وَحْيُ العَاطِفَة
إِنَّمَا الشَّاعِرُ يُمْلِي مَا يُمْلَى عَلَيهِ، إِذْ شَبَّهَ الشِّعْرَ بِالوَحْيِ، فَأَسْنَدَ النِّعْمَةَ فِيهِ إِلَى الوَاهِبِ، فَأَخْرَجَهُ بِذَلِكَ مِنَ الصِّنَاعَةِ إِلَى الطَّبعِ، وَمِنْ قُدْرَةِ الإِنْسَانِ إِلَى قُدْرَةِ المُلْهِمِ الخَارِجَةِ عَنْ سُلْطَانِ الشَّاعِرِ.
وَعَلَى هَذَا المَعْنَى، قَولُ الشَّيخ عليّ كتّوب:
إِنَّمَا تَخْتَلِفُ الأَلْفَاظُ فِي تَسْمِيَةِ هَذِهِ الحَالِ بَينَ: أَمْلَى، وَأَلْقَى، وَأَوحَى.
وَمِنْ ذَلِكَ قَولُ ظَافر الحدّاد:
وَفِي هَذَا المَعْنَى قَول الشَّاعِر أَحْمد الصَّافِي:
وَمِنْ هَذَا شُبِّهَتْ نَفْسُ الشَّاعِرِ بِزُجَاجَةِ المِصْبَاحِ التّي تَشِفُّ عَنِ النُّورِ، وَفَضْلُهَا رِقَّتُهَا كَأَنَّهَا البَِلَّورُ.
وَمِنْ لَطِيفِ التّعْبِيرِ عَنْ هَذَا المَقَامِ، قَولُ القَرَوِيِّ:
وَللشَّاعِر زكي قنصل فِي هَذَا المَعْنَى:
وَعَلَى هَذَا المَعْنَى قَالَ الشَّيخ عَلِيّ كتّوب:
وَعَلَى هَذَا فَإِنَّ أَجْمَلَ الشِّعْرِ مَا أَوحَتْهُ العَاطِفَةُ وَأَمْلاهُ الشُّعُورُ.
وَمِنْهُ قَولُ بَدوي الجبل:
وَذَلِكَ الوَحْيُ مَزِيّةُ الشِّعْرِ؛ فَهُوَ لا يَخْرُجُ قَسْرًا وَلا يُسْتَحْضَرُ عُنْوَةً، وَإِنَّمَا مَتَى تَحَرَّكَتِ العَوَاطِفُ وَتَوَهَّجَ الإِحْسَاسُ، كَانَ للشِّعْرِ مَا يُشْبِهُ البَرِيقَ فِي العُيُونِ.
وَمِنْهُ قَولُ الأُستاذ حَامد حَسن:
وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَانَ الشَّاعِرُ تَابِعًا مُنْقَادًا، وَفِي هَذَا قَولُ بَدوي الجَبَل:
أَنَا مُِلْكُ إِلْهَامِي فَلا أُبْدِي هُنَاكَ وَلا أُعِيدُ
مَا رُحْتُ أَحْكُمُ بِالقَصِيدِ وَرَاحَ يَحْكُمُنِي القَصِيدُ
وَالأَمْرُ مَا يَخْتَارُهُ هوَ سَيِّدٌ وَأَنَا المَسُودُ
وَأُرِيدُهُ فَيَفُوتُنِي وَيَزُورُ سَاعَةَ لا أُرِيدُ 7
وَكَمَا تَسْتَدْعِي حَرَارَةُ العَطَشِ رَشْفَةً إِثْرَ رَشْفَةٍ، فَكَذَلِكَ تَسْتَدْعِي العَاطِفَةُ أُخْتَهَا حَتَّى تَسْتَحْضِرَ اللَّفْظَةُ شَقِيقَتَهَا.
وَمِنْهُ قَولُ الأُسْتَاذ عليّ الجارم:
حَتَّى تَتَّخِذَ مِنَ الأَلْفَاظِ قَالَبًا، وَمِنَ الوَزْنِ رِدَاءً، كَأَنَّهَا تُنْقَلُ مِنْ طَورٍ إِلَى طَورٍ، كَالمَاءِ يَسِيلُ ثُمَّ يُجَمَّدُ وَالذَّهَبِ يُصْهرُ ثُمَّ يُسْبَكُ، فَإِذَا جَرَى عَلَى اللِّسَانِ فَكَأَنَّهُ صُبَّ فِي قَالَبٍ وَسُكِبَ فِي وِعَاءٍ، فَاسْتَقَرَّ وَتَمَثَّلَ للنَّاظِرِينَ جُمَلاً وَللسَّامِعِينَ نَغَمًا.
