الجُمُعَة 13 آذار.

أُضيف بتاريخ الخميس, 17/03/2016 - 13:49
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ
مُوْجَزُ خُطْبَتَي الجُمُعَة 13 \ آذار \ 2015.
الخُطْبَةُ الأُوْلَى: كَيْفَ تَكُونُ صِفَةُ مَنْ يَرْجُو الآخِرَةَ وَيَطْلُبُ التَّوْبَةَ.
وَفِي الخُطْبَةِ الآخِرَة: آفَةُ الإِعْجَابِ بِالنَّفْسِ، وَالاسْتِبْدَادِ بِالرَّأْيِ.
تَنْبِيْهٌ: وَقَعَ خَطَأٌ فِي قِرَاءَةِ كَلِمَةٍ مِنْ أَبْيَاتٍ للعَلاّمَة الشَّيخ سُلَيْمَان أَحْمَد، فِي الدقيقة 25 والثانية 36.
غَيْرَ أَنِّي اسْتَمْسَكْتُ بِحُبِّ بَنِي الزّهْرَاءِ....
وَالصَّوابُ: غَيْرَ أَنّي اعْتَقَدْتُ حُبَّ بَنِي الزّهْراء..



  الخُطْبَةُ الأُوْلَى:

  فيما يفهمُهُ بعضُنا من مَعاني بعض الكلمات مِمَّا يُصبِحُ مَع مُرور الزمن مَفاهيمَ قد يكون بعضُها خاطئًا وقد يكونُ بعضُها صحيحاً، قد يكون بعضها صادراً من مَوقِفٍ، أو ربّما صادراً عن رأيٍ لكنّهُ إن وَجَدَ مَن يقبَلُهُ أو يعمَلُ به صارَ مفهوماً لديه ثابتاً كما هيَ الحالُ في كثيرٍ من الأعراف ومن العادات.

  وإذا كان من بعض المَفاهيم ما ظَنَّ صاحِبُهُ أنّهُ يُسقِطُ عنه العَمَل لأنَّ اللهَ فَضَّلَهُ على غيره من القوم، لسببٍ ما أو بدعوى شيءٍ ما، فإنَّهُ مِنَ المَفاهيم الخاطئة التي يجبُ أن يُنَبَّهَ على خَطَئِها لعلَّ مَن عَلِقَت في ذِهنِهِ، أو رَسَخَت في عقلِهِ يرجِعُ عنها.

  إنّهُ لا شيءَ يُدرَكُ بغير الطَّلَب، ولا شيءَ يُمكِنُ الوُصولُ إليه إلاّ بعدَ العَناءِ والبَذلِ والتَّعَب.
لا شيءَ يُملَكُ في الدنيا بلا عَمَل، فكيفَ إذا كان أحَدُنا يُريد أن يُدرِكَ مِنَ الآخِرَةِ شيئاً، إنّهُ لا يبلُغُ ما يطلُبُهُ بغير عمل. يقول مولانا أمير المؤمنين عليُّ بنُ أبي طالب عليه السلام مُوصِياً مَن طَلَبَ أن يَنصَحَ لَهُ (لا تَكونَنَّ مِمَّن يرجو الآخِرَةَ بغَيرِ عَمَل، ويَرجو التوبةَ بِطولِ الأمَل، يقول في الدنيا قولَ الزاهدين، ويعملُ فيها عَمَلَ الرّاغِبين! إِن أُعطِيَ مِنها لم يَشبَع، وإِن مُنِعَ لَم يَقنَع! يعجَزُ عن شُكرِ ما أوتِيَ، ويبتغي الزيادةَ فيما بَقِيَ! يُحِبُّ الصّالحين ولا يعمَلُ بأعمالهم! ويُبغِضُ المُسيئين وهو منهم! ويكرهُ المَوت لكثرةِ سيّئاتِه وهو لا يدَعُها في أيّامِ حياتِه! يقول كَم أعمَلُ فأتَعَنّى، ألا أجلِسُ فأَتَمَنّى، فهو يتمنّى المغفرة ويذهبُ في المَعصِيَة!)

