خُطبتا صلاة الجُمُعة في 5 أيلول 2014م

أُضيف بتاريخ الأربعاء, 02/09/2015 - 14:11
(فيديو + مُلَخّص عن خطبتيّ صلاة الجُمُعَة في 5 أيلول 2014م)

  موضوع الخطبتين: (الغاية من وجود الخَلق - العقل هو حُجّة الله على خلقه - الحق والباطل والشبهة - كشف كذب من يدّعي الغيب)

- ما هي الغاية التي خلق الله سبحانه وتعالى من أجلها خَلقَهُ؟
- ولله سبحانه وتعالى حُجَّةٌ على كُلِّ مَخلوق، وبعدَ أن ذهبت الأنبياء والرُّسُل فما الحُجّةُ على الخَلقِ اليوم؟
- جاء فيما رُوِيَ عن الأئمّة عليهُمُ السلام أنَّ الحُجَّةَ الظاهرة هي الأنبياءُ والرُّسُل وأنّ الحُجَجَ الباطنة هي العُقول.
- لم يكن له عقلٌ يعرف به كيف يُميّز الخير من الشرّ والحق من الباطل فإنّه لا ينتفعُ بما يعملهُ من عبادات.
- علينا أن نرجِعَ إلى عقولنا فيما نرى وأن نرجع إلى عقولنا فيما نسمع وفيما نُبصِر، وأن لا نكون مِمّن إذا وصلت إليه الكلمة أخذها قَبلَ أن يَعقِل، ولا مِمّن إذا بلغَهُ خبرٌ أخذهُ قبلَ أن يَعقِل، ولا مِمَّن إذا رأى شيئاً لم يعرِفهُ أن يَعجَلَ بِهِ، بل عليه أن يرُدَّهُ إلى عقلِهِ لينظُرَ فيما يدُلُّهُ عليه..
- - الأمور لا تخرج عن كونها حقاً أم باطلاً، ولذلك جاء في الأدعية المأثورة (اللهم أرِنا الحق حقاً وارزُقنا اتّباعَه، وأرِنا الباطل باطلاً وارزُقنا اجتنابَه)
- - رُؤية الباطل لا تكفي لكي تُحقّق أنّه باطلٌ بَيّنُ البُطلان، ورؤية الحق لا تكفي حتى تُحقّقَ أنّهُ حقٌ بَيِّنُ الحَقِّ ثابتُ الحقيقة، إنّما عليك أن ترجع في هذا إلى أصلِهِ..
- - هناك أمور كثيرة تُشبهُ الحق، لا نستطيعُ أن نُميّز فيها حقاً من باطل إن لم نرجع إلى الضياء الذي هو ضِياء اليقين وإلّا كُنّا ممّن يستولي عليهُمُ الشيطان..
- - لا يزالُ كثيرٌ من الناس يدّعي أنّ له في الغَيبِ ومعرفةً، فماذا قال مولانا أمير المؤمنين (ع) لرجُلٍ من تِلكَ الفِئة من أمثال هؤلاء..
- - سيروا على اسم الله وليس على رأي فُلانٍ ومَشورَةِ فُلان ولا تطلبوا الأمور من غير مواضعها..
- - ماذا قال العلّامة الشيخ سُليمان الأحمد رحمة الله تعالى ورضوانه عليه فيمن يظُنُّ أو يُصدّق بأكثر هؤلاء؟


  الخُطبة الأولى:

  كُلُّ شيءٍ لهُ غايةٌ يسيرُ إليها، ولِكُلّ شيءٍ حَدٌّ لا ينبغي له أن يتجاوزه، والغاية التي خلق الله سبحانه وتعالى من أجلها خَلقَهُ هي عِبادةُ الله، خلق الله سبحانه وتعالى خَلقَهُ ليعبُدُه، ويُوَحِّدوه، ويشكروه على النِّعَمِ التي أنعَمَ بها عليهم.

