خـاتمة (لغة الإخاء والمحبة - الصهيونية - اليهودية..)

أُضيف بتاريخ السبت, 06/11/2010 - 13:44

خاتمة

وقبل أن نتتارك، تحملنا سجايانا أن نعود لأحلامنا، ولِلُغَةِ الإخاء والمَحبة، فنعتذر لك عن كل حَيرة نَدَت منا في الحوار، فإنها لم تَصْدُر عن إرادة، ولكنْ رَدّةُ فِعْلٍ مُنْعَكِس على تهجّمات ظالمة لا مُسوّغ لها، خصوصًا في مثل هذه الأيام، ولا حاجة لك بها، لما يبدو عندك من اطلاع على مؤلفات كثيرة تتحدث عمّا تسأل عنه، ويُمكنك إن ساءلتها مُخلصًا في طلبِ الحَق، أن تَهديك إليه، فتستغني عن كلّ هذه التساؤلات، أو تصبِح غيرَ ذاتِ مَوضوعٍ، وإني لآمل أنْ تُكونَ بما شرَعنا وأوضحنا وعَللنا مقنع بأنّه لا يُمكن أن تُبَرّرْ، سيما بما يتعلق بإسلامهم، فإنّ مُجَرّد اسمِهِم الدّال على من يَنتسبون إليه أوضح دلالةٍ على ذلك، من الضُحى رَأدُ الضُحى، فمَن يَطلب عليه دليلاً يصح لنا مخاطبته بقول شاعرهم:

طلب الدليل على الضحى رأد الضحى
يقضي بفقـد ضيــاء عيـن الطـــالب

ومِمّا يزيد في استهجان صيغة هذه التساؤلات الحالية التي نحن بها، والتي تجعلنا أحوج ما نحتاجه البحث عن القواسم المشتركة التي تؤلفنا لا إلى ما يُثير الأضغان، وصدّق إننا تساءلنا وباحثنا حول العلوية أناسٌ هَمُّهم مَعرفة ما عندها في أمهات المسائل، بدأً من فلسفة التكوين التي يتبنوها، إلى القول بتتابع النشآت، إلى تحديد دور العقل كآلة للإختبار، واستلزام ذلك للحرية بكل ما تحمل من شرف التكريم الذي خص الله به بني آدم، إلى معنى قولهم بعصمة الأنبياء، وكيفية اتصال العبد بخالقه، وفلسفة المعرفة وحدودها، والكثير مما يشمل كل معارف بني الإنسان..

فما ضقنا بهم ذرعًا، وكان لنا بفضل ما تزوّدنا به من الأئمة من إشاراتٍ وتلويحاتٍ ما يُطلِقُ اللسان بكلِّ بَيَانٍ ويُقدّمُ أوضحَ الحُلولِ وأَصْفى التَصَوّرات، يُريح المؤمِنَ مِنْ كُلّ ما ضَيّقَتْهُ الحرفيات، فما وجدت من تناقض بين العلم والإيمان، فلا القول بدوران الأرض يُفاجئنا، ولا الدورانية تُزعجنا، ولا غزو الكواكب يُقلقنا، ولا تَفاوتُ الزّمن مَنسوبًا للسُرعة، كما تقرّر النسبية الصرخة الأحدث للعلم ينقض شيئًا من عرفاننا.

نقول هذا بعد التأكيد على أننا أبعد الناس عن القول بنصرٍ لدينٍ بالعلم، بل جلّ ما نحن نختص به من شرَفٍ إنه كل ما اتسع وازداد تجريدًا كلما أهَّلنا لفهم تصوّر الحقائق الإلهية.

