مقدمة الكتاب

أُضيف بتاريخ الجمعة, 26/07/2024 - 01:06

مُقَدَِّمة الكِتَاب

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْم

الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِيْنَ، وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى خَاتَمِ النَّبِيِّيْنَ، وآلِهِ وَأَصْحَابِهِ الطَّاهِرِيْنَ. 

أَمَّا بَعْدُ: فَهَذَا كِتَابُ ((العَلَوِيُّونَ بَين مَجَاهِل التّأْلِيفِ وَمَعَالِمِ التَّصْنِيفِ)) وَهُوَ قِرَاءَةٌ فِي سِمَاتِ الفِكْرِ العَلَوِيِّ، مِنْ جِهَةِ عَرْضِ شَيءٍ مِنَ الأَفْكَارِ التّي تَتَّصِلُ بِصِحَّةِ المَفَاهِيمِ، لا مِنْ جِهَةِ تَأْرِيخِهَا الكُلِّيِّ، إِلاَّ قَلِيلاً أَلْجَأَ إِلَيهِ البَحْثُ؛ لِئَلاَّ أَدَّعِيَ الإِحَاطَةَ بِمَا لا أُطِيقُ، وَلا أُحَمِّلَ الكِتَابَ مَا يُخْرِجُهُ عَنْ وِجْهَتِهِ. 

فَإِذَا كَانَ الكِتَابُ يَدُلُّ عَلَى عَقْلِ كَاتِبِهِ، وَكَانَ اخْتِيَارُ العُنْوَانِ مُشْعِرًا بِقُدْرَةِ الكَاتِبِ عَلَى الإِيْمَاءِ إِلَى المَضْمُونِ، رَجَوتُ أَنْ يَكُونَ فِي اخْتِيَارِ هَذَا العُنْوَانِ مَا يَفِي بِالدِّلالَةِ عَلَى مَضَامِينِ الكِتَابِ.1  

المَجَاهِلُ: خِلافُ المَعَالِمِ، وَالمَجْهَلُ: (( الأَمْرُ، وَالأَرْضُ، وَالخَصْلَةُ، التّي تَحْمِلُ الإِنْسَانَ عَلَى الاعْتِقَادِ بِالشَّيءِ خِلافَ مَا هُوَ عَلَيهِ، وَالمَعْلَمُ: مَا جُعِلَ عَلامَةً وَعَلَمًا للطُّرُقِ وَالحُدُودِ)).2

فَلَسْتُ أَضَعُهُ فِي كُتُبِ تَارِيخِ الأَفْكَارِ، وَلا أُلْحِقُهُ بِمُؤَلَّفَاتِ تَصْنِيفِ الأَدْيَانِ، أَو تَطَوُّرِهَا أَو مُقَارَنَتِهَا، أَو تَعَدُّدِ الفِرَقِ وَالمَذَاهِبِ وَالمَدَارِسِ، أَو تَفْضِيلِ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ؛ فَقَدِ اجْتَزَأْتُ بِالإِلْمَاحِ إِلَى نَشْأَةِ المَدْرَسَةِ العَلَوِيَّةِ مِنْ جِهَةِ الثَّقَافَةِ غَيرَ مُؤَرِّخٍ لَهَا، إِذْ أَرَدْتُ الكَلامَ عَلَى صِلَتِهَا بِالفِكْرِ الإِنْسَانِيِّ مِنْ طَرِيقِ السَّرْدِ، تَوَصُّلاً إِلَى التَّنْبِيهِ عَلَى وَهْمِ النِّسْبَةِ وَظَنِّ الإِحَالَةِ وَخَطَأِ الإِسْنَادِ، عَلَى أَنَّ للنَّشْأَةِ التَّارِيخِيَّةِ وَمَعَالِمِ المَدْرَسَةِ العَلَوِيَّةِ مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ وَالمَذْهَبِ بَحْثًا مُفْرَدًا إِنْ شَاءَ اللهُ.

