خُطبتا صلاة الجُمُعة في 22 آب 2014م

أُضيف بتاريخ الجمعة, 21/08/2015 - 10:00
(فيديو + مُلَخّص عن خطبتيّ صلاة الجُمُعَة في 22 آب 2014م)

  موضوع الخطبتين: (فلينظر كُلٌّ منا في إسلامه وفي إيمانه - لا تنفعُ الوَلاية مع الأذى والضرر والشر - العبادة لا تكون بالهوى والرأي والقياس - قول العلّامة في العبادة وقول الشيخ حسن شعبان في السعادة)

- لو كان قول الشهادة دون الفِعل يكفي لكان الذين تَرَوْنَ من القَتَلَةِ والمُجرمين مُسلمين! فإنهم يشهدون وحين يقتلون يُسبّحون الله، وحين يغتصبون يُكبّرون الله.
- المُسلمُ في تعريف رسول الله ص عليه وآليه وسلم (من سَلِمَ الناس من لِسانِهِ ويَدِه).
- سُمّيَ المؤمن مؤمناً كما قال الإمام الصادق عليه السلام (لإيمانه الناس على أنفسهم وأموالهم) والمؤمن كما قال رسول الله ص وآله (ما آمن بي من بات شبعاناً وجارُهُ جائع).
- لا تنفعُ الوَلايةُ مع الأذى، ولا تنفعُ الوَلايةُ مع الضَّرَرِ والشَرّ، ولا تنفعُ الوَلايةُ بدون التَّخَلُّقِ بأخلاقِ من تُوالي.
- مماذا قال العلّامة الشيخ سُليمان أحمد في صفة مؤمني زمانه؟ وما بالُنا اليوم نُجيزُ اغتيابَهُ مَيّتاً واغتصابَ مالِهِ حَيّاً، أما هذا دليلٌ على قسوةِ القلوب وانقطاع الرحمة الإلهية.
- العبادةُ تكون من حيث أمر الله عز وجل ومن حيث أبان الله عز وجل ومن حيث أحَبَّ أن تكون. ولا تكون العِبادةُ بما نُريد من الهَوى أو بما نُريدُ من الرَّأي .
- دين الله كما قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام (لا يُصابُ بالمَقاييس، فإنّه لا رأيَ في الدين).
- العبادة ليست بكثرة الصلاة وليست بكثرة الصيام وإنّما كَثرَةُ التَفَكُّرِ في أمر الله عز وجل، وكُلّ عملٍ يعملُ به الإنسان فينتفعُ به ويَنفعُ به أخاه فهو من العِبادة، ما دام الناس يَسلَمون من لسانه ومن يَده، وما دام مُؤتمناً.
- ماذا قال العلّامة الشيخ سُليمان الأحمد رحمه الله في العبادة.
- ماذا قال الشيخ مُحمّد حسن شعبان رحمه الله في السعادة.


  الخُطبة الأولى:

