تَعْريف الكتاب
الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ، وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى خَاتَمِ النَّبِيّينَ، وَآلِهِ وَأَصْحَابِهِ الطَّاهِرِينَ.
أَمَّا بَعْدُ: فَهَذَا الجُزءُ الأَوَّلُ مِنْ دِيوانِ الشَّاعِرِ الشَّيخ عَلِيّ أَحْمد كَتّوب، طَيَّبَ اللهُ ثَرَاهُ.
وَهُوَ أَوَّلُ حَبَّةٍ مِنْ حَبَّاتِ العِقْدِ الأَدَبِيِّ فِي هَذِهِ البِيئَةِ، بَدَأْتُهُ بِشِعْرِ شُيُوخِنَا وَمِنْهُم صَاحِبُ هَذَا الدِّيوَانِ؛ لِقِلَّةِ مَنْ وَلَجَ هَذَا البَابَ، فَوَفَّاهُ شَيئًا مِنْ حَقِّهِ، أَو نَظَرَ فِي خَصَائِصِهِ، أَو تَأَمَّلَ مَزَايَاهُ، أَو أَشَارَ إِلَى مَوَارِدِهِ وَمَصَادِرِهِ.
لَعَلِّي أُوَفِّي بِهِ قَلِيلاً مِنْ حَقِّهِم، وَإِنْ قَصَّرْتُ، وَأَدُلُّ عَلَى عَظِيمِ فَضْلِهِم وَإِنْ تَأَخَّرْتُ، وَقَدْ طَوَّقَتْ أَعْنَاقَنَا نِعَمُهُم، وَزَكَّتْ أَلْسِنَتَنَا حِكَمُهُم، عَلَى تَقْدِيمِ الإِقْرَارِ فِي هَذِهِ المُقَدِّمَةِ بِقِلَّةِ الحِيلَةِ فِي مَجَالِ الأَدَبِ وَضَعْفِ الوَسِيلَةِ فِي مِضْمَارِ البَيَانِ.
فَإِنْ جِئْتُهُ قَصِيرَ البَاعِ، وَدَخَلْتُهُ وَاهِنَ الذِّرَاعِ، فَإِنَّمَا الشَّفِيعُ حُسْنُ النِّيَّةِ وَنَزَاهَةُ القَصْدِ.
وَلَقَدْ أَغْنَى مَنْ وَصَفَ هَذِهِ الحَالَ، فَلَو تَمَثَّلْتُ لَوَفَّى قَولُ حَافظ إبراهيم:
رُبَّمَا كَانَ نَصِيبُ شُعَرَاءِ هَذِهِ البيئَةِ مِمَّنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ صِفَةُ الفَقِيهِ، وَلَمْ يَجْمَعْ بَينَ الشِّعْرِ وَالدِّينِ فِيمَا عُرِفَ مِنْ سِيرَتِهِ، أَفْضَلَ مِنْ نَصِيبِ مَنْ جَمَعَ بَينَهُمَا؛ لأَسْبَابٍ: مِنْهَا الرَّغْبَةُ فِي الشِّعْرِ الذّي لا يُلْمَحُ مِنْ صِفَةِ صَاحِبِهِ شَيءٌ يُقَيِّدُهُ بِمَنْهَجٍ يَتَّصِلُ بِمَا غَلَبَ عَلَيهِ كَغَيرِهِ مِمَّنْ يَغْلِبُ لَقَبُهُ الدِّيْنِيُّ عَلَى صِفَتِهِ الأَدَبِيَّةِ.
وَمِنْهَا: مَا اسْتَقَرَّ فِي أَذْهَانِ بَعْضِهِم مِنْ خُلُوِّ أَشْعَارِ الفُقَهَاءِ مِنَ العَاطِفَةِ، أَو قِلَّةِ الاهْتِمَامِ بِالشِّعْرِ وَفُنُونِهِ.
