خُطبتا صلاة الجُمُعة في 12 كانون أوّل 2014م

أُضيف بتاريخ الخميس, 19/11/2015 - 14:33
خُطبتا صلاة الجمعة في 12 كانون أول 2014م + (فيديو)

  مُلَخّص الخُطبتين:
- وما من أحدٍ إلّا يُسابقُ إلى وصف نفسه أنّه على يقين وأنّه من المؤمنين، ولكنّ الذي نراه من العمل يدُلّ على خِلافِ ما نسمَعُهُ من الكلام..
- اليقينُ الذي هُوَ ثَباتُ الشيء يقتضي أن يكون المؤمن بأمرٍ ما مُصدّقاً به عاملاً من أجلهِ، تظهرُ عليه دلائلُ تصديقِهِ ويقينه بهذا الأمر...
- علامةُ الموقِن كما جاء في حديث رسول الله ص وآله...
- الذي أيقَنَ بالله حقاً فآمن به ينبغي أن يكون خاضعاً لأمره، خاشعاً عند ذِكرِهِ، مُجتنباً ما نَهاهُ عنه وعاملاً بما أمَرَهُ به، وليس أن يكون قائلاً بلسانه فقط أنا أؤمن بالله...
- الذي يطلُبُ الجَنّة لا يجوز أن يكون حاقداً، لا يجوز أن يكون حاسداً، لا يجوز أن يُؤذِيَ جارَهُ، لا يجوز أن يُسيءَ إلى أحدٍ من الناس.
- فإنَّ لأهل الجنّة عملاً وإنّ لأهل النار عملاً وكُلّ إنسانٍ يُعرَفُ بعمله، والناس إمّا أن يكونوا من أبناء الدنيا وإمّا أن يكونوا من أبناء الآخرة، ولا ثالث لهذين.
- ما الذي يُمَيّزُ رَجُلاً من رَجُل؟ من أيقَنَ أنّ المَوت حَقّ حَذِرَ ذلك اليوم، ومن أيقَن أنّ البَعثَ حق خاف أن يَفضَحَهُ الله، ومن أيقنَ أنّ الجنّة حَق سعى من أجل أن يصِلَ إليها، ومن أيقَنَ أنّه يُحاسَبُ ويُؤاخذُ بعملِهِ امتَنَعَ عن مَعصِيَة الله عز وجل فلم يُؤذي أحداً ولم يأخُذ ما ليس له بحق..
-- لكُلّ شيء كما تعلمون ثمرَةً، وثمرةُ الإسلام والإيمان هي العَمَل الصالح، فما ثمرةُ اليَقين؟
-- جاء في حديث الإمام الصادق عليه السلام وقد سُئِلَ: ما حَدُّ اليَقين؟ قال: حَدُّ التَوَكُّل. سُئِلَ: وما حَدُّ التَّوَكُّل؟ قال: ألّا تَخَافَ مَع اللهِ شيئا.
-- ثمرةُ اليقين أن لا تخَافَ أحداً غير الله، والذي لا يخافُ أحداً غير الله عز وجل فإنّه لا يلتفتُ إلى غضبِ فُلانٍ أو رِضى فُلان...
-- الذي يُريدُ أن يكون من المتوكّلين فليجتنب أن يُرضِيَ أحداً وليَكُن عَمَلُهُ وإن كان قليلاً على يقينٍ خيرٌ من كثيرٍ من العمل الذي يكون على غير يَقين.


  الخُطبة الأولى:

  نسمعُ لفظةَ المؤمنين في كثيرٍ ممّا نسمعه ومما نقرَؤُهُ ونجده في كتاب الله عز وجل وفي أحاديث نبيّه ص وآله، وما من أحدٍ إلّا يُسابقُ إلى وصف نفسه بهذه الصِفة، أنّه على يقين وأنّه من المؤمنين، ولكنّ الذي نراه من العمل يدُلّ على خِلافِ ما نسمَعُهُ من الكلام، اليقينُ الذي هُوَ ثَباتُ الشيء يقتضي أن يكون المؤمن بأمرٍ ما مُصدّقاً به عاملاً من أجلهِ، تظهرُ عليه دلائلُ تصديقِهِ ويقينه بهذا الأمر، ولذك جُعِلَ لكُلّ شيءٍ حدٌّ، وجُعِلَ من أجل ذلك ما يُميّزُ حَدَّ الأشياء من بعضها.