  ممّا يوصف به الذي يشهد على نفسه بأن لا إله إلّا الله وأنّ محمداً رسول الله ص وآله وسلّم بالإسلام يُوصف بأنّه مُسلمٌ، ولكن لو كان القول دون الفِعل يكفي لكان الذين تَرَوْنَ من القَتَلَةِ والمُجرمين مُسلمين! فإنهم يشهدون بما ذكرنا وحين يقتلون يُسبّحون الله، وحين يغتصبون يُكبّرون الله.
  المُسلمُ في تعريف رسول الله ص عليه وآليه وسلم (من سَلِمَ الناس من لِسانِهِ ويَدِه).
إذا تأمّل مُتأمّلٌ بما أراد الله عز وجل من عباده وهو الغَنيُّ عنهم عرفَ أنّه ما أرادَ منهم إلّا المَوَدَّةَ والتَعاوُنَ على الخَير والتراحُم والتَعاضُد، ومن جاهَد فإنّما يُجاهدُ لنفسه إنّ الله لغنيٌّ عن العالمين.
  وفي الحديث الذي يُسَمّى بالحديث القُدسيّ ما رُوِيَ عن رسول الله ص وآله وسلّم قال: (قال الله تباركَ وتَعَالى: لو لم يكن في الأرضِ إلّا مُؤمنٌ واحدٌ لاستغنيتُ به عن جميعِ خلقي، وجعلتُ له من إيمانِهِ أُنساً لا يحتاج إلى أحد).
  ولو تأمّلنا في صفة المؤمنين من أنّهم ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَّهُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ﴾ (الأنفال 2\3\4) صدق الله العلي العظيم.
  هذه الصفات ينبغي أن تنتهي إلى سلامة الناس من الأذى، فإنّما سُمّيَ المؤمن مؤمناً كما قال الإمام الصادق عليه السلام (لإيمانه الناس على أنفسهم وأموالهم) . المؤتمن هو المؤمن وتمام الإيمان أن تكون مؤتمناً وتمام الإسلام أن يَسلَمَ الناس من لسانِك ومن يدكفإنّه ما من إمام تنتحلُ مودّته يرضى لك بمثلِ هذه الأخلاق.
  وهل تنفعُ الوَلايةُ مع الأذى؟!
  هل تنفعُ الوَلايةُ مع الضَّرَرِ والشَرّ؟!
  هل تنفعُ الوَلايةُ بدون التَّخَلُّقِ بأخلاقِ من تُوالي؟.
  إنّها لا تنفع.
  ومن لم يعمل وهو على يقينٍ عقد قلبهُ عليه أنّ عملهُ حقٌّ لم ينتفع بعمله.
  ومن لم يتثبَّتُ فيما يقول كان من الهالكين.
  ومن لم يكن قلبُه مع الله عز وجل ولم يكن خالياً من غير ذِكر الله عز وجل مَلأهُ الله بالذي يُبعِده عن ذِكرهِ.
  كان ممّا قاله العلّامة الشيخ سُليمان أحمد رحمة الله تعالى ورضوانه عليه، قال: (لقد عاشرتُ من المؤمنين من كان إذا ذُكِرَ له مؤمنٌ بضَيْم يتحدّرُ الدمعُ على لِحيَتِهِ الشريفة كالجُمان). فما بالُنا اليوم نُجيزُ اغتيابَهُ مَيّتاً واغتصابَ مالِهِ حَيّاً، أما هذا دليلٌ على قسوةِ القلوب وانقطاع الرحمة الإلهية.
  ممّا جاء اسم الرَحِم الذي أوجَبَ اللهُ عز وجل فيه صلة الرَحِم؟ من أين جاءت الرحمة؟ من التراحُم؟ من المودة؟ من التلاقي؟ هذه الرَحِمُ التي من وصلها وصله الله ومن قطعها قطعه الله.
  ينبغي أن ينظُرَ كُلّاً منا في إسلامه وفي إيمانه أهوَ مُسلمٌ بحسب ما ينبغي أن يكون عليه من الإسلام.
  إذا كان المُسلم (من سلم الناس من لسانه ويده) أو أنّ المؤمن (ما آمن بي من بات شبعاناً وجارُهُ جائع) هذا حديث رسول الله حتى ورد في لفظٍ آخر (ما آمن بالله واليوم الآخر) الذي يَبيتُ وهو شبعان وجارُهُ جائع ... فلننظر في هذه المعاني لئلّا نكون ممّن قال فيهم الإمام الصادق عليه السلام يوم ذُكِرَ عندهُ أصحابُ الأهواء قال (والله ما هم على شيءٍ ممّا جاء به رسول الله ص وآله وسلم إلّا استقبالَ الكَعبةِ فقط) .
  نسأل الله عز وجل لأن يوفّقنا لما يُرضيه وأن يشرح صدورنا لقَبول الحَق والعمل فيه....