  ولله سبحانه وتعالى حُجَّةٌ على كُلِّ مَخلوق، بعدَ أن ذهبت الأنبياء والرُّسُل بقيتْ الحُجَّةُ على الخَلق ما جعل الله سبحانه وتعالى لهم مِنَ العقل، فما الحُجّةُ على الخَلقِ اليوم؟ سُئِلَ الإمام الرضا عليه السلام قال: العَقل. الحُجّةُ على الخَلق اليوم هي العقل تعرفُ به الصادقَ عن الله فتُصَدِّقُه، وتعرف به الكاذبَ عن الله فتُكَذِّبُه.

  العقلُ هو الحُجّة التي يحتج بها سبحانه وتعالى على عِباده، ولقد جاء فيما رُوِيَ عن الأئمّة عليهُمُ السلام أنَّ الحُجَّةَ الظاهرة هي الأنبياءُ والرُّسُل وأنّ الحُجَجَ الباطنة هي العُقول. ما يحتجُّ به الله سُبحانه وتعالى على خَلقِهِ هو ما آتاهُم من العَقل، وما أعطاهم من التمييز وما مَلَّكهم مِمَّا يُفَرّقون به بين الخَير والشرّ وبين الحَقِّ والباطِل. هذه هي حُجَّةُ الله سُبحانه وتعالى على خلقهِ.

  ولقد جاء في كثيرٍ من أحاديثهم أنّ من كان لهُ عقلٌ كان لهُ دين، ومن كان له دينٌ دخلَ الجَنَّة.

  وجاء في كثيرٍ من أحاديثهِم ما يُنَبّهُ على أنَّ الإنسان إنّما يُعرف إّذا أردتَ أن تعرفَ قَدرَهُ، يُعرفُ بعقلِهِ، يُعرف بما يُمَيّزُ به بين الحّق والباطل، ولا يُعرف بكثرة عبادته ولا بكثرة صَلاتِهِ، ولا بكثرةِ صومِهِ، إنّما يُعرف بعقله، فالعقل في تعريف رسول الله ص وآله وسلّم (عِقالٌ من الجَهل) الذي يمنع الإنسان من الجَهل والذي يمنعُهُ من أن يَحيدَ عن الصِراطِ المُستقيم هو المُرادُ بالعقل.

  فلقد جاء في كثيرٍ من الأحاديث ومنها حيثُ إسحاق بن عمّار حين سألَ الإمام الصادق عليه السلام (قال: إنَّ لي جاراً كثيرُ الصَلاة، كثير الصيام، كثيرُ الحَج، لا بأسَ بهِ مع كُلّ هذا إنّه مِمَّن يُواليكُم.
فقال الإمام الصادق عليه السلام: يا اِسحاق كيف عقلُهُ؟
قال: جُعِلتُ فِداكَ يا سيّدي ليس لهُ عَقل!
قال: ذلكَ مِمَّا لا ينتفعُ به)

إن لم يكن له عقلٌ يعرف به كيف يُميّز الخير من الشرّ فإنّه لا ينتفعُ بما يعملهُ، إذا بلغكم عن رجُلٍ حُسنُ حالٍ فانظروا في حُسنِ عَقلِه فإنّما يُجازى بعقله. هذا رجُلٌ كان كثيرَ الصلاة وكثير الصيام وكثير العبادة وكثير الحج ولكنه مع هذا لم ينتفع لماذا؟ لأنه ممّن لا عقل له. ليس هُناك من شيءٍ يمنعُهُ من الوقوع في الخطأ وليس هُناك من شيء يستطيع أن يُميّز به بين الخير والشرّ وبين الحق والباطل. فهذا ممّا لا عَقلَ له.

