6- انقسام الإسلام إلى مجازي وحقيقي.

أُضيف بتاريخ الأربعاء, 14/07/2021 - 04:32

6- انقسام الإسلام إلى مجازي وحقيقي.

بعد معرفتنا فيما مَرّ معنى الإسلام بالمعنى اللغوي والمعنى الشّرعي، والعبادة فيه، يبقى أمامنا معرفه من حيث تقسيمه إلى حقيقي ومَجَازي:

فالإسلام ينقسم إلى قسمين: حقيقي ومجازي.

أمّا المجازي، فينقسم إلى خمسة أقسام:
  1. الأوّل: كإسلام من أسلم من المُنافقين بظاهره دون باطنه خوفًا من القتل، ورغبةً فيما كان ينالُهُ من أموال الكافرين، في تسليم ظواهرهم إلى صاحب الناس والدّعوة ، ويُسمّى إسلامًا.
    فهُم الذين وَصَفهم الله بالذِّكر بالإسلام دون الإيمان بقوله تعالى: قَالَتِ الْأَعْرَابُ آَمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا [الحجرات 14]. كما مَرّ عن الإسلام بالمعنى العام والمعنى الأخصّ.
     
  2. الثاني: كإسلام من أسلم، ولم يكن إسلامه تبصّرٌ بدليلٍ عقلي ولا مُرحّج حجّة، إلّا أنّه وجد أبويه على أمر فتابعهما عليه، من غير غوصٍ له على حقيقته، ولا فحصٍ عن صِدقِه من كذبه، وذلك يُسَمَّى: هَمَجٌ رُعَاع.
     
  3. الثالث: كإسلام من أسلم،ورَكِبَ مَطِيَّةَ هَواه، التي هي جِسمه ونفسه، في سبيل النّظر إلى جهة الحق بغير زاد، وحاول اقتحام البحث من غير شريعةِ الحقّ، فعَدَل به إلى الباطل عن ورود شريعة الحق، فلم يزل تائهًا في حال خيالاته، لا يجد له ظِلًّا يأوي إليه، ولا دليلًا يعتمد عليه، وذلك يُسَمَّى: تائهًا.
     
  4. الرابع: كإسلام من أسلم، وسَفَهَ نفسه ترغبةً عن الإئتمام بأئمّة الحق، وأقام نفسه علمًا لرُعاع الأُمّة، وامتلاء البطن، يصُدّهم عن سبيل الحق، ويدعوهم إلى اضطهاد المؤمنين، والمُخالفة لأئمّة الحق، المعصومين من كل ذلك، اشتغالًا منه عن أوامر الله تعالى، ومُشاركته في شرعه إضلالًا لعِباده، وطعنًا في دينه، وتكذيبًا لرُسله، وتكبّرًا على أوليائه، بالتزخرف لِتُبّاعَةِ الأقوال، ويجوز في عقولهم المحال، وذلك يُسَمّى: مُضِلًّا.
     
  5. الخامس من هذا القسم: كإسلام من أسلم ووقف عند حُسن ظنَه وإن قبّحه العقل، واعتقد أنّه قد بلغ كمال ما يجب عليه من المعرفة، وعلا في نفسه عن طلب الزيادة، وانحجب عن طلب العلوم في ظواهرها، وبمجافاتها عن طلب حقائقها، وتدرّع من العلم اسمه، وجَهِلَ معناه، ولبس من الزُّهد رسمُه، ولا يدري ما وراءه، وذلك يُسَمّى مُنْبَتًا؟
    وعن الاغترار بهذا المقام نهى الرّسول بقوله: "إِنَّ هَذَا الدِّينَ مَتِينٌ فَأَوْغِلُوا فِيهِ بِرِفْقٍ، فَإِنَّ الْمُنْبَتَّ1  لا أَرْضًا قَطَعَ، وَلا ظَهْرًا أَبْقَى".2

القسم الحقيقي

أمّا القسم الحقيقي فله خمسة لوازم لا يصدق على إنسان بعدم لازم منها:

  1. الأوّل: تسليم الأمر إلى صاحب الدّعوة الصادقة عن الله تعالى عند مشاهدة معجز الدين، هو علامة الصّدق بسلامة القلب من أمراض الشك في شيء من أوامره وإن جهل من قبل هذا لعجز بمعناه.
     
  2. الثاني: الإيمان بالله ورُسُلِه وكُتُبِه وملائكته من غير طعنٍ في أحد منهم.
     
  3. الثالث: الاستنان بجميع السُّنَن والمُحافظة على جميع ما فرضه الله تعالى على ألسنتهم من غير إخلال بشيء منها، والانتهاء عن جميع ما نَهوا عنه.
     
  4. الرّابع: كفّ اليد واللسان عن تناول دماء الناس وأموالهم وأعراضهم وتجنّب أذاهم لقول الرسول : "المُسلم من سَلِمَ النّاس من عينه ويده ولِسانه، والمُهاجِر من هَجَرَ ما نهى الله عنه"3 .
    واللفظ الثابت: "المسلم من سَلِمَ المسلمون من لسانه ويده، والمُهاجِر من هَجَرَ ما نَهَى الله عنه"4 .
     