وَعَلَى هَذَا فَإِنَّ مَضْمُونَ الكِتَابِ، التَّنْبِيهُ عَلَى المَجَاهِلِ التّي أَوْهَمَتْ قَارِئَهَا خِلافَ الحَقِيقَةِ، وَالإِشَارَةُ إِلَى المَعَالِمِ التِّي مَيَّزَتْ بِالفَصْلِ بَينَ المُتَشَابِهِ مِنْهَا وَالمُحْكَمِ، فِي سَرْدٍ يَحْكُمُهُ تَقْدِيرُ مَا نَاسَبَ الاحْتِجَاجَ وَلاءَمَ النَّقْدَ، مُمَثِّلاً لِسَانَ الحَالِ تَمَثُّلاً بِقَولِ الشَّيخ سُلَيمَان أَحْمَد:

وَمَا افْتَخَرْتُ بِأَنِّي عَالِمٌ ثِقَةٌ***وَلا تَقِيٌّ بِفِقْهِ الدِّينِ مُجْتَهِدُ
إِنْ يُثْبِتِ العِلْمُ شَيئًا لا أُكَابِرُهُ***وَالدِّينُ مَنْهَلِيَ الأَحْلَى الّذِي أَرِدُ3

وَقَدِ اقْتَصَرْتُ فِيهِ عَلَى تَمْيِيزِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ شَوَاهِدِ الانْتِقَادِ عَلَى العَلَوِيِّينَ مِنْ طُرُقٍ شَتَّى، سَالِكًا فِي بَيَانِهِ مَسْلَكَ تَهْذِيبِ النَّقْد قَبْلَ تَصْوِيبهِ، وَتَوجِيهِ الدَّلِيلِ قَبْلَ تَقْرِيبِهِ، حَتَّى أَلِجَ بَابَهُ إِلَى مِهَادِ نَقْضِ الحُجَّةِ بِأَشْبَاهِهَا وَرَدِّ الاسْتِدْلالِ بِنَظَائِرِه. 

لَعَلَّ فِي إِجْمَالِهِ هَذَا إِشَارَةً إِلَى تَفَاصِيلِهِ، فَإِذَا عَزَّ عَلَيَّ اكْتِنَاهُ المَطْلَبِ أَمِلْتُ انْتِبَاهَ الطَّالِبِ، وَمَا تَوَعَّرَ فَأَبْلَغَ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا لانَ فَأَرْدَى، فَإِنَّ فِي مَشَقَّةِ البَحْثِ رَاحَةَ التَّخَفُّفِ مِنْ تَبِعَةٍ تَلْحَقُهَا ظُلامَةٌ تُقْتَضَى. فَمَا أَصَبْتُ فِيهِ مِنْ حَقِيقَةٍ، حَمِدْتُ اللهَ، وَمَا أَخْطَأْتُ فِيهِ تُبْتُ إِلَى اللهِ، فَإِنَّمَا هُوَ خَاطِرٌ لاحَ لِي، وَرَأْيٌ رَأَيتُهُ، وَتَوجِيهٌ اسْتَحْسَنْتُهُ؛ لا أَنُوبُ فِيهِ عَنْ أَحَدٍ قَارِئًا كَانَ أَمْ غَيرَ قَارِئٍ، وَلا أَسْلُبُهُ رَأْيَهُ وَلا أَمْنَعُهُ رَدَّهُ، فَإِنِّي -عَلَى الحَالَينِ- لا أُمَثِّلُ إِلاَّ نَفْسِي، وَلا أُعَبِّرُ إِلاَّ عَنْ رَأْيِي. 

إِنَّمَا هُوَ حَبَّةُ مِلْحٍ فِي مَاءٍ، عَلَى رِوَايَةٍ مُلَخَّصُهَا: أَنَّ شَابًّا يُدْعَى ((سريتاكيتو)) دَرَسَ الفيدا، اثْنَتَي عَشْرة سَنَةً. طَلَبَ مِنْهُ وَالِدُهُ ((أودالوكا)) أَنْ يَضَعَ قِطْعةَ مِلْحٍ فِي المَاء، ثُمَّ طَلَبَ مِنْهُ أَنْ يَفْصِلَ المِلْحَ عَنِ المَاءِ، فَأَجَابَهُ: هَذَا غَيرُ مُمْكِنٍ، فَقَالَ لَهُ وَالِدُهُ: اشْرَبْ مِنْ وَسَطِهِ وَمِنْ نِهَايَتِهِ، وَقُلْ مَاذَا يُشْبِهُ، فَقَالَ: إِنَّهُ مِلْحٌ، فَقَالَ لَهُ: ارْمِهِ بَعِيدًا، وَاقْتَرِبْ مِنِّي، فَفَعَلَ مَا أَمَرَهُ بِهِ وَالِدُهُ، وَلَكِنَّهُ لَمْ يَسْتَطِعْ مَنْعَ المِلْحِ مِنْ أَنْ يَظَلَّ مِلْحًا. فَقَالَ وَالِدُهُ: طِفْلِي العَزِيز، صَحِيحٌ أَنَّكَ لا تَسْتَطِيعُ أَنْ تُدْرِكَ وُجُودَ المِلْحِ هُنَا، لَكِنَّهُ مَوجُودٌ فِعْلاً هُنَا...4

