خُطبتا صلاة الجُمُعة في 19 كانون أوّل 2014م

أُضيف بتاريخ الخميس, 26/11/2015 - 12:42
خُطبتا صلاة الجمعة في 19 كانون أول 2014م + (فيديو)

  مُلَخّص الخُطبتين:
- من واجب كُلِّ إنسانٍ مِنّا أن يَبذِلَ وُسْعَهُ ليَكونَ عادلاً في كُلّ شيء، عادلاً في حُكمِهِ على الناس، وعادلاً في تعامُلِهِ، وعادلاً إن استطاع في تفكيره.
- إنّ لِكُلّ شيءٍ أُمِرَ به ولكُلّ شيءٍ نُهِيَ عنه أثرٌ يَتَرَتَّبُ على ذلك الأمر وعلى ذلك النَّهي، فالذي حُرّمَ من أجله الزِنى ليس لمُجَرّدِ فِعلِهِ لكنّهُ لأنّهُ يترتّبُ عليه أثرٌ، ذلك الأثرُ الذي يترتّبُ عليه هو فسادُ النسبِ إلى يوم القِيامَة...
- الأثرُ الذي يترتّبُ على كُلّ شيء منَ الخير أو مِن الشّر، هو السبب في الأمر بذلك الشيء أو السببُ في النَهي عنه، وذلك أنّ اللهَ سُبحانه وتعالى أَمَرَ خَلقَهُ لِما ينفعُهُم، ونَهَاهُم لِما فيه ضَرَرُهُم..
- ومِنَ الواجِبِ أنَّ أحدنا إذا عاملَ الناس أن ينظُرَ كيف يُنزِلُ كُلَّ إنسانٍ مقامَهُ ومكانتهُ ومنزلته.
- الذي يُساوي بين المُحسن والمُسيء، يكون ممّن يُزَهِّدُ أهلَ المَعروف في فِعلِهِم. وممّن يُزَهّدُ المُحسنين في إحسانِهِم، لأنّ في ذلك تزهيد أهل الإحسان في الإحسان وتدريب أهلِ السَوْءِ وأهلِ الضَّرَر على الضَّرَر الذي هُم فيه....
- إن لم نستطيع أن نَعمَل المَعروف فعَلى أقلِّ شيءٍ يجبُ علينا أن نُعَظّمَ أهل المَعروف، وأن نُعَظّمَ أهلَ الإحسان، وأن نَشكُرَ كُلَّ إنسانٍ يُقَدّمُ عملاً صالحاً حيثُما كان وكيفما كانت صورةُ ذلك العمل...
-- لكل شيءٍ كما تعلمون قاعدةٌ يُبنى عليها، لِكُلّ شيءٍ قاعدةٌ يُبنى عليها فإن كانت تلك القواعِدُ التي يُبنى عليها مَتينةً سلِمَ البِناء، وإن لم تكُن مَتينةَ فإنَّ مصيرهُ أن يُهدَمَ على رؤوسِ ساكنيه.
-- ما هيَ قواعِدُ الدّين الذي جاء به خاتَمُ النبيّين مُحمد ص وآله وسلّم؟ الإسلام الذي أمَرَ اللهُ سٌبحانه وتعالى به عِبادهُ، الذي لا يُسَمّى من دَخَلَ فيهِ مُسلِماً حتّى يَسلَمَ النّاس من يَدِهِ ومِن عَينِهِ ومِن لِسانِه.
-- تعرّف على قواعِدُ الإسلام السبعة التي بُنِيَ عليها والتي يجبُ علينا أن ننظُرَ فيها لنَعلَمَها ولِنَبْنِيَ عليها إسلامَنا وأَعمالَنَا...


  الخُطبة الأولى:

  من واجب كُلِّ إنسانٍ مِنّا أن يَبذِلَ وُسْعَهُ ليَكونَ عادلاً في كُلّ شيء، عادلاً في حُكمِهِ على الناس، وعادلاً في تعامُلِهِ، وعادلاً إن استطاع في تفكيره.

 

  أن يكون مِمَّن لا يميلُ إلى جانبٍ فيَظلِمَ جانباً، ولا مِمَّن يَتَّبِعُ الهَوى، ولا ممّن يُفَضّلُ رأيَهُ واستحسانهُ على الحقِّ حين يظهرُ له.

