لكل شيء درجات، فما درجات الغِنى؟! كيف يكون غناك غِنًى دائمًا كبيرًا لا يتبدّل ولا يفنى ولا تزول ثروته.. الجمعة في 29 تمّوز 2022م

أُضيف بتاريخ الجمعة, 08/09/2023 - 04:56


لكل شيء درجات، فما درجات الغِنى؟!
كيف يكون غناك غِنًى دائمًا كبيرًا لا يتبدّل ولا يفنى ولا تزول ثروته..


هذه الخطبة الآخرة من صلاة الجمعة في 29 تمّوز 2022م
لفضيلة الشيخ تمّام أحمد حفظه الله
مسجد الإمام جعفر الصادق  \ قرية عين حفاض \ صافيتا

يُنسبُ الإنسان إلى أهلهِ وإلى مكان إقامتهِ، وإلى صَنعَتِهِ. الإنسانُ عمومًا بين نِسبَةٍ من هذه النِّسَب، أن يُنسب إلى أهله أو إلى المكان الذي وُلد فيه أو أن يُنسب إلى الصَّنعَةِ التي يُمارسها.

درجات الغِنى..كيف يكون غناك غِنًى دائمًا كبيرًا لا يتبدّل ولا يفنى ولا تزول ثروته..

لكل شيء في هذه الدنيا درجاتٌ، يُقاس بها ويُصَنَّف الناس فيها كما تُصنّف الأشياء.

للفقر درجاتٌ وللغنى درجات، وللعلم درجات وللجهل درجات، والإيمان درجاتٌ أيضًا.

لذلك قال الإمام الصادق : "الْإِيمَانُ عَشْرُ دَرَجَاتٍ، فَلَا يَقُولَنَّ صَاحِبُ الدَّرَجَةِ الْعَاشِرَة لِصَاحِبِ الدَّرَجَةِ الْأُولَى؛ لَسْتَ عَلَى شَيْ‌ء.."

والله سبحانه وتعالى رفعَ الخلق بعضهم فوق بعض درجات، ورفع الأنبياء فوق بعضهم درجاتٍ، حتّى رويَ أنّ سيّدنا موسى  ذُكِرَ للإمامِ الصّادِق، فقال: "لَوِ ازْدَادَ يَقِينُهُ لَمَشَى عَلَى الْهَوَاء". إذا كان يمشي على الماء لو ازداد يقينه لمشى على الهواء.

فلكل شيء درجات في هذه الدنيا، والغِنى له درجات، فالغِنَى الأكبر من جَمَعَ ثلاثَ خِصالٍ، قال فيها الإمام الصادق : "مَنْ رُزِقَ ثَلَاثًا نَالَ ثَلَاثًا" هذه الخِصال التي إذا رُزِقَهَا نال الغِنى، أوّلها وأعظمها "القَنَاعَةُ بِمَا أُعْطِيَ، وَالْيَأْسُ مِمَّا فِي أَيْدِي النَّاسِ، وَتَرْكُ الْفُضُول". "مَنْ رُزِقَ ثَلَاثًا نَالَ ثَلَاثًا، وَهُوَ الْغِنَى الْأَكْبَر".

الْغِنَى الْأَكْبَر أن يكون الإنسان تاركًا للفُضول، ما لا يلزمُهُ ولا يعنيه، إذ من حُسنِ إسلامِ المرء تَركُ ما لا يعنيه، وفي هذا المعنى قال الشيخ سُليمان أحمد طيّب الله ثراه:

فَكُلُّ مَا لَيْسَ يَعْنِينِي تَكَلُّفُهُ شَرٌّ       وَتَرْكِي لَهُ مِنْ حُسْنِ إِسْلَامِي

"الْيَأْسُ مِمَّا فِي أَيْدِي النَّاسِ" و "القَنَاعَةُ بِمَا أُعْطِيَ"، ذلك "الْغِنَى الْأَكْبَر".

وَاقْنَعْ فَفِي بَعْضِ الْقَنَاعَةِ رَاحَةٌ      وَالْيَأْسُ مِمَّا فَاتَ فَهُوَ الْمَطْلَبُ

مَن قَنِعَ بما رُزِق هدأت نفسُهُ واطمأنَّ قلبُه، لأن الرزق رزقٌ يطلُبُكَ ورِزْقٌ أنتَ تطلُبُه، ما كان لك سيأتيك على ضَعْفِكَ وعلى عجزِك، وما لم يكُن لك فلن يأتيك ولو أجلبت عليه بقوة السماوات والأرض، فمن أراد أن يكون غِناهُ غِنًى دائمًا كبيرًا لا يتبدّل ولا يفنى، فليَكُن غِناهُ في قناعته، وفي يأسه مما في أيدي الناس، وفي ترك الفضول، إنه الغِنى الباقي، الغِنى الي لا تنقطع فائدتُهُ ولا تزول ثروته.

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا وإياكم مِمَّن يستمعون القول فيتّبعون أحسنه.

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِ مُحَمَّدٍ صلاةً تقبل بها صلاتنا، وتُجيب بها دُعاءنا وتغفر بها ذَنبنا، وتمحو بها سيّئاتنا، وتُغني بها فقرنا، وتجبُر بها كسْرنا، إنّك على كُلّ شيء قدير.

عباد الله، إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴿النحل 90﴾ 

اللهم اجعلنا ممّن ذكّرته فتذكّر، وزجرته فانزجر، وأسمعته فسمع وبصّرته فأبصر.

أقول قوليَ هذا وأستغفر الله لي ولكم.