  5. الخامس: صدق في القول، وإخلاصٌ في العمل، وورع عن المحارم، ونصر للمؤمنين، وخذل للمشركين، وتسكينٌ لغضب النفس، وصَفْحٌ عن المُذنِب، وإحسانٌ إلى المُسيء، وتَفَضُّلٌ في المُكافأة، وعَدْلٌ عن الجَوْر، وخَوْفٌ من العُقوبة، وطَمَعٌ في الرّحمة، ورِضاءٌ بأمر الله، وقنعٌ بقِسمتِه، واعترافٌ بعدله، وإيمانٌ بفضله، وذُلّ لأعداء الله، وعِزٌّ لأوليائه، وزُهدٌ في الدّنيا، ورَغبَةٌ في الآخِرَة، ومَيْلٌ عن الشّبهات، وأنَفَةٌ من الشّهَوات، ورَحمَةٌ للخلق، وسخاءٌ في النّفس، ووفاءٌ بالعهد، وأمانةٌ في الودائع، واجتهادٌ في طلب العلم، وحُسْنُ الأدبِ مع العُلماء، وحِرْصٌ على تحقيق الحَق بِخَلعِ ثِياب المعصية وصَقْلِ مِرآةِ البَصيرَة..إلخ5 .

أقول: ويبدو للقارئ الكريم مِمّا مَرّ بأنّ الإسلام عبارةٌ عن مُجَرّد الدخول في الدين والتسليم لسيّد المُرسلين.

وأنّ الإيمان عبارةٌ عن اليقين الثابت في قلوب المؤمنين مع الاعتراف به في اللسان، فيكون على هذا أخصّ من الإسلام.

وجاء في الحديث عنه  قال:

"من شَهِدَ أن لا إله إلّا الله، واستقبل قِبلَتَنا، وصَلّى صلاتنا، وأكلَ ذبيحتنا، فذلك المُسلم، له ما للمسلمين وعليه ما عليهم".

وفي رواية عن أنس قال: قال رسول الله  : "مَنْ صَلَّى صَلاَتَنَا وَاسْتَقْبَلَ قِبْلَتَنَا، وَأَكَلَ ذَبِيحَتَنَا فَذَلِكَ المُسْلِمُ الَّذِي لَهُ ذِمَّةُ اللَّهِ وَذِمَّةُ رَسُولِهِ، فَلاَ تُخْفِرُوا6 اللَّهَ فِي ذِمَّتِهِ" أي: نقض العهد.7

وجاء فيما يتعلّق بالإيمان: قال عليّ : "مَعْرِفَةٌ بِالْقَلْبِ، وَإِقْرَارٌ بِاللِّسَانِ، وَعَمَلٌ بِالْأَرْكَانِ".

وقال  أيضًا:

"ثُمَّ إِنَّ هَذَا الْإِسْلَامَ دِينُ اللهِ الَّذِي اصْطَفَاهُ لِنَفْسِهِ، وَاصْطَنَعَهُ عَلَى عَيْنِهِ، وَأَصْفَاهُ خِيرَةَ خَلْقِهِ، وَأَقَامَ دَعَائِمَهُ عَلَى مَحَبَّتِهِ.."8 .

 

  • 1إِنَّ الْمُنْبَتَّ لاَ أَرْضاً قَطَعَ وَلاَ ظَهْراً أَبْقَى (حديث) : يُقَالُ لِلْمُفْرِطِ فِي طَلَبِ الشَّيْءِ وَالْمُبَالِغِ فِيهِ حَتَّى رُبَّمَا يُفَوِّتَهُ عَلَى نَفْسِهِ. معجم المعاني الجامع.
    والمُنْبَتُّ: هو الذي يواصل السير بدابّته وهو على ظهرها مواصلة مستمرة وبدون راحة، فيُهلك دابّته وبهذا فلا هو قطع مسافة الأرض التي يريد كلها ولا هو حفظ الدابة التي يركب على ظهرها.
    [إدارة موقع المكتبة الإسلامية العلوية]
  • 2ابن خلدون: شفاء السائل، تحقيق الطّنجي ص39 معرفة الله ج2 ص291-294.
  • 3البخاري: باب الإيمان، هداية الطحاوي ج2 ص241 - معرفة الله ج2 ص294.
  • 4هداية الباري للطحاوى ج2 ص241 - معرفة الله ج2 ص294 - البخاري ج1 ص9 دار التراث العربي/بيروت.
  • 5المكزون: معرفة الله تحقيق الدكتور أسعد علي: ج2 ص291-294 ط2 بيروت 1981م-1401ه.
  • 6أي لا تنقضوا عهد الله فيمن هذه صفاته، لأنّ أي اعتداء عليه هو خيانة لله ورسوله، ونقض لعهدهما. [إدارة موقع المكتبة الإسلامية العلوية]
  • 7السيّد عبد الحسين شرف الدين: الفصول المهمّة 27 العرفاء 1347ه صيدا/لبنان، عن البُخاري.
  • 8نهج البلاغة ج1 ص216 شرع محمد عبده، طبعة دار المعرفة، بيروت/لبنان.