غَيرَ أَنّي أَحْتَسِبُهُ عِنْدَ اللهِ  عَمَلاً صَالِحًا، وَعَسَى أَنْ يَكُونَ، فَذَلِكَ الغِنَى الذّي لا يَنْفَدُ، وَالأَجْرُ الّذِي لا يَزُولُ، وَالثَّوَابُ الّذِي لا يُفْقَدُ، عَلَى مَنْطِقِ البَاقِيَاتِ الصَّالِحَاتِ فِي الفِكْرِ العَلَوِيِّ، وَمِنْهُ قَولُ الشَّيخ حُسَين سَعّود ((1321ـ 1425هـ )): ((إِنَّ الأَعْمَالَ الصَّالِحَةَ هِيَ كُلُّ شَيءٍ، وَمَا سِوَاهَا فلا شَيءَ، إِذْ كُلُّ رِفْعَةٍ يَعْقُبُهَا سُقُوطٌ لا تُعَدُّ رِفْعَةً، وَكُلُّ لَذَّةٍ إِلَى انْقِطَاعٍ لا تُحْسَبُ لَذَّةً. وَإِنَّ الرِّفْعَةَ الخَالِدَةَ وَاللَّذَّةَ الدَّائِمَةَ لا تُنَالانِ إِلاَّ بِالعَمَلِ الصَّالِحِ وَالسَّيرِ عَلَى المِنْهَاجِ القَوِيمِ، وَعَلَى هَذَا فَيَكُونُ العَمَلُ الطَّيِّبُ هُوَ كُلَّ شَيءِ فِي هَذِهِ الحَيَاةِ، وَكُلَّ شَيءٍ فِي الآخِرَةِ..))5 .

وَالحَمْدُ للهِ القَائِلِ فِي كِتَابِهِ العَزِيز: مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا ۚ إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ۚ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ ۖ وَمَكْرُ أُولَٰئِكَ هُوَ يَبُورُ [ سورة فاطر 10].

كَاتِبُهُ
تَمَّام أَحْمَد

 

  • 1رُويَ عَنِ الإِمَام جَعفر الصَّادق (عليه السلام) : (( ثَلاثَةُ أَشْيَاءَ تَدُلُّ عَلَى عَقْلِ فَاعِلِهَا: الرَّسُولُ عَلَى قَدْرِ مَنْ أَرْسَلَهُ، وَالهَدِيَّةُ عَلَى قَدْرِ مُهْدِيهَا، وَالكِتَابُ عَلَى قَدْرِ كَاتِبِهِ)). يُنْظَرُ: كِتَاب تُحَفُ العُقُولِ، وَمِنْ مَحَاسِنِ الاخْتِيَارِ: ((مُطَابَقَةُ العُنْوَانِ للمَضْمُونِ)). يُنْظَرُ: كِتاب أصول كتابة البحث العلمي ص 84.
  • 2يُنْظَرُ: المفردات في غريب القرآن، وَلسان العرب.
  • 3كتاب الإمام الشيخ سليمان الأحمد ص 122.
  • 4حِكَايَة مِنَ الفيدا ( الأبانيشادز) بتصرّف من كتاب الله والإنسان للكاتبة البريطانية كارين آرمسترونغ، ص 43.
  • 5كتاب الإمام الشَّيخ سليمان أحمد ص 548، كلمته في التأبين.