(1) // العلويّون في سورية .. استخلاص الأحكام //

أُضيف بتاريخ الجمعة, 03/01/2025 - 14:27

//العلويّون في سورية .. استخلاص الأحكام // 

بعد مرور قرابة الشهر على الأحداث المفاجئة والمتسارعة، وبعد تراكم سنين طويلة من الاقتتال والفساد في البلاد واتباع رهانات وخيارات سياسية خاطئة، وبعد تدخّلات دوليّة عميقة وتفصيليّة أفقدت البلد توازنه وهويته، وبعد اجتماع أسباب داخلية وخارجية معقّدة فيما يسمّى /لعبة الأمم/... سقط النظام في سورية، وسقطت معه الكثير من المفاهيم التي بقيت ثابتةً قرابة خمسين عامًا... وتغيّرت معالم الدولة كما تغيّرت صيغة الخطاب الداخلي حيث اعتٌمد الخطاب الطائفي، وفي هذا السياق جرت محاولة تحميل الطائفة الإسلامية العلوية وزْرَ الخطيئة فيما وصل إليه الحال! وهو أمرٌ يحمل الكثير من التجنّي ويجافي الحقيقة التي عايَنَها وعانى منها كل السوريين الذين كانوا جميعًا بكل طوائفهم شركاء في كافة مفاصل النظام السابق، استفادوا منه واستثمروا فيه واستخدموا نفوذه وامتيازاته، فالكلّ كان إما شريكًا أو متصلاً أو مستفيدًا، والآن يتنصّلون من ذلك هربًا من المحاسبة، وفي محاولة لإلقاء المسؤولية والتبعيّة على فريق واحد.

وتكمن معاناة العلويين فيها أنّ قسمًا كبيرًا منهم كانوا في أسرٍ وانقيادٍ جماعيّ استخدمهم في وهْمِ المشاركة بالسلطة مستغلاً طيبَ فطرتِهم وتراكم مُعاناتهم بعد قرونٍ من الإبعاد والإقصاء والظلم، فوقعوا في ظلمٍ أكثر مرارة وتعقيدًا...

وفي مواجهة هذه الأحداث وتجاه الممارسة والخطاب الذي واجه أبناء الطائفة الإسلامية العلويّة، وفي مواجهة حالة الخذلان المؤلمة  تشكّلت حالة من الصحوة والوعي الجماعيّ لدى جمهور العلويين تمحور حول النقاط التالية: 

** إنّ كل قتلٍ بظلمٍ /جماعيًّا كان أم فرديًّا/، وكلّ تنكيلٍ وتشنيعٍ، وكلّ اعتداءٍ على الأرواح والحرمات، وكلّ تجاوزٍ لشرع الله تمت ممارسته باسم السلطة؛ هي ممارسات يبرأُ منها العلويون مذهبًا وفكرًا وسلوكًا. 

** إنّ كل أشكال الظلم والتّجني والاعتداء على أملاك وحقوق الآخرين، واكتناز الثروات الفاحشة،  وكل أشكال استخدام السلطة بغير طاعة الله وبغير خدمة البلاد والعباد هي ممارسات خارجة عن الدين وتجاوزاتٌ مشينةٌ يبرؤ منها العلويّ ولا تنتسب إلى الفكر والموروث العلويين...

**  فصل الحالة الدينية القائمة على الثوابت والمبادئ عن الحالة السياسية القائمة على المتغيّرات والمصالح؛ واعتبار كل حكمٍ باسم الدين والطائفة هو استغلالٌ للدين، يسيء إلى قدسيّته وجوهره ويؤدّي إلى استعلاء السياسة عليه... وهذا أمر مرفوض في الفكر العلويّ.

