ما هي الخصال الثلاثة التي لا ينفع إيمان المرء إن لم تكن فيه؟! الجمعة في 08 تمّوز 2022م

أُضيف بتاريخ الجمعة, 18/08/2023 - 04:10


لا ينتفع الإنسان بالإيمان إن لم يكن فيه ثلاث خصال! فما هي؟!

هذه الخطبة الأولى من صلاة الجمعة في 08 تمّوز 2022م
لفضيلة الشيخ تمّام أحمد حفظه الله
مسجد الإمام جعفر الصادق (ع) \ قرية عين حفاض \ صافيتا

لكل شيءٍ في هذه الدنيا حَدٌّ ينتهي إليه، وكذلك الإيمان له حَدٌّ ينتهي إليه، وله غايَةٌ يصير إليها، وله أشياءُ تُكَمِّلُهُ، إذا نقصَ شيءٌ من هذه الأشياء نَقَصَ إيمان الإنسان بمقدار نقص بعض أركان الإيمان ونقص بعض شروطه.

الإيمان؛ لِيَنْتَفِعَ به الإنسان يجب أن تجتمع في خِصالٌ. تلك الخصال ذكرها الإمام الصادق عليه السلام حين قال: (من لم يكن فيه ثلاث خصال لم ينفعه إيمانه)، من لم يكن فيه، من لم تجتمع فيه هذه الخصال لم ينفَعْهُ إيمانه. ما تِلكَ الخِصال؟ قال: (هيَ حِلْمٌ يرُدُّ به جَهْلَ الجاهِل، ووَرَعٌ يحجِزُهُ عن مَعاصي الله، وخُلُقٌ يُداري به الناس).

لِيَنْتَفِعَ الإنسان بإيمانه ينبغي أن يكون مُداريًا مُلاطفًا. مداراته تعني أن يكون حَسَنًا في سلوكه، في معاملاته، في أخلاقه، في توجهه إلى الناس، كيف يستوعب الصغير، كيف يحترم الكبير، كيف يُوَقِّرُهُ، كيف يحنو على من هو أصغر منه وأضعف منه.

هذا شرط الانتفاع بالإيمان، أن يكون الإنسان حليمًا يرُدُّ جَهلَ الجاهل عليه، جهلُ الجاهل لا يُرَدُّ بالجَهل، ولا يُرَدُّ بالشدّة، إنّما يُرَدُّ بالصبر على الأذى، يُرَدُّ بالتحَلُّم.

من لم يكُن فيه حِلْمٌ يرُدُّ به جهل الجاهل لم ينتفع بإيمانه. ذكر الله سبحانه وتعالى هذه الصفات فقال: وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (آل عمران 134).

الذي يميلُ إلى كظم غيظه، وإلى التَّحَلُّمِ والصبر يُدرك بذلك أعلى درجات الإيمان، وأعظم درجات الإيمان من أدركها بصبره، من أدركها بأناته، بسَعَة صدره، بحِلمِهِ، بصبره على الأذى، هو الذي ينتفع بإيمانه.

الإيمان هو التصديق، الإيمان في أصله اللغوي كلمةٌ تعني التصديق، تصديقُكَ بوعد الله، بوعيده، بأمره، بمشيئته، إيمانك بأنه هو الذي يخلُقُ وهو الذي يرزُقُ وهو الذي ينفعُ وهو الذي يضُر، وأنّ الإنسان لا يُصيبُهُ شيءٌ إلا ما كان قدَّر اللهُ سبحانه وتعالى عليه.

لا يُمكن لأحدٍ في هذه الدنيا أن يُؤذِيَكَ إن لم يكُن كتب الله تعالى عليك أن تُؤذى عن يده أو من طريقه، كذلك لا تنتفع بشيء إن لم يكُنِ الله عز وجل كتبَ لك النفع فيه.

حِلمٌ يُرَدُّ به جهل الجاهل، الحليمُ هو الذي يصبِرُ على الأذى، هو الذي يعلم أنَّ طاعته في جنب شكر طاعة الله قليلةٌ حتى إنّه يصف نفسه بالتقصير مهما كان مُجتهدًا، ومهما كان مُطيعًا، ومهما كان عاملا، ومهما كان مُكثِرًا من الخيرات، دائمًا هو ينظر إلى عمله أنه قليلٌ في الخير وكثيرٌ في الخطيئة، لذلك إذا كان حليمًا رَدَّ جهل الجاهلين كان بذلك آخذًا بأخلاق نبيه  وكان بذلك آخذًا بأخلاق أولياء الله وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا ﴿الفرقان 72﴾ 

ما معنى مَرُّوا كِرَامًا مرّوا لا يلتفتون إلى القيل والقال، لذلك كان في مجلس الإمام الصادق جماعةٌ همّوا بالانصراف، فقالوا له أوصنا فقال: "أوصيكُم أن تَمُرُّوا كِرَامًا"، فلم يتنبَّهوا لمعنى أن يمرّوا كرامًا حتى ذكر لهم قوله تعالى.

