الغش .. الفحش .. الجُمُعَة 18\ أيلول \ 2015م

أُضيف بتاريخ الأربعاء, 16/11/2016 - 03:36
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ
مُوْجَزُ خُطْبَتَي الجُمُعَة 18 أيلول 2015.
الخُطْبَةُ الأُوْلَى: الغش.
وَفِي الخُطْبَةِ الآخِرَة: الفحش.

  الخُطْبَةُ الأُوْلَى:
  ...أمّا بعدُ فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاتُه...

  مِنَ الصِّفاتِ التي نَهَى اللهُ سبحانه وتعالى عنها، ونَهَى عنها نَبِيُّهُ صلى الله عليه وآله وسلم وَأَخْرَجَ صاحِبَها مِنَ الإسلام ومِنَ الـمُسلمين، صِفَةُ الغِشّ.

  فنهى الله سبحانه وتعالى الذينَ يَغُشُّونَ النَّاس في تِجارةٍ أو في مُعاملةٍ أو في نصيحَة، فكانَ مِنَ الذين وَصَفَهُم سبحانه وتعالى بالـمُطَفِّفين، فقال جَلَّ مِن قائل: {وَيْلٌ لِلـمُطَفِّفِينَ (1) الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ (2) وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ (3) أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ (4)} سورة الـمُطففين.

  الذين إذا عاملوا أرادوا حقّهُم، ولكنّهم يُريدونَ أن يَبْخَسوا الناسَ أشياءَهُم، يُريدونَ الحَقَّ لأنفُسِهِم ولا يُريدونَ الحقَّ للناس! فكذلك مَن خَدَعَ مَنِ اسْتَنْصَحَهُ أو كَذَبَ عليه، فصَوَّرَ لهُ الخَطَأَ صَوابًا، أو الصَّوابَ خَطَأً، أو زَيَّنَ لهُ لِيَرَى الحَقَّ باطِلًا والباطِلَ حَقًا، أو انصَرَفَ بهِ، أو جَعَلَهُ يَنْحَرِفُ عَنِ النَّهجِ الْقَويمِ فَقَد غَشَّهُ.

  وأَوَّلُ عَلامةٍ مِن علاماتِ الشَّقَاء، هِيَ الغِشُّ، أن يَغُشَّ الرَّجُلُ أَخَاهُ، هذه علامةٌ من علاماتِ الشَّقَاءِ، لأنّهُ قبلَ أن يَغُشَّ أَخَاهُ يكونُ قد غَشَّ نفسَهُ، ومَن غَشَّ نَفْسَهُ فقد دخَلَ في الـمَعصيَة، إن كانَ غَشَّ الناس في أديانِهِم فقد دَخَلَ في بابِ الـمُعاندة.
قال مولانا أمير المؤمنين عليُّ بن أبي طالب عليه السّلام: (مَن غَشَّ النَّاسَ فِي أَدْيَانِهِم، فَهُوَ مُعَانِدٌ للهِ ورسولِه). وإنَّ أغَشُّ النَّاسِ مَن غَشَّ نَفسَهُ، أغَشُّ النَّاس أعصاهُم لِرَبِّهِ، لأنَّ الذي يغُشُّ نَفسَهُ فلا رَيْبَ في أنَّهُ يَغُشُّ غَيْرَه!

  فالذي يَتَّخِذُ الغِشَّ ذريعَةً إلى مآربِهِ وإلى مُبتغاه فلا رَيْبَ في أَنَّهُ إن لَم يرحَم نَفْسَهُ فلن يَرْحَمَ غَيْرَه.

  إذا أرادَ نصيحَةً لأحد، فَغَشَّ فيها، أو أرادَ عَملًا فغَشَّ فيه فإنَّهُ قبلَ أن يَغُشَّ النّاس إنَّهُ يغُشُّ نفسَهُ؛ وقبلَ أن يُدخِلَهُم في مَعصِيَةٍ، فإنَّه يكون مِن أَشَدِّ الناس معصيَةً لله سبحانه وتعالى.

  وما دَخَلَ الغِشُّ في أمرٍ إلّا أَفسَدَهُ، أو أتلَفَ حَقَّ مَن لهُ الحَقُّ في أمر.