  إنّ لِكُلّ شيءٍ أُمِرَ به ولكُلّ شيءٍ نُهِيَ عنه أثرٌ يَتَرَتَّبُ على ذلك الأمر وعلى ذلك النَّهي، إنّ لكل شيءٍ إذا أردنا معرفةَ عِلَّتِهِ تكون في تحليلهِ أو في تحريمهِ، يكون هناك أثرٌ لذلك التحريم وأثرٌ لذلك التحليل يترتّب يكون نتيجةً لذلك الأمر، من نهيٍ أو مِن وُجُوب.

  فالذي حُرّمَ من أجله –على سبيل المِثال- حُرِّمَ الزِنى ليس لمُجَرّدِ فِعلِهِ لكنّهُ لأنّهُ يترتّبُ عليه أثرٌ، ذلك الأثرُ الذي يترتّبُ عليه هو فسادُ النسبِ إلى يوم القِيامَة، ولذلك صار الزِنى أعظَمَ وأَشَدّ مِن القَتل، كما جاء في حديث الإمام الصادق عليه السلام (إنَّ القاتِلَ يقتُلُ نَفساً واحِدة، ولكنّ الزاني يُفسِدُ الأنسابَ إلى يومِ القِيامَة) ولذلك كان يكفي في القَتلِ أن تجد شاهدين، ولكنّه لا يكفي في إثبات الزِنى شاهدان، ينبغي أن يكون هُناكَ أربعةُ شُهودٍ يشهدون على هذا الأمر.

  الأثرُ المُتَرتّبُ على الزِنى هو الإفساد، كذلك الأثرُ المُترتّب على شُربِ الخَمر هو ذهابُ العَقل، كُلّ هذه المُقدّمات لنستدِلَّ بها على أنّه ما مِن أمرٍ إلّا ولهُ عِلّةٌ ومُخالفةُ ذلك الأمر تكونُ لها في بعضِ الأوقات حالاتٌ مِنَ الَّرر قد لا يستطيعُ المَرءُ احتِمالها.

  الأثرُ الذي يترتّبُ على كُلّ شيء منَ الخير أو مِن الشّر، هو السبب في الأمر بذلك الشيء أو السببُ في النَهي عنه، وذلك أنّ اللهَ سُبحانه وتعالى أَمَرَ خَلقَهُ لِما ينفعُهُم، ونَهَاهُم لِما فيه ضَرَرُهُم، ومِنَ الواجِبِ على هذا أنَّ أحدنا إذا عاملَ الناس أن ينظُرَ كيف يُنزِلُ كُلَّ إنسانٍ مقامَهُ ومكانتهُ ومنزلته.

  جاء في كلام مولانا أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام (لا يَكونَنَّ المُحسِنُ والمُسيء عِندَكَ بمنزِلَةٍ سَوَاء) . هذا النَّهْيُ على أن تجعل الذي يُحسِنُ في فِعلِهِ كالذي يُسيء في مكانةٍ واحدةٍ أو في مَنزِلةٍ سَواء! هذا يُساوي هذا. هُناكَ أثرٌ يترتّبُ على مُخالفةِ هذا الأمر (لا يَكونَنَّ المُحسِنُ والمُسيء عِندَكَ بمنزِلَةٍ سَوَاء) ما هو الأثرُ الذي يترتّبُ على هذا في بقيّة كلام مَولانا أمير المؤمنين ؟
(لأنَّ ذلك يُزَهِّدُ أهلَ الإحسانِ في الإحسان). في ذلك تزهيدُ أهلِ الإحسانِ في الإحسان، وتدريبُ أهل السَّوْءِ على السَّوْء.

  الذي يُساوي بين المُحسن والمُسيء، يكون ممّن يُزَهِّدُ أهلَ المَعروف في فِعلِهِم. وممّن يُزَهّدُ المُحسنين في إحسانِهِم، لأنّ في ذلك تزهيد أهل الإحسان في الإحسان وتدريب أهلِ السَوْءِ وأهلِ الضَّرَر على الضَّرَر الذي هُم فيه.