وإنّ هذه هي الميادين التي كنا ننتظر أن تجول بها، وأنت تُعلنُ توجّهك بالسؤال إلى المثقفين علويًّا والضالعين فيها. ولو فعلت لما سَمِعْتَ منّا إلا كل ترحيبٍ وبحثٍ هادئ رصينٍ لا يُنشد إلا العرفان الحق، وإنّ كلَّ استياءٍ بَدَرَ منّا فمَرَدّه أنَّا وجدناك تحصر همتك في التقاط كل الرواسب التي خلّفتها الخصومات ممّ تطعموها بالنظرات القاصرة عند من ينتسبون للعلوية، حتى خِفنا من كثر ما هَوّلت عليهم وحَشدت أن تنقدح في قلوبهم الشكوك حتى بأنفسهم!

وأسفنا لما تشغل نفسك به من أجواءِ نزاعاتٍ فاتَ أوانها، وظهر بُطلانها، واكتوينا بمَضارّها، بما لا مزيد عليه، لحَدّ إنا صِرْنا وإياك على خطر من أن تنذهل وتذهلنا في مواجهة المنعطف التاريخي الذي لم تعرف البشرية له سابقة، الذي يضعها على مفترق سُبُل، إما الدّمار الماحق أو الحياة الإنسانية المُثلى، حيث يصير الناس إخوانًا على سُرُرٍ مُتقابلين، كما تَعِدُ لُغَةُ الآمال مِمّا يُحَتّم علينا أنْ نُعيدَ النَظَرَ في الكثير من أساليب تفكيرنا ومناهج سلوكنا.

لقد دار الفلك دورات، وتغيّرت أشياء، فما لنا لا نُحِسُّ بما حولنا.

ولقد سرى في عروق البشرية نسغٌ جديدٌ، وَلَّدَ فيها شعورًا بوحدة مصدرها ووحدة مصيرها، مِمّا يجب أن يوحي لها بالإهتداء إلى نهج الخَلاص المُتمَثل بالتوحيد في العُبودية لله كلٌ بما يستطيع ذلك، غاية ما توصَّلت إليه عقول الحكماء، وأوحَت به رسالات السماء، وسَجَّلت المُحَمّديّة منها خاصة قرآناً يُتلى . تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ.

وإنّ في تباشيرِ خيرٍ ونُذُرِ شُؤمٍ من هذه التباشير تَصدّع للستار الحديدي الذي كان يُمَثّل أقصى مَشخص لانقسام البشريّة يَقِفُ عائقًا دون وحدتها.

ثم هذا الشعور المُتزايد بالحاجة للإتحاد لمواجهة أخطار المستقبل، الذي كان يُنسي أوروبا بكاملها عشرات الملايين القتلى التي لم تجف عليها الدموع.

وهذا التوجّس من الأخطار (البيئية) التي لا تؤثر شمالاً ولا جنوباً ولا شرقاً أو غرباً ربّما تتوَعّد هذه الثقوب (الأوزونية) للسلطة كسيف (ديموستن) فوق رؤوس الكل.

وأعظم وأهم من كل هذا بِشارة ما نشهده من سَرَيَان وتنامي روح التسامح على المستوى الوجداني حتى تُمَكّن وفدًا من عُلماء المسلمين أن يُصلّوا في كنيسة (الفاتيكان)، وكان عونهم في تحديد القبلة لهم هؤلاء الذين منهم لبضعة قرون خلت، كانت تتشكل محاكم التفتيش والتي أفرغت إسبانيا من المسلمين بقسوة عز مثيلها.

وأمّا نُذُرُ الشؤم فإنّها أيضًا، ويا للأسف، مُتراكمة مُظلمة، أهمّها هذه العقلية والنفسية التي تحصر كل جهدنا وتفكيرنا بتوليد المُفترقات، وتعزيز الخصائص الفرديّة، وتوطيد الإنقسامات.

ولم يَعرف تاريخ البشرية في كلّ أدواره فترة توحّدت فيها كلّ هذه الرَزايا والنقائِص تحت عنوان واحد كما توحّدت في أيّامنا الحاضرة بما يُسمّى بـ (الصهيونية) وما يَزيد من خطرها تموّهها باليهودية.