  علامةُ الموقِن كما جاء في حديث رسول الله ص وآله أنّه (أيقَنَ باللهِ حقاً فآمنَ به) ما مِن أحدٍ إلّا يقول أنا مؤمنٌ بالله ولكنّ ذلك اليَقين بالله عزّ وجلّ، أن تُوقِنَ به لتكون مؤمناً به يجب أن يظهر من العمل ما يدُلُّ على إيمانك به فإنّ الإيمان قولٌ مقبول وعملٌ معمول، هو قولٌ باللسان وعملٌ بالجوارح والأركان، وهذا الذي مَيَّز الإيمان من الإسلام فجعل الإيمان أعلى درجةً من الإسلام.

  أن تكون موقناً يقتضي أن تكون عاملاً، (أيقنَ بالله حقاً فآمن به)، الذي أيقَنَ بالله حقاً فآمن به ينبغي أن يكون خاضعاً لأمره، خاشعاً عند ذِكرِهِ، مُجتنباً ما نَهاهُ عنه وعاملاً بما أمَرَهُ به، وليس أن يكون قائلاً بلسانه فقط أنا أؤمن بالله.

  والعلامةُ الثانية للموقنين أنّه (أيقَنَ بالموت فحَذِرَهُ) ، أعَدَّ لذلك اليوم ما يجعَلُهُ فيه من الفائزين، وأيقَنَ بأنَّ البَعثَ حقٌ فخاف الفَضيحَة، أيقنَ أنّ الله عز وجل سيكون جامعاً للخَلقِ جميعاً، وأنّ الناس سوف تقفُ بين يَديه، وأنّ الذي كان قد سُتِرَ عليه أمرٌ بالدنيا فتمادى في الخَطيئةِ والمَعاصي فإنّ الله عز وجل سوف يفضحُهُ بين الخَلائق جميعاً.

  إنّ أحَدَنا ليَخافُ أن يَطَّلِعَ جارُهُ على أمرٍ لا يُحِبُّ أن يُذكَرَ به، فيخافُ أن يُفضَحَ في الدُنيا فكيف إذا كانت الفضيحةُ بين الخَلقِ جميعاً يوم القِيامَة، يوم لا يُغني أحدٌ عن أحدٍ شيئاً. المُوقِنُ مَن آمَن بهذا اليوم مَن أيقَنَ بهذا اليوم من صَدَّقَ بهذا اليَوم، فخافَ الفَضيحَة بين الخَلقِ جميعاً.

  العلامةُ الرابعةُ للموقِن أنّه (أيقَنَ بأنَّ الجَنّةَ حَق فاشتاقَ إليها) ، واشتياقُهُ إليها يكون بالعملِ لأجلها،
الذي يطلُبُ الجَنّة لا يجوز أن يكون حاقداً،
الذي يطلُبُ الجَنّة ويشتاقُ إليها لا يجوز أن يكون حاسداً،
الذي يطلُبُ الجَنّة ويشتاقُ إليها لا يجوز أن يُؤذِيَ جارَهُ،
الذي يطلُبُ الجَنّة ويشتاقُ إليها لا يجوز أن يُسيءَ إلى أحدٍ من الناس.
الذي يطلُبُ الجَنّة ويشتاقُ إليها يدُلُّنا عَمَلُهُ إن كان مِمّن يَطلُبُ الجَنّة أو كان ممّن يطلُبُ النّار.
فإنَّ لأهل الجنّة عملاً وإنّ لأهل النار عملاً وكُلّ إنسانٍ يُعرَفُ بعمله، والناس إمّا أن يكونوا من أبناء الدنيا وإمّا أن يكونوا من أبناء الآخرة، ولا ثالث لهذين.