  النَّهيُ عن المُساواةِ بين هذين هو وجهٌ مِن وُجوه العَدل، إن لم يكُن العَدلُ في الحُكمِ بين المُتخاصِمَيْن، وإن لم يكُن العَدل في الفَتوى بأمرٍ يُسألُ عنه من يُظَنُّ به خيراً، فإنَّ مُعاملتك الناس مع قطعِ النَّظر عن هذين فيها مِن وُجوه العَدل ما أُمِرتَ به ألاّ تُساوِيَ بينَ مُحسِنٍ ومُسيء، وألاّ تجعَلَ المُحسِنَ والمُسيء والصالِحَ والذي يكونُ دون ذلك بمنزلةٍ واحدةٍ أو بمنزلةٍ سَواء لأنّكَ في هذا تكونُ ممّنَ ظلم –أي وضعَ الشيء في غير موضِعِه- ووضعُ الشيء في غير موضِعِه يُزَهِّدُ صاحِبَ الإحسان في إحسانِهِ، فقد تكونُ تِلكَ المُساواة وذلك الظُلمُ في أن تجعلَ الحَقَّ والباطِلَ بمنزلةٍ واحدة قد يكون سبباً في امتناع من يُحسِنُ عن إحسانه، وقد يكون سبباً في تدريب وزيادة من يفعلُ القبيح لكي يزداد من أفعالِهِ ومِن أعمالِه، فما من شيء إلاّ إذا أُمِرَ بهِ أو نُهِيَ عنه كان لهُ أثرٌ يترتّبُ على ذلك الأمر وعلى ذلك النّهي.

  فليعلم كُلُّ مَن ساوى بين مُحسنٍ ومُسيء أنّهُ بهذا سَلَكَ طريقاً مِن طُرُقِ الفَسادِ في الأرض، وأنّه بهذا أبطَلَ المَعروف، وأنّهُ بهذا أعانَ على فِعلِ القَبيح، لذلك جاء في أحاديثَ شَتّى منها مَن (أعان على قتل مؤمن، أو أعانَ على قتلِ مُسلمٍ، ولو بِشَطرِ كلمة، جاء يومَ القِيامة وبين عينيه مكتوب: آيِسٌ مِن رحمةِ الله).

  لو كان بِشَطرِ كلمة يُعينُ بها الإنسانُ أحداً على فِعلِ شيءٍ من القَبيح، يكونُ بهذا سبباً لأن يأتيَ يوم القِيامَة وهو يائسٌ من رحمة الله، الأثَرُ المُترتّبُ على الأمر والنَّهي هو الذي ينبغي أن نُفكّر فيه قبل أن نَعمَل شيئاً، أن لا نُزَهِّدَ أحداً في المَعروف إن لم نستطيع أن نَعمَل المَعروف فعَلى أقلِّ شيءٍ يجبُ علينا أن نُعَظّمَ أهل المَعروف، وأن نُعَظّمَ أهلَ الإحسان، وأن نَشكُرَ كُلَّ إنسانٍ يُقَدّمُ عملاً صالحاً حيثُما كان وكيفما كانت صورةُ ذلك العمل، لأنّ إهمالنا لذلك الأمر أو ظُلمنا له في أن نُساوِيَ بينه وبين مَن يفعلُ القبيح، نكون بهذا ممّن زهّدَهُ في الفِعل، فنحمِلُ في أعناقِنا وِزرَ امتناعِهِ عن العَمَل الصالح، ولذلك جاء (أنّ الدالّ على الخير كفاعِلِه، وأنّ الدالَّ على الشَّر كفاعِلِهِ، وأنّهُ خيرٌ من الخير فاعِلُهُ، وشرٌّ من الشَرّ فاعِلُهُ).

  نسألُ الله سُبحانه وتعالى أن يُصلِحَ سرائرنا لكيَ تصلُحَ أعمالُنا، وأن يجعلنا ممّن يُؤثِرُ الحَق على الباطِل وإن كان في ذلك الأمر ما يُصيبُهُ مِنَ الضَّرَر، وأن يملأ قُلوبَنا بمحبّتهِ، واجتنابِ نَواهيه، واتّباع أوامِرِهِ. اللهم صلّ على مُحمد وآل محمد...

