إعلم أنّ العلم باللغة هو معرفة الشيء على ما هو به كالعلم الحاصل بالحواس الخمس...
وقيل العلم حصول صورة الشيء في العقل...
ويُطلق العلم على بعض معنى إدراك الشيء بحقيقته المتعلق بالذات.
والمعنى الحقيقي للفظ العلم هو: الإدراك.
والفرق بين العلم والمعرفة: فالعلم يُقال للإدراك الكلي أو المُركب, والمعرفة تقال للإدراك الجزئي أو البسيط ولهذا يُقال: عرفتُ الله دون علمته...
وكذلك يُقال الله عالم, ولا يُقال عارف, كما لا يُقال عاقل – وقد يستعمل العرفان فيما يُدرَك آثاره ولا نُدرك ذاته – ولهذا يُقال فلان عارف بالله ولا يُقال عالم بالله.
ويَلحق بالعلم أنواعٌ وفنونٌ وقوانينٌ كثيرةٌ كالقوانين المدنية ونواميسها بالنسبة لاختلاف أحوال الناس واختلاف الحالات والظروف الخاصة المختصة بغاية هذه الرسوم.
والعلم لا بُدَّ له من أحد مصدرين : الواحد ( طبعي ) والآخر ( وضعي ).
- فالمصدر الطبيعي هو ما يُستدل عليه بمجرد نور الطبيعة الموهوب لها من الله سبحانه, ويُقال له الوهبي, والعقل الغريزي ومرجعه سلامة الذوق ونور الهداية.
- وأما المصدر الوضعي فمنه ما هو مُقَدّس: وهو ما جاء بقوة الوحي والإنذار الرباني ومرجعه الكتب السماوية, ويُسمى التعليمي. ومنه ما هو اجتهادي: وهو ما قرّرته القوانين والإعتبارات بحسب ظروف أحوال الأزمنة والأمكنة والأشخاص, ومرجعه المؤلفات الإجتهادية.
وتقسم المؤلفات الإجتهادية إلى ثلاثة أقسام : ( أعلى – أوسط – أدنى )
- (القسم الأول الأعلى)
هو العلم الإلهي الذي مرّ ذكره يبحث فيه عن الموجودات كلها من حيث تعيينها وثبوتها وتحقيق حقائقها وما يُعرض بها, ونِسب ما بينها وما يعمّها وما يخصها من حيث هي موجودات مجردة عن المادة وعلائقها, وموضوعه الموجودات وأخواتها من هذه الحيثية ويُعبّر عنه بـ (الفلسفة الأولى وبالعلم الإلهي) لاشتماله على العلوم الإلهية, وبالعلم الكلي لعمومه وشموله الكليات والموجودات.
وبعلم (ما بعد الطبيعة) لتجرد موضوعه عن المواد ولواحقها وزمرة الحكماء الباحثين فيه رئيسهم أرسطو وكتابه فيما بعد الطبيعة حاصل بحصوله.
- (القسم الثاني الأوسط)
وهو العلم الأوسط الرياضي ويحصرونه في أربعة فروع وهي :
الهندسة 1
, والهيئة 2
, والعدد 3
, والموسيقى 4
.
- (القسم الثالث الأدنى)
وهو العلم الطبيعي الذي رتـّبه أرسطوطاليس على ثمانية أجزاء بثمانية كتب, حدّدها الشيخ الرئيس ابن سينا في مختصر ترجمة (المقتضبات) والعلوم التي تتفرع عليه وتنشأ منه عشرة وهي:
الطب 5
, والبيطرة 6
, والزردقة 7
, والفراسة 8
, وتعبير الرؤيا 9
, وأحكام النجوم 10
, والسيمياء 11
, والكيمياء 12
, والسحر 13
, والطلسمات 14
.
- 1 الهندسة: هو علم يبحث فيه عن مقدار الإمتداد والهندسة في اللغة الحد والقياس أصله (أندازه) فارسي.
- 2 الهيئة: هي علم يبحث فيه عن أحوال الأجرام البسيطة العلوية والسفلية من حيث الكمية والكيفية والوضع والحركة اللازمة لها وما يلزم منها وفي اللغة (الهيئة) والهيئة حال الشيء وكيفيته وشكله وصورته.
- 3 علم العدد: هو علم يبحث فيه عن العدد وخواصه وفي اللغة العدد الحسبان والإحصاء.
- 4 الموسيقى: هي علم يُبحث فيه عن الألحان وتوقيعها بالغناء والتطريب وهذه اللفظة يونانية الأصل (موسيقى) وتُطلق على طائفة من آلات الطرب وتؤخذ معاً.
- 5 الطب: مثلثة علاج الجسم والنفس والمُراد به هنا ما يختص الجسم فقط.
- 6 البيطرة: هو علم معالجة أمراض الخيل.
- 7 والزردقة: وهي معالجة أمراض الطيور.
- 8 الفراسة: وهي علم بقوانين بها تعرف الأمور الخفية بالنظر إلى الأمور الظاهرة وموضوعه العلامات والأمور الظاهرة في بدن الإنسان.
- 9 تعبير الرؤيا: يُراد بها تفسير الرؤيا والأحلام والأخبار بآخر ما يؤول إليه من أمرها, غير إنهم يقولون إذا كانت جلية لا تحتاج إلى تعبير, أما المحتاج إلى التعبير منها ما كان بالمحاكات والمثال ويقسمونها إلى ثلاث: رؤيا من الله وهي الجلية, ورؤيا من الملك وهي المحاكاة الداعية إلى التعبير, ورؤيا أضغاث أحلام وهي من الشيطان.
- 10 أحكام النجوم: هو علم يبحث فيه عن أحوال الشمس والقمر وغيرها من الكواكب وموضوعه النجوم ويُطلق على هذا العلم علم التنجيم أيضاً.
- 11 السيمياء: هو علم يُطلق على غير الحقيقي من السحر وهو الأشهر وحاصله أحداث مثالات خيالية لا وجود لها في الحس.
- 12 الكيمياء: هو علم يبحث فيه عن معرفة تركيب الأجسام وحلها وهذا العلم وهو الأساس المتين لجميع العلوم والصنائع والمهن حتى لا يُدعى أحدٌ عالماً ولا صانعاً ما لم تكن عنده معرفة به ولا سيما الأطباء فإنهم أحوج الناس إليه.
- 13 السحر: قيل هو إخراج الباطل في صورة الحق وهو في أصل اللغة الصرف ويُسمى سحراً لأنه يصرف الشيء عن جهته.
- 14 الطلسمات: جمع طلسم. وطلسم عبارة عن تمزيج القوى السماوية الفعّالة بالقوى الأرضية المُنفعلة بواسطة خطوط مخصوصة يستخدمها من تعاطى هذا الفن.
- 2516 مشاهدة