وَمِنْهَا: مَا صَدَرَ عَنْ بَعْضِ الفُقَهَاءِ مِنِ اسْتِصْغَارِ الشِّعْرِ أَو ازْدِرَاءِ فُنُونِهِ أَو الطَّعْنِ عَلَى مَنِ اشْتَغَلَ بِهِ.
وَمِنْ هَذَا البَابِ قَولُ القَاضِي البَلْبيسيّ:
أَو التَّفْرِيقِ بَينَ الشِّعْرِ وَالعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ، عَلَى أَنَّهُ لا يَدْخُلُ فِي بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ العِلْمِ، فَاحْتَجَّ بِهَذَا فِي تَعْلِيلِ إِقْلالِهِ مِنْهُ.
نَحْوَ قَولِ ابنِ الوردي:
وَعَلَى هَذَا الاعْتِقَادِ قَلَّ مَنْ وَقَفَ عَلَى أَدَبِ الفُقَهَاءِ، وُقُوفَ مَنْ حَسُنَ ظَنُّهُ بِمَا يَجِدُهُ فِي مَضَامِينِهِ مِنْ شَاعِرِيَّةٍ رَقِيقَةٍ أَو تَصْوِيرٍ جَيِّدٍ، فَحَكَمَ عَلَى بِنَائِهِ الفَنِّيِّ بِالرَّدَاءَةِ قَبْلَ أَنْ يَنْظُرَ فِيهِ، أَو اكْتَفَى بِمَا شَاعَ مِنْ تَضْعِيفِهِ فَأَعْرَضَ عَنْهُ إِعْرَاضَ المُتَيَقِّنِ بِخُلُوِّهِ مِنَ الفَائِدَةِ.
وَلَعَلَّ مِنْ أَسْبَابِ هَذَا مَا يُوهِمُ بِشَيءٍ مِمَّا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ، وَعَلَى اخْتِلافِ النَّظَرِ فِيهِ اخْتَلَفَ القَومُ فِي تَوْجِيهِهِ.
وَمِنْ هَذَا مَا وُصِفَ بِهِ الشُّعَرَاءُ فِي قَولِهِ تَعَالَى: وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ 224 أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ 225 وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ 226 إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ 227 [ سورة الشعراء ]
وَفِي تَوجِيهِهَا قَولُ الجُرْجَانِيّ فِي دَلائِل الإِعْجَاز:
(( وَأَمَّا التَّعَلُّقُ بِأَحْوَالِ الشُّعَرَاءِ بِأَنَّهُم قَدْ ذُمُّوا فِي كِتَابِ اللهِ تَعَالَى، فَمَا أَرَى عَاقِلاً يَرْضَى بِهِ أَنْ يَجْعَلَهُ حُجَّةً فِي ذَمِّ الشِّعْرِ وَتَهْجِينِهِ...)) 4
وَفِي كِتَابِ العُمْدَة أَنَّ الاحْتِجَاجَ بِهَذِهِ الآيَاتِ:
(( غَلَطٌ وَسُوءُ تَأَوُّلٍ؛ لأَنَّ المَقْصُودِينَ بِهَذَا النَّصِّ شُعَرَاءُ المُشْرِكِينَ الذّينَ تَنَاوَلُوا رَسُولَ اللهِ بِالهِجَاءِ وَمَسُّوهُ بِالأَذَى، فَأَمَّا مَنْ سِوَاهُم مِنَ المُؤمِنِينَ فَغَيرُ دَاخِلٍ فِي شَيءٍ مِنْ ذَلِكَ...)) 5
هَذَا عَلَى الإِيْجَازِ فِي هَذَا الشَّأْنِ، إِذْ لا يُرَادُ فِي هَذَا المَقَامِ الكَلامُ عَلَى الشِّعْرِ وَمَا فِيهِ مِنَ الرَّغْبَةِ وَالزُّهْدِ، وَإِنَّمَا المُرَادُ الإِشَارَةُ إِلَى شِعْرِ الفُقَهَاءِ فِي بِيئَةٍ مُعَيَّنَةٍ وَأَدَبٍ مُحَدَّدٍ.