واليهودية الحَقة منها بُرَاء وهذه لا عداءَ معها قطعًا، ألم يُصرّح السيد المسيح بأنّه أتى ليُتِمّ الناموس لا لينقضه؟؟

والقرآن يأمُرُ أنْ نؤمّن بما أوتي موسى وعيسى، وأن لا نُفرّق بين أحدٍ من رُسُلِه، وما صِلَتُها باليهودية أن أصرّ على صِلة إلا كصِلة خلية توطّنَت عن نسيجٍ سليمٍ فتمايَزَت عنه واختصّت بسجايا الإستعلاء والتفرّد والإنعزال عن سائر البشرية، مُستمدة مُقوّماتها من روح الكِبر والأنانية عنصرًا كل الشرور، ومُتّخذة الفساد والإفساد وسيلةً مِمّا يكون أكبر عقبة تحوّل بين الإنسانية والتسامي والإخاء، ولئِنْ شَقِيَت بها الإنسانية بكاملها فإنّ قسط اليهودية من هذه الشقوَة بالمحل الأوفى.

وما ذكرى محارق هِتلر وغاراته ببَعيدةٍ، وإن وراءهم فلا يفرحوا بكرّتهم هذه، وعدٌ من الله ولن يُخلف الله وعده ببعثِ من يظهر وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا.

إنّ فتوحات العلم لتُطَمّعَنا أكثر وأكثر بانقضاء دولتها، ولكن ولن يكون الله معنا حتى نكون مع أنفسنا، ولن يُغيّر ما بنا حتى نُغيّر نحن، وقد آن لسادر أن يرعوي وأيّ للإرعواء أكبر من الخطوب ؟

وأنت يابن بيروت هل تعرف خطبًا أكبر من خطبنا ببيروت؟؟

هذه الدُرَّة في البُلدان حيث قضينا مآرب الشباب ونَهَلنا من مَعينها العرفان، كانت متنسّم ريح الحُرّية لأرواحنا، والسَدّ الذي نَعُدُّه لصَدّ أمواجِ كلّ عدوان، النداءُ الذي نعتَدُّهُ لنقارع به كل خصمٍ، ويا ليتَ لي شاعرية ابن الرومي لأبكيها أضعاف ما بكى به البصرة ممن أضاعها؟

أرجو أن تُصادق لي على هذا الرأي المتواضع الذي لا شأن للسياسة التي لا أُحسنها فيه، ولا للهوى المُضِلّ، بل حصيلة إعمال الفكر فيما نشاهد ونلمس من الأحداث ونلحظ من التصرفات.

لقد أضاعها جمودنا على العقلية والنفسية والفكرية التي ورثناها من آثار الحروب الصليبية، حيث كان البعض يُحاذر مستريبًا بأهلٍ وإخوانٍ وجيرانٍ، والآخر يَرقب أن تأتي حَملة صليبية تالية لنخلص بيت المقدس ممن يعدونهم الكفرة.

فليُحسن الظن مُسْتريبٌ، وليستفق غافلٌ من أوهَامه، قبل أنّ كل يضيع شيئًا على الكل، ففرسان المَعبد لن يأتوا هذه المَرّة (ولو تخايلت أساطيلهم قبالة الشواطئ) لسَببٍ بسيطٍ، وهو إنهم قد أتوا وحَطّوا رِحَالهم في أورشليم منذ 948 وقد باعوا سيوفهم لصهيون، لا حديدَ يصدأ بل قنابل ذريّة وسلاحُ دمارٍ شاملٍ، فهل تعيها أذن واعية.. والسلام.

* * *

يقول مؤلف كتاب (المسلمون العلويون بين مُفتريات الأقلام وجَوْر الحُكّام) فضيلة الشيخ حسين محمد المظلوم :

إلى هنا تنتهي أجوبة الدكتور علي سليمان الأحمد (رحمه الله) لمحرر جريدة الديار، فعسى أن تلقى آذان صاغية لمن يدور في خلده بعض التساؤلات عن العلويين، فإن فيها ما يُغني عن الكثير من المصادر والكتب.