  لكُلِّ شيءٍ إذا طلبهُ طالبُه شروطٌ كي يَصِلَ إليه، ولِكُلِّ مَطلَبٍ ما يقتضي مِن بَذلٍ ومِن جَهْدٍ ومِن عَنَاء، فلا يستطيعُ أحَدُنا أن يجلِسَ مُتمنّياً مِن أجلِ أن يُرَدَّ عليه شيءٌ كان قد سُلِبَ بسبب ما فعلهُ وما أتاه.

  كُلُّنا يتمنّى أن يرجِعَ إلى ما كان عليه، يتمنّى أن يرجع إلى ما كان فيه من أمنٍ، وما كان فيه من أوائلِ الرّخاء، ولكنَّ التَمني لا يكفي. والمَصالِحُ إن لم تكُن قد نُقِلَت من حيّز القول إلى حيّزِ العمل فإنّها لا تُغني، وإنّها لا ترُدُّ على أحدٍ شيئاً فقَدَهُ، ولا تُرجِعُ له حالةً كان يتمنّى أن ترجِعَ إليه، إنَّ مَن خافَ شيئاً هربَ منه، ولكنَّ مَن طَلَبَ شيئاً بَحَثَ عنه، ولجأَ إلى ما يَظُنُّ أنّهُ يجِدُ فيه سبيلاً إلى مَطلَبِهِ.

  النتمنّي والرّجاء إن لم يكُن مَصحوباً بالعمل فإنّهُ لا يخرُجُ عن كونِهِ كلمةً تنقضي بانقضاء زَمَنِ نُطقِها، ولن تكون منها فائدةٌ في خير، ولن تكون سبباً في استرداد شيء ولن تكون سبباً في إعادةِ شيء.

  التمنّي لا ينفعُ صاحبَه حتّى يعمَل، العَمَلُ في كُلِّ أمرٍ وفي كُلِّ مَجَال هو الشَّرطُ الوَحيد مِن أجلِ أن يصِلَ الطّالِبُ إلى طَلَبِه، أو يَصِلَ مَن تَمَنَّى شيئاً إلى إدراكِه (إنِّي لأعجَبُ منكَ مِن ذي غِرَّةْ) كما يقول الشيخ سُليمان الأحمد رحمه الله:

إنِّي لأعجَبُ منكَ مِن ذي غِرَّةْ   لا يَرْعَوي لمُعَنِّفٍ ومُؤَنِّبِ
يرجو بِلا عِلْمٍ ولا عَمَلٍ لهُ عفوَ   المُهَيْمِنِ وهُوَ عَيْنُ المُذنِبِ

  مَن تمنّى أن ترجِعَ إليهِ النِّعَم التي أساء جِوارَها، فليذكُر أنَّ مَن لم يُحسِن جِوارَ شيء فإنّه سينأى عنه، يقول الإمام الرِّضا عليه السلام: (أَحسِنُوا جِوارَ النِّعَم، فإنّها وَحشِيَّةٌ ما نَأَت عن قوم فَعَادَت إليهم).

  مَن أراد أن يرجِعَ إلى ما كان يرى فيه الخير فليُحسِن جِوارَ النِّعَم، فإنَّ اللهَ سُبحانه وتعالى ما أرادَ مِن خَلقِهِ إلاّ أن يكونوا على ما أمَرَهُم من التّواصُلِ وعلى ما أمَرَهُم مِن كّفِّ الأذي.
مَن يُفَكِّرُ في أن ينظُرَ في عملِهِ الذي مَضى ليرجِعَ عَمَّا كان خَطَأً فيه، وأن يزيدَ مِمَّا كان منه صوابا، مَن يُفَكِّرُ أنه إذا أساء إلى جارِه، أو إذا أساء إلى أخيه نَدِمَ وأحَبَّ أن يُصلِحَ خطَأه. من يُريد أن يرجِعَ إلى ما كان عليه فليُحسِن جِوارَ النِعَم، فإنَّ النِعَمَ إذا ذهبت أو نَأت لن ترجِع.