  قال مولانا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام: ( ليست الرؤية مع الإبصار ولا مع ما تراه في عينيك فقد تكذب العُيون أهلها ولا يَغُشُّ العقلُ من استنصَحَه) بالنظر في الأمور وفي عاقِبتِها وفيما تؤول إليه فيما يعقِلُ الإنسان ويمنعه من الجهل أو من القول بغير علم، هذا هو العقل الذي يحتَجُّ به الله سبحانه وتعالى على عِبادِه، وهذه الحالةُ هي التي يُعرفُ بها الرَّجُل إن كان ذا عَقلٍ. فإنّه إن كان ذا عَقلٍ فقُل إنّ له ديناً وإن لم يكُن له عقلٌ وإن كان على دينٍ فإنّه ليس على شيء، لأنه بهذا لا يستطيع أن يُمَيّزَ حقاً من باطلٍ ولا يستطيع أن يُفَرِّقَ بين خيرٍ أو شَرّ.

  العقلُ الذي قال فيه رسول الله ص وىله وسلّم (عِقالٌ من الجَهل) هو الذي جاء في كثيرٍ من الأخبار أنّ أول ما خلق الله سُبحانه وتعالى هو العَقل، فقال له أقبِل فأقبَل، ثم قال له أدبِرْ فأدبَرَ، فقال وعِزَّتِي وجَلالي ما خَلَقتُ خَلقاً أحَبَّ إليَّ مِنك، بك أُحاسِبُ وبك أُثيب وبك أُعطي وبك أمنَع وبك أُعاقِب) فمن منحه الله سبحانه وتعالى ذلك العَقل الذي يُميّز به بين الخير والشرّ فإنّه ممّن رحمهم الله عزّ وجل. ممّن رحمهم سبحانه وتعالى إذا كان فيه من العقل ما يمنعه عن الوقوع في الخطأ وما يمنعه عن الخروج عن صِراطِهِ المُستقيم وليس لينفعهم ما يعملوا إن لم يكُن ذلك العمَلُ صادراً عن العقل، وصادراً عن وَضع الأشياء في مَواضِعِها وإن كان كما تقدّم في الحديث كثير عِبادة وكثير صلاةِ وكثير صيامٍ وكثير حجٍ فلا ينتفع بهذا حتى يكون له من العقل ما يُفرّق به بين الخير والشرّ وبين الحق والباطل.

  ويحتج الله سُبحانه وتعالى عليه بما منحه من العَقل. فلا يحسبَنَّ أحدٌ أنَّ ما يراه بعينيه ممّا يستطيع أن يحكُم به ولكن ما تعقِلُه، انظر بعد هذا فيما تراه واعرِض هذا الذي تَراهُ على عَقلِك فهو الذي يدُلّكَ إذا كان هذا الأمرُ خيراً أم كان شرّاً (فقد تكذب العُيون أهلها ولا يَغُشُّ العقلُ من استنصَحَه) وكثيرٌ مِنّا يرى أشياءَ لا حقيقةَ لها ورُبّما خانهُ بَصَرُهُ وكثيرٌ مِنّا حين يضعُفُ بصرُهُ يحتاجُ إلى نظّاراتٍ لينظُرَ فيها لأنّه لا يُميّز الألوان ولا يرى الأمور بحقيقتها وهذا الذي ينبغي أن ننظر فيه. إذا احتاج أحدُنا إلى نظّارة ليرى بها فما أصعَبَ أن يعرف حقائق الأمر أو أن يدخُلَ إلى بواطِنِ الأُمور إن لم يكُن يرجِعُ إلى عقلِهِ في الذي يَراه.

  هذا يصعُبُ عليه ويتعسّر ويتعذّر بل يَستحيل أن تعرف حقيقةَ أمرٍ ما إن لم ترجِع فيه إلى عقلِكَ وإن التفَتَّ فيه إلى ما تراه فقد تكونُ مِمَّن قال فيهم أمير المؤمنين (قد تكذِبُ العيونُ أهلها) ولكنّ العقل لا يَغُشُّ ، العقل لا يغشّ من استنصحهُ، من عَرَض عليه أمراً وطلب منه النصيحة أن يدُلّه في ذلك الأمر على الحَقّ فيه وعلى الحَدّ الفاصِل فيه بين الخير والشر دَلَّهُ العقل.