  قال أمير المؤمنين عليه السلام ينصَحُ لقومِهِ مُنَبِّهًا لهُم على أنَّهُ وإن كانَ واليًا للأمر فإنَّهُ إن لم يُبْلَغ الأمرَ الصحيح بالحقيقة التي هوَ فيها فإنَّهُ لا يستطيعُ أن يُنصِفَ مظلومًا ولا أن يردَعَ ظالما! كان مِن كلامِهِ: (بِكُم أضرِب الـمُدْبِرَ وأرجو طاعةَ الـمُقبِل، فأعينوني بنصيحةٍ ولكن ينبغي أن تكونَ تلكَ النَّصيحةُ: خَلِيَّةً مِنَ الغِشِّ، سليمةً مِنَ الرَّيب) يجبُ أن تكونَ سليمةً مِنَ الغِشِّ وخاليةً مِنَ الرَّيب، فإنَّهُ ليسَ مُسلِمًا مَن غَشَّ أخاه أو ضَرَّهُ أو ماكَرَه.

  إذا جاملَكَ الرَّجُلُ على ما فيكَ مِن عَيبٍ، فقد خَرَجَ مِن أُخُوَّتِكَ ومِن صَداقَتِكَ إلى مُعاداتِك، وإنَّ الـمُسلـمَ أخو الـمُسلم، وإنَّ الـمُؤمِنَ أخو الـمُؤمِن إنَّهُ لا يَغُشُّهُ، ولا يخذُلُهُ، ولا يظلِـمُهُ، ولا يغتابُهُ، ولا يَسعى إلى شيءٍ يكونُ فيه أذاه أو يكونُ فيه هلاكُهُ. فَمَنْ غَشَّ غيرهُ فإنَّما بدأَ بِغِشِّ نفسِهِ قبلَ أن يُصيبَ غَيْرَهُ بما أصابَ به نفسه.

  والذي يُضمِرُ في قلبهِ شيئًا مِن هذا، فقد ابتعدَ عن الصِّفَةِ التي أرادها اللهُ سبحانه وتعالى لهُ، وابتعَدَ عنِ الحالِ التي وَصَفَ بها مَن رَضِيَ عَنه وأَدْخَلَهُ جَنَّتَه، ووَصَفَهُ بأنَّهُ قد نَزَعَ الغِلَّ مِن قُلوبِهِم ومِن صُدورِهِم وجَعَلَهُم إخوانًا على سُرُرٍ مُتَقابلين؛ نَزَعَ مِن قُلوبِهُمُ الغِلّ الذي يكونُ الغِشُّ مِن بعضِ نتائجِهِ، ومِن بَعضِ أسبابِهِ، فَمَن أَخفى في صدرِهِ شيئًا مِن هذا فقد جعلهُ مُظلِمًا لا يقبَلُ الحَق ولا يرضاه، ولا يُثمِرُ غيرَ الظُلـمَةِ وغيرَ الخطإِ وغيرَ الفساد.

  وما خلقَ اللهُ سبحانه وتعالى خَلْقَهُ إلّا وهُوَ يُريدُ أن يَرْحَمَهُم، فأَمَرَهُم أن يكونوا كما أراد، بَشَرًا صَفَتْ قُلوبُهُم مِنَ الغِشّ، وخَلَتْ صُدورُهُم مِنَ الظَّنِّ ومِنَ الرَّيْب.

  يقولُ في هذا العلّامةُ الشيخ سُليمان الأحمد رحمةُ الله تعالى ورِضوانُهُ عليه:

كونوا كما أوضَحَ الـمَولى صِفَاتُكُمُ   تَسْتَوْجِبُوا كُلَّ إجلالٍ وإعظامِ
إخوانَ صِدْقٍ صَفَت مِن كُلِّ شائِبَةٍ   قُلوبُهُم فَثَنَاها مُشرِقٌ نامي

  ومِن هذا يقولُ بعضُ الحُكَمَاء: (إِنَّكَ تَحمِلُ الجَنَّةَ في قَلبِك، وإنَّكَ تحمِلُ الجِحيمَ في قَلبِك)، فإذا كانَ قلبُكَ نقِيًّا مُزهِرًا طيِّبًا فإنَّ مصيرَكَ إلى ما صَوَّرْتَ في قَلبِكَ، ومَا أَرَدْتَ، وما ابتغَيْتَ، وما سَعَيْتَ إليه؛ وإن كانَ قلبُكَ مُظلِمًا فيهِ منَ الغِشِّ ومِنَ الحَسَد، فإنَّ مَصيرَكَ إلى ما أَحْبَبْت.

