الصلاة على الميّت في المسجد، هل تجوز أم لا؟

أُضيف بتاريخ السبت, 06/11/2010 - 14:58

الصلاة على الميّت في المسجد،

هل تجوز أم لا؟


دلّت الأخبار الواردة عن الأئمّة المعصومين على كراهية الصلاة على الميّت في المسجد بدليل ما رُوِيَ عن الإمام الكاظم أنّه قال:

(إنّ الجنائز لا يُصلى عليها في المساجد).

فقد قال عيسى بن أحمد العلوي: كنت في المسجد وقد جيءَ بجنازة فأردتُ أن أُصَلّي عليها، فجاء أبو الحسن الأوّل فوضَعَ مِرفقه في صَدري فجعل يَدفعني حتى خرج من المسجد، فقال: يا أبا بكر، إنّ الجنائز لا يُصلى عليها في المساجد . 1 .

وقال الإمام الصادق : ( من صلى على جنازة في المسجد فلا شيءَ له). 2

وهناك بعض الأخبار تدل على الرُخصة وعدم الحَظر، ولكن يُراد بها عند الإضطرار فقط وليس على جهة الوجوب المُطلق كما يظنّ من يحتج بها.

وقد رُوِيَ عن الإمام الصادق أنّه قال:

أتى العباسُ أميرَ المؤمنين فقال: يا علي إنّ الناس قد اجتمعوا أن يدفنوا رسول الله في بقيع المصلى -وهو موضع كان يُصلي فيه رسول الله صلاة العيد- وأن يؤمّهم رجل منهم فخرج أمير المؤمنين إلى الناس فقال: (أيّها الناس إنّ رسول الله إمامًا حيًّا وميتًا).

وقال: "إني أدفن في البقعة التي أقبَضُ فيها"، ثمّ قام على الباب فصلى عليه، ثمّ أمر الناس عشرة عشرة يُصلون عليه ثمّ يخرجون.

وهذا الخبر يَدُلُّ على عَدم وجوبها حصرًا، وعدم أهميّتها وشدّة كراهيّتها، ولو كانت مُؤكّدة لما كان أحدٌ أوْلى بها من رسول الله .

بالإضافة إلى ذلك فما من أحدٍ أحرص على تطبيق الشريعة بعد الرسول من أمير المؤمنين ولو كانت واجبة أو مندوبة أو مُستحبّة لما تباطأ عنها وقتذاك، وقد لاحظنا من خلال الخبر بأنّه أصرَّ على دفنه في الموضع الذي قُبض فيه مُستندًا بحديث الرسول الذي رواه للناس الذين طلبوا من العباس أن يدفنوا الرسول في بقيع المصلى الذي كان يُصلي فيه صلاة العيد.

فالصلاة على الميّت في المسجد للضرورة فقط وفي حالات محدودة ونادرة وتُقدّر في وقتها، ولم يَثبت لدينا بأنّ رسول الله صلى على أحد في المسجد حتى ابنه إبراهيم ، ومن المعروف أنّه لما توفيت فاطمة بنت أسد وأخبره بذلك أمير المؤمنين قام مُسرعًا حتى دخل فنظر إليها وبكى، ثمّ أمر النساء أن يغسلنها وقال : (إذا فرغتنّ فلا تُحدِثنَ شيئًا حتى تُعلمَنَّني).

فلما فرغنَ أعلمْنَهُ بذلك فأعطاهُنّ أحد قميصَيه الذي يَلي جسده وأَمَرَهُنّ أن يُكفّنَنَّها فيه، وقال للمسلمين: (إذا رأيتموني قد فعلت شيئًا لم أفعله قبل ذلك فاسألوني لِمَ فعلته).

فلما فرغنَ من غسلها وكفنها دخل فحمل جنازتها على عاتقه فلم يزل تحت جنازتها حتى أوردها قبرها (وهذا يدل بوضوح على أنّه حمل بها من دارها إلى قبرها ولم يُدخلها مسجدًا) ثمّ وضعها ودخل القبر فاضطجع فيه، ثمّ قام فأخذها على يديه حتى وضعها في القبر ثمّ انكبَّ عليها طويلاً يُناجيها...

وهذا أيضًا يدل على أنّ الصلاة في المسجد على الجنائز محمولٌ على الكراهية الشديدة.

يؤيّد ذلك ويُشيِّده هو أنّ أمير المؤمنين طُعِنَ في المسجد بضربة عبد الرحمن بن ملجم، فحُمِلَ إلى داره وبقيَ أيامًا حتى قُبِضَ فقام الإمام الحسن في مسجد الكوفة فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي وبلّغ الناس وفاة أبيه، ولم يأتِ به إلى المسجد بل تولى غسله مع أخيه الحسين في نفس الدار التي قبض فيها وصلّا عليه وحملاه ليلاً ولم يكن معهما أحد وسارا به إلى الغَري فلقّناه ودفناه هناك، ولم يَظهر على مشهدهِ أحد إلا بدلالة صفوان الجمّال، وكان جمّال الإمام الصادق ، ثمّ دلت عليه الأئمّة المعصومون من أبنائه كما في رواية الخصيبي  في "الهداية الكبرى".

وكذلك الأمر في بقيّة الأئمّة الهداة فلم يُرْوَ أن صُلِيَ على أحدهم في المسجد ونحن لهم تابعون وبأفعالهم مقتدون.

وإنّ ما دَرَجَ عليه البَعض من الصلاة على الجنائز في المساجد فهو تقليدٌ مرفوضٌ وعادات مُكتسبةٌ باستثناء حالات الضرورة كما بيّنا سابقًا، ولا يصحّ جعل العادة عبادة أو اختلاق الضرورات المُتعمّدة لغايات دنيويّة ومصالح شخصيّة ونكايات همجيّة استفزازيّة فالنص الشرعي فوق الجميع.


 


 

  • 1 فروع الكافي – كتاب الجنائز باب 124 .
  • 2 جامع الأصول: 7/154.