عَلَى مَا فِي اسْتِعْمَالِ هَاتَينِ اللَّفْظَتَينِ مِنْ غُمُوضٍ، غَيرَ أَنَّهُمَا مِنَ الشَّائِعِ فِي مِثْلِ هَذَا المَقَامِ، أَنْ يُقَالَ: البِيئَةُ الاجْتِمَاعِيَّةُ وَالبِيئَةُ الجُغْرَافِيَّةُ فِي وَصْفِ الأَمْكِنَةِ وَالعَوَامِلِ التّي فِيهَا لِحَيَاةِ الكَائِنَاتِ، وَكَذَلِكَ اسْتِعْمَالُ كلِمَةِ الأَدَبِ فِي وَصْفِ الآثَارِ الفِكْرِيَّةِ فِي بَلَدٍ أَو لُغَةٍ.
فِي بِيئَةٍ جَمَعَ أَكْثَرُ فُقَهَائِهَا بَينَ الدِّينِ وَالشِّعْرِ، فَكَانَ الأَدَبُ عَلَى مَا يَظْهَرُ مِنْ آثَارِ شُيُوخِهَا، أَدَبَ العَاطِفَةِ، وَالوَطَنِ، وَالدِّينِ، وَالمَذْهَبِ.
أَدَبٌ تَلُوحُ فِي مَبَانِيهِ الإِنْسَانِيَّةُ غَايَةً، وَالعَاطِفَةُ فِطْرَةً، وَالدِّينُ رَحْمَةً، وَالوَطَنِيّةُ عَقِيدَةً.
أَدَبٌ كَانَ الشِّعْرُ فِيهِ رَفِيقَ العِلْمِ، وَقَرِينَ الحِكْمَةِ، نَشَأَ عَلَيهِ أَكْثَرُ أَعْلامِهَا وَمِنْهُم مَنْ تَرَبَّى فِي كَنَفِهِ، وَاغْتَذَى بِرَحِيقِهِ، وَتَنَقَّلَ فِي طُرُقِهِ، وَطَافَ فِي بَسَاتِينِهِ، وَحَلَّقَ فِي سَمَائِهِ.
فَكَانَ وَسِيلَتَهُ إِذَا ضَاقَ صَدْرُهُ بِالأَحَاسِيسِ، وَسِلاحَهُ الذّي يَذُودُ بِهِ عَنْ مَبَادِئِهِ، وَدِرْعَهُ التّي يَتَّقِي بِهَا سِهَامَ المُنْتَقِد، فَإِذَا نَسَبَ نَفْسَهُ إِلَى شَيءٍ أَحَبَّ أَنْ يُعْرَفَ بِهِ، اتَّخَذَ لَهَا لَقَبًا يُومِئُ إِلَى أَحَبِّ الأَشْيَاءِ إِلَى قَلْبِهِ وَأَكْرَمِهَا عَلَى نَفْسِهِ، عَلَى مَا ارْتَضَاهُ لِوَقْتِهِ وَكَانَ فِي ظِلالِهِ فِي زَمَنِ القَصِيدَةِ.
فَإِذَا وَقَفْتَ عَلَى لَقَبٍ فِي أَدَبٍ مَا، نَحْوَ قَولِ زكي قُنصل:
أَو قَولِ طانيوس عبده:
ثُمَّ نَظَرْتَ فِي أَدَبِ شُيُوخِنَا تَبَسَّمَ لَكَ ثَغْرُهُ عَنِ لَفْظٍ شَفِيفٍ، وَأَضَاءَ بَرْقُهُ عَنْ مَعْنىً لَطِيفٍ، وَتَنَفَّسَ صُبْحُهُ عَنْ مَقَامٍ شَرِيفٍ.