  فعلينا أن نرجِعَ إلى عقولنا فيما نرى وأن نرجع إلى عقولنا فيما نسمع وفيما نُبصِر، وأن لا نكون مِمّن إذا وصلت إليه الكلمة أخذها قَبلَ أن يَعقِل، ولا مِمّن إذا بلغَهُ خبرٌ أخذهُ قبلَ أن يَعقِل، ولا مِمَّن إذا رأى شيئاً لم يعرِفهُ أن يَعجَلَ بِهِ، بل عليه أن يرُدَّهُ إلى عقلِهِ لينظُرَ فيما يدُلُّهُ عليه ذلك العَقل فإنّهُ إن كان خيراً فذلك هو، وإن كان شراً فذلك هُوَ وليس بمُستطيعٍ أحَدُنا أن يُحَقّقَ شيئاً إذا لم يرجع فيه إلى العَقلِ الذي هو حُجَّةُ الله سُبحانه وتعالى على عِباده.

  وللعقلِ علاماتٌ وللعاقِلِ علامات نسألُ الله سُبحانه وتعالى أن يجعلنا ممّن إذا سمعوا القول اتّبعوا أحسَنَه، وممّن هداهُم الله سُبحانه وتعالى، ومِمّن جعلهُم من أولي الألباب، ومِمّن يدخُلون في عِداد المُخاطبين من العُقلاء ومن أولي الألباب وأولي الأبصار وأولي الأسماع في كتابه وفي سُنّة نبيّه ص وآله وسلّم.

  الخُطبة الثانية:
  لكُلّ زمنٍ وفي كُلّ زمنٍ أشياءُ تُمَيّزُهُ مِن غيرهِ، ففي زمنٍ يغلبُ العلم على الجَهل، وفي زمنٍ يغلبُ الجهلُ على العِلم، وإنّ الحالَ كما قال مولانا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام (حق وباطل ولكل أهل، فلئن أَمِرَ الباطل لقديما فعل، ولئن قل الحق فلربما ولعل، وقلما أدبر شئ فأقبل) الأمور لا تخرج عن كونها حقاً أم باطلاً، إمّاً حقٌ وإمّا باطل، ولذلك جاء في الأدعية المأثورة (اللهم أرِنا الحق حقاً وارزُقنا اتّباعَه، وأرِنا الباطل باطلاً وارزُقنا اجتنابَه) دلّنا بهذا على أنّ رُؤية الباطل لا تكفي لكي تُحقّق أنّه باطلٌ بَيّنُ البُطلان، ورؤية الحق لا تكفي حتى تُحقّقَ أنّهُ حقٌ بَيِّنُ الحَقِّ ثابتُ الحقيقة، إنّما عليك أن ترجع في هذا إلى أصلِهِ فإنَّ كثيراً ممّا رواه قد تداخل فيه الحَقُّ والباطِل كما أشرنا غير مَرَّةْ إلى معنى الشُبُهَة.

  إنّما سُمّيت الشُبْهة شُبهةً لأنها تُشبه الحق والشُبُهات كثيرة، هناك أمور كثيرة تُشبهُ الحق، لا نستطيعُ أن نُميّز فيها حقاً من باطل إن لم نرجع إلى الضياء الذي هو ضِياء اليقين وإلّا كُنّا ممّن يستولي عليهُمُ الشيطان، إن لم نكن نرجع في هذا إلى ضِياء العقل ودليل اليقين لأن الحق والباطل يُمزجان يُؤخذ من هذا ضِرسٌ ومن هذا ضِرس، كما جاء في كلام مولانا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، وكذلك في الشُبُهة فهنالك يستولي الشيطان على أوليائه وينجو الذين سبقت لهم من الله الحُسنى.....

