الموت

أُضيف بتاريخ الجمعة, 21/08/2015 - 14:57

الموت


وَمِنْ أَوْهَامِهِ قَوْلُهُ :

(( عندما يصحو المكزون على غربته، يُصوِّر نَفْسَهُ سجيناً في سجنِ الطبيعةِ أسيراً في قيد المزاج ... ولا راحة لَهُ إلا بقطع كلِّ الصِّلات بين الروح والجسد .. من هنا يتجلّى له الموتُ منقذاً ...لأنّه يُخلِّص الإنسان من جسده، فتنطلق الروحُ عائدةً إلى فضائها ...الموت وسيلةُ العودةِ عند المكزون، لذلك يلقاه في سبيل الله غير مكترث؛ ولكن أخشَى ما يخشاه المكزون الموتَ في دار الغربةِ أو التردّد في دار الغربة بدون وصولٍ إلى دار العودةِ، التي عَرفَ بها (( واحدة الحسن )) .)) 1

بَيَانُ الوَهْمِ

هَذَا مِنَ المَشْهُورِ، فَإِنْ أَشَارَ إِلَيْهِ شَاعِرٌ أَوْ صُوفِيٌّ، لَمْ يَكُنْ لَهُ مَا يُمَيِّزُهُ فِي ذَلِكَ مِنْ غَيْرِهِ ، وَمِنْهُ فِي الرّسَالَةِ الجَامِعة :

(( وَاعْلَمْ أَيّهَا الأخُ، أَيّدَكَ اللهُ وَإِيّانا بِروحٍ مِنهُ، أَنّ المَوتَ وِلادَةٌ للرّوْحِ، وَكَمَا أَنّ وَضْعَ الجَنِيْنِ لا يَكُونُ إِلاّ بَعْدَ تَمَامِ آلَتِهِ، وَحُصُولِ صُوْرَتِهِ، وَأَنّ الوِلادَةَ هِيَ سَعَادَةٌ لَهُ ...... فَكَذَلِكَ بَقَاءُ النّفْسِ فِي الجِسْمِ المُدّةَ المُقَدّرَةَ لَهَا، وَإِنّمَا هُوَ لِتَتِمَّ لَهَا صُوْرَةٌ تَنْتَفِعُ بِهَا، إِذَا فَارَقَتْ هَذَا العَالَمَ الفَانِي وَالمَحَلّ الجِسْمَانِي، فَإِنْ فَاتَهَا ذَلِكَ انْعَكَسَتْ فِي المُنْقَلَبِ، وَعَادَتْ إِلَى سُوءِ الطّلَب ....

ولا يُمْكِنُ النّفس الوُصُول إِلَى العَالَمِ الرّوْحَانِيّ وَالمَحَلّ النّورَانِيّ، إِلاّ بَعْدَ مُفَارَقَةِ هَذَا المَكَانِ الدّنْيَويّ وَالقَالَبِ الجِسْمَانِيّ، وَالمَوتُ هُوَ البَابُ الّذِي تَدْخُلُ مِنْهُ إِلَى عَالَمِ الجِنَانِ..... ))
2

وَفِي البُرْهَانِ المُؤَيّد :

(( وَشُعَب الجِسْمِ .. ثَلاثَةٌ : الطُّولُ ، وَالعَرْضُ وَالعُمْقُ. نَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الرَّدِّ إِلَيْهِ، وَالسِّجْنِ فِيْهِ، إِذْ هُوَ دُنْيَا الإِنْسَانِ ...
فَظَاهِرُ أَحْوَالِكَ مُشَاهَدَةُ دُنْيَاكَ الحَقِيْقِيّةِ، وَأَظْهَرُهَا عِنْدَكَ.. مَا تَعَلَّقَ بِجَوَارِحِكَ مِنْ لَذَّاتِكَ الطَّبِيْعِيّةِ ، وَشَهَواتِكَ الحِسِّيَّةِ . فَهِيَ تَحْبسكُ عَنِ السّفَرِ إِلَى حَضْرَة الرّبُوبيّةِ ، وَتَعْقِلُكَ عَنْ وَطْءِ الحَضْرَةِ القُدسِيّة إِذِ : (( الدُّنْيَا .. سِجْنُ المُؤمِنِ ، وَجَنَّةُ الكَافِر )).

الّذِي آمَنَ وَتَحَقَّقَ .. إِنَّمَا يَؤولُ إِلَيْهِ مِنَ النَّعِيْمِ المُقِيْمِ ، وَالمَقَامِ الكَرِيْمِ : أَشْرَفُ مِمّا يُفَارِقُهُ . وَجَنَّةُ الكَافِرِ الّذِي كُفِرَ عَقْلُهُ ، أَي : غُطِّيَ وَحُجِبَ عَنْ مُلاحَظَةِ جَمَالِ قُدْسِ اللاّهُوتِ الأَكْبَرِ .

وَلا يُمْكِنُ الإِنْسَان الاِطّلاع المُجَرّد عَنِ الشّوائِب ، وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ الأَجْسَامِ المُظْلِمَة عَلاقَةٌ البَتّة ...

 

وَمَا كُلُّ جِسْـمٍ غَيْرُ سِجْنٍ لأَهْلِـهِ   وَآخِرُ آفَـاتِ النّفُوسِ وَفَاتُهَـا
وَلَوْ عَلِمَ الإِنْسَانُ مَا المَوتُ أَيْقَنَتْ   نُفُوسُ الوَرَى أَنَّ المَمَاتَ حَيَاتُهَا ))
3

وَفِي مَشَارق أَنْوار القُلُوب :

(( وَإِنّمَا تُدْرِكُ هَذِهِ السّعَادَةَ وَتَلْتَذّ بِهَا النّفُوسُ الفَاضِلَةُ، ذَوَات الإِدْرَاكَاتِ الكَامِلَةِ، بِمَا قَرّرْنَاهُ، فَإِنّهَا مِنْ جِنْسِ العَالَمِ الأَعْلَى وَأنموذج مِنْهُ، وَقَدْ خُلِقَتْ فِيْهَا أَهْلِيّة الاتّصَالِ بِهِ، وَلَكِنْ لا يُمْكِنُهَا ذَلِكَ مَا دَامَتْ عَاشِقَةً للذَّاتِ العَالَمِ الأَسْفَلِ مُقْبِلَةً بِكُلّيّتِهَا عَلَيْهِ، فَإِنّ ذَلِكَ يُوْجِبُ إِعْرَاضَهَا عَنِ العَالَمِ العُلْويّ، إِذْ عِشْقُ هَذِهِ الأَجْسَامِ وَشَهواتِها البَهِيْمِيّة صَارِفٌ عَنِ اللّذَاتِ المَلكِيّة البَاقِيَةِ فِي دَارِ البَقَاءِ عَلَى نَحْو مَا سَبَقَ فِي التّقْدِير . وَفِي مِثْل ذَلِك قِيْل ( مِن الكَامل ) :
 

حَيْرَانُ فِي سِجْنِ الحَوَادِثِ مُوثَقٌ   خدنُ الصّبابَةِ فِي الحَضِيْض الأَوْهدِ
نَسِيَ المَعَارِفَ وَاللّطَائِف فَانْبَرى   يَبْغِي الحَيَاةَ مِنَ المَوَاتِ الجَلْمَدِ ))
4

 

  • 1 معرفة الله والمكزون 1\416ـ 417.
  • 2 الرسالة الجامعة 309ـ 310
  • 3 البرهان المؤيد 303ـ 304.
  • 4 مشارق أنوار القلوب 5.