وَمِنْهُ قَولُ الشَّيخ عبد اللّطيف إِبراهِيم، رَحِمَهُ اللهُ:
كَأَنَّمَا تَجْرِي البَنَانُ مِنْ شَاعِرِ الزَّهْرَاءِ حَتَّى تَصِلَهُ بِرَوْضِ النُّبُوَّةِ، فَإِذَا شِعْرُهُ فِي نَوَاحِي مَكَّةَ وَعَلَى أَبْوَابِ يَثْرِبَ يَتَرَدَّدُ فِي أَنْغَامِهِ صَدَى الحَدِيثِ النَّبَوِيِّ الشَّرِيفِ: (( فَاطِمَةُ بَضْعَةٌ مِنِّي، فَمَنْ أَغْضَبَهَا أَغْضَبَنِي )) 9
وَكَانَ مِنْهُ قَولُ الشَّيخ مُحَمّد حمدان الخَيِّر، رَحِمَهُ اللهُ:
إِنَّهُ الشِّعْرُ الذّي أَطْرَبَ إِنْشَادُهُ الأَبْرَارَ عَلَى قِيثَارَةِ الكُمَيت الصَّادِحِ:
وَشَدَا عَلَى أَوتَارِ السَّيِّدِ الحِمْيَرِيِّ:
وَعَلَى هَذَا وَصَفَ الشَّيخُ الخَيِّرُ رِحْلَتَهُ:
حَتَّى بَلَغَ إِلَى مَدَارِسِ الآيَاتِ فِي تَرْنِيمِ دِعْبلَ، وَأَطَلَّ عَلَى مَهَابِطِ الوَحْي فِي خَوَاطِر مِهْيَار.
وَإِلَى هَذَا سَمَتْ هِمَّةُ الشَّيخ عَلي كتّوب، رَحِمَهُ اللهُ، فَأَثَارَ الوَلاءُ عَاطِفَتَهُ وَحَرَّكَ الحَنِينُ قَلَمَهُ، فَقَالَ مُقْتَفِيًا آثَارَهُم:
وَمَا زَالَ يَشُوقُهُ هَذَا الشُّعُورُ حَتَّى كَانَ مِنْهُ قَولُهُ للكُمَيت:
وَوُقُوفُهُ عَلَى ذِكْرَى السَّيِّدِ الحِمْيَرِيّ:
عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَقْتَصِرْ عَلَى لَونٍ وَاحِدٍ مِنْ أَلْوَانِ الشِّعْرِ، إِنَّمَا قَدَّمَ الأَكْرَمَ عَلَى الكَرِيمِ كَمَا يُقَدَّمُ الأَفْصَحُ عَلَى الفَصِيحِ، وَإِنْ كَانَ كِلاهُمَا كَرِيمًا فِي بَابِهِ، فَالشِّعْرُ ثِمَارُ العَوَاطِفِ، وَقَدْ تَتَفَاضَلُ العَوَاطِفُ فِي رِقَّتِهَا تَفَاضُلَ الثِّمَارِ فِي طِيبِهَا، وَإِنْ كَانَ الشَّجَرُ وَاحِدًا.
أَدَبٌ جَرَى فِي عُرُوقِهِ مَاءُ الشِّعْرِ فَأَزْهَرَ شَجَرُهُ، وَحَلا ثَمَرُهُ، فَأَخَذَتْ كُلُّ قَرِيحَةٍ مَا بَلَغَ خَيَالُهَا مِنْ مَجَالِهِ.