  وأيُّ شيءٍ كالحُبِّ يَجْلو بهِ الإنسانُ قلبَهُ ويشرحُ به صَدْرَهُ، إذا كان يَرْغَبُ في الجَنَّة فإنَّ الجَنَّةَ لا يَدْخُلُها إلّا الطَّيِّبون، لا يدخُلُ فيها إلّا مَن كان قلبُهُ نقِيًّا، ومَن كانَ صَبْرُهُ نَقِيًّا، ومَن كان بَصَرُهُ نقِيًّا، ومَن كانَ لِسانُهُ نقِيًّا.

  يقولُ الشيخ عبد اللطيف إبراهيم رحمة الله تعالى ورِضوانُهُ عليه:

جَنَّةُ اللهِ ليسَ يسكُنُ فيها   غَيْرُ صافِي الهَوَى نَقِيُّ الضَّميرِ

  وأَمَّا الذي يُضمِرُ الغِشَّ أو يستَعْمِلُهُ أو يَتَّخِذُهُ آلةً إلى الدُّنيا، فليسَ لهُ نصيبٌ بشيءٍ يظُنُّ أنَّهُ قد يُدرِكُ منه نصيبا. فأوَّلُ الكلمات (ليسَ مِنَّا مَن غَشَّ أخاه)، وأوَّلُ الكلماتِ (مَن غَشَّنا فليسَ مِنَّا) فإذا أضمَرتَ الغِشَّ فقد أخْرَجْتَ نَفسَكَ مِنَ الـمَكانِ الذي تَدَّعيه، ونَزَعتَ عن جَسَدِكَ الثَّوبَ الذي تَدَّعيه.

  نسألُ اللهَ سبحانه وتعالى أن يجعَلَنا وإيَّاكُم مِمَّن أَزْهَرَت قُلوبُهُم، وانْشَرَحَت صُدُورُهُم. اللهم اجعلنا سامعين لِما أمَرْتَ، ومُطيعينَ لِما أَرَدْتَ، وراضينَ بِما قَضَيْتَ يا رَبَّ العالمين.

  اللهم صلِّ على محمد وآل محمد..

  الخُطْبَةُ الآخِرَة:

  ...أمّا بعدُ فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاتُه.

  (الإنسانُ يُعرَفُ بِمَنطِقِه، وإنَّ الـمَرءَ مَخْبوءٌ تحتَ طَيِّ لِسانِهِ) كما جاءَ في الحَديث، (فمَتى تَكَلـمَ عُرِفَ قَدْرُه، فتَكَلـمُوا في العِلـمِ تَبِينُ أَقْدَارُكُم). وإنَّهُ كما جاءَ: (رُبَّ كلـمَةٍ سَلَبَت نِعْمَةً، وَجَرَّتْ نِقْمَةً)، وإنَّهُ على ما جاءَ في كثيرٍ مِنَ الأحاديث أَنَّ اللهَ سُبحانَهُ وتعالى نَهَى عنِ الفُحْشِ وعَنِ التَّفَحُّشِ في الكَلام، وَنَهَى عن كُلِّ كلـمَةٍ عَوْراءَ تُؤذي بها أحدًا مِنَ النَّاس، أَذْنَبَ أَم لم يُذْنِب، وَأَصابَ أم لم يُصِب، فمَا تُعالَجُ الأخطاءُ بالأخطاءِ، ولا يُرَدُّ على السَّفاهَةِ بالسَّفاهَة، (فإنَّ أَسْفَهُ السُّفَهَاءِ: الـمُتَبَجِّحُ في فُحْشِ الكَلام)، كما جاءَ عن أميرِ المؤمنين عليّ بنِ أبي طالب عليه السلام.

  أسفهُ السُّفهاءِ هُوَ الذي يتبَجَّحُ بالكلامِ الفاحِشِ، ومَن أَفْحَشَ في مَنْطِقِهِ لَم يَشفِ نفسَهُ، يقولُ أميرُ المؤمنين عليه السلام: (مَن أَفْحَشَ فَقَد شَفى حُسَّادَه، ومَن أسرَعَ إلى النَّاسِ بِما يَكرهون قالوا فيه ما لا يعلمون، ومَن عابَ عِيبَ، ومَن شَتَمُ أُجيب).