  الخُطبة الثانية:
  العبادةُ لله عز وجل إنّما تكون بحسب ما أمر به سبحانه، فإنّ دين الله كما قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام (لا يُصابُ بالمَقاييس، فإنّه لا رأيَ في الدين) ومنه أخذ الشيخ حُسين سعّود رحمه الله قوله:

وما هو بالقياسِ فكُلُّ رَأيٍ مَقيسٍ يُتخِمُ الأسمَعَ سُخفا
  العبادةُ تكون من حيث أمر الله عز وجل ومن حيث أبان الله عز وجل ومن حيث أحَبَّ أن تكون. ولا تكون العِبادةُ بما نُريد من الهَوى أو بما نُريدُ من الرَّأي .
من قَدَّم رأيَهُ على رأي المعصوم أو عَمِلَ بِهَوَاه كان بين أمرين: إِمّا أن يكون مُستخِفّاً بذلك الإمام، وإمّا أن يكون مُعتنداً له. وكِلاهُما مِمّا فيه الهَلاك فلينظُر كُلٌّ منّا على أيّ دربٍ يَسير.
  إنّ من حديث رسول الله ص وآله وسلم ما يجعلُ المؤمن في أُنسٍ وإن ضاقت به الحال (من تمسّك بسنّتي في اختلاف أُمّتي كان له أجر مئةِ شهيد) .
  التمسّك بالسُنّة يا عباد الله هو الدليل على طاعة الله عزّ وجلّ وعلى طاعة رسوله (فإنّ الجماعة هي أهلُ الحق وإن قَلّوا) كما قال مولانا أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام.
  والعبادةُ في كُلّ شيءٍ تجعلهُ خالصاً لوجه الله ولا تلتفتُ بعده إلى ما لا تُحسِن ولا تتكلّم فيما لا يعنيك. حينئذٍ تكونُ عابداً لله عز وجل.
  العبادة ليست بكثرة الصلاة وليست بكثرة الصيام وجاء في هذا من الأحاديث ما بيّنَها وإنّما كَثرَةُ التَفَكُّرِ في أمر الله عز وجل، وكُلّ عملٍ يعملُ به الإنسان فينتفعُ به ويَنفعُ به أخاه فهو من العِبادة، ما دام الناس يَسلَمون من لسانه ومن يَده، وما دام مُؤتمناً.
  قال العلّامة الشيخ سُليمان الأحمد رحمة الله تعالى ورضوانه عليه:
لا يفخَرَنَّ أخو التَّنَسُّـكِ بالعبـادة والزَّهـادَة
أنا فغي اعتقادي كُلُّ فِعلِ الواجباتِ من العِبادة
مَثَلُ الفقيـه بدينِهِ مُستنبطـاً بَذَلَ اجتِهـادَه
شهمٌ يَسـودُ قبيلَتَـه أدّى بها حَقَّ السِيـادَة
وأَميرُ جيشٍ بـاذلٌ دَمَهُ يَصـونُ بهِ بِـلادَه
ومُعَلِّمُ الأولاد يُكثِـرُ في رُقْيِيِّهُـمُ اعتِـدادَه
وكـذاكَ ... يدأبُ مُخلِصـاً عنهُ زِيـادَة
كُـلٌّ يُوَفَّى حَسبَ مَنزِلِهِ غداً أجـرَ الإجـادَة
ومن السعـادةِ أن تُكَوَّنَ مُلْهَمـاً طَلَبَ السَّعادَة

  وفيما تكون السعادة؟
جاء فيما يُنسبُ إلى مولانا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام (أنّ السَعادَةَ التَامَّةَ هي العِلم، وأنَّ السعادة الناقصة هي الزُهد) وليس السعيد يا عِباد الل من طابَت له دُنياه وأخذ منها ما أحَبّ.
  كان من شيوخِنا الذين أخذوا هذا المَعنَى فجعلوه من شِعرِهِم الشيخ مُحمّد حسن شعبان رحمه الله قال من قصيدةٍ:

ليست السعادةُ أن تَلينَ مآكلاً   ومَشارباً أو أن تُعانِقَ أهيَفَ
إنَّ السعادةَ أن تُجالِسَ عالماً   لتُفِيـدَ منهُ أو تَفُضَّ مُؤلّفـا
وأتَمُّ طاعـات الفتى إيمانُـهُ   فإذا أتى بأتَمِّهـا فقد اكتفـى
  نسأل الله عز وجل لنا ولكم حُسنَ العاقِبة...