الانسان مُخيّر أم مسير؟ [وفي المنهاج العلوي: لا جبرٌ ولا تفويضٌ بل منزلةٌ بين منزلتين..]

أُضيف بتاريخ الأثنين, 13/06/2011 - 15:12

المرسل: zaynab \حزيران\05\2011م

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تحية طيبة وبعد لكم سيدي الفاضل الشيخ حسين محمد المظلوم
خلق الإنسان وخلق الله تعالى معه الآلات (من عقل ونفس ويد ...الخ) وخلق فيها القوة لفعل الاشياء ولم ينهَ عن شيء إلا وخلق للانسان السُبُل لتركه ..والسؤال هنا
هل الانسان مُخيّر في أفعاله التي يفعلها أم مُسيّر سواء الأفعال الحميدة أو الافعال الفاسدة؟
وإذا كان مخيراً في كل أفعاله فأين دور المشيئة و الارادة الإلهية في تفاصيل حياته حينئذ؟
وشكراً لكم سيدي الشيخ ودمتم منارة للعلويين والعلويات نقتبس من نور علمكم العلم والمعرفة 1
الجـواب

بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على محمد وآله

الأخت المحترمة زينب تحية طيبة وبعد:

  الإنسان مُخيرٌ في أفعاله خيرها وشرها وليس مجبوراً أو مُكرها أو مُسيّراً، ولو كان ذلك لما استحق ثواباً على عملٍ صالحٍ، ولا جاز معاقبتُهُ على عملٍ طالحٍ.

  وما يوضح هذه القضية قول مولانا أمير المؤمنين عليه السلام: [إن الله أمر تخييراً ونهى تحذيراً].

  فقد أمر العبد بالصالحات تخييراً لا تسييراً ولا جبراً، فإن فعلها مُتيقناً استحق الثواب لتلبيته أوامر الله، وإن أبى استحق العقاب لمخالفته ما أُمِر به، وهذه المُخالفة ليست غلبةً للإرادة الإلهية بل مُخالفة لها، لأن الغلبة لا تكون إلا في حالة مُغالبة الجبر، وليس ثمّة جَبرٍ في الأمر بل تخييراً، والتخيير يكون بين أمرين: فِعلٌ أو تَركٌ.

  وحين نهى الله العبد فقد نهاه تحذيراً من مغبّة الإقدام المُؤدّي إلى السخط، ولم يكن ذلك النهي منعاً.

  فالإستطاعة المَمنوحة للعبد من نِعَم الخالق، فمن استعملها في طاعة الله فقد فاز ونجا، ومن استعملها في معصيتِهِ فهو من الهالكين.

  فالله سبحانه وتعالى قادرٌ على جبر العباد على فِعل الخير ولكن ذلك لا يَستقيم مع العدل الإلهي، لأنّ العبد المجبور على فعلٍ لا يستحق الثناء عليه لأنّ الفاعل في الحقيقة هو الله وليس العبد الذي لو أُخليَ بينه وبين ما يُريد لفعل عكس ذلك.

  فالله يُريد لعباده الخير، وهذه الإرادة في هذا الخصوص ليست إرادة منعٍ أو دفعٍ، بل هي إرادة لُطفٍ ورحمةٍ.

  فهذه القضية تندرج في أصول الدين وتحديداً في الأصل الثاني وهو العدل الإلهي، وفي منهاجنا: لا جبرٌ ولا تفويضٌ بل منزلةٌ بين منزلتين أبانَ عنها رسول الله صلى الله عليه وآله بقوله:
[إنّ الله لا يُطاع جَبراً، ولا يُعصى مغلوباً، ولم يُهمل العِباد من المملكة، ولكنه القادر على ما أقدرهم عليه، والمالك لما مَلّكهم إياه، فإنّ العباد إن ائتمروا بطاعة الله لم يكن منها مانعٌ ولا عنها صادٍ وإن عملوا بمعصيته فشاء أن يحول بينهم وبينها فَعَل، وليس من إن شاء أن يَحول بينه وبين شي‏ء فعل ولم يفعله فأتاه الذي فعله كان هو الذي أدخله فيه].

  وبالنتيجة فالعبد مُخيّر في أفعاله خيرها وشرها، والاستطاعة موهوبة من الله للتمكن من ذلك، والإرادة الإلهية هي إرادةُ لُطفٍ ورحمةٍ وليست منعٍ أو دفعٍ، والتسيير يكون في حالاتٍ خاصةٍ وأوقاتٍ مُحدّدةٍ ولعباد مُتقين أخلصوا لله في أقوالهم وأفعالهم فيَحول الله بينهم وبين فِعلِ مَكروهٍ رَحمةً بِهم ولِمَا استحقوه بسبب إخلاصهم والله أعلم.

والحمد لله رب العالمين

حسين محمد المظلوم
8\6\2011