  ولـمَا وَصَفَ اللهُ سبحانه وتعالى الذينَ يجتنبون القبيحَ مِنَ القَول، وصَفهم وقال عَزَّ مِن قائِلٍ: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا} الفرقان\63. لم يلتفتوا إليهِم، قالوا لهُم قولًا يسلمونَ به منهُم.
{وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا (63) وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا (64) وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا (65) إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا (66) وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا (67) وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69) إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (70) وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا (71) وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا (72)} الفرقان.

  صفةُ الذين ذكرهم الله سبحانه وتعالى بأنّهُم عِبادُهُ، عِبادُ الرَّحمن الذين إذا خاطبهُم جاهِلٌ قالوا سلامٌ عليك، كما حَكَى قولَ نبيِّهِ، وكَمَا حَكَى قولَ الصَّالحين (إنّنا لا نَبْتَغي الجاهلين) فإذا خاطبهُم جاهِلٌ لم يَرُدُّوا عليه كما قال بجَهْلِهِ أو بِسَفاهَتِه.

  والذي أرادَ اللهُ سُبحانه وتعالى من عِبادِه حينَ وَصَفَ هؤلاء بأنَّهُم إذا خاطبهُم الجاهلون قالوا سلاما، والذين يمُرُّونَ كِرامًا ولا يشهدون الزّور، ليُظهِرَ فَضْلَ هذه الـمَنزِلَة، وليِيُظهِرَ عَظَمَةَ هذه الـمَكانَة، {وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا (72)}، لا يلتفتونَ إلى لَغْوٍ ليس لهُ شيءٌ مُفيد، وليس لهُ شيءٌ نافِع وليس فيه شيءٌ مِنَ الحَق، فإذا بَلَغَ أَحَدَهُم شيءٌ مِنَ الكلام لَم يُفحِش في مَنْطِقِه، وإذا وَصَلَ إليه شيء لم يَكُن مِمَّن يتوسَّعوا في نشرِهِ وفي إذاعَتِهِ بينَ النَّاس، لئلَا يُتَّهَمَ بأَنَّ فيهِ مِنَ العُيوبِ ما جَعَلَهُ يَسعى مِن أجلِ أن يُشيعَ الفاحِشَة.

  يقول مولانا أمير المؤمنين عليه السلام (ذَوُو العُيوبِ يُحِبُّونَ إشاعَةَ مَعايِبِ النَّاس ليَتَّسِعَ لهُمُ العُذْرُ في مَعايِبِهِم) يُحِبُّونَ إشاعَةَ الفاحِشَة ليَتَّسِعَ لهُمُ العُذْرُ في مَعايِبِهِم، فأينَ نحنُ مِن أمير المؤمنين عليه السلام وهوَ يقول (لو وَجَدْتُ مُؤمِنًا على فاحِشَةٍ لسَتَرْتُهُ بِثَوْبي هذا) فأينَ نحنُ من هذا الحديث!!؟ فأينَ نحنُ مِن هذا السِّترِ الذي أمَرَ اللهُ سبحانه وتعالى به!!؟ وأينَ نحنُ مِن هذا السِّتر الذي قال فيه أمير المؤمنين (لسَتَرْتُهُ بِثَوْبي هذا)!!؟ ومَن يضْمَنُ لنَفْسِهِ أن يخرُجَ خاليًا مِنَ الذُّنوب، أو يستطيعُ أن يَدَّعِيَ أنَّهُ لم يُذنِب.

  يقول مولانا أميرُ المؤمنين عليه السلام: (تَعَطَّروا بالإستغفار، لا تَفْضَحَنَّكُم روائِحُ الذُّنُوب، إنَّهُ لو كانَ للذُّنوبِ رائِحَة لما جالسَ أَحَدٌ أَحَد، فمَن بَلَغَهُ عن مُذنِبٍ شيء فليذكُر آثامَهُ وذُنُوبَه)، فليذكُر ذَنْبَهُ وليستغفر اللهَ عزّ وجلّ منه، وليذكُر ذَنْبَهُ وليَتُب إلى اللهِ عزّ وجَلَّ منه، وليذكُر ذَنْبَهُ وليَحْمَدِ اللهَ سبحانه وتعالى أنَّ اللهَ ما هَتَكَ سِترَهُ كَما هَتَكَ سِترَ غَيْرِه.

