1- ماقيل في تعريف النفس الإنسانية.

أُضيف بتاريخ الثلاثاء, 12/10/2010 - 17:40

- قال الماديون: إنّ النفس هي الهيكل المحسوس والبنية المشاهدة.

- وقال بعضهم: النفس جزء لا يتجزأ من القلب وليس هي جسماً ولا جسمانية.

- وقال غيره: النفس أجزاء أصيلة من فضل البدن باقية من أول العمر إلى آخره مصونة عن التغيير والتبديل والمتبدل فضل الهضم إليه.

- وقال بعضهم: أنّ النفس هي الأخلاط التي يتولد هذا البدن منها المعتدلة كماً وكيفاً لأن بناء كيفياتها وكمياتها سبب لبقاء الحياة.

- وقال غيرهم: النفس هي الدم المعتدل إذ بكثرته واعتداله تبقى الحياة وبقلته وعدم اعتداله تضعف الحياة.

- ومنهم من قال: النفس هي الإعتدال المزاجي النوعي إذ تبقى الحياة ما بقي هذا الإعتدال وتزول إذا زال.

- وقال غيره: إن النفس هي التنفس إذ بانقطاعه تنقطع الحياة وببقائه متردداً تبقى الحياة.

- وقال بعضهم: النفس هي النارية السارية في الجسم لأن خاصية النار هي الإشراق وخاصية النفس الحركة وذلك مما قاله الأطباء إنّ مدبر البدن الحرارة الغريزية.

- وقال غيرهم: النفس هي الماء لأن الماء سبب النشوء والنماء.

- وقال غيره: النفس هي الريح المترددة في مخارق البدن ومنافذه واسمه النفس والروح الحيواني وهو جسم لطيف منبعه تجويف القلب الجسماني وينتشر بواسطة العروق إلى سائر أجزاء البدن.
وتطلق النفوس عندهم على الطبائع كالنفس الأمارة بالسوء والنفس اللوامة والنفس المطمئنة والنفس الناطقة وغير ذلك من الأباطيل التي توهمت بها الأطباء والفلاسفة والحكماء والماديون وقد نزّهت القلم عن وضع ما سوّلت لهم أنفسهم من الخرافات والأوهام وكل ذلك رجم بالغيب ويا له من داء عقام, ( فتنبه ) حيث نقول أنّ المختار عند الروحيين من العلماء والحكماء الإلهيين هو أن النفس جوهر روحاني ليس بجسم ولا جسماني ولا داخل البدن ولا خارج عنه ولا متصل به ولا منفصل عنه متعلق به تعلُّق العاشق بمعشوقه والمَشوق بمشوقه مَحَلّه منه مَحَل المعنى من اللفظ عالم قادر مختار حكيم ليس بمتحرك ولا ساكن ولا متلون ولا متمكن ولا يُرى ولا يُلمس ولا يَحِلُّ موضعاً دون آخر ولا يحويه مكان ولا يحصره زمان لكنه مدبّر للجسم متعلق به تعلق التدبير والتصرف لا تعلق الجزء بالكل ولا تعلق الحال بالمحل وهو مادامت الأعضاء صالحة لقبول الآثار الفائضة منه عليها وهو قوة الإحساس والحركة الإرادية بقي في هذه الأعضاء وأفادها هذه الآثار وبقاؤه فيها هي الحياة وإذا فسدت هذه الأعضاء وخرجت عن قبول هذه الآثار انفصل عنها وانفصاله هو الممات, ( فتنبه ).

وخلاصة القول في تعريف النفس عند العلماء أن النفس هي الجوهر البسيط الذي قيل لأجله إنما خُلقتم للبقاء لا للفناء.
وقال صلى الله عليه وآله وسلم: "أعرفكم بنفسه أعرفكم لربه ومن عرف نفسه عرف ربه".
وقال السيد المسيح عليه السلام: "لا يصعد إلى السماء إلا من نزل منها".