  في فِطرة كُلٍ منّا أنّ الله سبحانه وتعالى له الأمر وإليه الأمر وإليه يرجع الأمر وإليه المصير وأنّ أحدنا لا يملك من أمره نفعاً ولا يملك من أمره ضُرّاً وأنّه لا يستطيع أن يزيد على قامته ذراعاً واحدةً بل لا يستطيع أن يزيد أقلّ من هذا ولا يستطيع مهما بلغ من العلم أن يخلُقَ ولو كان بعوضةً، ولقد جاء ذِكرُ ذلك في كتاب الله عز وجل. لو كان ذُباباً، بل إن سلبهُ الذُباب شيئاً لا يستطيع أن يسترجعه منه، وإنّ الله سبحانه وتعالى جعل لنفسه علماً لم يُطلع عليه أحداً من الخَلق.

  ما غاب عنّا وكان من عِلمِ الله عز وجَلّ ممّا لم يُطلع عليه أحداً إلّا من أراد من أنبيائه وارتضى من رُسُلِهِ، ومِمّن أرسلهم من أجل هِدايةِ خَلقِهِ ولكن لا يزالُ كثيرٌ من الناس يدّعي أنّ له في الغَيبِ عِلماً ويدّعي أنّ له في الغَيب معرفةً، ولقد قال مولانا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام لرجُلٍ من تِلكَ الفِئة من أمثال هؤلاء أراد أن يُحَذّرَ أمير المؤمنين من الخُروجِ في يومٍ من الأيام لئلا يصيبه المكروه فقال له أمير المؤمنين ع (أتزعُمُ أنك تهدي إلى الساعةِ التي من سارَ فيها صُرِفَ عنه السُوء، وتُخوّفُ من الساعة التي من سار فيها حاق به الضُّرّ، فمن صدّقك بهذا فقد كذّب القُرآن واستغنى عن الإستعانة بالله في نيل المحبوب ودَفع المَكروه ، وتبتغي في قولك للعامل بأمركَ أن يُوليَكَ الحمدَ دون ربّه لأنّك بزعمك أنت هديته إلى الساعة التي نال فيها المَنفعة وأمِنَ الضُّر.!) ثم أقبلَ على الناس فقال: (إيّاكُم وتعَلُّمَ النجوم إلاّ ما يُؤذن به في بَرٍّ أو بحر فإنّها تدعو إلى الكَهَانَة، المُنَجِّمُ كالكاهِن، والكاهِنُ كالساحر، والساحرُ كالكافِر، والكافِرُ في النار).

  سيروا على اسم الله وليس على رأي فُلانٍ ومَشورَةِ فُلان إنّما سيروا على اسم الله عز وجل ما دام الله سُبحانه وتعالى هو الذي يملك الخير وهو الذي إن أرادك بخيرٍ لم يستطع أحدٌ أن يدفع عنك ذلك الخير الذي اراده الله، وإذا أرادك بشرٍّ لم يستطع أحدٌ أن يَدفَعَ عنك ذلك الشَر الذي أراده الله. فكيف تُطلبُ الأمور من غير مواضِعِها؟

  ماذا يفعلُ أحدُنا إذا أراد أن يطلُبَ مالاً لحاجته أفيذهبُ بحاجته تلك إلى رجُلٍ يعلم أنّه لا يملك ذلك الأمر! أم يسأله ممّن يملكه؟ إنه يسأل حاجته ممّن يملكها ويسأل حاجته من هو قادرٌ عليها. فما لنا تركنا طلب الحوائج من الله عز وجل وطلبناها من غيره سُبحانه وتعالى ونحن نعلم أنّه لا يملك قضاء الحاجات إلا رب العالمين وأنّه لا يملك أن يزيد في عمرك لحظة واحدة إلّا رب العالمين وأنّه لا يستطيع أن يطّلعَ على الغَيب إلّا صاحبُ الغَيب وعالمُه. وما من أحدٍ منّا يستطيع أن يبلُغَ إلى شيءٍ من هذا.

