سَكْرَةُ الشِّعْرِ أَو السَّكَرُ بِغَيرِ الخَمْرِ
اقْتَرَنَتْ هَذِهِ المُفْردَاتُ فِي شِعْرِ الشَّيخِ غَيرَ مَرَّةٍ فِي وَصْفِ الحَالَةِ الشِّعْرِيَّةِ وَأَثَرِ الشِّعْرِ فِي مَجَالِسِهِ الأَدَبِيَّةِ.
وَمِنْ ذَلِكَ قَولُهُ:
عَلَى هَذِهِ الحَالِ يَكُونُ الشَّاعِرُ حِينَ تَأْتِيهِ القَصيدَةُ، كُلَّمَا طَالَتْ مُدَّةُ زِيَارَتِهَا تَمَكَّنَتْ مِنْهُ حَتَّى مَلَكَتْ عَلَيهِ عَقْلَهُ.
وَمِنْ هَذَا شُبِّهَ الشِّعْرُ بِالخَمْرِ، فَكَمَا يَتَمَايَلُ الشَّارِبُ فِي سَكَرِهِ، فَكَذَلِكَ يَتَمَايَلُ الشَّاعِرُ لإِحْسَاسِهِ وَيَتَرَنَّحُ لِعَاطِفَتِهِ.
وَفِي هَذَا المَعْنَى قَولُ الأُستاذ عليّ الجارم:
وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا رَاقَ القُلُوبَ وَأَسَرَ النُّفُوسَ حَتَّى شَغَلَهَا عَنْ غَيرِهِ، كَانَ أَثَرُهُ فِي العَقْلِ كَأَثَرِ الخَمْر.
وَفِي أَلْوَانِهِ قَولُ بَدَوي الجَبل:
وَلَمْ يَذْهَبِ الشَّيخُ فِي قَولِهِ:
مَذْهَبَ مَنْ يَرُدُّ آيَةً أَو يَدْفَعُ حَدِيثًا، فَإِنَّهُ هُنَا فِي مَقَامِ الشَّاعِرِ، وَلَيسَ فِي مَقَامِ الفَقِيهِ، وَإِنَّمَا ذَهَبَ فِيهِ مَذْهَبَ مَنْ لا يَرَى سَكْرَةَ الخَمْرِ كَسَكْرَةِ الشِّعْرِ، وَلا يَقِيسُ نَشْوَةَ الرُّوحِ بِنَشْوَةِ الجَسَد.
وَلَقَدْ أَكْثَرَ الشُّعَرَاءُ فِي هَذَا المَعْنَى، وَمِنْ ذَلِكَ قَولُ ابنِ الزَّيَّاتِ:
فَلا يَعْتَدُّ بِغَيرِهِ وَلا يَأْبَهُ لِسِوَاهُ، وَتِلْكَ حَالَةُ مَنْ تَعَلَّقَتْ رُوحُهُ بِمَا صَبَتْ إِلَيهِ، فَشَغَلَهُ غِذَاءُ الرُّوحِ عَنْ غِذَاءِ الجَسَدِ، فَاسْتَرَاحَتْ بَصِيرَتُهُ إِلَى جَمَالِ المَعَانِي وَهَامَتْ نَفْسُهُ بِأَكْرَمِ المَشَاعِرِ وَأَنْقَاهَا.
وَلِذَلِكَ لَمْ يَقِسْ سَكْرَةَ الأَدَبِ بِسَكْرَةِ العِنَبِ، إِذِ اسْتَبْدَلَ نَشْوَةَ الكِتَابِ بِنَشْوَةِ الشَّرَاب.
وَمِنْهُ قَولُ الشَّيخ خليل اليازجي:
وَتِلْكَ سَكْرَةٌ يَغِيبُ فِيَهَا الإِنْسَانُ عَنْ عَقْلِهِ وَيَنْقَطِعُ عَمَّنْ حَولَهُ، فَتَزِيدُ رُوحَهُ نَشَاطًا وَقَلبَهُ عَطَاءً وَنَفْسَهُ سُمُوًّا، فَيَفِيضُ الشِّعْرُ مِنْ قَلبِهِ عَلَى لِسَانِهِ كَمَا يَفِيضُ الإِنَاءُ إِذَا امْتَلأَ وَيَسِيلُ النَّهْرُ إِذَا طَافَ.
وَمِنْ رَقِيقِ التّعْبِيرِ عَنْ هَذِهِ الحَالِ، قَولُ الأستاذ عبد الله يوركي حلاّق:
وَفِي دِيوَانِ الشَّيخ عَلِيّ كَتّوب، إِشَارَاتٌ إِلَى هَذِهِ الحَالِ فِي مَوَاضِعَ شَتَّى، الإِمْلاءُ فِي الحَالَةِ الشِّعْرِيَّةِ إِلَى دَرَجَةِ امْتِلاءِ القَلْبِ.
وَمِنْهَا قَولُهُ:
كَأَنَّ لَحْظَةَ الشِّعْرِ لَحْظَةُ غَيبُوبَةٍ، وَكَأَنَّ الشَّاعِرَ إِذَا قَرَأَ شِعْرَهُ كَانَ المُسْتَمِعُ مُنَادِمًا عَلَى خَمْرِ الكَلِمَةِ.
وَهَذَا التّشْبِيهُ شَائِعٌ فِي الأَدَبِ إِلَى مَا يُشْبِهُ دَرَجَةَ التَّوَاتُرِ فِي عِلْمِ الحَدِيثِ، وَمُسْتَفِيضٌ فِي أَدَبِ الفُقَهَاءِ وَالشُّعَرَاءِ فِي هَذِهِ البِيئَةِ.
وَمِنْهُ قَولُ الشَّيخ عَبد اللّطيف إِبْرَاهِيم فِي مُعَارَضَةِ مُعَلَّقَة عَمرو بنِ كُلْثوم:
وللشَّيخ مَحمود سُليمان الخطيب:
وَللشَّيخ مُحَمّد حسن شعبان:
وَللدكتور وجيه محي الدّين:
- 1ديوان علي الجارم 194.
- 2ديوان بدوي الجبل 309، مؤسسة النشر الإسلامي\قم\ط2\2000.
- 3ديوان محمّد بن عبد الملك الزّيات 198، د يحيى الجبور، دار البشير\الأردن\ط1\2002م.
- 4ديوان الشيخ خليل اليازجيّ 63، تح: شوقي حماده، دار صادر\بيروت\ط1\1999م.
- 5عصير الحرمان 14، عبد الله يوركي حلاق، وزارة الثقافة \دمشق\1990م.
- 6التراث الأدبي للعلاّمة الشيخ عبد اللطيف إبراهيم 1\374.
- 7ديوان الخطيب 177.
- 8نفحات العرفان 124، دار كيوان\دمشق\ط1\2005م.
- 9( 1908 ـ 1939م ) وجيه محي الدّين عنوان يقظة ووجه جيل 78، تح: أحمد علي حسن.
- 268 مشاهدة