نهاية الاستعمار العثماني وثورة الشيخ صالح عليهم..

أُضيف بتاريخ الخميس, 08/04/2021 - 03:05

نهاية الاستعمار العثماني وثورة الشيخ صالح عليهم..


كانت البلاد في تلك الأثناء ترزح تحت الحكم التركي العثماني، في عهد السلطان عبد الحميد الثاني 1876 – 1909 م – وكانت النوادي والجمعيات السرّية والعلنية، تعمل لعقد مؤتمر العرب في باريس 1913، الذي تمخّض بعد انعقاده، عن ضرورة إجراء إصلاحات سريعة في الدولة العثمانية، ومشاركة العرب في إدارة شؤون الدولة وإقامة إدارة لا مركزية في الأقاليم العربية، واعتبار اللغة العربية هي اللغة الرسمية.

ووعدت تركيا بتنفيذ قرارات المؤتمر، ثم أخلفت وعدها، وقبضت على زعماء هذا الإجتماع، فاقتنع العرب بأن جهادهم يجب أن يتّجه نحو الإنفصال عن تركيا، وإقامة دولة عربية مستقلة، خاصة وقد نجحت ثورة البلقان في التخلص من الحكم التركي وفشلت تركيا في الدفاع عن طرابلس الغرب ضد الإحتلال الإيطالي.

وفي عام 1914م، قامت الحرب العالمية الأولى، واشتركت فيها تركيا مع ألمانيا والنمسا ضد فرنسا وانكلترا وروسيا، فشجّع هؤلاء (الحسين بن علي) شريف مكة المكرمة، على أن يؤلب العرب ضد الحكم التركي، وفعلاً قامت الثورة في الحجاز، فأرسلت تركيا عليها واليًا شديد القسوة، وقد حاول الأتراك الإتحاديون عبثًا أن يتخلصوا من الشريف حسين لاتفاقه مع الإنكليز عن طريق ابنه عبد الله، على أن تكون الرياسة وراثية في بيته، وعلى أن يساعدوه إذا آزرهم العرب ضد العثمانيين، وفي نفس الوقت كان ابنه فيصل يتصل بالجمعيات العربية، لكي تقف بجانب تركيا، بعكس أخيه عبد الله الذي كان يرى أن الحرب هي وسيلة العرب الوحيدة للحصول على حريتهم، وقد اتفق زعماء الجمعيات مع الأمير فيصل، على مطالبة انكلترا باعترافها باستقلاق البلاد العربية، وإلغاء الإمتيازات، وعُقِدَ تحالف دفاعي بينها وبين الدولة العربية المستقلة، في مقابل منح بريطانيا الأفضلية في الشؤون الإقتصادية، وقدّموا له خريطة بحدود الدولة العربية. 1

ولما أرسل الشريف حسين هذه المطالب إلى مكماهون المندوب السامي البريطاني في مصر، رد عليه بموافقة حكومته على تولية خليفة عربي، ورفضهما استقلال البلاد العربية، فاعترض الحسين بأن هذا هو مطلب الشعب العربي كله، فوافقت انكلترا على ذلك باستثناء مرسين واسكندرونه، وتعهّدت باستقلال العرب وحمايتهم، مع احتفاظها بحماية مصالحها في بغداد والبصرة، حينئذٍ أعلن الشريف حسين الثورة على الأتراك، فشارك فيها عربٌ مسلمون ومسيحيون على مختلف البلاد العربية ضد الدولة العثمانية..

كان الشيخ في ذلك الحين يتململ غضبًا على طغيان الحكم العثماني، واستبداده، سيّما بعد قيام القائد العام العسكري في سوريا، الفريق أول جمال باشا، بحكم إرهابي اقترن بنفي عدد كبير من السوريين واللبنانيين، ممّن عُرفوا بقربهم إلى فرنسا أو بريطانيا، إلى الأناضول، وبإعدام نخبة من الرجال العاملين لأجل الإستقلال العربي، على أعواد المشانق في كل من دمشق وبيروت.

وكان يعيش معاناة الشعب من ضغط الأتراك، وتجنّيهم واحتقارهم لكل ما هو عربي، وتسلّطهم، ومحاولة التتريك التي يتّبعونها، وكاد ينفذ صبره لولا أنّه كان منشغلاً بتدبير أمور قومه بعد وفاة والده.

ومضت الأيام، إلى أن أتاه أحد الفلاحين من قرية (كاف الجاع)، وأخبره بأنّ دوريات الدرك الأتراك قد اقتحمت القرية، فلم يمرّ أفرادها على شيء إلا حطّموه، حتى أنهم انتهكوا حُرمات البيوت، فدخلوها وعبثوا بما احتوت من أثاث ومَتاع وما إلى ذلك.

غضب الشيخ عندما سمع بهذه الأخبار وهذه الأعمال، فتناول بندقيته وانطلق ومعه خادمه الأمين سليم شاويش إلى (كاف الجاع)، وما أن وصلا حتى هبّ جميع فلاحيها مستنجدين بالشيخ، شاكين له ما خرّب الأتراك من أرزاقهم وما نهبوه من بيوتهم وما اعتدوا عليه من حرماتهم.. فبلغ غضب الشيخ ذروته، ونفذ ما لديه من صبر، فلقّم بندقيته وأطلق النار على دورية من الدرك لم تكن قد غادرت بعد، فأردى ثلاثة من أفرادها قتلى بينما لاذ الباقون بالفرار، وأعاد المنهوبات التي نهبوها إلى أصحابها وغنِمَ ما لدى القتلى الثلاثة من سلاح وذخيرة.

