خُطبتا صلاة الجُمُعَة في 26 أيلول 2014م

أُضيف بتاريخ الجمعة, 25/09/2015 - 10:42
خُطبتا صلاة الجُمُعَة في 26 أيلول 2014م

  موضوع الخطبتين: (النهي عن الكذب - الصِدق رأس الأيمان – أداء الأمانة والوفاء - صفات المسلم - الحرام أصبحَ أكثر من الحلال - الولائم - إنَّ أكلَ الحَرام وقَبول الحَرام هو تأييدٌ لفِعلِ الحَرام - (من دُعِيَ فليُجِب) - (ما خُلِقتُ ليَشغَلَني أكلُ الطَيّبات) )


  الخُطبة الأولى:

  قال الله تعالى في كتابه الكريم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة (119)]
ما ورد في كتاب الله عز وجل من النَهي والتحريم وفي سُنّة رسوله ص وآله وسلم وفي ما جاء عن أئمة أهل البيت ع ما ورد نهيٌّ كالذي ورد بالنهي عن الكذب، وما ورد فضلٌ وحمدٌ وشُكرٌ كالذي ورد بالصدق لأنّ الصِدق رأس الأيمان ولأنّ الإيمان من معانيه التصديق .
المؤمن هو المُصَدّق بأمر الله وبوعد الله وبوعيد الله ها هو بتصديقه يعمل لما يُرضي ربه ويتجنب ما يُغضب به ربه.

  سأل رجلٌ الإمام ع أن يدُلّه على شيء يُنال به خير الدنيا والآخرة ولا يَطول عليه؟ أن ينصحَ له وأن يدُلّه على أمرٍ يبلُغ به خيرَ الدارَين ولا يكونُ كلامُهُ طويلاً عليه ولا يكون فِعلُهُ ممّا يَشُقُّ عليه، فقال له الإمام كلمة واحدة، قال له (لا تكذب) .......

  لماذا نُهِيَ عن الكذب؟ لأنه مُخالفٌ للإيمان ومُضادٌّ له ، والكاذبٌ خارجٌ في تكذيبه عن حقيقة الإيمان لأنه يدفع الحقيقة التي أراد الله عز وجل أن تكون بيّنةً للناس. لذلك جاء في كتاب الله عز وجل { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ }. لذلك قال مولانا أمير المؤمنين عليُّ بن أبي طالب ع (جانِبوا الكذب فإنّه مُجانبٌ لللإيمان ، الصادق على شرف مَنجاةٍ وكَرامة ، والكاذبُ على شرف مَهواةٍ ومَهانَة )..

  الكذب مُجانبٌ للإيمان ولذلك قال الإمام الصادق ع (ثلاثٌ من كُنَّ فيه فهو مُنافق وإن صام وإن صَلّى : من إذا حَدَّثَ كَذَب، وإذا وَعَدَ أَخلَف، وإذا ائتُمِنَ خان) من كان فيه هذه الخصال فهو داخلٌ في عدد المُنافقين وإن صام وصلّى...

  قال أمير المؤمنين الإمام علي ع (ليس المُسلم بالكذوب إذا حدَّث، ولا بالمُخلِفِ إذا وَعَد، ولا بالخائنِ إذا ائتُمِن).

  جاء في الأمانات أنّ (من لا أمانةَ له لا دين له)

  وصية الرسول ص وآله لأمير المؤمنين ع : (يا علي أداءَ الأمانَة فيما قَلَّ وجَلّ حتى الخيط والمَخيَط، ومن لم يسمع لو أن قاتل أبي ائتمنني على السيف الذي قتله به لأهديتُهُ إليه).

  الصدق والوفاء والأمانة... هي صفات المسلم الذي بلغ في إسلامه أعلى درجات الإسلام.
من كان على خلاف هذا هو خارجٌ ممّأ يدّعيه من الإسلام، داخلٌ في صفة المُنافق الذي يُظهرُ شيئاً ويُبطن شيئاً.

  الكذب هو رأس المعاصي لأنّ الكذب يجُرُّ إلى ما نهى الله سبحانه وتعالى عنه.. الكذب ومُخالفة الواقع ودفع الحقائق تجرّ إلى كل ما دخل في باب المحرمّات من الغِيبة ومن النميمة ومن الكذب ومن السَعيي من تجاوز حدود الله عز وجل ...