  الخُطبة الثانية:

  لكل شيءٍ كما تعلمون قاعدةٌ يُبنى عليها، لِكُلّ شيءٍ قاعدةٌ يُبنى عليها فإن كانت تلك القواعِدُ التي يُبنى عليها مَتينةً سلِمَ البِناء، وإن لم تكُن مَتينةَ فإنَّ مصيرهُ أن يُهدَمَ على رؤوسِ ساكنيه.

  لكُلّ شيءٍ أساسٌ هو الذي يُستدلُّ به على متانةِ ما يُبنى، أو يُستدلّ به على ضَعْفِهِ، وكُلُّ شيءٍ سَواءٌ أكان مادّياً كبناءٍ أو غيره، أو كان مَعنوياً، كفكرةٍ من العِلم أو ما يُشاكِلُها فهي لا بُدَّ أن يكون لها أساسٌ من أجل أن يُبنى على ذلك الأساس، وأن يكون لها قواعِد هي التي تحمِلُها وترفعُها.

  إذا بنى أحَدُنا بيتاً لهُ أو مَسكَناً، فإنّهُ يبذِلُ وُسْعَهُ مِن أجلِ أن يكون ذلك البيت مَتيناً قوياً، إذا أصابَهُ شيءٌ من العَواصِفِ أو مِنَ الأمطار كان في قوّتهِ ما يحميه وما يحمي مَن سَكَنَ فيه.

  وكذلك العَمَل ، كُلُّ عملٍ يجبُ أن تكونَ لهُ قواعِد، وتلك القواعِدُ هي التي يُستدَلُّ بها على صِحَّةِ هذا العَمَل وهي التي يُستدل بها على بُطلانِ ذلك العمل.

  ما هيَ قواعِدُ الدّين الذي جاء به خاتَمُ النبيّين مُحمد ص وآله وسلّم؟ الإسلام الذي أمَرَ اللهُ سٌبحانه وتعالى به عِبادهُ، الذي لا يُسَمّى من دَخَلَ فيهِ مُسلِماً حتّى يَسلَمَ النّاس من يَدِهِ ومِن عَينِهِ ومِن لِسانِه.

  قواعِدُ الإسلام التي بُنِيَ عليها والتي يجبُ علينا أن ننظُرَ فيها لنَعلَمَها ولِنَبْنِيَ عليها إسلامَنا وأَعمالَنَا.

  أوّلُ قاعِدةٍ من قواعِد الإسلام ممّا ذكرهُ مولانا أميرُ المؤمنين عليُّ بن أبي طالب عليه السلام، فأوّلُها (العقلُ وعليه بُنِيَ الصَّبرُ).

  أوّلُ قاعدةٍ من قواعِدِ الإسلام هي العقل، والعقلُ يُبنى عليه الصَّبرُ لأنّ من كان عاقلاً ناظراً في أحوال هذه الدُّنيا، عالماً أنّه لا يستطيع أن يدفعَ من قضااء الله عز وجل شيئاً وأنّه لا يستطيعُ أن يُقرّب رِزقَهُ، وأنّه لا يستطيع أن يجعل رزقهُ كثيراً ورِزقَ غيره قليلاً، وعرف أنّ ما كان من قضاء الله سًبحانه وتعالى من مَرَضٍ أو مَوتٍ أو فَقرٍ وما شاكَلَ هذا أُمورٌ لا يستطيعُ أن يدفَعَها، إذا أيقَنَ بهذا كانَ من الذين يجوز أن يوصفوا بالعقل وحينئذٍ يكون قد بُنِيَ على عقلِهِ حُكْمُ الصّبر. الصّبرُ على قضاء الله عز وجل، والصبر على طاعة الله عز وجل، والصبر عن معصية الله عز وجل، الصبر في كُلّ شيء. صبرٌ كما جاء في الحديث (صبرٌ على ما تُحِبّ، وصَبرٌ على ما تكره).

  العقلُ الذي يُبنى عليه الصبر أن تكون صابراً على طاعةِ الله، صابراً على الفَرائِض، صابراً على ما أُمِرتَ به، من اجتناب المَعاصي، ومن اتّباع الأوامِر، الصبرُ دليلُ العقل الذي كان أوّلَ قاعدة من قواعِد الإسلام.