قامت القوات التركية بالبحث عن الشيخ، وقررت اعتقاله ومحاكمته، لكن الشيخ امتنع واستعصى وفكّر مليًّا، فلم يجد بُدًّا من الإستعداد التام لمواجهة ما تحمل له الأيام من مفاجآت، فتوجّه إلى لبنان ثم التقى بـ (شكيب أرسلان)، وبعد ذلك اشترى الأسلحة والذخيرة التي تضمن للشيخ ومن التفّ حوله صد أي عدوان تركي مُقبل، وعاد إلى (الشيخ بدر) فترصّد من معقله جنود الأتراك وقوافلهم العابرة على طريق حماه - طرطوس (مرورًا بالشيخ بدر) .. وفي منتصف الطريق، وفي الموقع المعروف بـ (النويحة) الواقع على مسافة خمسة كيلو مترات من الجهة الشرقين من (الشيخ بدر)،، نشبت أول معركة بينه وبين رجال القوافل وحُماتها من الأتراك، حيث هاجمهم برجاله وتغلّب عليهم وهزمهم وغنم سلاحهم ومعداتهم وحمولة قافلتهم.

ولعلّ أكبر معركة بين ثوار الشيخ صالح العلي والأتراك، هي معركة (وادي العيون)، حيث تصدّى الثائرون لمجموعة كبيرة من الجند التركي، تعبر الجبال باتجاه الشمال مجهّزة بكل وسائل الدفاع وأنواع السلاح، فاشتبكوا معها ودارت معركة أسفرت عن مجزرة رهيبة، بلغ عدد القتلى من الأتراك ثمانين قتيلاً، وهرب الباقون، وغنِمَ الثوار كل سلاحهم وعِتادهم، وسقط من الثوار عدد من القتلى وفيهم بعض النساء، وظل الشيخ ورجاله، يتعقبون الجنود الأتراك ويُلاحقونهم، حتى اضطروهم إلى تحويل طريقهم عن منطقة الشيخ بدر - طرطوس، إلى حمص - طرطوس، وأصبحت المنطقة نظيفة من ظل جنودهم البغيض.

ومثلما لبّى الشيخ صالح العلي دعوة الشريف حسين، كذلك أقبل المجاهدون العرب من سوريا وغيرها، على دخول الحرب تحت راية الحسين، وأحرزوا بزعامة أنجاله انتصارًا على القوات العثمانية، حتى اقتربوا من دمشق، بينما كان الجيش البريطاني بعد احتلاله القدس وفلسطين يتقدم نحو بيروت ودمشق، فأصيب الجيش العثماني بشر هزيمة متراجعًا شمالاً وبغير انتظام، وأعلن قائده الأعلى في دمشق بتاريخ 27\9\1918 أمام المجلس البلدي جلاء الدولة العثمانية جيشًا وحكومةً، وقد تمّ الجلاء عن كامل سوريا إلى حلب فالأناضول في 30\10\1918.

وفور دخول الجيش العربي ومن خلفه القوات البريطانية بقيادة الجنرال اللنبي قائد الجيوش المتحالفة والضباط الفرنسيين، صدر بلاغ الجنرال اللنبي في صباح 5\10\1918، متضمنًا تقسيم سوريا إلى مناطق ثلاث: شرقية، غربية، جنوبية. ويرأس كلاً منها حاكم عسكري.

  • فكان الفريق رضا باشا الركابي على المنطقة الشرقية،
  • والكولونيل الفرنسي دي بيبياب على المنطقة الغربية،
  • بينما كانت المنطقة الجنوبية تحت احتلال القوات البريطانية.

كان هذا التقسيم متفقًا مع سابق الإتفاق المنعقد بين الحليفتين بريطانيا وفرنسا، المعروف بـ (اتفاقية سايكس بيكو 1916)، كما يتفق بدرجة أقل مع سابق وعود السفير البريطاني مكماهون إلى الشريف حسين أمير مكة المكرمة، بالإضافة إلى فكرة إحداث وطن قومي يهودي في فلسطين إتمامًا لوعد بلفور 2\تشرين الثاني\1917، وقد تأيّد هذا التقسيم فيما بعد باتفاق الحليفتين المشار إليهما في مجلس الحلفاء الأعلى، المُنعقد في سان ريمو 24\4\1920.

وفي بدء ذاك التقسيم أي في 5\10\1918 دخل دمشق الأمير فيصل فاستقبل استقبالاً شعبيًا وعسكريًا مُنقطع النظير، وأعلن فور وصوله باسم والده الحسين ملك الحجاز استقلال سوريا العربية، وثبّت حكومة الفريق الركابي المؤلفة من مديرين سوريين ولبنانيين، يساعدهم موظفون أكفّاء من جميع الأقطار العربية.

  • 1 (راجع: تاريخ الثورة العربية: تأليف أحمد سعيد).