جواب السؤال الخامس (كتب وموسوعات - مؤلهة علي - ولاية بيروت - د. عبد الرحمن البدوي - المثقفين العلويين - الإثنى عشرية - الجنبلانية - الحلاج - التوحيد..)

أُضيف بتاريخ السبت, 06/11/2010 - 13:44
السؤال الخامس:

موسوعة الإسلام، موسوعة الأديان، موسوعات أجنبية أخرى بما في ذلك الموسوعة السوفياتية العظيمة كلها حكت عن العلويين النصيريين كمؤلهة لعلي بن أبي طالب ، أيضًا الشهرستاني والنوبختي على سبيل المثال قالا في النصيرية أقوالاً متشابهة وقريبة مما تقوله الموسوعات الأجنبية وغيرها من الكتب الحديثة.

من الكتب الحديثة العربية نجد (ولاية بيروت) الذي أفرد مؤلفه أكثر من مائة صفحة للحديث عن العلويين، كذلك كتاب صدر في الإمارات العربية عن تاريخ العلويين ومعتقداتهم، و(مذاهب إسلاميين) للدكتور عبد الرحمن البدوي كلها تتفق مع ما ذكرته المصادر الأجنبية والتراثية العربية.

كيف تفسر هذا التوافق التراثي العربي أم الأوروبي الغربي الحديث في النظرة العامة للعلويين، هل كانوا كلهم على خطأ، وكيف تدعم ذلك ؟

وإذا كانت تلك المقالات متجنية جاهلة وأنتم تقولون باثنى عشرية العلويين على الطريقة العلوية الجنبلانية، هل يمكن اعتبار مؤلهة علي غير مسلمين أو حتى أولئك الذين يقولون بأقنوم ناسوتي وأقنوم لاهوتي في علي أو أنه مظهر من مظاهر الألوهة.


مُلَخَّصُهُترديدٌ لما جاء في السؤال السابق، بحشد كل الموسوعات شرقيُّها وغربيُّها، والمراجع على اختلافها من قديمة وحديثة، لتوثيق وتأكيد ما جاء فيه.
تُداوِرُنا مُتناسِيًا أنك تتوجّه إلينا (المُثقفين العَلويين)، أيّ ضمنًا مِمَّن تحقُّ فيهم كلُّ التُّهم المُسَطّرة في هذه المراجع، فتأبى إلّا أن تنتزع مِنّا حُكمًا بعَدمِ إسلامهم على اعتبار إنهم (مؤلهة لعلي).!


جواب السؤال الخامس

تبدأ هذا السؤال بممارسة نوع من التهويل والإرهاب الفكري فتقول: (موسوعة الإسلام، موسوعة الأديان، موسوعات أجنبية، بما في ذلك الموسوعة السوفيتية العظيمة).

ولما هذا الإعظام؟

ألا تشعر بأنه أُحيط بنا من كل جانبٍ، وأنْ لا مَفَرَّ من إقرار ما قرّرت ثم تذكر (الشهرستاني والنوبختي والكتب المعاصرة من ألفها إلى يائها)! فأحكمتَ الحلقة في الزمان والمكان.

ولكن هوّن عليك، ولِمَا كُلّ هذا التهويل! فذلك لم يُخفنا، وجُلّ ما فعل أنه ذكرنا بالسيد (بانورج) إحدى شخصيات الكتاب الساخر (رابله) حينما أراد أن ينتقم لنفسه من تاجر خراف كان يُبحر معه مُصطحبًا خرافه، فاشترى منه خروفًا ورماه في البحر، فتدكدكت كل الخِراف وراءه..

وهكذا كُلُّ مراجعك وأسانيدك، فإنها تنقُلُ عن بعضها البعض، بدون تحرٍّ ولا تمحيصٍ، ولا سؤالٍ من أصحاب الشأن عمّا يقصدون أو يعنون.

وكأنك تُقِرُّني حين تقول بأنها كلها تقول أقوالاً متشابهة وقريبة مما تقول الأخرى!.

أما فيما يخصنا، فلا حاجة بنا لكثير بحث، لتفسير هذا التوافق، وكدت أخط النقل إذ المهم عندنا ليس ما يقول الناس، بل ما يقول أصحاب الشأن.


ثم تسأل (إن كانت هذه المقالات جاهلة فهل أنتم ممن يقولون بأثني عشرية العلويين على الطريقة الجنبلانية).
وجوابنا أن نسالك:
  • هل لكلمة (الأثني عشرية) التي تسأل عنها معنى في ذهنك؟
  • لأنه لو انتبهت لمعناها ما سألت!؟
  • وكيف كل المراجع التي بين يديك من أولها إلى آخرها تعترف لهم بذلك، والذي هو سياقة الوصاية والإمامة بعد النبي في الأئمة الإثني عشر من الإمام علي وحتى محمد بن الحسن وهذا اسم يُطلق تفريقًا لهم عن غيرهم من المُسَبّعَة كالإسماعيلية، أو المُخَمّسَة كالكيسانية، وغيرهم وغيرهم - فهل تلومنا على ما سبق لنا من شك بأنك مجرد حامل لهذه الأسئلة لا صاحبها ؟

قد تعترض علينا وتقول: وهل يصح هذا الجهل من واضعها؟

فنجيبك : بأن لا - لأنهم أوسع إطلاعًا من أن يفوتهم ذلك، ولكن ليدسوا كلمة (جنبلانية)  حتى يُحدثوا شرخًا في البُنية الأثني عشرية نفسها، ويفتحوا بابًا للتفريق، وسيذر قرن هذه المحاولة في أسئلة لك قادمة، فلنترك ذلك لحينه.