  (وأيقَنَ بأنَّ النار حقٌ فظهرَ سَعيُهُ للنجاة منها) اجتنب ما يُقرّبُهُ من النار وابتعدَ عنه وجانبهُ وطَرَحَهُ وتركهُ لئلا يكون مصيرهُ إلى النار.

  (وأيقَنَ بأنَّ الحِسابَ حَقٌّ فحاسَبَ نَفْسَهُ) أوّلُ ما يجبُ على من قال أنّه من الموقنين أن ينظُرَ كُلَّ يومٍ في عَمَلِهِ، يقول لما فعلتُ هذا؟ أكُنتُ مُصيباً بهذا أم كُنتُ مُخطِئاً؟ أكُنتُ على بَصيرةٍ من أمري أم كُنتُ في ضَلال، ليَنظُر كُلٌّ مِنّا كُلّ يومٍ في عَمَلِهِ من أجل ألّا يُعيد ذلك العَمَل إن كان خاطِئاً في اليوم الذي يَليه.

  هذه علامَة الذي يُعَدُّ من الموقنين ولذلك جاء في كثيرٍ من الأحاديث أنّ (من أيقَنَ بالخَلَف جادَ بالعَطِيَّة) في حديث مولانا أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام.

  ما الذي يُمَيّزُ رَجُلاً من رَجُل؟ هذا يملكُ من المال الكثير وهذا يملكُ مالاً ربّما كان مِثلَهُ أو أقَلَّ مِنه، لكنّ هذا يُنفِقُ في سَبيل الله أضعافَ ما يُنفِقُهُ ذلك الذي يدّخرُ الذهب والفِضّةَ والكُنُوز، الفرق بينهما أنّ هذا موقنٌ بأنَّ الله عز وجل يُخلِفُ المال الذي يُنفِقُه (من أيقَنَ بالخَلَف جادَ بالعَطِيَّة) ولذلك من أيقَنَ أنّ المَوت حَقّ حَذِرَ ذلك اليوم، ومن أيقَن أنّ البَعثَ حق خاف أن يَفضَحَهُ الله، ومن أيقنَ أنّ الجنّة حَق سعى من أجل أن يصِلَ إليها، ومن أيقَنَ أنّه يُحاسَبُ ويُؤاخذُ بعملِهِ امتَنَعَ عن مَعصِيَة الله عز وجل فلم يُؤذي أحداً ولم يأخُذ ما ليس له بحق، (إنّ المَرءَ لا يُعابُ بتأخير حقّهِ، ولكن يُعابُ من أخّذَ ما ليسَ لهُ بحَق) كما قال مولانا أميرُ المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام.

  نسأل الله عزّ وجَلّ أن يُبَلّغَنَا وإياكُم درجة المُوقِنين، الصابرين على قضائه، الشاكرين له على نِعَمِهِ، الذين إذا عاهدوا اللهَ عزّ وجَلّ كانوا ممّن وَفَى بعَهدِهِ، ومِمّن رَحِمَهُم رحمَةً واسِعَة يوم يقف بين يديّ الله في يوم الآخرة...

  الخُطبة الثانية:

  مَثَّلَ الله عز وجل في كتابه الكريم الدُنيا بالماء الذي أُنزل من السماء فاختلط به نباتُ الأرض، {وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ مُّقْتَدِرًا} الكهف (45)

  هذه الدنيا التي مَثَّلها الله عز وجل بالماء الذي اختلط والذي أصبح هشيماً تذروه الريّاح، وما قيمةُ ذلك الشيء الذي تذروه الرياح وتُفرّقُهُ في أنحاء الأرض.

  الذي أُمِرَ به من توجّه إلى الله عز وجل مُسَلِّماً راضياً بقضائه خاضعاً لأمرهِ خاشعاً عند ذِكرِهِ، أن يكونَ من الموقنينَ به فإنّ ليَقينه ثمَرَةً.