يَمُرُّونَ كِرامًا، يعني يَمُرُّونَ لا يلتفتون إلى القيل والقال، حُلماء، أبرار، أتقياء، الحليم هو الذي يعلم أن من يستفزّه من أجل أن يُزعجه إنّما هو يُبدّدُ تفكيره ويُشتّتُ قوّته، ويُضيّعُ طاقته، لذلك لا يلتفت فيهم إلى القيل والقال.

والله سبحانه وتعالى خاطب نبيّه : وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴿القلم 4﴾. كان خُلُقُ رسول الله أن يصبر على الأذى، ولذلك جاء في وصفه (كان خُلُقُهُ القُرآن). وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ ﴿الأعراف 199﴾. 

إعراضُكَ عن الجاهل يكفي في ردّك عليه، اعراضُك عنه يكفي في إفحامه وفي إسكاته وفي حَمله على الاعتذار عمّا أسلف وعمّا أساء.

إذا نطقَ السفيهٌ فلا تُجِبْهُ     فخيرٌ من إجابتهِ السكوت
إذا كلّمتَهُ فَرَّجْتَ عنه       وإن خَلَّيْتَهُ كَمَدًا يَموتُ

الذي يحسُدُ أحدًا ويُحاول أن يستفزّهُ من أجل أن يقول فيه شيئًا يحمله على الغضب فليذكُر قول أمير المؤمنين:

"أيُّها الناس إنّه ليس بعاقلٍ من انزعج من قول الزور فيه، ولا بحكيمٍ من رضِيَ بثناء الجاهلِ عليه"

وكيف لا يكون ذلك والله سبحانه وتعالى ذَكَّرَ أولياءه وعبيده أنهم سيصنعون الأذى وأنهم سيُبتَلَون.

لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا ۚ وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَٰلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ﴿آل عمران 186﴾ 

لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ البلاء لا يُفارق المؤمن، فالحكيم العاقل الذي يُريد أن ينتفع بإيمانه هو الذي يرد جهل الجاهل باحتماله وبصبره وبصمته وبإعراضه وبتجاوزه، أمّا إن كان في هذه الدنيا فلا بُدّ له من أن يُبتلى، إذ يقول الله عز وجل في كتابه مُذكّرًا بذلك، فالعاقل الذي يُريد أن ينتفع عليه أن يتَحَلَّمَ، وعليه أن يكون فيه خُلُقٌ يُداري به الناس.

رسول الله  قال: "أُمرتُ بمُداراة الناس، كما أُمِرتُ بتبليغ الرسالة إلا في ترك حق".

المُداراة تعني مُلاطفة الناس، أن لا تُحدّثوا الناس إلا بما يقبلون، لا تُحدّثهم بما يُنكرون، "حدّثوا الناس أحسنَ ما يسمعون، لا تُحدّثونهم بما يُنكرون، أَتُحِبُّون أن يُكَذَّبَ الله ورسوله!".

من أراد أن ينتفع بإيمانه فليجتهد في حفظ هذه الخصال، أن يكون حليمًا يرُدُّ جهل الجاهل، وأن يكون صابرًا على الأذى، أن يكون كاظمًا للغيظ، أن يكون مُقترنًا بالصبر على من يُؤذيه حتى ينتصر الله عز وجل له.

نسأل الله لنا ولكم جميعًا أن يجعلنا وإياكم ممّن ينتفعون بإيمانهم.

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِ مُحَمَّدٍ صلاةً تقبل بها صلاتنا، وتُجيب بها دُعاءنا وتغفر بها ذَنبنا، وتمحو بها سيّئاتنا، وتُغني بها فقرنا، وتجبُر بها كسْرنا، إنّك على كُلّ شيء قدير.

عباد الله، إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴿النحل 90﴾ 

اللهم اجعلنا ممّن ذكّرته فتذكّر، وزجرته فانزجر، وأسمعته فسمع وبصّرته فأبصر.

أقول قوليَ هذا وأستغفر الله لي ولكم.