الظلم والمودة في القربى ومراسلة العلامة الشيخ سليمان أحمد للعلامة السيد عبد الحسين.. خُطبتا صلاة الجُمُعَة في 8 آب 2014م

أُضيف بتاريخ الجمعة, 07/08/2015 - 09:51
(فيديو + مُلَخّص عن خطبتيّ صلاة الجُمُعَة في 8 آب 2014م)

موضوع الخُطبة الأولى: ما هي صفات الظالم...

موضوع الخُطبة الثانية: المودّة في القُربى - مَن هم وأين ذوي القربى الآن - مراسلة العلّامة الشيخ سُليمان الأحمد قده للعلامة السيد عبد الحسين شرف الدين الموسوي رحمه الله...



  الخُطبة الأولى:

كلمة الظلم في اللغة العربية تعني وضع الشيء في غير موضعه. كل من وضع شيئًا في غير موضعه سُمّيَ ظالمًا، فإذا وضعت العلم في غير موضعه فأنت ظالم، وإذا وضعت الحُبّ في غير موضعه فأنت ظالم، وإذا وضعت العداوة في غير موضعها فأنت ظالم.

كُلّ شيء تضعه في غير موضعه فأنت ظالم له، لأنك نقلته من المكان الذي يجب أن تضعه فيه فجعلته في مكان لا يجوز أن تضعه فيه.

فعلى هذا المعنى إذا نظرنا في كتاب الله عز وجل في صفات من عدّهم ظالمين، تبيّن لنا أنّ من تعدّى حدود الله عز وجل، من تجاوز ما حدّه الله تعالى من حدود فهو ظالم عند الله. 

يقول الله تعالى : وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ البقرة 229. الذي يتعدّى حدود الله لا بُدّ أنّه يضع الأمر في غير موضعه، فهو ظالمٌ عند الله، والذي يحكُمُ بما لم يُنزل الله فهو ظالمٌ عند الله.

يقول الله سبحانه وتعالى : وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ المائدة 45. الذي يتعدّى حدود الله والذي يحكُمُ بما لم يُنزل الله فيترك ما أنزل الله عز وجل من الحُكم فيه فهو ظالم.

ويقول الله سبحانه وتعالى: وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ البقرة 254. الذي يُغطي الحق ويجحد الحق يكون بكفره من الظالمين.

والذي يتولّى من لا يجوز له أن يتولاه أو يُواليه فهو عند الله من الظالمين. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ التوبة 23. من تولّى رجلاً لم يأذن الله سبحانه وتعالى بل نهى عن موالاته لو كان من آبائك أو كان من إخوانك إن استحبّ الكُفر وفضّله على الإيمان فلا يجوز أن تواليه، لأنك إذا واليته وضعت الولاء في غير موضعه الصحيح، فكُنت عند الله عز وجل من الظالمين.

أَفِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَن يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ النور 50. الذي يرتاب في قضاء الله والذي يرتاب في حِكمة الله والذي يدّعي أو يخاف أو يخشى أن يظلمه الله فهو عند الله من الظالمين لأنه سبحانه وتعالى لا يظلم أحدًا.

الذي بيّنه سبحانه وتعالى في هذا في كتابه الكريم من صفات الظالمين ، كلنا سمع وقرّأ قوله تعالى نهيًا عن أن يسخر أحد من أحد:  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَىٰ أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَىٰ أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ (لا يعِب بعضكم بعضا) وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ الحجرات 11.

يتبيّن لنا أنّ من يعيب غيره، وأنّ من يلمِزُ الناس، هو كالذي يتعدّى حدود الله، وهو الذي يحكُم بما لم يُنزل الله سبحانه وتعالى، ويذر ما أمر الله به، وهو بهذا الفعل يتولّى من نهى الله عن مُوالاته، ولو كان من آبائه أو إخوانه، لأنه بهذا يكون قد استحبّ الكُفر على الإيمان.

وما الذي يأمره به الإيمان؟ يأمرهُ بالحب والبغض، يأمره بالحب في الله والبُغض في الله. ولا يأمره بأن يُطيع هواه ولا يأمره بأن يكون عبدًا خاضعًا لشهواته ولآرائه.

الذي يغتاب الناس من الظالمين إذا لم يتُب بشهادة الله عز وجل: وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ. فانظروا كيف ساواه بمن تعدّى حدود الله: وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ البقرة 229

وانظروا كيف ساواه: وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ المائدة 45. وانظروا كيف ساواه بمن يتولّى غير الله وغير رسوله وغير أوليائه فأولئك هم الظالمون.

وكيف ساواه بالذي في قلوبهم مرض في سورية النور: أَفِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَن يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ النور 50.

هذه صفات الظالم في كتاب الله عز وجل؛ وهل يجد الظالم شفيعًا عند الله! هل يجد الظالم مَخرجًا يوم القِيامة! وكلنا سمع الحديث المشهور: (الظلم ظُلماتٌ يوم القيامة ، تنام عينُك والمظلوم مُنتبهٌ يدعو عليك وعَينُ الله لم تَنَمِ).

