13- في تعريف البلاغة والفصاحة.

أُضيف بتاريخ الثلاثاء, 12/10/2010 - 17:40

إعلم أنّ ( البلاغة ) من حيث اللغة أن يُقال (بلغتُ المكان) إذا أشرفت عليه وإن لم تدخله.

وفي الإصطلاح لا تكون إلاّ في المعاني, فيُقال: معنى بليغ وكلام فصيح .

كما ذكرنا فالبلاغة إذن في تصحيح الأقسام واختيار الكلام.

قال الكندي: يجب للمبلغ أن يكون قليل اللفظ كثير المعاني.

وقال عمرو بن العاص: أبلغ الناس كان أقلّهم لفظاً وأسهلهم معنى وأحسنهم بديهة.

وقال عبد الله وزير المهدي: البلاغة ما فهمته العامة ورضيت به الخاصة.

وقال الثعالبي: الكلام البليغ ما كان لفظه فحلاً ومعناه بكراً.

وقال الإمام فخر الدين الرازي في حد البلاغة: أنّها بلوغ الرجل بعباراته كنه ما في قلبه مع الإحتراز من الإيجاز المُخل والتطويل المُملّ.

وفي "محيط المحيط" : البلاغة الفصاحة.

وهي عند أهل المعاني: البلاغة أخصّ من الفصاحة. وعلم البلاغة يُطلق على علم المعاني والبيان والبديع أيضاً.

وأمّا ( الفصاحة ) في اللغة: هي لفظ مأخوذ من قولهم (أفصح اللبن) إذا أخذت عنه الرغوة, وتكون في الألفاظ ولا تشمل المعاني لأنه يُقال ( لفظٌ فصيح ) ولا يُقال هذا (معنى فصيح), بل يُقال هذا ( معنى بليغ ).

والفصاحة هي مُطابقة الكلام لمُقتضى الحال مع فصاحته, وهي سلامته من التنافر والتعقيد ونحوهما.

ووجه التمييز بين الفصاحة والبلاغة هو:

إنّ الفصاحة تكون إمّا في المُفرد وهي سلامته من تنافر الحروف كـ (المستشرزات) من قول امرئ القيس:

غدائرها مستشرزات إلى العلى   يضل العقاص في مثنى ومرسل

ومن غرابة الإستعمال كـ (المشرج), ومن مخالفة القياس اللغوي كـ (الأجلل), من قول بعضهم (الحمد لله العلي الأجلل). ومن الكراهة في السمع كـ (النقاخ) ومنه قول صفيّ الدين الحلّي:

إنّمـــــا الحيزبـــــون والدردبيـــس   والطخا والنقاخ والعلطبيـس
والحراجيح والسفحطـب والصغـب   والعنبغيـــــر والعنتريــــس
والغضاريــس والقفنقــس والعفلــق   والخربصيص والعبطموس
والسبنتي والحفص والهيق والهجر   س والطرفسان والعسطوس
لغــــةٌ تنفــــرُ المسامــــعُ منهـــا   حين تُروى وتشمئـز النفوس
وقبيــــــحٌ أن يسلك المنــــافــــر   الحشي منها ويُترك المأنوس
إنّ خير الألفاظ ما طرب السامع   منــه وطـــاب فيـه الجليـــس

وأمّا في المركب وهي سلامة فصاحة مفرداته من ضعف التأليف ومن تنافر الكلمات ومن التعقيد ومن كثرة التكرار ومن تتبّع الإضافات كقول الشاعر:

حمامة جرعا حومة الجندل اسجعي   فأنت بمرأى من سعادٍ ومربع

وقد ضُربَ المثل بفصاحة قِس بن ساعدة بن عمر الأيادي, أُسقُف نجران خطيب العرب. إذ يُقال بأنّه أوّل من صعد على شُرَف وخطب عليه. وأوّل من قال في كلامه ( أمـا بعد ). وأوّل من اتّكأ عند خطبته على سيف أو عصا. وأوّل من كتب (من فلان إلى فلان).

ومن أفصح الخُطباء (سحبان وائل) وهو من خُطباء (باهلة) وشعرائها وهو القائل:

لقد علم الحَي اليمانون أنني   إذا قلتُ (أمّا بعد) إني خطيبها

والذين اشتُهروا بالفصاحة بعد الإسلام كـ الحسن بن سعيد بن أبي يسار البصري, والحجاج بن يوسف الثقفي. لكن الحسن أفصح منه, توفي في البصرة عام 110 هجري. ونظيره عمرو بن الأهتم إذ يضربون المثل ببيانه.

وخلاصة القول في البلاغة والفصاحة إذ يُقال: كلُّ فصيحٍ بليغٍ, ولا يُعكس .