وَفِي تَعَدُّدِ أَبْوَابِهِ وَاخْتِلافِ حُقُوقِهِ، كَتَعَدُّدِ الأَغْصَانِ وَاخْتِلافِ الثِّمَار قَولُ الشّيخ حُسين سعّود، رَحِمَهُ اللهُ:
أََدَبٌ: الشِّعْرُ فِيهِ أوفَى مَنْ تُنَاشِدُ لِتُوقِظَ مَنْ غَفَا، وَأَكْرَمُ مَنْ تَسْتَدْعِي لِيَرِقَّ مَنْ قَسَا، وَأَلْطَفُ مَا تَجْلُو بِهِ صَدَأَ الفِطْرَةِ كَمَا تَجْلُو بِالاسْتِغْفَارِ رَانَ الذُّنُوبِ.
وَفِي هَذَا المَعْنَى قَول الشَّيخ مَحْمود سُليمان الخَطِيب، رَحِمَهُ اللهُ:
إِنَّهُم لِطُولِ صُحْبَتِهِ وَلَجُوا فِي أَسْرَارِهِ، وَتَغَلْغَلَتْ أَفْكَارُهُم فِي أَعْمَاقِهِ، لَمْ تُهَيَّأْ لَهُم المَدَارِسُ وَلَمْ تَتَأَتَّ لَهُمُ الجَامِعَاتُ، إِنَّمَا اتَّخَذُوا ظِلالَ الأَشْجَارِ مَقَاعِدَ وَافْتَرَشُوا أَثْوَابَهُم فِي فَيئِهَا مَعَاهِدَ، فَإِذَا ارْتَفَقُوا تَوَسَّدُوا أَيدِيَهُم.
لَمْ يَسْمَعُوا صَوتَ الجُرْجَانِيِّ فِي دَلائِلِهِ، وَلا شَرْحَ القَزْوينيّ فِي إِيْضَاحِهِ، وَلَمْ تُلْقَ إِلَيهم مَفَاتِيحُ السَّكَّاكِيِّ فِي مَغَالِيقِ العِلْمِ.
إِنَّمَا دَلَّهُمُ الذَّوقُ، وَقَادَتْهُمُ الفِطْرَةُ، وَهَدَتْهُمُ المُطَالَعَةُ، وَبَصَّرَهُمُ الاسْتِقْصَاءُ، فَإِذَا مَدَارِسُهُم فِي دِيَارِهِم وَإِذَا دُرُوسُهم عَلَى أَنْفُسِهِم، وَإِذَا هُم عَلَى مَنَابِرِ الأَدَبِ يَهْتِفُونَ بِمَنْ سَأَلَ: أَنَّى لَكُم؟؟؟
وَمِنْ رَجْعِ الجَوَابِ، قَولُ الشَّيخ مُحَمّد حسن شعبان، رَحِمَهُ اللهُ:
فَكَانَ لَهُم نَهْجُهُم فِي الأَدَبِ، وَطَرِيقُهُم فِي الشِّعْرِ، وَآرَاؤُهُم فِي شُعَبِهِ، وَسُبُلُهُم فِي قَوَافِيه، وَأَفْكَارُهُم فِي نَقْدِهِ.
فَمِنْ مِنْهَاجِهِم فِي جَدِيدِهِ وَقَدِيمِهِ، أَنَّ بَدْوِيَّهُ انْتَسَبَ إِلَى الحَضَرِ فَاسْتَبْدَلَ بِرِدَائِهِ رِدَاءً، وَأَنَّ رِيفِيَّهُ اسْتَشْرَفَ المَدِينَةَ، فَتَزَيَّا بِزِيِّ أَبْنَائِهَا، وَرَبُمَّا غَلَبَتْ رَائِحَةُ العِطْرِ رَائِحَةَ الجَسَدِ.
وَإِذَا وَقَعَ الطِّلاءُ عَلَى الطِّلاءِ، تَحَيَّرَتْ أَيُّ اللّونَينِ أَشَدُّ بَرِيقًا.