** الرفض والبراءة من تهمة /الطائفة الحاكمة/، وسقوط الادّعاء بوجود ارتباط دينيّ بالسلطة؛ وهذا ما تثبته الوقائع التالية:

  •  أ-  كذبُ الادّعاء القائل بوجود مجلسٍ دينيّ طائفيّ يعتبر بمثابة حكومة ظلٍّ دينيّة تقود وتشرف على الحالة السياسية للدولة.
  •  ب-  غيابُ -أو تغييب- المؤسسات الدينية التي تعتبر المرجعية الإدارية الدينيّة.
  • ج-  إشتراك كل الطوائف في القيادة الحاكمة على المستوى السياسيّ والاقتصادي والعسكري والدينيّ... والتي كانت تشكّل لها منظومةً من الحماية والرعاية.
  • د-  الواقع المعيشي والاقتصادي السيء لأبناء الطائفة الإسلامية العلوية وابتلاء الأغلبية الساحقة بالفقر والحرمان وانتشار الإهمال في مناطق تواجدهم.
  • ه-  غياب كل أشكال المؤسسات وأشكال النمو والتطوير الاقتصادي عن مناطق انتشار العلويين وهذا تدبيرٌ ممنهج يهدف إلى إجبار غالبيتهم للجوء إلى الوظائف وما فيها من معاني التبعيّة والارتهان للدولة .

.... وبالتالي فإن العلويين يعتبرون أن مصطلح /الطائفة الحاكمة/ هو اتهام ساقط يحمل في طيّاته معاني الإنتقام والتجنّي، وهو اتهام باطلٌ وعبءٌ حملوا أوزاره ولم ينالوا امتيازاته.

** إنّ الطائفة الاسلامية العلوية تعتبر رفع شعار /عقاب العلويين/ هو ظلم وافتراء بحقّ طائفة بكاملها تتبرّؤ من كل ما يدنّس ويشين ولاءها وعقيدتها الدينيّة، وهو شعار يخالف الواقع ويعتبر وسيلة من وسائل التمويه والتهرّب من العقاب يتّبعه ويؤجّجه شركاء النظام من الطوائف الأخرى.

** إنّ المسلمين العلويين يريدون بناء ثقة قوية مع العهد الجديد تجعلهم شركاء في بناء سورية الجديدة، وهم ينظرون بعين الإيجابية إلى الإنتقال السلميّ والآمن للسلطة كما ينظرون بتقديرٍ إلى السياسة المعلنة من القيادة الجديدة في البلاد بتجنّب الإنتقام وإرساء قيمِ العدل والتسامح والاستجابة لمنع أي تجاوزٍ يخالف هذه السياسة، ويطالبون قيادة الهيئة بتكريس هذه القيم العالية ومنع أي ظاهرة تخرج عن هذا السياق وضبط الممارسات التي من شأنها تعكير صفو هذا التغيّر الذي يعتبره العلويون سنّة من سنن الحياة التي أقرّتها الآية القرآنية: بسم الله الرحمن الرحيم  وَتِلۡكَ ٱلۡأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيۡنَ ٱلنَّاسِ (آل عمران ١٤٠)

** إنّ المسلمين العلويين يعتبرون أنّ الانتماء الوطنيّ القائم على العدل والمساواة والكفاءة كفيلٌ بتأمين متطلباتهم من الأمن والكرامة وهم في تأكيد ذلك لا يتمسّكون بالسلطة بل يتمسكون بالانتماء للوطن وبحقهم في المشاركة في إدارته بحكم ما لديهم من الخبرات والامكانات، وأنهم مستعدون في سبيل صون وحدة البلاد واستقلالها وحريتها إلى وضع أنفسهم في خدمة الدولة التي تضمن لهم هذا المتطلّبات، متّبعين بذلك نهج المجاهد الشيخ صالح العليّ الذي رفض الدولة العلويّة وترفّع عن الإغراءات والمسمّيات، وكان جوابه للمستعمر: (كلّنا سُنَّةٌ في سبيل الدفاع عن الوطن).

** إنّ المسلمين العلويين هم جزء من نسيج وتاريخ هذا الوطن؛ شاركوا في بنائه، ودافعوا عن استقلاله وحرّيته، واختلطت دماؤهم مع دماء كلّ السوريين، إيمانًا منهم بوحدة المصير، ولم يكن ولاؤهم يومًا سوى للوطن ولمن يحفظ كرامة الأرض والشعب.


يمكنك أيضًا قراءة: (2) //الخطاب العلويّ السوري .. تحليل وتحولات//


المكتبة الإسلامية العلوية
الجُمُعَة في 03 كانون الثاني 2025 ميلادية
الموافق في 4 رجب 1446 هجرية