  الخُطبة الثانية:
  يظن كثير من الناس أنهم إذا فعلوا ما لا يجوز لهم أن يفعلوه ثم عادوا بعد هذا إلى الصواب أنّه مع كُل فِعلٍ من أفعال الحرام تغفر لهم تلك الصلاة! وأنهم إذا تجاوزوا حدّاً من حدود الله عز وجل فإنّهم يستطيعون أن يجعلوا هذا الحَدَّ مقبولاً إذا صاموا أو إذا قدّموا للناس طعاماً !
ويرى كثيرٌ ممّن يتبصّرُ في هذه الأيّام أنّ الحرام أصبحَ أكثر من الحلال، وأنّ هذا الإختلاط قد أجرى الحرام في أفواه الكثيرين، وأنّ كثيراً ممّن إذا قُلتَ لهم: ما لكم لم تسمعوا قول الإمام الصادق عليه السلام (تركُ لُقمةِ حرامٍ أحبُّ إلى الله من عشرة آلاف ركعةٍ تطوّعاً).

  أن تترك لقمةً من الحرام هو أحبُّ إلى الله وأفضل عند الله وأكرمُ عند الله وليس الجوادُ كما جاء في كلامهم وليس الجَوادُ من يأخذُ المال من غير حِلِّهِ، وليس الجوادُ من يُنفقُ ذلك المال إذا كان مأخوذاً من غير مكانٍ صحيح ومن غير وجهٍ صحيح، إنّما حُجّةُ الكثيرين من جاء من حديث رسول الله ص وآله وسلم في وجهٍ من وجوه المُخادعة ومن وجوه تعزية النفس ، أي إيهام الإنسان نفسه أنّه بهذا يُصدّق قول رسول الله .

ما من رجلٍ إذا أكل حراماً فسألته لماذا تأكُلُ طعام فُلان؟ ولماذا تذهب إلى دار فلان إلّا قال لك لأن رسول الله قال (من دُعِيَ فليُجِب) وهذا حديثٌ صحيح. كان فيما مضى من السُنَن التي كانت قبل الإسلام وأبقى الإسلام بعضها وحرّم بعضها، دعوة الناس إلى الوَلائم وإلى الطعام وهذا أمرٌ مشهور، طعامُ العُرس وطعامُ الخِتان وطعامُ المُسافر الذي إذا كان مسافراً ثم رجع. هذه الولائم معروفة في مَظانها من الكُتُب وهناك من ألّفَ كُتُباً مستقلةً في بيان هذه الأمور، الولائم: ما الذي يجب فيها، وما الذي يُؤكلُ فيها، ومتى كانت، وكيف نشأت، ولماذا وَجَبَت؟ من العَقيقَةِ إلى الخِتان إلى غيرها ممّا يتّصل بإطعام الطعام.

  الولائم أمرٌ قديم ولكن هل يصِحُّ أخذُ حديث رسول الله ص وآله وسلم إلى الموضع الذي نُريد وكيف نُريد لنأكُلَ من حيث شئنا، أوكُلّما دعانا داعٍ إلى طعامِهِ قُلنا له بدعوى أنّ رسول الله قال هذا الحديث (من دُعِيَ فليُجِب) ذهبنا مُسرعين لنأكُل طعامَهُ؟! وهل يصحُّ في العقل أن يكون رسول الله ص وآله وسلم قد أمَرَ بأكل الحَرام؟! من يقول هذا إذا كان يُقيمُ للإسلام وزناً. قد أُمِرَ بهذا لكن هذا مشروطٌ ومُقَيَّد وأوّل شرطٍ من شروطِهِ أن يكون الطعام حلالاً وأن يكون من حَلال، وإلّا فإنَّ أكلَ الحَرام وقَبول الحَرام هو تأييدٌ لفِعلِ الحَرام، قبول الحَرام بطعامه وبغير طعامه هو تأييد لصاحِبِه وخيرٌ من الخير فاعلهُ وشرٌّ من الشر فاعله، والراضي بفعلِ قوم كالداخِلِ فيه معهم.

  أمورٌ لا يستطيع أن يدفعها إلّا من أراد أن يتجاوز البيّنات، ومن أراد أن يتجاوز النُصوص الواضحة. نعم قال رسول الله ص وآله (من دُعِيَ فليُجِب) ولكن قَيَّدَ هذا المال وقيّد هذا الأمر بالحلال.