لَقَدْ عَزَّ الابْتِكَارُ لِكَثْرَةِ مَنْ سَبَقَ مِنَ الشُّعَرَاءِ، فَقَلَّمَا تَجِدُ مَنْ يَفْتَرِعُ أَبْكَارَ المَعَانِي، أَو يُصِيبُ لَطَائِفَ التّشْبِيهِ، أَو يَسْتَلُّ نَفَائِسَ الصُّورِ.
وَمِنْ هَذَا قَولُ الشَّيخ يعقوب الحسن، رَحِمَهُ اللهُ:
وَالشِّعْرُ فِي أَدَبِهِم مَا رَقَّ وَقْعُهُ وَلَطُفَ سَمْعُهُ، إِنَّهُ حَرَكَةُ العَاطِفَةِ فِي النَّفْسِ وَحَرَكَةُ الحَيَاةِ فِي الطَّبِيعَةِ.
وَمِنْ هَذَا قَولُ الشّيخ عيسى سعّود، رَحِمَهُ اللهُ:
لا يُوكَلُ إِلَى العَرُوضِ، إِنَّمَا يُوكَلُ إِلَى طَبِيعَةِ الإِنْسَانِ، فَكَمَا تَضْبُطُ الطَّبِيعَةُ حَفِيفَ الشَّجَرِ وَدَفْقَ المَاءِ، فَتَارَةً يَنْتَظِمُ وَتَارةً يَخْرُجُ عَنْ نِظَامِهِ، فَكَذَلِكَ يَضْبُطُ الشَّاعِرُ عَاطِفَتَهُ عَلَى إِيقَاعِ قَلْبِهِ، فَمَرَّةً تَنْقَادُ لَهُ وَأُخْرَى تَتَأَبَّى عَلَيهِ، إِنَّمَا الشُّعُورُ كَالبَحْرِ لا تَعْرِفُ مَتَى يَعْلُو مَوجُهُ وَمَتَى يَنْحَدِرُ.
وَمِنْ بَابِ الإِحَالَةِ عَلَى الطَّبْعِ، قَولُ ابن الوَردي:
إِنَّهُ يُؤَلِّفُ أَنْغَامَهُ عَلَى اهْتِزَازِ أَوتَارِ الطَّبِيعَةِ، إِلاَّ أَنَّ لِكُلٍّ مِنْهُمَا قَالَبًا، وَفِي هَذَا المَعْنَى قَولُ الشَّيخ عيسى سعّود:
وَعَلَى هَذَا التَّنَاغُمِ بِاتِّسَاقِ اللَّحْنَينِ فِي الطَّبِيعَةِ وَفِي النَّفْسِ، قَال الشَّيخ عَلي كتّوب:
وَفِي هَذِهِ المَدْرَسَةِ الإِلَهِيَّةِ، مَدْرَسَةِ الفِطْرَةِ، وُلِدَ أَدَبُهُم، العَاطِفَةُ مَهْدُهُ، وَالشُّعُورُ رَائِدُهُ.
فَإِذَا انْتُخِبَ اللَّفْظُ كَانَ الشِّعْرُ أَنِيقًا.
وَإِذَا نَاسَبَ الشُّعُورَ كَانَ المَعْنَى دَقِيقًا.
وَإِذَا أَجَادَ الشَّاعِرُ كَانَ الطَّبْعُ رَقِيقًا.
وَعَلَى هَذِهِ الحَالِ كَانَ قَولُ الشّيخ مُحَمّد يَاسين:
وَلا يُحِبُّ الإِنْسَانُ شَيئًا كَالذّي فُطِرَ عَلَيهِ، فَخَالَطَ دَمَهُ وَمَازَجَ طِبَاعَهُ، وَفِي هَذَا المَقَامِ قَولُ الشَّيخ مُحَمّد حمدان الخَيّر:
إِنَّهُ مَا أَثَارَ النَّفْسَ فَانْبَعَثَ فِي أَرْجَائِهَا وَتَفَرَّقَ فِي أَنْحَائِهَا وَتَلَهَّبَ فِي أَحْنَائِهَا حَتَّى يَنْفُخَ فِي الأَلْفَاظِ رُوحًا مِنْ إِحْسَاسِهِ وَحَرَكَةً مِنْ هَوَاجِسِهِ.