ثم تطرح سؤالك الأثير الذي هو قطب رحى أسئلتك فتقول: ( هل يمكن اعتبار مؤلهة علي غير مسلمين؟ )

وتُحكم الحَبكِة، وتسد كل الأبواب، فتردف، وحتى أولئك الذين يقولون بأقنوم ناسوتي وأقنوم لاهوتي في علي وأنه مظهر من مظاهر الألوهة.

وقبل أي جواب، نذكّرك بما قلناه من الغاية التي أُلِّفَتْ من أجلها (الباكورة) وهي:

  1. أولاً: نفي العلويين من الإسلام.
     
  2. وثانياً: إدخال القول عليهم بأقنوم ناسوتي ولاهوتي في علي، لتثبت صلتهم، بل بنوتهم للفكر المسيحي، مع كل ما يفتح ذلك من أبواب.
أما جوابنا عن ذلك فهو:

إنهم لا يقولون بأقنوم ناسوتي ولا لاهوتي، ولا بالأقانيم في الذات الإلهية، وإن تسرّب إلى بعض التعابير شيء يوهم ذلك بحكم الإستعارة أو التقليد أو قصور العبارة، فإنهم أوّل من يشجبون ذلك، بل إنّ سرّ وسبب خلافهم وبراءتهم من (الحلاج) كثرة التعابير التي توحي وتحتمل نوعًا من الحلول يُنكرونه أشد الإنكار.

وإنّ الإله عندهم جزء أصم، لا يتبعّض في عدد، ولا يتجسّد في جسد، فكيف يجوز أو يخطر لأحد أن يسأل إن كانوا يعبدون تارةً بشرًا وتارة كوكبًا؟!

ولقطعِ دابرِ كلّ ظن فيما يعبدون نُطَمْئِنُ أهل الغيرة عليهم بأنّهم والله لم تهن عليهم أرواحهم بعبادة هذا العلي ذي الأقنوم أو الأقانيم الذي تسأل عنه، ولا أيّ كوكب أو بشر أو مَدَر، وإن كل ما يورد عنهم من عبارات تُثير وهمًا عند مخالفيهم، فمردّ ذلك لأنّ هؤلاء يُعطونها مدلولاً غير الذي يَعنونه هم به، ولأنهم لا يسلكون سبيل المنطق الذي صاغ للعلويين بموجبه استعمالها، وعندها فليس الذنب ذنبهم، بل الأحرى أن يكون ذنب المُتوهّمين لِما هُم منه براء.

وهذا الذي تُسمّيهم به وتعدّه شيخهم (المكزون) يُجيبك عنا وهو يقف بين يدي ربه في أخص مواقف التهجد والعبادة :

مولاي برئنـــا إليك ممّن   عبدك محدودًا وعدّك معدودًا


ويتوجه إليه بهذا الحمد الذي قل نظيره صفاء ودقة:

الحمد لله الذي ليس لأزليته زوال، ولا لأبديته انتقال، ولا لأحديته ند، ولا لصمدانيته ضد،
العلي عما أدركته الأبصار والبصائر،
المنزّه عن صفات الأعراض والجواهر،
المتعالي عما وصفه به الواصفون،
الممتنع بعظمته عن إدراك الظنون،
العالم القادر بذاته،
الغني عن أسمائه وصفاته.

هذا هو إلههم، وهذا هو مُحكم قولهم فيه، وكلُّ قول آخر يَرِدُ عنهم يَجب أن يُرَدّ إلى هذا المُحك،م ولو أنّ النفوس تخلوا من الغرض لوُجد السبيل لتصحيح أقوالهم كما صُحح لغيرهم، ولِمَا لا يُصَحَّح لهم كما صَحَّحوا لمن قال: (ليس الجنة إلا الله وأنا أنت روحان حللنا بدنًا) وغيره الكثير، ولم يُنفوا من الإسلام، بل هم بأعلى مكان منه، ومَعدودون من أعلامه، وليس عند العلويين أغرب مما عندهم لا شكلاً ولا موضوعًا.

ألا تعرف يا أستاذ إنّ في المسيحية متصوفون طوِّبُو قديسين بعد أن كانوا موضع استرابة، لا بل حِرمان، وهنا بحثٌ طويلٌ عريضٌ ليس هنا مَجاله، ومع ذلك فإنّه بالإمكان إبداء ملاحظة مقتضبة تُغني عن التطويل وهي:

إنّه لمّا وَجَدَ ذلك مِمّا تشترك به كل الأديان أناسًا أرادوا أن يَعبدوا الله ويَعرفوه بالتفَكُّر، وذلك مِمّا نَدَبَ إليه الإمام بقوله: (لا عبادة كالتفكر).

أطْلَعَ الفِكر هؤلاء على آفاق جَروا عليها مَبلغَ طاقتهم من التصوُّر، فمنهم من سَما، ومنهم من أَسَفَّ، ومنهم بين بين، ولا يزالون مختلفين بمعرفته سبحانه، وسُبلهم إليه متعددة، كما يُلاحظ أحد العارفين قائلاً: (تعدُّدُ السبل إليه لتعدّد السالكين) وهذا حكمه فيهم مُذ قال: وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ ولا رادًّا لحكمه.