  وكُلُّنا اليوم يتمنّى، وكُلُّنا اليوم يشكو ويقول ما لنا كيف أُصِبنا؟! وما لنا وما الذي أوصَلَنا إلى هذه الحال؟! نحن مَن سبَّبَ هذه الحال، ونحن مَن كان فِعلُهُ عِلَّةً فيما وَصَلَ إليه، فإنَّ التَعَصُّبَ وإن كان عند فئةٍ أكثرَ مِن فِئةٍ أُخرى فإنَّهُ داءٌ قَلَّ مَن نجى منه، وقَلَّ مَن خَلَى مِنه، فلا يَصِحُّ لنا أن نَعِيبَ غيرنا بما هو فينا ولا أن نُعَنِّفَ غيرنا قبلَ أن نُصلِحَ أحوالنا...

  نسألُ الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا وإيّاكُم من الذين أشرَقَت عليهم كُنوز الحِكمَة، ومِنَ الذين بُعِثَت في قُلوبهم ينابيعُ العِلم الذي يدُلُّهُم على النَّهجِ القَويم وعلى الصِّراطِ المُستقيم...

  الخُطْبَةِ الآخِرَة:

  من الأمراض التي لا تزال سبباً في تأخُّرِ النّاس، وسبباً في تخَلُّفِهِم، مرضٌ هُوَ يُسَمَّى في اصطلاح الشرع بـ (الإعجاب بالنفس) أو (الإستبدادِ بالرَّأي).

  الإعجابُ بالنفس الذي لا يدُلُّ على عِلمٍ كثير، ولا يدُلُّ على شيءٍ مِنَ التَّقَدُّمِ على الغَير ولا مِنَ التّفَوُّق، كما يدُلُّ على ضَعْفِ العَقِل، وعلى قِلَّةِ التَّأَمُّل، وعلى كَلادَةِ البَصَر، وغَفْلَةِ النَّظَر.

  إعجابُ المَرءِ بنفسِهِ في حديث أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام دليلٌ على ضَعْفِ عَقلِه، ومِن كلامه عليه السلام (إيَّاكَ والإعجابَ بنفسِك، والثِقَةَ بِمَا يُعجِبُكَ مِنها، وحُبَّ الإطراء، فإنَّ ذلكَ مِن أوْثَقِ فُرَصِ الشَّيطان في نفسِهِ، ليَمْحَقَ ما يَكُون مِن إِحسانِ المُحْسِن).

  من استكثر عَمَلَهُ واستقَلَّ عَمَلَ غَيْرِه، عَدَّ عَمَلَهُ كثيراً وعَدَّ عَمَلَ غَيْرِهِ قَليلاً، كانَ داخِلاً في هذا الوَصف، وكان مَعدوداً في أولئك الذين كان الإعجابُ بأنفُسِهِم مانعاً لهُم وحاجزاً مِنَ الرُّجوعِ عن رأيٍ ما، أو مِنَ الرُّجوعِ عَن شيءٍ قد اعتقدوا صَوَابَهُ وهُوَ على خَطَأ، ذلك الذي يُسَمَّى كيفما شِئتَ سَمَّيتَهُ تَكَبُّراً، سَمَّيتَهُ شُذوذاً، سَمَّيتَهُ استبداداً، سَمَّيتَهُ تَسَلُّطاً، سَمَّيتَهُ نَرْجِسِيَّةً، ما شِئتَ سَمَّيتَهُ يرجِعُ إلى سَبَبٍ واحِد وإلى عِلَّةٍ واحِدَة هو أن يُعجَبَ المَرْءُ بنفسِه، حتّى يُصيبَهُ مِنَ الغُرور ومِنَ التَّكَبُّرِ ما يمنَعُهُ أن يَرْجِعَ عَمَّا هُوَ فيه، وإن كان الذي فيه صَواباً.

  فإنَّهُ لا يستطيعُ بشرٌ أن يَدَّعِيَ العِصْمَةَ في شيء، ولا يستطيعُ أن يَدَّعِيَ الفَضْلَ في شيء، إنَّ مِقياسَ التفضيل في هذه الشريعة هو قولُ رسول الله (ص وآله وسلّم) (لا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ على أعجَمِيٍّ إلاّ بالتَقوى) وليست التقوى مقصورَةً على أن يأتِيَ أحَدُنا بِمَا وَجَبَ عليه، ليست في أن تُصَلِّيَ فَقَط، وليست في أن تصومَ فقط، وليست في أن تذهَبَ حاجّاً دون ما يجِبُ عليك من غيرها من حُسْنِ الجِوار ومِن حُسنِ المُعامَلَة، وإنَّ أحَدَنا لا يَبْلُغُ حقيقةَ الإيمان كما جاء في الحديث (حتّى يُحِبَّ في الله أبعَدَ الخَلقِ مِنهُ).