  فهذا أميرُ المؤمنين عليُّ بن أبي طالب عليه السلام يقول في وصيّته لكُمَيْل: (يا كُمَيْل، ليس الشأنُ أن تتصدٌَّق وأن تصومَ وأن تُصَلِّيَ، الشأنُ أن تكون الصلاة بقلبٍ نَقِيّ، وعملٍ عند الله مُرْضٍ. وانظُر فيما تُصَلّي وعَلامَ تُصَلّي، إن لم يكن من وَجهِهِ وحِلِّهِ فلا قَبول) .
ليس الشأن أن تَتصدّق، وليس الشأن أن تَصوم، وليس الشأن أن تُصَلِّيَ، الشأن أن تكون هذه الأعمال بقلبٍ نَقِيّ، وأن تكون بعملٍ مُرْضٍ لله عز وجل، وأن تنظُر فيما تُصَلّي، أن تنظُرَ في الثوب الذي تلبَسُهُ، هل جاءك هذا الثوبُ من الحَلال؟ أن تنظُرَ على ما تُصَلّي، إذا كُنتَ تُصَلّي على فِراشِ أو على أُمْرةٍ أو غير ذلك، هل جاءتكَ من الحلال؟ فيما تُصَلّي وعَلامَ تُصَلّي، إن لم يكن ذلك الأمر من وجهه الصحيح ومن حِلِّهِ فلا قَبُول، لأنّ الله عز وجل طيّبٌ ولا يقبلُ إلّا الطَيّب.
هذا كلامُهُ لواليه على البَصرَة عُثمان بنِ حُنَيف لمّا دعاهُ أحدهم إلى مَأدُبَةٍ فأسرَعَ إليها، فقال له الإمام : (أمّا بعدُ يابن حُنَيْف فقد بَلَغَني أنَّ بعض فِتيَةِ أهلِ البَصرَةِ دعاكَ إلى مأدُبَةٍ فأسرَعتَ إليها، تُستطابُ لك الألوان، وتُنقَلُ إليك الكِفان، وما ظننتُ أنّك تُجيبُ إلى طعام قومٍ عائلُهُم مجفون وغنيُّهُم ملعون)

  الوَلائِمُ التي تكون للأغنياء دون الفقراء فهذه ليست لله عزّ وجلّ إنّما هي للدنيا وما من رجُلٍ إلّا وهو قادرٌ على معرفة الطريق إلى الحرام من أين يأتيه.

  قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام في تتمّة كلامه لابن حُنَيْف (ولو شِئتُ لاهتديتُ الطريق إلى مُصَفّى هذا العَسَل، ولُبابِ القَمح، ونَسائج القَزّ، ولكن هيهات أن يغلبني هَواي ويقودني جشعي إلى تخيُّل الأطعمة، ولعل بالحجاز أو باليمامة من لا طمع له بالقُرصِ ولا عهدَ له بالشِبَع، أأبيتُ مِبطاناً وحَولي فُطونٌ غزّة وأكبادٌ حَرّى، أأقنعُ بأن يُقال هذا أميرُ المؤمنين ولا أشاركهم في مَكاره الدهر، ولا أكونَ لهم أُسوةً في جُشُوبة العَيش، فما خُلِقتُ ليَشغَلَني أكلُ الطَيّبات، كالبَهيمةِ المَربوطةِ همُّها عَلَفُها، أو المُرسَلَةِ شُغلُها تَقَمُّمُها)

  فتأمّلوا يا عباد الله، (ما خُلِقتُ ليَشغَلَني أكلُ الطَيّبات) هذا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام يقول من شغله أكلُ الطيّبات ولم يُخلق من أجل أن يشغلهُ هذا الأمر، كان كالبَهيمَةِ المربوطة التي همُّها عَلَفُها، أو المُرسَلَةِ شُغلُها تَقَمُّمُها أن تجمع الطعام من هنا ومن هنا فإذا كان المرء على هذا فمتى يرقى من بَهيميَّتِهِ إلى إنسانيّتِه، متى يكون عقلهُ غالباً متى يكون منتصراً على الشَهوَةِ التي هي في جَسَدِه، إذا كان همُّهُ أن يأكُلَ وأن يشرب.

  فليتأملّ مُتأمّلٌ ولينظر ناظرٌ وليتدبّر مُتَدَبّرٌ في هذا، يكُن له إن شاء الله داغعاً وناصراً ورادعاً عن اقتحام المَهالِك.......