  العقل وعليه بُنيَ الصبر في كُل شيء، صبرٌ في الطّاعة، وصبرٌ في المَعصية، الصبرُ على الجوع والعَطَشِ في الصِيام، الصبرُ على احتمال المَشَقَّةِ في طاعةِ الله، الصبرُ على الفَقْر، الصبرُ على قِلّةِ ما في اليَدِ، الصبر على احتمال المرض، الصبر على كُلّ شيء أُمِرتَ به دليلٌ على أنَّ العقلَ أوّلُ قاعِدةٍ من القواعد التي يُبنى عليها الإسلام.

  فمن وَجَدَ في نفسهِ أنّه قد صَبَرَ على ما أُمِرَ بهِ، وصَبَرَ عمّا نُهِيَ عنه، راجعاً في ذلك إلى ما يقضي به العقل فقد عَرَفَ أول قاعدة من قواعِد الإسلام.

  إذاً (العقل وعليه بُنيَ الصبر). والثانية (صَوْنُ العِرْضِ وصِدقُ اللهجَة).

  (صَوْنُ العِرْضِ وصِدقُ اللهجَة) هو القاعدة الثانية من قواعِدِ الإسلام، أن يكون الإنسانُ صادقاً إذا سُئِلَ عن شيء، وصادقاً إذا أَخبَرَ عن شيء، وصادقاً إذا ائتُمِنَ على شيء، ويكون مع هذا صائناً لِما أمِرَ به مِن عِرضِهِ، ولا يكونُ هذا بأن يُغلِقَ نوافِذَ بيتِهِ، ولا أن يُغلِقَ أبوابَ بيتِهِ، ولا أن يُوجِبَ على أهلِ بيتِهِ شيئاً مِن اللباس، لكنه يكون بأن يَفْعَلَ ما أُمِرَ به من غَضّ البَصَر، هكذا يكون ممّن صانَ عِرْضَهُ.

  والثالِثَةُ (تِلاوةُ القُرآن على جهتِهِ). أنّك إذا قرأتَ في كِتاب الله عزّ وجل أن تقِفَ عند ذِكر الجَنّة، وأن تسأل الله عز وجل تلك الجِنان، وإذا قرأتَ أن تقِفَ عِندَ ذِكرِ النّار وأن تستعيذَ بالله من النّار ومن عذاب النّار. هذه تِلاوةُ القُرآنِ على جِهتِه.

  والقاعدة الرابعةُ من قواعد الإسلام (الحُبُّ في الله والبُغضُ في الله). أن تُحِبَّ إذا أحببتَ أن يكون حُبُّكَ خالصاً لوجه الله تعالى، وإذا أبغَضتَ أن لا تُسرِفَ في ذلك البُغض، إذا أحسَنَ أحدٌ إلينا أحببناه ابتغاء وجه الله لأنّه سُبحانه وتعالى أمَرَنا أن نُجازِيَ من يُحسِنُ إلينا بالإحسانِ إليه، وإذا أبغضنا رجُلاً أساء إلينا فإنّه ليس من العَدلِ أن نُجَرِّدَهُ من حسناتِهِ كُلّها، وإنّه ليس من العَدلِ أن لا نذكُرَ له موقفاً جيّداً ولا عملاً صالحاً، هكذا يكونُ الحُبُّ في الله والبُغضُ في الله، إذا أحببتُكَ أحببتُكَ بما أعلمُ أنَّ فيه طاعةً لله عز وجل، وإذا أبغضتُكَ أبغضتُكَ بما أعلمُ أنّ فيه معصيةً لله عز وجل وليس كما يفعلُ أكثرُنا من أنّهُ إذا أحَبَّ أفرَطَ، وإذا أبغَضَ أيضاً ضَيَّعَ وأَفرَط. هذا لأاّ حُبّهُ ولأنَّ بُغضَهُ لم يكُن على قاعدةٍ صحيحة ولم يكُن على أساسٍ صحيح.