  لكُلّ شيء كما تعلمون ثمرَةً، وثمرةُ الإسلام والإيمان هي العَمَل الصالح، فما ثمرةُ اليَقين؟
أن يكون الرجُل ممّن لا يُخالِطُ في هذه الدنيا من لا يُريدُ ما يُريد ولا يطلُبُ ما يطلُب، إنّهُ إذا وَصل إلى درجَةِ اليقين دلّنا عليه شيءٌ واحد بعد العَلامات التي ذُكِرَت، أنّه إذا كان حالُ الدُّنيا على ما ذَكَرَ الله في كتابه، وإذا كان حالُ الإنسان على ما بَيَّنَهُ سُبحانه وتعالى، فإنّ لكُلِّ شيءٍ حَدّاً كما جاء في حديث الإمام الصادق عليه السلام وقد سُئِلَ: ما حَدُّ اليَقين؟ قال: حَدُّ التَوَكُّل. سُئِلَ: وما حَدُّ التَّوَكُّل؟ قال: ألّا تَخَافَ مَع اللهِ شيئا.

  الذين يتوكّلون على ربّهم هُم الذين لا يخافون أحداً غيرَ اللهِ عزّ وجَلّ، {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} الأنفال (2) الذين قال فيهم {الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} النحل (42) {وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ} يوسف (67)

  التوكُّلُ ليسَ كلمةً نُلقيها، التوكُّلُ على الله أن لا تخافَ أحداً غير الله عز وجل.

  التوكُّلُ على الله أن لا تُرْضِيَ المَخلوق إذا غَضِبَ الخالِق.

  ثمرةُ اليقين أن لا تخَافَ أحداً غير الله، والذي لا يخافُ أحداً غير الله عز وجل فإنّه لا يلتفتُ إلى غضبِ فُلانٍ أو رِضى فُلان، (إنّ منَ اليَقين ألّا تُرضِيَ أحداً بسَخَطِ الله، وأنّه لا طاعةَ لمَخلوقٍ في مَعصِيَة الخالق). فالموقن بالله عز وجل ثمرةُ عملِهِ أن يكون في زُمرة المتوكّلين على الله عز وجل والمتوكّلُ على الله هو الذي لا يخافُ أحداً غير الله عز وجل.

  الذي يخاف عُقُوبَة ذَنبِهِ فهو يُنزِلُ الله عز وجل بمنزلة العظمة والهيبة والخوف والوَجَل تعظيماً لِذِكرِهِ، وشُكراً لنِعَمِهِ، وإجلالاً لفَضلِهِ.

  الذي يُريدُ أن يكون من المتوكّلين فليجتنب أن يُرضِيَ أحداً وليَكُن عَمَلُهُ وإن كان قليلاً على يقينٍ خيرٌ من كثيرٍ من العمل الذي يكون على غير يَقين.

  يقول الإمام الصادق عليه السلام (العَمَلُ القَليلُ الدّائم على يقين، خيرٌ من العَمَلِ الكثيرِ على غَيرِ يَقين) لماذا؟ لأنّ اليَقين هُنا كما ذكرنا يتَصِلُ بالتوكُّل، يوصِلُ إلى درجة المتوكلين، والذي يعملُ عملاً ما لا يُريدُ به وجه الله عز وجل فيكون ممّن يَخافُ أحداً غير الله وإن كان عملُهُ كثيراً فإنّه على غير يقين.

  نسأل الله سبحانه وتعالى لنا ولكم لمن سمِعَ كلامنا ولمن حضَرَ معنا أن يُبلّغنا وإيّاكُم درجة المتوكّلين عليه، الرّاغبين في مغفرته وعَفوِهِ، الساعينَ إلى جنّته، الهاربين من نارِهِ وأليمِ عِقابه، اللهم صلّ على مُحمّد وآل مُحمّد...