  مِقياسُ التفضيل الذي فَهِمناه خاطِئ، إنَّ مَن أَكْرَمَهُ عَمَلُهُ هُوَ الذي يُكْرَم، وأن {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (39) وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى (40)} سورة النجم.

  كُلُّ عَمَلٍ ينفَعُ الناس فهو المِقياس للفَضْلِ وللتَّفْضيل آمَنَ صاحِبُهُ أم لم يُؤمِن، خيرُ النّاس، كما جاء في حديث رسول الله (ص وآله وسَلَّم) (خَيْرُ النّاس مَن انتَفَعَ بِهِ النّاس).

  لا يملِكُ أحَدُنا مِن أمرِهِ شيئاً حتّى يستطيعَ أن يَملِكَ مِن أَمرِ غيره، إنَّ أحَدَنا ليُضيعُ في بعض الأوقات مفاتيح منزله ومَفاتيح رُبّما مَكانَ عَمَلِهِ، فكيف يستطيع أن يضمَنَ لأحَدٍ أنَّ بيديه مِفتاح الخَير، وأنَّ بيدَيهِ مِغراقَ الشَّر، لا يستطيعُ أحدٌ أن يضمَنَ لغيرهِ ما لا يستطيعُ أن يضمَنَ لنفسِه.

  الإعجابُ الذي نُهِيَ عنه في أن لا يَرى أحدٌ لأحَدٍ عليه فَضلاً هو أَوَّلُ أسبابِ الفَوْضى، وأوَّلً أسبابِ الإنحِطاط.

  إنَّ الذي غَرَّهُ المَدْح فاكتفى بأن يُمدَحَ عَن أن يَعمَل هو أشَدُّ مِمَّن عابَهُ أو نَسَبَ إليه الشِّدَّةَ في القول أو التطرُّفَ أو التعَصُّب في فِكرٍ أو في رأيٍ أو في عَمَل، هذه البَلِيَّةُ التي قَلَّ مَن نَجى مِنها هي السَّبَبُ الذي يجعلُ الإنسان خارجاً مِن إنسانيّتِه، فلا يبقى لهُ مِن إنسانيّته غيرُ الصّورةِ التي هو عليها، وكلنَّ الأُفُقَ الذي يسير فيه ليس أُفُقَ الإنسانيّة، والوُجْهَةُ التي يتّجِهُ إليها ليست وُجهَةَ الخَير.

  إنَّ مَن أراد أن يُقبَلَ به حَكَماً عِندَ غَيرِه فإنَّ أَوَّلَ ما يَجِبُ عليه أن يُنصِفَ النّاس مِن نفسه، وأن يعترف بخطئهِ حتى يستطيعَ أن يُصلِحَ ذلكَ الخطأ أو أن يُقَوِّمَه، فإنّهُ ما مِن أَحَدٍ إلا وفيه ما فيه مِنَ الأخطاء، وفيه ما فيه مِنَ العُيوب، ولا يملِكُ أحَدُنا أن يجعَلَ أحَداً يائساً مِن رَحمَةِ الله، (لا تُيَئِس أحَداً مِن رَحمَةِ الله فكم مِن عاكِفٍ على ذَنْبِهِ خُتِمَ لهُ بالخَير، وكَم مِن مُقبِلٍ على عَمَلِهِ مُفسِدٍ في آخِرِ عُمُرِه).

  الإعجابُ الذي يُصَوِّرُ المَرء مُتَقَدِّماً على غَيرِه! أوَلُ شيءٍ يُصيبُهُ مِن ذلكَ هُوَ الخُمُولُ والكَسَلُ والتَّقاعُس، الذي يَظُنُّ فيه أنّهُ صارَ غنياً عن غيره وأوَّلُ شيءٍ يستغني عنه هُوَ العَمَل، يُصبِحُ بعدَ هذا راغِباً في أن يستريحَ مِن عَناءِ ما استَوْجَبَ به ما قيلَ فيه، ولذلكَ تَرى العُقَلاء الذين يعرفون أنَّ عَمَلَهُم مهما كان عَظيماً فهُوَ صغيرٌ في جَنْبِ ما يَجِبُ عليهم، وأنّهُ مهما أكرموا ومهما قدّموا إنَّ ما فعلوه سيبقى قليلاً في جَنْبِ نِعْمَةِ اللهِ عز وجلّ عليهم.
كان مِن أمثِلَةِ طَرْحِ الأَثَرَةِ والإعجابِ بالنّفس قولُ الشيخ سُليمان أحمد رَحِمَهُ الله:

ليتَ شِعْري ماذا رأى النَّاسُ عِنْدي   مِن وُجُوبِ التَّعظيمِ إذْ عَظَّمُوني
نَسَبُوني إلى التُّقى طَلَبَ العَدْل   وعِنْدي بأنَّهُم ظَلَمُوني
لا تَقِيٌّ وإِن وُصِفْتُ بِتَقْوى   لا كريمٌ وإنْ هُم كَرَّمُوني
غَيْرَ أنّي اعتقدْتُ حُبَّ بَني الزّهراء سَيْراً بمَنهَجٍ مَيمونِ

  الذي يُريدُ أن يَفوزَ سَعيُه فعَليه أن يستصغِرَ عَمَلَه، وعليه أن ينظُرَ إلى نفسِهِ نَظَرَ الذي يجِبُ أن يُصلِحَهَا وأن يُقَوِّمَها، وأنَّهُ لا يخلو مِن عَيبٍ يجبُ أن يرجِعَ إلى إصلاحِهِ، فإنَّ هذا يَشغَلُهُ عَمَّا هُوَ فيه مِن تَعَقُّبٍ ومِن استقصاءٍ ومِن بَحثٍ عَن عيوب النّاس، فإنَّ مَن اشتَغَلَ بِعَيبِ نَفسِه فإنَّ ذلك ما سيشغَلُهُ عَن عَيبِ غَيرِه، وليَذْكُر أنَّ لهُ مَصيراً سيَرجِعُ إليه.

  فأفِق أيُّها المُستمِع، كما يقول أميرُ المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام (فأفِق أيُّها المُستمِعُ مِن سُكْرِكَ وانتَبِه مِن غَفْلَتِكَ، وتَفَكَّر فيما جاء عن اللهِ تَبارَكَ وتعالى، ثم دَع فَخْرَكَ، ودَع كِبْرَكَ، وتَذَكَّر قَبْرَكَ ومَنْزِلَك، فإنَّ عليه مَمَرَّك، وإليه مَصيرَك) ولا يُصلِحُ أَحَدُنا غَيرَهُ قَبْلَ أن يُصلِحَ نَفْسَه، تركتُ البحث عن عَيب البرايا، كما يقول الشيخ سُليمان الأحمد رحِمَهُ الله:

تركتُ البحث عن عَيب البرايا   كَفاني شَاغِلاً عَن ذاكَ عَيْبي
فما فَتَّشْتُ عَن جَيْبٍ لأدري   خفاياهُ، كَفَى ما ضَمَّ جَيْبي

  لِيْذْكُر كُلٌّ مِنّا أنَّ اللهَ سَتَرَ عليه ما هُوَ أَعْظَمُ مما يَعِيبُ بهِ غَيرَه، بل هُوَ أَشَدُّ مِمَّا لو تَذَكَّرتَ فيه قَوْلَ أمير المؤمنين، مِمّا يَجْمُلُ وَيَحْسُنُ أن يتعَطَّرَ أَحَدُنا بالإستغفار لئلّا تَفضَحَهُ رَوائِحُ الذُنُوب، وبهذا يقول الشيخ سُلَيمان أحمد رَحِمَهُ الله:

مالي أُراقِبُ مَن دوني على خَطَئٍ   لا أَرْقُبُ اللهَ فيهِ إذ يُراقِبُني
كَم مِثْلَهُ جِئتُ أضْعافاً مُضاعَفَةً   وسَيّدي يَدري بِيَ لا يُعاقِبُني

  نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا وإياكُم مِن الذين يَضعون فَخرَهُم ويتركون استكبارهم، ويذكُرُون مَنَازِلَهُم، ويَعمَلون مِن أجل مصيرهم....