انظروا كيف ساوى الله عز وجل بين من تعدّى حدود الله وبين الذي لا يحكُمُ بما أمر الله وبما أنزل الله، وبين الذي يُوالي من نهى الله عز وجل عن موالاته، وبين الذي يرتاب في قضاء الله، وبين من في قلبه مرضٌ من سوء ظنه بالله، كيف ساواهم بمن يَغتاب وبمن يَسعى في هلاك الناس، وبعد هذا يستطيعٌ كُلٌ أن يختار الطريق الذي يُريد. يقول الإمام الصادق :

[إنّ لله تبارك وتعالى على عبده المُؤمن أربعين جُنّةً (الجُنّة هي الدرع، كُل ما تتّقي به يُسمّى جُنّةً....) فمتى أذنب ذنبًا كبيرًا رفع عنه جُنّةً (أي بدأ ينشف من سِتره) فإذا عاب أخاه المؤمن بما يعلمه منه انكشفت تلك الجُنَنُ عنه، ويبقى مهتوك السِترِ، قد افتُضِحَ في السماء على ألسِنة الملائكة، وفي الأرض على ألسِنَة الناس، لا يرتكب ذنبًا إلاّ ذكروه، ويقول الملائكة الموَكّلون به: يا ربّنا بقيَ عبدك مهتوك السِتر!

فيقول الله عز وجل: ملائكتي لو أردتُ بهذا العبد خيرًا ما فضحتُهُ، ارفعوا أجنحتكم عنه، فوعزّتي لا يؤُول بعدها إلى خيرٍ أبدا.]

انظروا في هذه الحال وفي هذه الصفات، صفات من يَعيب، ومن يَغتاب، ومن يسعى بالسوء والكذب والبُهتان بين الناس...
يليه دعاء....


الخُطبة الثانية:

من سمع قوله تعالى: قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ، حكاية قول رسوله  لم يسأل الناس أجرًا فيما بلَغهم من أمر الله سُبحانه وتعالى، ولم يُرد بهم مالاً، ولم يطلب منهم جاهًا، ولم يرغب في شيء من مَتاع الدنيا، إلاّ المودّة في القُربى! أن يُحبّوا من ترك بعده من أهل بيته . لم يُرد من الناس شيئًا غير هذا:  قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ.

الذي لم يُطع رسول الله  في قوله المشهور المعروف الذي تركه في الناس من أمر الله سبحانه وتعالى (إنّي تاركٌ فيكم الثَّقَلَيْن)، وما هو ذلك الشيء الذي تركه: (كتاب الله وعِترتي أهل بيتي)، اليوم لا نجد إمامًا من الأئمة الذين أوصيَ بهم بهذه الآية، وفي حديث رسول الله  فأين تكون المودّة في القُربى التي ذكرها الله سُبحانه وتعالى في كتابه الكريم: قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ.

أين القُربى التي أمر بها الله سبحانه وتعالى في هذا؟ أين القُربى التي يجب أن تكون فيها المودة؟

إذا لم نجد اليوم إمامًا من الأئمّة حتى تكون لنا القُربى في مودّته بحسب ما أُمرنا به. كان يوم كان الأئمة من أطاعهم ومن والاهم ومن أحبّهم ومن رغِبَ في وَلايتهم عاملاً بهذه الآية وبهذا الحديث الذي أُريد به القُربى قُربى رسول الله  في مودّتهم وفي طاعتهم.

أين القُربى اليوم بحسب ما نراه؟ القُربى اليوم في كُل ما يتّصلُ نسبُه بهذا النسب الشريف الطاهر المُبارك بنسب رسول الله . لذلك لمّا نظرنا فيما قاله علماؤنا رحمهم الله حين كانوا يُعظّمون السادة الأشراف، الذين لهُم نَسَبٌ مُتّصل برسول الله أو بأهل بيته الطاهرين، عرفنا أنهم إنما يعملون بأمر الله سُبحانه وتعالى، وبما أمر نبيّه ، وهو الذي تمسّكوا به لم يصبهم شيء من الضلال. لا يستطيع أن يُضلّهم شيء عن سبيل الحق ولا يستطيع شيء أن يذهب بهم عن سبيل الهداية.

كلنا يعرف مكانة المُهاجر المسلم، صاحب الرأي في حفر الخندق الصحابيّ الجليل سلمان المُحمّدي..... (يتابع الشيخ بعض الحديث عن سلمان)

حديث قاله رسول الله (سلمانُ مِنّا أهل البيت)، لكثرة ما كان له من المكانة، فعُظّم هذا الصحابيّ بأن جعله من أهل بيت رسول الله مع أنّ أهل بيت رسول الله عليهم السلام مُحدّدون مُعيّنون معروفون بالعدد، قال: (سلمانُ مِنّا أهل البيت).