وَفِي هَذَا المَعْنَى، قَولُ الشَّيخ مُحَمّد حمدان الخَيّر:
وَفِي تَمَثُّلِهِ فِي الأَلْفَاظِ، قَولُ الشَّيخ عبد الحميد الصّغير:
وَخُضُوعُ الشَّاعِرِ لِلإِلْهَامِ حَتَّى يُذِيبَ عَاطِفَتَهُ لِيَسْكُبَهَا فِي قَوَالِبَ مِنَ الحُرُوفِ، مَذْهَبُ أَكْثَرِ الشُّعَرَاءِ.
وَفِي هَذَا جَاءَ قَولُ الشّيخ عَلي كتّوب:
وَقَولُهُ:
وَقَولُهُ:
فِي تَرْجَمَةِ كَلام أوشو عَلَى هَذَا المَقَامِ :
(( إِنَّ سُؤَالَ ( لِمَاذَا ) لا يَتَوَارَدُ إِلَى ذِهْنِ الشُّعَرَاءِ؛ لأَنَّهُم يَأْخُذُونَ الأُمُورَ كَمَا هِي، لايَدْخُلُونَ فِي مَاضِيهَا، وَلا يَذْهَبُونَ إِلَى الأَسْبَابِ الرَّئِيسَةِ لِوُجُودِهَا وَلا يَهْتَمّونَ بِنِهَايَتِهَا الأَخِيرَةِ، هَذِهِ اللّحْظَةُ: هِيَ كُلُّ شَيءٍ للشَّاعِرِ، فَهُوَ يَذُوبُ فِي (هُنَا) وَ (الآن) )) 11
وَقَدْ شَاعَ هَذَا التّعْبِيرُ فِي عَصْرِ الشَّيخ ، فَكَانَ الشِّعْرُ مَا نُظِمَ بِحَبَّاتِ القُلُوبِ وَدُمُوعِ العُيُونِ، كَأَنَّمَا يُسْكَبُ فِيهِ ذَوبُ الأَكْبَادِ وَعُصَارَةُ المُهَجِ.
وَفِي هَذَا المَعْنَى قَالَ الشَّاعِر البَرَدّونِي:
وَمِنْهُ قَول الجَواهرِيّ:
وَالشَّاعِر القَرَوِيّ:
وَللأُسْتاذ حامد حسن:
وَعَلَى تَقْيِيدِ الشِّعْرِ بِالبَاعِثِ الذّي هُوَ العَاطِفَةُ، وَصُدُوره مِنَ القَلْبِ تَرْجَمَة للشُّعُورِ الإِنْسَانِيِّ، كَانَ أَكْثَرُ شُيُوخِنَا فِي هَذِهِ البِيئَةِ الغَنِيَّةِ بِالأَدَبِ وَالأُدَبَاءِ.
وَفِي هَذَا المَعْنَى قَال الشَّيخ مَحمود سُليمان الخَطِيب:
فَالمِقْيَاسُ فِي جَودَةِ الشِّعْرِ صِدْقُ العَاطِفَةِ وَحَرَارَةُ الشُّعُورِ قَبْلَ سَلاسَةِ اللَّفْظِ وَأَنَاقَةِ الكَلِمَاتِ.
وَفِي هَذَا قَولُ الشَّيخ مُحَمّد حمدان الخَيّر:
- 1ديوان ظافر الحداد 34
- 2أشعة ملوّنة 166
- 3الشّاعر القروي، الأعمال الكاملة، 129
- 4زكي قنصل، الاعمال الشعرية الكاملة 2 ( 70 )
- 5ديوان بدوي الجبل 470
- 6الأعمال الشعرية الكاملة، ج1\مج1\ 391
- 7ديوان بدوي الجبل 152
- 8ديوان علي الجارم 148، دار الشروق\مصر\ط1\1986م
- 9ديوان الشّاعر الشيخ محمّد حمدان الخيّر 1\107
- 10( عبد الحَمِيد بن حُسَين بن عَلِيٍّ المَولود سَنَة 1338هـ ) شعراء الغريّ 5\353
- 11الثورة لعبة العقائد 122، ترجمة متيم الضايع، دار الحوار\اللاذقية\ط1\2013م
- 12ديوان عبد الله البردوني 1\188، دار العودة\بيروت\1986م
- 13ديوان الجواهري 1\492، وزارة الثقافة \دمشق\ 1979م
- 14الشّاعر القروي، الأعمال الكاملة، 179منشورات جروس برس\طرابلس
- 15الأعمال الشعرية الكاملة، ج1\مج1\ 333
- 16ديوان الخطيب 399
- 17ديوان الشّاعر الشيخ محمّد حمدان الخيّر 1\342
- 135 مشاهدة