11- جهة الكعبة.

أُضيف بتاريخ الخميس, 15/07/2021 - 04:44

11- جهة الكعبة.

أعظمُ مُوَحِّدٍ للمُسلمين.

كُلُّ مُسلم في جميع بِقاع الأرض يعلمُ بأنّ الإسلام انبثق نوره، وشعّت على الكون شمسُهُ، من أرض الحِجاز، من مَكَّةَ المُكَرَّمَة، حيث وُلِدَ الرسول الكريم والنّبيُّ العظيم مُحَمَّد الأُمِّيّ الأمين، في البلد الأمين، مكان نزوله وحي السّماء عليه، واتصال السماء بالأرض والأرض بالسماء، في بداية نزول أوّل آية في غار حراء، تدعو إلى الابتداء باسمه تعالى، وتَحُثُّ على العلم والتعلّم، قوله تعالى: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ 1 خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ 2 اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ 3 الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ 4 عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ 5 [العلق]

إنَّ هذه الآية الكريمة أبانت وهي أوّل آيةٍ نزلت، بأنّ الله ربُّ محمّد، هو خالق جنس الإنسان من نُطفةٍ وعلقةٍ، بأطوار اجتنانه، وإنّ الأكرَم الذي علّم الإنسان سواءٌ في ذلك الإنسان الأوّل الذي علّمه الأسماء وعرضها على الملائكة وقال له: يَا آَدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ [البقرة 33]. فالبشريّة جمعاء من أبٍ واحدٍ وأُمٍّ واحدةٍ -آدم وحوَّاء- فهُم عباد ربٍّ واحدٍ ومصيرهم واحد (الموت)، وهُم عِيالٌ وعِبادٌ للرّب الواحد، وأحبّهم إليه أنفعهم لهؤلاء العيال، واتّباع ما جاء من عنده، تبليغ سُفرائه إلى هؤلاء العيال، بشريعة تتّفق ومصلحة هؤلاء العيال ونضوجهم الفِكري واستعدادهم العقلي، كما جاء عنه : (أُمِرنا معاشر الأنبياء أن نُخاطِبَ النَّاس على قدر عقولها)، وبنفس اللغة التي يتكلّمونها، كما نصّت الآية الكريمة: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ [إبراهيم 4]، حتى لا يبقى للناس على الله حُجَّةٌ بعد إيضاح المَحَجَّة.

فرسالات السماء من حيث الجوهر واحدة، لأنّها صادرة عن رَبٍّ واحد، وهو الله ربّ العالمين جَلَّ وعلا، وأحكامُ الرسالات بحسب الزمان والأقوام والنّضوج العقل والفكري لهؤلاء الأقوام المُرسل إليهم، سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا [الأحزاب 62]، وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلًا [فاطر 43].

فإذا كان الدين الإسلاميّ دين التّوحيد، والناس عنده سواسية كأسنان المشط، لا فضل لعربي على أعجمي، ولا أسود على أبيض، إلّا بالتّقوى، وطاعة الله، والعمل بشرعِهِ القويم. فإذا كان الدين واحدٌ، والنّبيُّ واحدٌ، والكِتابُ ومركز الاتجاه إلى العبادة واحدٌ، وهو جهة الكعبة المُطَهَّرَة في البيت الحرام، البيت الذي أسّسه "هبةُ الله" آدم ، وهو كما نصّت الآية الكريمة: إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ [آل عمران 96]، فالمُسلمون في كُلّ أقطار المَعمورة يتّجهون في صلواتهم ومقابرهم من وراء البحار، ومن خلف الجبال، وفي امتداد السهول، ومن كُلّ مكان ينتشرون عليه من الأرض.

المسجد الحرام يُمَثّلُ في الشريعة الإسلامية المسجد الأب، الذي تتّجه إليه مساجد العالم، ومركز التوجّه الذي تلتقي عليه من كُلّ جوانبه، قلوب البشر وأنظارهم.

والوَحْدَةُ في شريعة الإسلام، ظاهرةٌ أصليّةٌ لا نستغرب عليها أن تمتدّ إلى وَحْدَةِ الناس في المركز والتطلّع. والذي يُعَمّقُ من هذه الوَحْدَة في الاتجاه: قداسة مركز الاتجاه، وما أعرق هذه القَداسة وأرفع شأنها.

فالبيتُ الحرام والمسجد الحرام: أوّل بيتٍ وُضِعَ للناس، مهبِطَ آدَم، ومقام إبراهيم، ومنزل إسماعيل، ومَحَجّ الأنبياء، ومَنزِل الملائكة، ومُنْبَثَقُ الإسلام، شاء الله أن يكون هذا الشرف الرّفيع لهذه البُقعة العتيقة عن الخضرة والنّضرة وأسباب الرّفاه وأطماع النّاس، بُقعة متواضعة من وادٍ متواضعٍ، كم انشقّت من فوقها السماء فتنزّلت الملائكة.1

أقول: هذا الدين الواحد يدعو إلى توحيد الكلمة، وكلمة التوحيد، فكُلّ رُكنٍ من أركانه يكون جامعًا لهذه الأمّة، لو علِمَت بما دعا إليه قرآنُها الذي أنزله الله على قلب نبيّها، لتتّخذهُ دستورًا وشريعةً تعمل بأحكامه العظيمة وتوجيهاته الحكيمة، لتكون خير أُمّةٍ أُخرجت للناس، تأمر بالمعروف، وتَنهى عن المُنكر، وذلك الدين القَيِّمُ. قال تعالى: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا [آل عمران 103].

ما أعظمهُ من دستورٍ، وما أبلغهُ من قولٍ، لو عُمِلَ به، ولكن لَمَّا تركوه أصبحوا كما ترى: دُوَيْلاتٍ، وشُعوبًا، ومذاهبَ، وطوائف..

  • 1علي محمد كوراني: فلسفة الصلاة ص135-136 طبع دار الزهراء - بيروت 1972م.