  قال العلّامة الشيخ سُليمان الأحمد رحمة الله تعالى ورُضوانُهُ عليه :

تالله ما عندِيَ علمٌ بما   يأتي ولا غيري من الناسِ
الأمر الذي يفعلهُ كثيرُ من الناس لا سيما في هذه الحال التي فُقِدَ فيها كثيرٌ من الناس وغُيِّبَ فيها كثيرون ولا يزال بعضهُم في عِداد من فُقِد لا يُعرف إذا كان حيّاً أو إذا كان ممّن توفّاه الله إلى رحمته، فليستيقظ من يظن أنّ أحداً من الناس يستطيع أن يستحضر له عِلم الغَيب ليدلّه أين فُلان أو أين أُخِذَ فُلان أو أينَ خُبِّئَ فُلان، لقد أثبتت لنا هذه الأزمةُ التي نحن فيها وهذه الحرب التي نحن فيها أثبتت لنا كذب كثيرين ممّن كانوا يَدّعون هذا الأمر.

  فإذا جاءنا من يقول بهذا فلن نسألهُ أن يدُلّنا على فُلانٍ قد فُقِدَ أو على فُلانٍ لا نَدري مَصيرهُ، لكننا نسألُهُ لماذا لم يَنفَع الأمّة؟ ولماذا لم يمنع كثيراً من الدماء؟ لماذا لم يمنع كثيراً من التفجيرات أن تقع؟ إذا كان قادراً على عِلم الغَيب وعلى اختراق الحدود وعلى أن يكون نظره ثاقباً مافي باطن الأرض؟ لماذا لم يستطع أحدٌ من هؤلاء أن يدُلّنا على نَفَقٍ واحدٍ حفرهُ المُسلّحون في هذا البلد؟ لماذا لم يمنعوا كثيراً من الأمور؟

  أليس في الأماكن والدوائر وفي المُنشآت التي فُجّرت، أما فيها واحدٌ يستحق من هؤلاء أن يدُلّه على نفقٍ تحته، أو أن يُحَذّره من سيّارةٍ ستنفجر هنا؟ أو من رجُلٍ سيغتالُهُ؟

  إنّ أكثرهم وقع في هذا الأمر ومنهم من هو لصيقٌ له في الجِوارِ وفي القَرَابَة ولم يستطع أن يدفع عنه شيئاً، فينبغي إذا أردنا أن نعرف صِدقَ هؤلاء أن نقول لهم: لو أنكم دللتمونا على شيء منعتم به وقوع شيء لصدّقناكم وعلمنا أنّ لكم سهماً من معرفة الغَيب، أمّا أن تكونوا كغيركم لو كان اللغمُ خلفكم أو تحت كُرسيّكُم ما علمتُم به فكيف تستطيعون أن تعلموا ما هو بعيدٌ عنكم.؟ فلنتنبّه من أمثال هؤلاء فإنّهم إنّما يسعون لملئ بطونهم وليس من أجل شيءٍ آخر.

  ووالله إنّ من يظُنُّ أو يُصدّق بأكثر هؤلاء لهو كما قال العلّامة الشيخ سُليمان الأحمد رحمة الله تعالى ورضوانه عليه: (اللهم إنّ هذا الدِماغ الذي يُحشى بمثل هذه الأباطيل لقليل الفراغ لسِعَةِ الحقائق) لا يَسَعُ من الحقائق شيئاً ولكن يدُلُّ عليه قوله:

تركتَ بلادنا يا جهلُ دهراً   خراباً من مَعارفها يبابا
تُفَتِّحُ للغباوة ألف بابٍ   إذا فَتَحَ الحِجى للعِلم بابا
وهو الذي قال:
أبالأحراز تحفظُني رويداً   فإنّ الله أحسنُ منك حِفظا
طلاسمٌ ما فهمتُ لهنّ معنًى   فكيف وما قرأتُ لهُنَّ لفظا
ويقول أيضاً رحمه الله:
لا تخدعوني فما تُغني تمائمكم   عنّي من الأجَلِ المحتومِ قِطمِيرا
لا أُمَّ للجِن لو كانت مُسَلّطَةً   لأوسَعَت عامل الغبراء تدميرا

  نسأل الله سبحانه وتعالى أن يهدينا سَواء السبيل...