وكما أنّ المكوّن الأول سبحانه محتجب بذاته بحجب كائناته فالنفس محجوبة بالحيوان وراء هيكله الطبيعي وحواسه وهو أعظم مذيع لقدرته الإلهية وأكبر مقياس دقيق لجلاله الخالد ولما كانت النفس من المعقولات الإلهية جعل الله سبحانه العقل في الإنسان أقرب وسيلة للتحقق عن وجود تلك الحقيقة فسار العقل البشري مدفوعاً مما أودع فيه من شعور يبحث في المادة والمشاعر وفي خلايا الدماغ وفي كل ما يتراءى له من أشباح نورها.

وقال أبو البقاء في (كلياته) :
والحق أنّ النفس الحيوانية التي هي حقيقة الروح شيء استأثر الله بعلمه ولم يُطلع عليها أحد من خلقه. وهذا قول الجُنَيْد وغيره. ومنه جاء في الذكر الحكيم: ( تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ ) المائدة\116.
والنفس في اللغة: عين الشيء وتُطلق على الجسم الصنوبري (القلب).
والنفس عند الحكماء والصوفيين والغزالي والراغب: ليست جسماً ولا عرضاً وإنما هي شيء مجرد عن المادة قائم بنفسه غير متحيّذ متعلق بالبدن للتدبير والتحريك.
وفي المطالع: والبدن صورته ومظهره ومظهر كمالاته وقواه في عالم الشهادة لا داخل فيه ولا خارج عنه وسريانه في البدن كسريان مدد الوجود المطلق 1 في جميع الموجودات.
والحق الصريح أنّ الروح جوهر قائم بنفسه لما يحس من البدن يبقى بعد الموت دراكاً وعليه جمهور الصحابة والتابعين وبه نطقت الآيات والسنن.

وقال بعض الحكماء: أنّ الإنسان له نفسان نفس حيوانية ونفس روحانية.
فالنفس الحيوانية لا تفارقه إلا بالموت, والنفس الروحانية التي هي من أمَرَ الله فيما يفهم ويعقل فيتوجه لها الخطاب وهي التي تفارق الإنسان عند النوم وإليها الإشارة بقوله تعالى: ( اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا ) الزمر\42. ثم أنه تعالى إذا أراد الحياة للنائم رد عليه روحه فاستيقظ وإذا قضى عليه الموت أمسك عنه روحه فيموت وهو معنى قوله تعالى: ( فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ). الزمر\42.

ومنه قول النبي (ص وآله) :
"إذا آوى أحدكم إلى فراشه ثم ليضطجع على شقه الأيمن ثم ليقل: بإسمك ربي وضعت جنبي, وبك أرفعه, إن أمسكت نفسي فارحمها, وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين".

واختلف الحكماء في قِدَم النفوس الإنسانية وحدوثها:

- قال أفلاطون وقوم من الأقدمين: أنها قديمة.
- ومنه قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "خلق الله الأرواح قبل الأجساد بألفي عام".
- وخالفهما أرستطاليس بقوله: أنّ الأرواح حادثة بحدوث الأجسام ويقسم الروح إلى حيواني وإنساني:
فالروح الحيواني: جسم لطيف منبعه تجويف القلب الجسماني وينتشر بواسطة العروق الضوارب إلى سائر أجزاء البدن.
والروح الإنساني: هو الجوهر العُلوي موجود بالأمر الذي يستعمل فيما ليس له مادة فيكون وجوده زمانياً لا بالخلق وهو الذي يستعمل في ماديات فيكون وجوده آنياً فبالأمر توجد الأرواح وبالخلق توجد الأجسام المادية.

  • 1 الوجود المطلق هو الكون وهو مفرد ليس له جنس ولا فصل يشمل جميع الموجودات اتفاقاً فيشترك بين الواجب وغيره بخلاف الماهية لأن في شمولها لجميع الموجودات خلافاً فإنه عند البعض ليس للواجب (ماهية) وتشخيص غير وجوده بل هو موجود بوجود هو عين ذاته.