].

وَهَذَا بَيَانُ الإِجَابَةِ وَاللهُ المُسْتَعَانُ.

السّؤال الوَاحد: عَنِ القَولِ (( مَنْ طَلَبَ الشَّيءَ قَبْلَ أَوَانِهِ، عُوقِبَ بِحِرْمَانِهِ )) فَهُوَ قَاعِدَةٌ فِقْهِيَّةٌ مَشْهُورَةٌ، وَالمُرَادُ بِهَا النَّهْيُ عَنِ اسْتِعْجَالِ حُدُوثِ شَيءٍ قَبْلَ وَقْتِهِ؛ لأَنَّ تَعْجِيلَ حُدُوثِهِ يَعْنِي طَلَبَهُ مِنْ غَيرِ طَرِيقٍ صَحِيحٍ، وَلِذَلِكَ يُعَاقِبُ المُسْتَعْجِلُ بِحِرْمَانِهِ، وَكَمَا أَنَّهُ لا يَصِحُّ طَلَبَ الشَّيءِ قَبْلَ وَقْتِهِ، فَكَذَلِكَ لا يَصِحُّ  التَّقَاعُسُ عَنْهُ تَهَاوُنًا فِي وَقْتِهِ، فَلِكُلِّ شَيءٍ أَجَلٌ.

وَهَذِهِ المَعَانِي مَرْوِيَّةٌ عَنْ أَهْلِ البَيتِ ، وَمِنْهُ قَولُ أَمِيرِ المُؤمِنِينَ عَلِيٍّ : (( إِيَّاكَ وَالعَجَلَةَ بِالأُمُورِ قَبْلَ أَوَانِهَا، وَالتَّسَاقُطَ فِيهَا عِنْدَ زَمَانِهَا ))، وَفِي رِوَايَةٍ: (( وَالتَّوَانِي فِيها حِينَ زَمَانِهَا وَإِمْكَانِهَا، وَاللّجَاجَةَ فِيهَا إِذَا تَنَكَّرَتْ،  وَالوَهْنَ إِذَا تَبَيَّنَتْ، فَإِنَّ لِكُلِّ أَمْرٍ مَوضِعًا وَلِكُلِّ حَالَةٍ حَالاً )).

وَمِنْ مَصَادِرِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ:

  1. كِتَاب تُحَف العُقُول، للحسن بن شعبة الحرّاني، بَابُ مَا رُوِيَ عَنْ أَمِيرِ المُؤمِنِينَ عَلِيٍّ (ع)، عَهْدُهُ إِلَى الأَشْتَرِ، ص 103، مؤسسة الأعلمي، بيروت، ط5، 1974م.
  2. شَرح نهج البلاغة، لابن أَبي الحَديد، مج9، ج17 ـ 18، ص 82، مؤسّسة الأعلمي، بيروت، ط1، 1995م.
  3. كِتَاب دعائم الإسلام، للقاضي أَبي حنيفة النّعمان بن محمّد التّميمي، تحقيق د. عارف تامر، ج1، ص 434، دار الأضواء، بيروت، ط1، 1995م.
  4. بحار الأنوار، للشيخ محمّد باقر المجلسي، مج14، الباب التاسع والعشرون، باب كتب أمير المؤمنين، ص497، دار التعارف، بيروت، ط1، 2001م.

السّؤال الثّاني: عَنْ قَولِهِ تَعَالَى ـ حِكَايَة قَولِ نَبِيِّهِ مُوسَى  ـ (( قَالَ هُم أُولاءِ عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيكَ رَبِّي لِتَرْضَى )). [ سورة طه].

وَمُلَخَّصُ الجَوَابِ مِنْ كِتَابِ المُفْردَاتِ فِي غَرِيبِ القُرْآنِ: (( العَجَلَةُ طَلَبُ ا لشَّيءِ وَتَحَرِّيهِ قَبْلَ أَوَانِهِ، وَهُوَ مِنْ مُقْتَضَى الشَّهْوَةِ، فَلِذَلِكَ صَارَتْ مَذْمُومَةً فِي عَامَّةِ القُرْآنِ، حَتَّى قِيلَ: العَجَلَةُ مِنَ الشَّيطَانِ.

قَالَ تَعَالَى: (( سَأُرِيكُم آيَاتِي فَلا  تَسْتَعْجِلُونَ )). [ سورة الأنبياء 37].

وَقَالَ تَعَالَى: (( وَلا تَعْجَلْ بِالقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيكَ وَحْيُهُ )). [ سورة طه 114].

وَفِيهَا: (( وَمَا أَعْجَلَكَ عَنْ قَومِكَ يَا مُوسَى 83 قَال هُم أولاءِ عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيكَ رَبِّ لِتَرْضَى )). فَذَكَرَ أَنَّ عَجَلَتَهُ وَإِنْ كَانَتْ مَذْمُومَةً، فَالّذِي دَعَا إِلَيهَا  هُوَ أَمْرٌ مَحْمُودٌ، وَهُوَ طَلَبُ رِضَا اللهِ تَعَالَى.

وَمِنَ الآيَاتِ الّتِي تَدُلُّ عَلَى ذَمِّ العَجَلَةِ: (( أَتَى أَمْرُ اللهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ )) [ سورة النحل 1].

وَقَولُهُ تَعَالَى: (( وَلَو يُعَجِّلُ اللهُ للنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُم بِالخَيرِ لَقُضِيَ إِلَيهم أَجَلُهُم ))  [ سورة يونس 11].
 
وَخُلاصَةُ الجَوَاب:

العَجَلَةُ عَلَى مَعْنَيَينِ: مَحْمُودٌ وَهُوَ مَا كَانَ فِي العَمَلِ الصَّالِح، وَمَذْمُومٌ وَهُوَ مَا كَانَ فِي غَيرِهِ.

وَيُنْظَرُ فِي طَلَبِ هَذِهِ المَعَانِي كِتَاب مِيزان الحِكْمَة ج4، ص 1835.

وَالسَّلامُ عَلَيكم وَرَحْمَة الله وبَركاتُهُ.

كَاتِبُهُ 
تَمَّام أَحْمَد
29\8\2023