وَعَلَى هَذَا كَانَ قَولُ العَلاّمة الشَّيخ سُلَيمَان الأَحْمد، رَحِمَهُ اللهُ:
وَعَلَى وَحْيِ العَاطِفَةِ وَإِلْهَامِ الطَّبْعِ ، قَالَ الشَّيخ عَلي كَتّوب:
- 1ديوان حافظ إبراهيم 139، دار صادر\بيروت\ط1\1989م.
- 2مجد الدّين إسماعيل بن إبراهيم بن مُحمّد 729 ـ 802هـ ، شذرات الذهب في أخبار من ذهب 9\30، ابن العماد الحنبلي، عبد القادر الأرناؤوط، محمود الأرناؤوط، دار ابن كثير\دمشق\ط1\1986م.
إِنْبَاء الغُمْرِ بِأَنْبَاءِ العُمر 4\159، ابن حَجَر العسقلانيّ، د محمّد عبد المعيد خان، دار الكتب العلمية\بيروت\ط2\1986م. - 3ديوان ابن الوردي 219، تح: د. عبد الحميد هنداوي، دار الآفاق العربية\مصر\ط1\2006م.
- 4دلائل الإعجاز27، محمود محمّد شاكر، مكتبة الخانجي بالقاهرة\ط5\2004م.
- 5العُمْدة في نقد الشّعر وتمحيصه 22، ابن رشيق، د. عفيف نايف حاطوم، دار صادر\ بيروت\ ط1\2003م.
- 6( 1916 ـ 1994م ) زكي قنصل، الاعمال الشعرية الكاملة 2 ( على دروب الفداء ) عبد المقصود خوجه\جدّه\ط1\1995م.
- 7( 1864 ـ 1926م ) ديوان طانيوس عبده 31.
- 8( 1903 ـ 1995م ) التّراث الأدبي للعلاّمة الشّيخ عبد اللطيف إبراهيم 1\427.
- 9صحيح البخاري 3\35، (62) كتاب فَضائل الصّحابة، (29) باب مناقب فاطمة (ع) حديث\ 3767، دار إحياء التراث العربي \ لبنان. تح: محبّ الدّين الخطيب، محمّد فؤاد عبد الباقي، قصيّ محبّ الدّين الخطيب.
- 10( 1906 ـ 1978م ) ديوان الشّاعر الشيخ محمّد حمدان الخيّر 1\260.
- 11الرّوضة المُختارة، انتشارات الشريف الرضي\قم\ط1\1972م.
- 12ديوان السّيد الحميري 77، شرحه ضياء حسين الأعلمي، مؤسسة الأعلمي\بيروت\ط1\1999م.
- 13ديوان الشّاعر الشيخ محمّد حمدان الخيّر 1\288.
- 14قَصَائد متفرّقة، فِي رِثَاء الشّيخ محمود ميهوب.
- 15ديوان الخطيب 119، ط1\1996م.
- 16نفحات العرفان 189، دار كيوان\دمشق\ط1\2005م.
- 17( 1284 ـ 1348هـ ) مجلة النهضة 422 العدد التاسع\ آب سنة 1938م.
- 18( 1886 ـ 1964م ) قصائد متفرقة.
- 19ديوان ابن الوردي 241.
- 20قصائد متفرقة.
- 21مجلة النهضة 57، العدد الثاني، كانون الأوّل سنة 1938م.
- 22ديوان الشّاعر الشيخ محمّد حمدان الخيّر 1\114.
- 23( 1869 ـ 1942م ) الإمام الشيخ سُليمان الأحمد 173، د. علي سليمان الأحمد، دار الفرقد\ط2\2010م.
- 156 مشاهدة