ماذا عمِل وكيف عمِل عُلماؤنا بهذا الحديث وكيف عملوا بالآية التي ذكرناها من سورة الشورى: قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ، إذا لم يكُن عندنا في هذا الزمن أحدٌ من الأئمة الذين تجب علينا المودّة فيهم لأنهم القُربى لرسول الله .

العلاّمة الشيخ سُليمان الأحمد رحمة الله تعالى ورُضوانه عليه، كان ممّن راسلهم، وتمثّل هذا الحديث العلاّمة السيد عبد الحُسين شرف الدين الموسويّ رحمه الله، حين أرسل إليه رسالةً تمثّل فيها هذه المَعاني، وأشار فيها إلى هذا الحديث، وأشار فيها إلى قوله تعالى: إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا الأحزاب 33، وإلى ما يتّصل بهذه المعاني ممّا يجب من التعظيم والثناء والإجلال على من أمر الله سبحانه وتعالى بتعظيمهم وإجلالهم لما لهم من هذا النَسَب الشريف الطاهر والمُبارك، فكان ممّا أرسله العلّامة الشيخ سُليمان الأحمد رحمه الله إلى السيد عبد الحُسين شرف الدين رحمه الله في كتاب له:

مولاي الأجل الأعظم السيد شرف الدين قلتم أولاً وقولكم الحق فشرّفتموه (سَلمان منّا) فعسى آخرًا يُنيلنا ذاكم مثلها منكم (سُليمان منّا).

يسأل الله عز وجل، شيخنا العلامة الشيخ سُليمان الأحمد أن يكون له من هذا السيد كما كان لسلمان من رسول الله حين قال: (سلمان منّا أهل البيت). فعدَّ قوله متصلٌ بقول رسول الله .

لستُ ما عِشتُ راغبًا عن كِياني عبدَ عبدِ الحُسين والآل قِنّا (والقِنُّ هو العبدُ المُطيعُ الخاضع) ليس ما عاش هذا الشيخ راغبًا عن كونه عبدًا لهذا مُطيعا لرسول الله  ولمن يتّصلُ بنسبه الشريف:

لستُ ما عِشتُ راغباً عن كِياني عبدَ عبدِ الحُسين والآل قِنّا
حُبُّكُم في القرآن فرضٌ علينا وبه مُخلصين لله دِنّا
أذهب الله عنكم الرِجس تطهريًا وهذا يَنفي الغِواية عنّا
أنا في مذهبي ولستُ بِغَالٍ
(أي لستُ ممّن أصابه الغُلوّ في قوله) من تولاّكُمُ وأحسَنَ ظَنّاً
أنّه لا يخيب فيكُم مُحب جاوز الشِرك ما جنى أو تجنّى

ثم قال في آخر كتابه: رضيتُ بالله تعالى رباً وبكم أئمّةً وقادةً وسادة.

فلينظر ناظرٌ، وليتأمّل مُتأمّلٌ، وليتدبّر مُتدبّرٌ، وليعتبر مُعتبرٌ، ما مَبلغُ هذا الوَلاء، وما مَبلغُ هذا التعظيم، عند من يتّصلُ بنسب رسول الله . ثم لينظر بعد هذا إذا كان هؤلاء القوم ممّن تجوز إمامتهم أو ممّن لا تجوز إمامتهم، إذا كانوا على هذه المنزلة العظيمة وعلى هذه المَكانة الجليلة، فليقل لنا قائلٌ كيف يجوز بعد هذا أن نلتفت إلى ما يُخالف هذا من الأقاويل.

انظروا في مَعاني هذه الأبيات، وتأمّلوا وتدبّروا فيها، وليختر بعد هذا كُلُّ امرئٍ ما يُريد، فإنّ الذي أردتَ أن تقوله، أو ما أردتَ أن تنطق به بلسان الحال، قد وصفه من سبقك من العلماء، فيمن يُجادل، وهو على ما يظنّ أنّه من الذين قد بلغوا من العلم مَبلغًا عظيمًا. قال العلاّمة الشيخ سُليمان أحمد رحمة الله تعالى ورِضوانُه عليه:

لستُ مُستغربا جِدالك إن كُنتَ من العِلمِ والحجى ذا افتقارِي
غيرَ أنّي استغربتُ كونَكَ تُدعى عالماً فاضلاً ولستَ بِقاري

حتى لستَ بقارئٍ! ومع هذا الذي يُتعجّب منه! 

كثُرَ الزُهد في الحقائق، كما يقول رحمه الله:

كثُرَ الزُهدُ في الحقائق وارتابَ أُناسٌ في صحّةِ الدينِ شَكّا
أفلا تُمطرُ السماواتُ أحجاراً وتَنْدَكُّ هذه الأرضُ دَكّا

نسأل الله سبحانه وتعالى المُعافاة في الأديان كما نسألُهُ المُعافاة في الأبدان .....