صحيفةُ الـمَرء في أعمالِهِ رُسِمَت   فإن نَسِيتْ، فليسَ اللهُ بالنَّاسِ
كأنني إذْ أعيبُ الغَيْرَ مُفْتَخِرًا   أتلو صحيفةَ آثامي على النَّاس

  كأنّني حينَ أَعيبُهُم أُذَكِّرُهُم بِذُنُوبي، ومَن الذي نَجَى مِن ذَنبٍ أَلـمَّ بِهِ! أو استطاعَ أن يَدَّعِيَ أنَّهُ لم يُخطِئ! أو استطاعَ أن يقول أنَّهُ ما أساءَ في يوم!. الدليلُ قولُ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم : (كُلُّ ابنِ آدَمٍ خَطَّاء، وخَيْرُ الخَطَّائينَ التَّوَّابون).

  الذي يجِبُ أن نَقِفَ عِنْدَهُ قولُ الإمام عليّ بنِ الحُسين عليه السلام في دُعائِهِ إذا رَأَى مَن ابْتُلِيَ بِذَنْب أن يقولَ: (اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ عَلَى سِتْرِكَ بَعْدَ عِلـمِكَ ، وَ مُعَافَاتِكَ بَعْدَ خُبْرِكَ ، فَكُلُّنَا قَدِ اقْتَرَفَ الْعَائِبَةَ فَلَمْ تَشْهَرْهُ ، وَ ارْتَكَبَ الْفَاحِشَةَ فَلَمْ تَفْضَحْهُ ، وَ تَسَتَّرَ بِالـمَسَاوِئِ فَلَمْ تَدْلُلْ عَلَيْهِ . كَمْ نَهْيٍ لَكَ قَدْ أَتَيْنَاهُ ، وَ أَمْرٍ قَدْ وَقَفْتَنَا عَلَيْهِ فَتَعَدَّيْنَاهُ ، وَ سَيِّئَةٍ اكْتَسَبْنَاهَا ، وَ خَطِيئَةٍ ارْتَكَبْنَاهَا ، كُنْتَ الـمُطَّلِعَ عَلَيْهَا دُونَ النَّاظِرِينَ ، وَ الْقَادِرَ عَلَى إِعْلَانِهَا فَوْقَ الْقَادِرِينَ ، كَانَتْ عَافِيَتُكَ لَنَا حِجَاباً دُونَ أَبْصَارِهِمْ ، وَ رَدْماً دُونَ أَسْمَاعِهِمْ فَاجْعَلْ مَا سَتَرْتَ مِنَ الْعَوْرَةِ ، وَمَا أَخْفَيْتَ مِنَ الدَّخِيلَةِ ، وَاعِظاً لَنَا ، وَ زَاجِراً عَنْ سُوءِ الْخُلُقِ ، وَ اقْتِرَافِ الْخَطِيئَةِ ، وَ سَعْياً إِلَى التَّوْبَةِ الـمَاحِيَةِ ، وَ الطَّرِيقِ الـمَحْمُودَةِ وَ قَرِّبِ الْوَقْتَ فِيهِ ، وَ لَا تَسُمْنَا الْغَفْلَةَ عَنْكَ ، إِنَّا إِلَيْكَ رَاغِبُونَ ، وَ مِنَ الذُّنُوبِ تَائِبُونَ . وَ صَلِّ عَلَى خِيَرَتِكَ اللَّهُمَّ مِنْ خَلْقِكَ مُحَمَّدٍ وَ عِتْرَتِهِ الصَّفْوَةِ الطَّاهِرِينَ مِنْ بَرِيَّتِكَ الطَّاهِرِينَ ، وَ اجْعَلْنَا لَهُمْ سَامِعِينَ وَ مُطِيعِينَ كَمَا أَمَرْتَ يَا رَبَّ العَالـمِين.)

  اللهم صَلِّ على محمد وآل محمد، واجعلنا مِمَّن كُلَّما أذنَبَ استغفَر، وكُلـمَا أخطَأ تاب، اللهم تَقَبَّل تَوْبَتَنا فيما أسلَفنا، وتَقَبَّل تَوبَتَنا فيما يَأتي، واغفِر لنا ما عَلِمنا وما لم نعلَم وما أنتَ أعلَم به مِنَّا.

  اللهم لا تَفضَحنا على رُؤوسِ الأشهاد، يومَ العَرْضِ عليك، ولا تَهتِك سِتْرَنا يا مَن لا تَخفَى عليهِ الأستار.

  اللهم صَلِّ على محمد وآل محمد....