  القاعِدةُ الخامسةُ من قواعِد الإسلام (حَقُّ آلِ مُحمّد وَوَلايَتُهُم). معرفةُ حق آل محمدٍ ص وآله وسلّم ووَلايَتُهُم هي القاعدة الخامسة من قواعد الإسلام، أن نعرِفَ ما جاء عن هؤلاء الأئمّة، أن نعرِفَ بماذا أمروا شيعتهُم ومُحبّيهِم، وأن نعرِفَ ما كان يُرضيهم وما كان يُغضِبُهُم.

  السادسة (حقُّ إخوانك في هذا الدين وفي هذا الإسلام، والمُحاماةُ عليهم). أن يعرِفَ أحَدُنا أنَّ اللهَ عز وجل حين قال {إنّما المؤمنون أخوة} وحين أوجبَ على المؤمنين أن يتعاضدوا وأن يكونوا كالجسد الواحد، لم يُرِد سُبحانه وتعالى أن يُنَبِّهَهُم على أنّهُم في الدّين صاروا على شيءٍ واحِد، إنّما الإخاء هو في هذه الدنيا، في أن تُشاركَ أخاكَ في ما يُصيبُهُ من البَلاء، وفيما يُصيبُهُ من الشِدّة، وإلاّ فإنّ كُكَّ مُسلمٍ هو أخٌ في هذا الدين، غير أنّ المؤاخاة التي فرضها رسول الله ص وآلله وسلّم بين المُهاجرين والأنصار كانت من أجل أن يُعينوا بعضهم على أُمور هذه الدنيا وليست من أجل أنّهم أو صاروا على دينٍ واحد، فهم كانوا على دينٍ واحد، إذاً حقُّ الإخوان والمُحاماةُ عليهم هي القاعدة السادسة من قواعد الإسلام.

  إذا نظر أحدُنا كيف يُعامِلُ أخاهُ الذي وُلِدَ مِن أبٍ واحد ومن أمٍ واحدة والذي يجب عليه مِن حَقّ الرَّحِم أنّه لا يترُكُهُ عند مُصيبَتِه، وأنّه لا ينساه إذا علِمَ أنّهُ يحتاجُ إلى شيءٍ من مَتاعِ هذه الدُّنيا وهو قادرٌ على إعانتهِ.

  لينظُر كُلٌّ مِنّا فيمن يُعامِلُ مِن الناس الذين يجبُ عليه أن يُعاملهم بالإخاء الذي ذكرهُ الله تعالى في كتابه وبالإخاء الذي يقتضيه الإسلام، والذي تقتضيه الأخلاق لأنَّ القاعدة السابعة من قواعد الإسلام هي (مُجاورة الناس بالحُسنى).

  القاعدة السابعة من قواعد الإسلام هي (مُجاورة الناس بالحُسنى). كُلُّنا يذكُرُ حديث رسول الله ص وآله وسلّم (ما زال جِبريلُ يوصيني بالجار حتى ظننتُ أنّهُ سيُوَرّثُه) كُلُّنا سَمِعَ هذا الحَديث، مَرّةً ومرّات ولكن كيف كان عمَلُنا بهذا الحديث؟ هل نحنُ ممّن يُحسِنُ مُعاملة جيرانِهِ؟ هل نحن ممّن يصبِرُ على الأذى إذا آذاهُ جارُه؟ هل نحنُ ممّن يكُفُّ الأذى عن جاره؟

  نسأل الله سُبحانه وتعالى أن يجعلنا ممّن بَنى إسلامه على تلك القَواعِد التي أمر الله سُبحانه وتعالى أن يكون إسلامُهُ مبنياً عليها، أن كون ممّن يُحِبُّ في الله ويُبغِضُ في الله وليس في شيءٍ غيره، وأن يُحسِنَ مُعاملة جيرانه، وأن يكونَ ممّن إذا رزقه الله عز وجل تذكّر أنّ هناك من لا يملك خُبزاً يأكُلُه ولا يملكُ ثوباً يَلبَسُه.

  نسأل الله سبحانه وتعالى أن يُوَفّقنا إلى مَرضاتِهِ، وأن يأخُذَ بأيماننا إلى صِراطٍ مُستقيمٍ في طاعتِه....