كلمة الختام

أُضيف بتاريخ الثلاثاء, 12/10/2010 - 17:40

بقيتْ لي كلمةٌ أوَدُّ إلحاقها في هذا الكتاب، لتكون سلك النظام، ومسك الختـــام.

إعلم أيُّها القارئ الأديب، واللوذعيُّ الأريب، إنّ من الحق اليقين في آداب الدنيا والدين معرفة الإنسان نفسه، لتكون سبيله الظاهر إلى معرفة ربّه العزيز القادر، لقوله عليه وآله الصلاة والسلام ( أعرفكم بنفسه أعرفكم بربّه )، وليَعلم أنّ أمامه معادٌ وحِسابٌ، فليُحاسب المرءُ نفسهُ قبل أن تُحاسَبْ.
 فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ  الزلزلة\7-8.

ومع هذا فليعقِل لسانه إلا عن عِظة سالفة له أجرها وأجر من عمل بها، أو حِكمة بالغة يحمل عنه نشرها ويرفع قدره ذكرها، وأن لا تُقيم من حُدودِ التفرقة القوميّة أو المذهبية، بل فليكن موسويًا يَدين بدين موسى، ومسيحيًا يَدين بدين المسيح، ومُحمديًّا يَدين بدين محمد، فلتكن قوانين دينية مُلخّصة بالمحبة والوفاء لأهل الكتب السماوية (التوراة والإنجيل والزَبور والقرآن)، وليتخلص من كل تعصّب ديني، وليتجنّب الجدال في الدين بين الناس جميعًا، فإنّه لا يُفضي إلا عن تفرقة وبغضاء، ولا يُحقق قِسطَ حكمةٍ ولا سلامًا.

وليعلم أنّ الله عزّ وجل لم يجعل الدين للإنسان ليُفرّق بين الإنسان وأخيه الإنسان، ما لنا وللجدال في الدين، (الدين لله والوطن للجميع)، وهذا ما عنى به السيد الرسول  بقوله يوم حُجّة الوداع: (ألا إنّ ربّكم واحدٌ, لا فضل لعربيّ على أعجميّ، ولا لأعجميّ على عربيّ، ولا لأسود على أبيض، ولا لأبيض على أسود، إلا بالتقوى) 1 .

وعلاوة على ذلك أن يكون إنسانيَّ الأخلاق, يَدين بدين الإخلاص والإخاء الإنساني الذي هو الإحترام المُتبادل بين البشر جميعًا والأجناس جميعًا، حيث يَقرن في نفسه العواطف الأخوية بين الناس جميعًا، مع تطبيقاتها العملية، احترازًا من انعكاس العواطف الأخوية إلى الإحن والشرور ورد الإنسان إلى وحشيته الأولى، وليتجنّب ما يُستقبح من الكلام البذيء فإنّه يُنفّر عنه الكرام، ويُجسر عليه اللئام، وأن لا يُعادي أحدًا وإن علم أنه لا يضرّه، ولا يزهد بصداقته أحد وإن علم أنّه لا ينفعه، ولا يعتذر أحد إليه إلا قبِل عُذره وإن كان كذبًا، وليتلطف بالفقراء والضعفاء بقدر الطاقة والإمكان من أي مِلّة كانوا.

كُلنا أبناء الإنسان الأوّل، كلنا في مهد الإنسانية، كلنا نعيش من فيض الله تعالى. قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم:

( الخَلقُ كُلُّهُم عيالُ الله, وأحبّ خلق الله تعالى إليه أحسنهم صُنعاً إلى عياله ).

وأخذه الشاعر فقال:

والناس كلهم عيالُ الله, تحت ظلالهِ   فأحَبُّهُم طراً إليه, أَبَرُّهُم لعيَالِهِ

ومع هذا وذاك، أسأل الله عز وجل أن يجعل جهدي في هذا الكتاب خالصًا مُخلصًا لوجهه الكريم، وأن يقود شبابنا المُثقّف ونشأنا الجديد الفَتي الضامن إلى العِلم، راضخًا إلى التعليم، لعَلّهُ يصِل إلى ضالّته المنشودة إلى حياته العلمية والعملية، ومكانته في هذا الوجود، ليكون مُقدرًا دوره الإيجابي الذي يُحتَّمُ عليه أداؤه.

كما أنني، أسأل الله تعالى، أن يُسدّد خُطا أمّتنا العربية ودولتنا العَليّة، وأن يُحقق أهدافها وآمالها المناضلة في سبيل وحدتها وعزّتها وسيادتها في وطنها الكبير الغالي المُفَدّى، إنّه سميع الدعاء، عليمٌ بما شاء، وهو العلي العظيم.

وهذا آخر ما كتبته أناملي الداثرة، وترجَمَته فِكرتي القاصرة، في تأليف كتابي هذا، وكما أنّني لا أحكُمُ الحُكم المُبرَم بعدم ورود الخطأ والإعتساف فيما نقلته وألّفته، وأعترف أنني لم أبلغ الحد فيما كتبته وصنّفته، لأن وجود الفهم لا تنحصر فيما فهمتُ، وعِلمُ الله لا يتقيّد فيما علِمتُ.

فرجائي من القارئ اللبيب الأريب، من إخواني العارفين، غضّ النظر عمّا طاش به سهمي، وذلّت به قدمي، ويُعرض عمّا يَعرض فيه من ركيك نثري ونظمي. وإن دلّته إصابة الرأي السليم على خطأ عَثَرَ عليه، فليُنبهني إليه لأكون له من الشاكرين.
فإنّ لي في كتابي هذا عهدة ومراجعة إلى الإصلاح، فأعمل في نصيحته قصارى فكري، وأثقّف ما اعوجّ مما أوردته من مقالي ونثري.. فلينظر العلماء العاملون فيما علمته، وليتفكّر المُتفكرون فيما نقلته ودوّنته، فإن أصبت الغرض فأكون قد أدّيت الواجب المُفترض، وإن أخطأت الخطأ الجَلل فالإنسان محل النسيان والخطأ.

وأسأله تعالى أن يجعل كتابي هذا خالصًا لتمجيده وتوحيده، وعائدًا بالنفع العَميم على أبناء هذا الجيل، وهو خير مسؤول، وبه الحَوْل والطَوْل، وفوق كل ذي علمٍ عليم.

15 شعبان سنة 1390 هجرية 2 .

  • 1 قد يصف القرآن الكريم هذه المساواة وصفاً رائعاً في عدّة آياتٍ منها قوله تعالى في سورة الحجرات آية 13 : ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ ﴾ إلى قوله ﴿ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾ .
    ويقول النبي ص وآله: ( الناس سواسية كأسنان المِشط ).
  • 2الموافق 1970/10/15 ميلادي